عمال الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 1967 يستقبلون الأول من أيار هذا العام بالمرارة والاحباط والغضب في ضوء الظروف المعيشية القاسية ، التي يواجهونها . فمن جهة يواجه هؤلاء العمال عمليات قمع واهانات يومية وعمليات مداهمة واعتقال من قوات الاحتلال واعمال استغلال بشعة للعاملين منهم في المشاريع الاسرائيلية ، الصناعية والزراعية والخدماتية ، التي أقامها المستوطنون على الاراضي الفلسطينية في المستوطنات ، ومن جهة اخرى يقفون في مواجهة البطالة والفقر والتهميش ، يتطلعون نحو الحكومة الفلسطينية عسى ان تضعهم على جدول أعمالها للبحث عن حلول وطنية تخفف من معاناتهم وترفع عنهم ولو بقدر معقول وضمن ما تتيحه الموارد المالية المتاحة وما تتيحه الظروف التي يمر بها الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص الفلسطيني كابوس ظلم لم يعد يحتمل وشروط عمل هي اقرب الى السخرة منها الى علاقات عمل وتعاقد تنطوي بالضرورة ،كما هو الحال في النظم الرأسمالية ، على الاستغلال والاستحواذ على فائض القيمة في ما ينتجون .
على مستوى العلاقة مع الاحتلال يعيش عمالنا في ظل اضطهاد مركب الابعاد . فالاحتلال بحد ذاته يعني الخضوع لارادة المحتل وللآليات ، التي تمكنه من ادامة سيطرته بالقوة على المجموع الوطني بما فيه الطبقة العاملة ، التي تتحمل اكثر من غيرها الاثار المترتبة على سياسة الاحتلال . ذلك لا يعني ان الفئات الاجتماعية الوطنية لا تتحمل هي الاخرى اعباء هذه السياسة وانعكاساتها ، بقدر ما يعني ان القسط الاوفر من المعاناة يقع على كاهل العمال ، وخير الشواهد على ذلك اعداد الشهداء والجرحى والمعاقين والاسرى في معسكرات الاعتقال الجماعية الاسرائيلية . سياسة الحصار والاغلاق والخنق الاقتصادي ونشر الحواجز العسكرية في طول الضفة الغربية وعرضها ، بعد الانسحاب العسكري الاسرائيلي من الارض في قطاع غزه ، تنعكس بأثار قاسية على المجموع الوطني ، ولكنها بالنسبة للعمال الفلسطينيين تعني كذلك ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتدهور مستوى المعيشة . حتى سياسة الانفصال من جانب واحد عن الفلسطينيين ، التي مارسها ارئيل شارون في أيول من العام 2005 انطوت على مؤشرات خطيرة على هذا الصعيد ، ففي سياق ممارسة هذه السياسة كانت حكومة اسرائيل تخطط ، كما هو واضح ، للانفصال عن العمالة الفلسطنية في المشاريع الاسرائيلية داخل اسرائيل . يكفي للوقوف على هذه الحقيقة متابعة ما يجري في "مؤتمر هرتسيليا " حول " ميزان المناعة والامن القومي الاسرائيلي " ، وهو مؤتمر على درجة عالية من الاهمية ينعقد سنوياً في اسرائيل ويشارك في اعماله مستويات رفيعة من القيادات السياسية والعسكرية والامنية والاقتصادية وعشرات المفكرين والاكاديميين والباحثين . بعد خطة الانفصال من جانب واحد عن الفلسطينيين لم يعد ممكناً عودة عشرات الاف العمال الفلسطينيين لممارسة العمل في المشاريع الاسرائيلية ، وهم الذين كانوا يسهمون بحصة لا بأس بها في الناتج القومي الاجمالي ويسهمون كذلك في تنشيط دوران عجلة الاقتصاد الفلسطيني . خطورة هذه السياسة الاسرائيلية ، اي سياسة احلال العمالة الفلسطينية ، انها جاءت في سياق سياسة عامة مارسها الاحتلال وربط من خلالها عجلة الاقتصاد الفلسطيني والاسواق الفلسطينية بالاقتصاد الاسرائيلي والاسواق الاسرائيلية .
