أضحى من المعروف حاليا، أن الذي لا يملك قوت يومه لا يملك قراره ولا يملك حاضره ولا قدرة له على التخطيط لغده ومستقبله، ومن لا يتحكم في مصدر الطاقة لا يملك القدرة على التحكم في تدبير دواليب اقتصاده وتوجيهه.
طبعا ليست هناك مجاعة على الأبواب بالمغرب، لكن هل تعيش بلادنا أزمة غذائية؟ والداعي لطرح هذا السؤال هو أن هناك على الأقل 4 بلدان شبيهة جدا ببلادنا، بدأت تدق نواقيس الخطر بهذا الخصوص، ومنها مصر، وهو البلد الذي حقق خطوات مهمة على درب الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بغذائها ومصدر طاقتها.
إن الاختيارات والقرارات الخاطئة أحيانا والعشوائية أحيانا أخرى على امتداد أكثر من ثلاثة عقود على الأقل، لعبت الدور الرئيسي في عدم ضمان الأمن الغذائي والكهربائي بالمغرب.
لقد دقت القمة العالمية الأخيرة للغذاء، المنعقدة بروما أجراس خطر أزمة الغذاء بالعالم، إذ أكد العديدون حدوث أزمات بسبب نقص الغذاء وغلاء الأسعار، لاسيما وأن الدول الكبرى، اعتبارا لاهتمامها بمصالحها الخاصة، تعمل على صناعة الأزمات في دول العالم الثالث، وذلك لتستفيد منها لتحقيق المزيد من المكاسب وتقوية نفوذها في تلك البلدان بواسطة استخدام إحدى آلياتها الاقتصادية الناجحة إلى حد الآن، والمتمثلة في كل من صندوق النقد والبنك الدوليين، لفرض سياسيات اقتصادية وغيرها مقابل الحصول على قروض منها لاستيراد جزء مهم من غذائها، وقد أدى هذا المسار إلى وقوع العديد من الدول، منها بلادنا، في براثين الديون، ليس من أجل النهوض وخدمة التنمية الشاملة المستدامة ولكن من أجل توفير الغذاء والطاقة.
يبدو أننا في حاجة لتحرك سريع لتغيير الإنتاج الزراعي والاهتمام بحكامة قطاع طاقتنا الكهربائية لإبعاد تهديدات الجوع والظلمة، إذ لم يعد يشك أحد بالمغرب في الأزمة الكهربائية والعجز الطاقي في هذا المجال، بجانب الأزمة الغذائية التي بدت مؤشراتها، اعتبارا لتكريس التبعية منذ سنوات بخصوصها.
هل المغرب يعيش أزمة غذائية؟
يبدو أن بلادنا تعيش أزمة غذائية بنيوية، اعتبارا لعدم تمكنها من تحقيق الاكتفاء الغذائي الذي طالما نادت به الكثير من الأصوات منذ الحصول على الاستقلال، وهذا أمر لم يعد يختلف بصدده مغربيان، لكن إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ وإلى متى الاقتصار على التخفيف من حدة الأزمة الغذائية البنيوية استنادا إلى الدعم والاستيراد؟
من الملاحظ أن هناك تصاعدا لأسعار المواد الغذائية، بما فيها تلك المحتلة لموقع مركزي في منظومة استهلاك أوسع الفئات، وموازاة مع ذلك، هناك عجز في الإنتاج في طريقه إلى التوسع سنة تلو أخرى، وعلاوة على هذا وذاك، هناك سيرورة نحو تفجير انتفاضات شعبية، هنا وهناك، تنديدا بتردي الأوضاع المعيشية بالغلاء، إذن هناك قلق ملحوظ بهذا الخصوص.
لقد أفضى ارتفاع واردات المنتوجات الغذائية إلى المساهمة في مفاقمة الميزان التجاري المغربي (إلى جانب المنتوجات الطاقية) خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2008، وذلك رغم الأداء الجيد لصادرات الفوسفاط الذي ارتفع سعره مؤخرا في الأسواق العالمية.
في تصريح، أكد صلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد والمالية، أن المغرب سيستورد ما بين 30 و 50 مليون قنطار من القمح حتى متم سنة 2009 نظرا للمستوى المنخفض للإنتاج الوطني مقارنة بالحاجيات الملحة.
ويرى الاقتصادي نجيب أقصبي، أنه رغم عدم توفر معلومات دقيقة حول الأوضاع المعيشية بالبادية المغربية، فإن هناك جملة من المناطق المهمشة بدأت تعيش وضعية سوء التغذية، لكن لا يتم الحديث عنها، وبالنسبة لنجيب أقصبي، إن الإشكالية الجوهرية تظل أراد من أراد، وكره من كره، هي "الأمن الغذائي"، فبالرغم من أن القائمين على الأمور يجتهدون لتوفير المواد الغذائية بالكميات اللازمة، لكن ذلك يتم مقابل تعميق التبعية الغذائية للخارج دون الاهتمام بضرورة الحرص على التوازن الغذائي ببلادنا.
