صدر عن دار المنارة للنشر و التوزيع سنة 2002، كتاب بعنوان "الشباب و التغير الاجتماعي: الأسرة، السياسة والدين" للمؤلف المختار شفيق؛ وهو باحث مغربي متخصص في علم الاجتماع. وجاء هذا العمل في حجم 105 صفحة. هذا الكتاب هو في الأصل دراسة ميدانية أنجزها حول التغيرات الاجتماعية التي عرفتها الأسرة و مواقف فئة الشباب حول السياسة و الدين و الأسرة.
استند المؤلف في الفصل الأول، على إبراز التحولات الاجتماعية للأسرة المغربية، وذلك من خلال أربعة مداخل كبرى؛ أولها " انفجار الأسرة الممتدة "، يوضح فيه بنية النظام الأسري التقليدي، الذي يقوم على سلطة الأب ( يعني أن السلطة في هذا النموذج قائمة على بعد هرمي، و ذلك وفق متغيرات السن و الجنس)، ثم الاقتصاد العائلي ( الملكية الجماعية) وكيفية الانتقال إلى النموذج الأسري النووي، الناتج عن ظهور اقتصاد السوق، الذي أفرز عنه العمل المأجور و توسع مجال التعامل النقدي، بالإضافة إلى خروج المرأة للعمل[1].
أما المدخل الثاني فيكمن في " النخبة المثقفة"، إذ تعد مؤسسة المدرسة من أهم المؤسسات المؤثرة في بنيات المجتمع، و بقدر هذه الأهمية تساهم في تنشئة الأفراد إما عن طريق تعزيزها للبنيات المتواجدة أو العمل على زعزعتها وخلق الخلل فيها، وبناءا على هذا فالمدرسة تساهم "في إعادة تخطيط الجغرافيا الثقافية للعالم القروي، من خلال زعزعتها للرتابة المعتادة و مسها بالتوافق الثقافي القائم، إذ تعمل على خلق تراتبية جديدة وبمعايير جديدة، فعوضا عن معايير السن والحكمة والجاه والنسب، ستولد معايير " الثقافة" و"الوعي" كما تسميها الأجيال الجديدة، ولن تتعدى التراتبية الجديدة إذن فئتين: فئة المثقفين الواعين، و فئة الأميين، المحافظين، " المتخلفين" أحيانا، أو " أين الزمان""[2].
في حين أن المدخل الثالث ركز فيه الباحث على " موت الأب" في صيغة مجازية، وكيف أن وسائل الإعلام عملت على خلق هوة بين "مجتمع الكبار ومجتمع الشباب"، بل لم تكتفي هذه الوسائل بهذا، وإنما تجاوزته إلى حد أنها قامت ببناء نموذج ثقافي اجتماعي لأدوار الأفراد، مخالفة بشكل تدريجي للبناء التراتبي في الأسرة الممتدة.
أما المدخل الثالث فيتجلى في " الفردانية الناشئة"، فاستنادا إلى هذه المتغيرات المطروحة أعلاه، بدأت بذرة الفردانية تتجدر في المجتمعات المغربية، وترفض كل هيمنة أسرية، وذلك وفق ثلاث مستويات: أولها اختيار الشريك؛ أي تجاوز الزواج الداخلي السائد كنموذج اجتماعي، ثانيا الحياة العملية والدراسية التي يبرر رفض الشباب للاختيارات الأبوية وإعطاء فرصة لميولاتهم ومؤهلاتهم في اتخاذ القرار الصائب الخاص بهم، ثالثا مجتمع الشباب الذي جاء كنتيجة لبروز النزعة الفردانية وتراجع السلطة الأبوية.
الفصل الثاني " الشباب والسياسة: ثقافة الشباب وثقافة الانتظار"، ركز فيه الباحث بشكل رئيسي على أربع نقاط أساسية؛ الأولى تتجلى في رفض الشباب لمفهوم الوصاية السياسية و هذا راجع في اعتقاده إلى فقدان هذه الفئة الثقة في الفاعل السياسي والمؤسسات السياسية، بالإضافة إلى رفضهم "عملية نقل الأنماط تكوين الهوية بين الأجيال، ما دام أن الشباب لا يعودون إلى النموذج الموروث و لا يخضعون للتقيد" [3]. علاوة على عامل البطالة الذي يفجر الجسم الشبابي، ويجعله خارج الحياة الاجتماعية الإنتاجية. لكن هذا لا يعني مقاطعتهم الكلية للفعل السياسي، و إنما حملهم النزعة التشكيكية في المؤسسات الوطنية و المحلية.
أما النقطة الثانية فتبرز في العلاقة التي تحكم الشباب بالسياسة، باعتبارها علاقة متذبذبة تحكمها جملة من التصورات والتمثلات الاجتماعية السلبية، كنموذج أن فعل السياسة حكر على الطبقات العليا، التي تمتلك سلطة الثقافة و المال، وأن الطبقة السياسية هي منبع الشر. وهذا ما يعبر عنه " لعبة و تلاعب، "طمع"، "مصيدات"..."[4]. مجمل هذا أدى إلى بزوغ تيار احتجاجي إسلامي، يهاجم رموز الدولة ويدافع عن حقوق المهمشين، مرتكزين على قاعدة شبابية بامتياز(متمثلة بالخصوص في حركة جماعة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني).