معاناة العمال الفلسطينيين من سياسة وممارسات الاحتلال لا تقف عند هذه الحدود ، فالاحتلال ليس احتلالا عسكرياً وحسب بل هو الى جانب ذلك احتلال استيطاني . في المستوطنات ، التي اقامتها اسرائيل في الاراضي الفلسطنية المحتلة منذ حزيران 1967 ، بنى المستوطنون والمستثمرون الاسرائيليون مناطق صناعية وزارعية رأسمالية حديثة ، تعتمد على العمالة الفلسطينية . في هذه المشاريع التي اقيمت على اراضي المواطنين الفلسطينيين يمارس أرباب العمل الاضطهاد والاستغلال بأبشع صورة ضد العمالة الفلسطينية . شروط وعقود العمل قاسية وظالمة واصحاب العمل يرفضون مساواة العامل الفلسطيني بالعامل الاسرائيلي ، بل انهم على امتداد سنوات طويلة كانوا يطبقون على العامل الفلسطيني ، الذي يعمل في هذه المشاريع ، احكام قانون العمل الاردني ، الذي كان سارياً حتى العام 1967 . مؤخراً وبعد معركة قضائية تواصلت 14 عاماً في المحاكم الاسرائيلية وقادتها " جمعية عنوان العامل " الاسرائيلية اعترفت المحكمة العليا الاسرائيلية بانطباق قانون العمل الاسرائيلي على العمال الفلسطينيين والعاملين في هذه المشاريع ، وبما يشمل الحقوق الاجتماعية والحد الادنى ل
لاجور ومستحقات العطل السنوية والاجازات المرضية والاعياد ومخصصات التقاعد ، وحق التنظيم النقابي . ورغم ذلك لم يتغير منذ قرار المحكمة مطلع العام 2008 الشئ الكثير على أوضاع هؤلاء العمال ، الذين يقبلون بالقليل حفاظاَ على مكان العمل ومصدر الدخل في مواجهة منافسة شديدة في سوق العمل بفعل ارتفاع معدلات البطالة في سوق العمل الفلسطيني .
واذا كان هذا هو الحال مع عمالنا في ظل الاحتلال وسياساته وممارساته ، فما هو حال هؤلاء العمال في سوق العمل الفلسطيني وفي المشاريع الوطنية . بنظرة موضوعية للامور ، لا احد يستطيع ان يقلل من صعوبة وخطورة الاوضاع ، التي يمر بها الاقتصاد الوطني ويعمل في ظلها القطاع الخاص الفلسطيني . فالاقتصاد الوطني لا زال اسير سياسة الحصار والاغلاق والخنق الاقتصادي ليس في قطاع غزه بل وكذلك في الضفة الغربية . المعاناة التي يعيشها قطاع غزه لا حدود لها ويعجز عنها كل وصف . فمنذ انتخابات المجلس التشريعي مطلع العام 2006 وحتى منتصف العام 2007 تجاوزت أيام اغلاق المعابر بنسبة 70 بالمئة ، وتفاقمت الامور وتدهورت نحو الاسوأ بعد سيطرة حماس على القطاع حيث اصبح الاغلاق خانقاً الى درجة ترتب عليه انخفاض حاد في الصادرات كما في الواردات ، وتوقف عن العمل اكثر من ثلثي المنشآت الصناعية ، وتراجعت انتاجية ما تبقى منها الى حدود نصف طاقاتها الانتاجية . معدلات الفقر ارتفعت على نحو حاد وكذلك معدلات البطالة واصبح 70 بالمئة من الاسر في القطاع يعيش تحت خط الفقر ، اي بمعدل دولارين للفرد في اليوم الواحد . كذلك هي الاوضاع التي يمر
بها الاقتصاد الوطني ، والتي يعمل في ظلها القطاع الخاص في الضفة الغربية . انها ليست بالاوضاع المريحة وهي بالتأكيد لا تدعو الى التفاؤل , هي افضل منها في قطاع غزه ، غير ان معدل البطالة مرتفع ومعدلات الفقر مرتفعة كذلك . وبالنسبة للقوى العاملة في القطاع الخاص ، فان نسبة المستخدمين ، الذين يعيشون تحت خط الفقر ارتفع من نحو 40 بالمئة عام 2000 الى اكثر من 50 بالمئة عام 2005 ولا زال يحافظ على معدله .