ثالثا، رفض فكرة اللاتسيس، إذ ينطلق الباحث من دراسة ميدانية للمجتمع المغربي-القروي، موضحا على إثرها أن الشباب المغربي لا يمكن ان نسقط عليها فكرة اللاتسيس لكونه ملم بأهم الشخصيات في السياسية؛ عالميا، وطنيا، محليا. لكن المعيق الرئيسي لعدم ولوج هذه الفئة إلى حقل السياسة، أنه "لازال يجد نفسه بعيدا عن ركب المؤسسات الحديثة التي تساهم في العالم الحضري على الخصوص في سيرورة التربية إلى جانب الأسرة والمدرسة، الإعلام بشتى أنواعه، و منظمات المجتمع المدني الناشئ"[5]. مع الأخذ بعين الاعتبار متغير السن والجنس و العلاقة ما بينهما – الحقل السياسي و الشباب-.
في حين أن المدخل الرابع اهتم فيه بتراجع الموروث السياسي، الذي جاء كرفض شريحة الشباب لقواعد الموروث السياسي، المتمثلة في النزعة الجهوية والزبونية، والشيوخقراطية* والليونة في الانتماء السياسي، ليتم تعويضها بالنزعة الوطنية التي تخدم بالصالح العام، و فرض مكانة الشباب داخل الحقل السياسي، و كونهم قادرين على بلورة مشاريع سياسية و تحمل المسؤولية إلى جانب الترافع عن قضية المرأة.
أما الفصل الثالث الموسوم بــ " الثقافة الدينية عند الشباب القروي"، ركز فيه على مواقف الشباب المتمدرس حول الممارسات الدينية، وبشكل خاص سلط الضوء على زاوية سيدي رحال*. باعتبارها ذات وازع ديني محض، له جذوره بالمنطقة المدروسة، إذ عبر فئة الشباب على " أن %85.62 منهم يؤدون الصلاة، بينما يواضب على صوم رمضان %97.90 منهم، يتأكد ذلك من خلال تأكيد %62.11 من أفراد العينة بأنهم يؤدون الصلاة دائما، بينما %21.05 يؤذونها أحيانا"[6]، ومنه يمكن استنتاج أن معظم الشباب يقرون بأنهم متدينين إلى حد المحافظة من جهة، كما يمكن قراءة هذه المعطيات الميدانية وفق مقاربة النوع، " إذ أن %20 من الذكور يتركون الصلاة في مقابل %3.33 فقط من الإناث"[7] من جهة ثانية. بالإضافة إلى رفض شباب المنطقة لكل من قيمتي البركة والشرف، واعتبارهما قيم لا تنتمي إلى الدين الإسلامي المحض – صراع الدين الشعبي الذي تمثله فئة الكبار و الدين الأرثوذوكسي الذي تمثله فئة الشباب – و هذا راجع بالضرورة إلى قيمة التمدرس لدى هذه الفئة. إلى جانب هذا تم رفض كذلك كل من حزب الشيخ والحضرة والطوفة، وحج الفقراء كممارسات دينية شعبية في الوسط المجتمع الرحالي، من طرف هذه الفئة المتمدرسة. إذ أن هذه الطقوس على حد موقفهم ما هي إلا بدعة لا تستحق الاحترام، ويعبر عن هذه التمثلات بناءا على هذا الجدول الميداني
( تمثلات الشباب للطقوس الرحالية : الحضرة، حزب الشيخ، الطوفة...)
التمثلاث |
العدد |
النسبة % |
أمور تستوجب الاحترام |
4 |
4.21 |
أمور مرفوضة |
20 |
21.05 |
أشياء يجب تغييرها |
14 |
14.74 |
إرث للآباء يجب تركه جانبا |
13 |
13.68 |
أمور لا يجب المشاركة فيها |
26 |
27.37 |
آخر |
18 |
18.95 |
المجموع |
95 |
100 |
وأخير، يمكن القول بأن هذه الدينامية التي يخضع لها المغرب في كل من الأسرة، الدين، السياسية، و موقف الشباب المغربي منها عامة و القروي خاصة، ما هي إلا نتاج بزوغ هلال مجتمع شبابي يطمح لكسب الشرعية والاعتراف الاجتماعي، مستندا في ذلك إلى إستراتيجيات التغير الاجتماعي من الداخل والخارج على حد سواء، كالتغير على مستوى بنية العائلية من التقليدية الممتدة إلى الأسرة النووية، مع تعزيز النزعة الفردانية و نمط اقتصاد السوق مقابل اقتصاد العائلة، علاوة على توسيع نطاق التمدرس و الوعي النقدي تجاه كل من الممارسة الدينية – الزاوية نموذجا- و الممارسة السياسية – الأحزاب السياسية-، والدفاع عن قيم المساواة والحرية والديمقراطية من منظور إسلامي.
[1] المختار شفيق، الشباب والتغير الاجتماعي: الأسرة،السياسة والدين، المنارة للنشر والتوزيع، 2002، ص 16.
[2] نفس المرجع، ص21.
[3] نفس المرجع، ص 41.
[4] نفس المرجع، ص 50.
[5] نفس المرجع، ص 60.
* مفهوم للمفكر المغربي المهدي المنجرة، يفيد نماذج الشخصيات التي عمرت مناصب معينة مدة طويلة، ولا ترغب في تجديد معارفها وتفكيرها.
* زاوية سيدي رحال البودالي، تقع ببلدية سيدي رحال، بدائرة العطاوية التابعة لإقليم قلعة السراغنة بالمغرب.
[6] المختار شفيق، الشباب والتغير الاجتماعي: الأسرة،السياسة والدين، المنارة للنشر والتوزيع، 2002، ص 78.
[7] نفس المرجع، ص 78.