ليس من السهل او الممكن ان نضع جانباً الوضع الكارثي الذي يعيشه قطاع غزه على المستوى الاقتصادي ، ولكن حتى لو تجاوزنا ذلك وامعنا النظر في مستقبل النمو الاقتصادي في الضفة الغربية ، فان المعطيات التي قدمها مؤخراً البنك الدولي لا توحي بالتفاؤل . حسب توقعات البنك الدولي ، فان النمو الاقتصادي سوف يكون ضعيفاً ، فالنمو في الناتج المحلي الاجمالي للعام 2008 لن يتجاوز حدود 3 بالمئة غير ان دخل الفرد سيبقى عند حدود ما كان عليه في العام 2007 ، حيث معدل النمو السكاني يفوق معدل النمو في الناتج المحلي الاجمالي .
هذه الاوضاع ، التي يمر بها الاقتصاد الوطني والتي يعمل في ظلها القطاع الخاص نعرفها جيداً ونقدر ما يترتب عليها من صعوبات في معالجة معدلات البطالة المرتفعة ومعدلات الفقر كذلك . اذا ما سارت الحكومة الفلسطينية الحالية على نهج ما سبقها من حكومات ، فسوف لن يجد المواطن فسحة من أمل . لنعد الى الوراء قليلاً لنقف على جانب من الصورة ، كما هي . فقد بلغت مساعدات المانحين للسلطة الفلسطنيية نحو 350-450 مليون دولار سنوياً للفترة بين عام 1994 وعام 2000 ، وارتفعت هذه المساعدات الى نحو 650 مليون دولار سنوياً للفترة بين عام 2001وعام 2007 . اذا ما اضيف الى هذه الموارد من الجهات المانحة الموارد المالية للسلطة من الضرائب المباشرة وغير المباشرة فان مداخيل السلطة الفلسطينية تتضاعف . ولكن ، كم هي النسبة المئوية ، التي جرى تخصيصها من مجمل الموارد المالية المتاحة للسلطة الفلسطينية للاستثمار في التنمية للنهوض بأوضاع القطاع الخاص . الاجابة مفزعة حقاً ، حيث لم تتجاوز هذه النسبة حدود 5 بالمئة ، على امتداد هذه السنوات من عمر السلطة . أبعد من ذلك ، فقد مارست الحكومات السابقة ولا زالت هذه هي سياسة الحكومة الفلس
طينية الحالية ، سياسة ساهمت في الحاق افدح الاضرار بقطاعات الاقتصاد الوطني الفلسطيني الصناعية والزراعية والخدماتية ، عندما فتحت الاسواق الوطنية لكل ما هو مستورد على حساب تشجيع المنتجات الوطنية وتوفير حد مقبول أو حد ادنى من متطلبات حمايتها . هذا فاقم من أزمة الاقتصاد الوطني واسهم بكل تأكيد في نمو البطالة وفي زيادة معدلات الفقر وفي تدهور مستوى المعيشة وفي تدني مستوى الاجور في القطاع الخاص بفعل المنافسة الحادة في سوق العمل ، وهو ما يملي على هذه الحكومة مراجعة جادة ومسؤولة في السياسة الاجتماعية والاقتصادية.
غير ان الظروف الصعبة ، التي يمر بها الاقتصاد الوطني والتي يعمل في ظلها القطاع الخاص الفلسطيني ، يجب الا تحجب عن الانظار الظروف القاسية والصعبة التي يعيشها المستخدمون في القطاع الخاص وفي المقدمة منهم الطبقة العاملة الفلسطينية ، التي تعاني من سياسة وممارسات الاحتلال أولا ومن شروط الاستخدام وعلاقات العمل ثانياً ومن الفقر وتدهور مستوى المعيشة والتهميش ثالثاً . في الموقف من سياسة وممارسات الاحتلال ينبغي ان تتوزع الاعباء على الاطراف المعنية بالعملية الانتاجية ، فاذا كان القطاع الخاص يعاني من هذه السياسة والممارسات فان معاناة العمال تحديداً هي الاشد والاقسى . وهذه المعاناة تفتح على أمرين جوهريين : الاول شروط الاستخدام وعلاقات العمل ، حيث يلاحظ هنا وبوضوح ان شروط الاستخدام وعلاقات العمل تسلب العمال والمستخدمين الكثير من الحقوق ، التي يكلفها لهم قانون العمل الفلسطيني . هنالك انتهاكات يطول الحديث عنها لقانون العمل الفلسطيني بدءا بتخفيض ساعات العمل في الاعمال الخطرة او التي تلحق الاضرار بالصحة العامة ، مروراً بانتظام زيارات مفتشي العمل لمواقع العمل للتأكد من الصحة والسلامة المهنية وضمان
عدم تحول هذا الواجب الى مهمة شكلية على حساب العامل وانتهاء بالاجور المتدنية والحرمان من الاجازات الاسبوعية والسنوية واجازات الاعياد والعطل الرسمية والدينية مدفوعة الاجر فضلا عن اصابات العمل وتوفير الضمانات الصحية ونفقات العلاج في مثل هذه الحالات .
للقطاع الخاص دوره في التنمية ، وهو في ظروفنا دور حيوي وليس دوراً هامشياً وينبغي توفير متطلبات نهوضه بمسؤولياته ودوره على هذا الصعيد . وفي الوقت نفسه ينبغي رفع الظلم عن العاملين في هذا القطاع من خلال احترام احكام قانون العمل الفلسطيني ، رغم ثغراته ونواقصه . وعلى الحكومة هنا ان تتدخل في اتجاهين رئيسيين : الاول تحديد حد ادنى للاجور في القطاع الخاص ليقترب معدل الاجور في هذا القطاع من معدل الاجور للعاملين في القطاع الحكومي وربط الاجور بجدول غلاء المعيشة وتعزيز هذه الخطوة بتقديم الدعم للسلع الاساسية التي تخفف من وطأة هذا الارتفاع الفاحش في اسعارها على اوضاع الشرائح الاجتماعية الضعيفة ، والثاني بث الحياة في مؤسسة التأمينات الاجتماعية وقانون التأمينات الاجتماعية ومجلس وصندوق الضمان الاجتماعي بكل ما يترتب على ذلك من التزامات تؤديها الحكومة مثلما يؤديها اصحاب العمل والمتسخدمون في القطاع الخاص ، لما لذلك من أثر بالغ في توفير الامن الوظيفي وأبسط متطلبات الحياة الانسانية الكريمة لهؤلاء المستخدمين وفي المقدمة منهم العمال ، في ذروة عطائهم وفي خريف العمر كذلك . شروط وعلاقات العمل في القطاع ا
لخاص يجب ان تنسجم مع احكام قانون العمل ، وسياسة الحكومة يجب ان تسعى في الحد الادنى الى فض هذا التشابك بين مطرقة الاحتلال وسندان البطالة والفقر والتهميش لتخفف عن عمال فلسطين بعضاً من معاناتهم .
لاجور ومستحقات العطل السنوية والاجازات المرضية والاعياد ومخصصات التقاعد ، وحق التنظيم النقابي . ورغم ذلك لم يتغير منذ قرار المحكمة مطلع العام 2008 الشئ الكثير على أوضاع هؤلاء العمال ، الذين يقبلون بالقليل حفاظاَ على مكان العمل ومصدر الدخل في مواجهة منافسة شديدة في سوق العمل بفعل ارتفاع معدلات البطالة في سوق العمل الفلسطيني .
واذا كان هذا هو الحال مع عمالنا في ظل الاحتلال وسياساته وممارساته ، فما هو حال هؤلاء العمال في سوق العمل الفلسطيني وفي المشاريع الوطنية . بنظرة موضوعية للامور ، لا احد يستطيع ان يقلل من صعوبة وخطورة الاوضاع ، التي يمر بها الاقتصاد الوطني ويعمل في ظلها القطاع الخاص الفلسطيني . فالاقتصاد الوطني لا زال اسير سياسة الحصار والاغلاق والخنق الاقتصادي ليس في قطاع غزه بل وكذلك في الضفة الغربية . المعاناة التي يعيشها قطاع غزه لا حدود لها ويعجز عنها كل وصف . فمنذ انتخابات المجلس التشريعي مطلع العام 2006 وحتى منتصف العام 2007 تجاوزت أيام اغلاق المعابر بنسبة 70 بالمئة ، وتفاقمت الامور وتدهورت نحو الاسوأ بعد سيطرة حماس على القطاع حيث اصبح الاغلاق خانقاً الى درجة ترتب عليه انخفاض حاد في الصادرات كما في الواردات ، وتوقف عن العمل اكثر من ثلثي المنشآت الصناعية ، وتراجعت انتاجية ما تبقى منها الى حدود نصف طاقاتها الانتاجية . معدلات الفقر ارتفعت على نحو حاد وكذلك معدلات البطالة واصبح 70 بالمئة من الاسر في القطاع يعيش تحت خط الفقر ، اي بمعدل دولارين للفرد في اليوم الواحد . كذلك هي الاوضاع التي يمر
بها الاقتصاد الوطني ، والتي يعمل في ظلها القطاع الخاص في الضفة الغربية . انها ليست بالاوضاع المريحة وهي بالتأكيد لا تدعو الى التفاؤل , هي افضل منها في قطاع غزه ، غير ان معدل البطالة مرتفع ومعدلات الفقر مرتفعة كذلك . وبالنسبة للقوى العاملة في القطاع الخاص ، فان نسبة المستخدمين ، الذين يعيشون تحت خط الفقر ارتفع من نحو 40 بالمئة عام 2000 الى اكثر من 50 بالمئة عام 2005 ولا زال يحافظ على معدله .
ليس من السهل او الممكن ان نضع جانباً الوضع الكارثي الذي يعيشه قطاع غزه على المستوى الاقتصادي ، ولكن حتى لو تجاوزنا ذلك وامعنا النظر في مستقبل النمو الاقتصادي في الضفة الغربية ، فان المعطيات التي قدمها مؤخراً البنك الدولي لا توحي بالتفاؤل . حسب توقعات البنك الدولي ، فان النمو الاقتصادي سوف يكون ضعيفاً ، فالنمو في الناتج المحلي الاجمالي للعام 2008 لن يتجاوز حدود 3 بالمئة غير ان دخل الفرد سيبقى عند حدود ما كان عليه في العام 2007 ، حيث معدل النمو السكاني يفوق معدل النمو في الناتج المحلي الاجمالي .
هذه الاوضاع ، التي يمر بها الاقتصاد الوطني والتي يعمل في ظلها القطاع الخاص نعرفها جيداً ونقدر ما يترتب عليها من صعوبات في معالجة معدلات البطالة المرتفعة ومعدلات الفقر كذلك . اذا ما سارت الحكومة الفلسطينية الحالية على نهج ما سبقها من حكومات ، فسوف لن يجد المواطن فسحة من أمل . لنعد الى الوراء قليلاً لنقف على جانب من الصورة ، كما هي . فقد بلغت مساعدات المانحين للسلطة الفلسطنيية نحو 350-450 مليون دولار سنوياً للفترة بين عام 1994 وعام 2000 ، وارتفعت هذه المساعدات الى نحو 650 مليون دولار سنوياً للفترة بين عام 2001وعام 2007 . اذا ما اضيف الى هذه الموارد من الجهات المانحة الموارد المالية للسلطة من الضرائب المباشرة وغير المباشرة فان مداخيل السلطة الفلسطينية تتضاعف . ولكن ، كم هي النسبة المئوية ، التي جرى تخصيصها من مجمل الموارد المالية المتاحة للسلطة الفلسطينية للاستثمار في التنمية للنهوض بأوضاع القطاع الخاص . الاجابة مفزعة حقاً ، حيث لم تتجاوز هذه النسبة حدود 5 بالمئة ، على امتداد هذه السنوات من عمر السلطة . أبعد من ذلك ، فقد مارست الحكومات السابقة ولا زالت هذه هي سياسة الحكومة الفلس
طينية الحالية ، سياسة ساهمت في الحاق افدح الاضرار بقطاعات الاقتصاد الوطني الفلسطيني الصناعية والزراعية والخدماتية ، عندما فتحت الاسواق الوطنية لكل ما هو مستورد على حساب تشجيع المنتجات الوطنية وتوفير حد مقبول أو حد ادنى من متطلبات حمايتها . هذا فاقم من أزمة الاقتصاد الوطني واسهم بكل تأكيد في نمو البطالة وفي زيادة معدلات الفقر وفي تدهور مستوى المعيشة وفي تدني مستوى الاجور في القطاع الخاص بفعل المنافسة الحادة في سوق العمل ، وهو ما يملي على هذه الحكومة مراجعة جادة ومسؤولة في السياسة الاجتماعية والاقتصادية.
غير ان الظروف الصعبة ، التي يمر بها الاقتصاد الوطني والتي يعمل في ظلها القطاع الخاص الفلسطيني ، يجب الا تحجب عن الانظار الظروف القاسية والصعبة التي يعيشها المستخدمون في القطاع الخاص وفي المقدمة منهم الطبقة العاملة الفلسطينية ، التي تعاني من سياسة وممارسات الاحتلال أولا ومن شروط الاستخدام وعلاقات العمل ثانياً ومن الفقر وتدهور مستوى المعيشة والتهميش ثالثاً . في الموقف من سياسة وممارسات الاحتلال ينبغي ان تتوزع الاعباء على الاطراف المعنية بالعملية الانتاجية ، فاذا كان القطاع الخاص يعاني من هذه السياسة والممارسات فان معاناة العمال تحديداً هي الاشد والاقسى . وهذه المعاناة تفتح على أمرين جوهريين : الاول شروط الاستخدام وعلاقات العمل ، حيث يلاحظ هنا وبوضوح ان شروط الاستخدام وعلاقات العمل تسلب العمال والمستخدمين الكثير من الحقوق ، التي يكلفها لهم قانون العمل الفلسطيني . هنالك انتهاكات يطول الحديث عنها لقانون العمل الفلسطيني بدءا بتخفيض ساعات العمل في الاعمال الخطرة او التي تلحق الاضرار بالصحة العامة ، مروراً بانتظام زيارات مفتشي العمل لمواقع العمل للتأكد من الصحة والسلامة المهنية وضمان
عدم تحول هذا الواجب الى مهمة شكلية على حساب العامل وانتهاء بالاجور المتدنية والحرمان من الاجازات الاسبوعية والسنوية واجازات الاعياد والعطل الرسمية والدينية مدفوعة الاجر فضلا عن اصابات العمل وتوفير الضمانات الصحية ونفقات العلاج في مثل هذه الحالات .
للقطاع الخاص دوره في التنمية ، وهو في ظروفنا دور حيوي وليس دوراً هامشياً وينبغي توفير متطلبات نهوضه بمسؤولياته ودوره على هذا الصعيد . وفي الوقت نفسه ينبغي رفع الظلم عن العاملين في هذا القطاع من خلال احترام احكام قانون العمل الفلسطيني ، رغم ثغراته ونواقصه . وعلى الحكومة هنا ان تتدخل في اتجاهين رئيسيين : الاول تحديد حد ادنى للاجور في القطاع الخاص ليقترب معدل الاجور في هذا القطاع من معدل الاجور للعاملين في القطاع الحكومي وربط الاجور بجدول غلاء المعيشة وتعزيز هذه الخطوة بتقديم الدعم للسلع الاساسية التي تخفف من وطأة هذا الارتفاع الفاحش في اسعارها على اوضاع الشرائح الاجتماعية الضعيفة ، والثاني بث الحياة في مؤسسة التأمينات الاجتماعية وقانون التأمينات الاجتماعية ومجلس وصندوق الضمان الاجتماعي بكل ما يترتب على ذلك من التزامات تؤديها الحكومة مثلما يؤديها اصحاب العمل والمتسخدمون في القطاع الخاص ، لما لذلك من أثر بالغ في توفير الامن الوظيفي وأبسط متطلبات الحياة الانسانية الكريمة لهؤلاء المستخدمين وفي المقدمة منهم العمال ، في ذروة عطائهم وفي خريف العمر كذلك . شروط وعلاقات العمل في القطاع ا
لخاص يجب ان تنسجم مع احكام قانون العمل ، وسياسة الحكومة يجب ان تسعى في الحد الادنى الى فض هذا التشابك بين مطرقة الاحتلال وسندان البطالة والفقر والتهميش لتخفف عن عمال فلسطين بعضاً من معاناتهم .