ومهما يكن من أمر، إن ضمان الأمن الغذائي ليس بالأمر المستحيل الآن بالنسبة للمغرب، وإنما هو بحاجة فقط إلى قرار سياسي تملك الدولة به قوتها، ثم قرارها لتحديد اختياراتها دون إضرارها، تحت مختلف الضغوطات، للامتثال للأوامر الواردة عليها من الخارج، لكن متى ستحضر الشجاعة لاتخاذ مثل هذا القرار؟
خلفيات الأزمة الغذائية بالمغرب
عموما في المجال الفلاحي مر المغرب بثلاث مراحل كبرى، مرحلة سياسة السدود، التي استمرت إلى حدود ثمانينات القرن الماضي، ثم تلتها مرحلة التكييف الهيكلي، وبعدها جاءت مرحلة غياب رؤية وسياسة فلاحيتين جملة وتفصيلا.
تمحورت سياسة السدود حول مشروع تحديث الفلاحة ببلادنا (8 إلى 10 بالمائة من الأراضي والمساحات الصالحة للزراعة) لجعلها قاطرة تجر الباقي إلى التحديث والعصرنة، إلا أن هذا لم يحدث، وذلك رغم توظيف إمكانيات هائلة استفادت منها، في نهاية المطاف، حفنة من المحظوظين وكان من الطبيعي تعميق الفوارق وخلق اختلافات كبرى.
إن الأهداف التي حددتها سياسة همت بالأساس تشجيع التصدير وتنمية إنتاج المنتوجات الموجهة إلى السدود الداخلية في إطار رؤية تعويض الواردات (التي كانت "موضة" آنذاك عملت بها كل دول العالم الثالث)، لكن النتيجة كانت فشلا ذريعا على جميع المستويات، لأنه لم يتم التوصل إلى إنتاج المواد الأساسية بالقدر الكافي الضامن لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وبذلك تكرست التبعية الغذائية، وأضحت مع مرور الوقت أكبر بكثير من السابق.
إلى حدود سنة 1974 كان الميزان التجاري الغذائي يتوفر على فائض، ومنذ ذلك الحين حتى يومنا هذا تكرس العجز وظل يتسع ولا زال، ومن ثمة لم يتحقق ولو هدف تحسين حالة الصادرات لجعلها قاطرة للنمو، ومع حلول مرحلة التكييف الهيكلي وقع تحرير بعض القطاعات، وكانت الغاية جعل القطاع الخاص يمتلك زمام المبادرة ويستفيد من الإمكانيات التي تتيحها السوق الحرة للاستثمار لتكييف الإنتاج، لكن في الأخير خرجنا بخفي حنين ("لا حمار لا سبعة فرانك") أو "لا ديدي لا حب الملوك"، فلا الصادرات شكلت قاطرة تجرنا نحو تحسين الأوضاع المعيشية لأوسع الفئات ولا نحن حافظنا على درجة تبعث على الاطمئنان بخصوص أمننا الغذائي.
في منتصف التسعينات، قيل إن المرحلة تستدعي وضع إستراتيجية فلاحية للتنمية القروية، وكل وزير كان يأتي بتصوره ورؤيته يثبتها في وثيقة يكون مآلها السبات في رف من رفوف أرشيف الوزارة، إلى أن وصلنا إلى وضعية حيص بيص بامتياز، ففي مرحلة الحبيب المالكي، كان يقال إن المغرب بلد فلاحي وجاء إسماعيل العلوي وقال المغرب ليس بلدا فلاحيا، وتلاه آخر بتصور آخر، دون أن يبلور أي منهم إستراتيجية واضحة المعالم ومحددة المقاصد والغايات، قادرة على الاستجابة لانتظارات أوسع الفئات بالمغرب والضامنة لأمنه الغذائي لتخليصه من التبعية البنيوية للخارج في هذا المجال.
في ظل هذا الارتباط ضاع مفهوم الأمن الغذائي إلى أن حلت سنة 2005، فكانت الضربة القاضية حين وقع المغرب اتفاقيات ترهن مستقبل المغرب والمغاربة وفلاحتهم وغد الفلاحين، وذلك دون الانطلاق من رؤية واضحة. لقد وقعنا اتفاقيات ستتحكم في مسارنا لمدة طويلة ونحن عزل لا نتوفر على أي سلاح للتمكن من الدفاع عن أنفسنا عندما تقتضي الضرورة ذلك.
علينا أخذ العبرة من الدول المتقدمة
لقد حرصت الحكومات الأوروبية منذ زمن طويل على دعم وتقوية قطاع الزراعة ضمن اقتصادها، على تطويره بما لا يضر بيئتها، ولو أن تلك الحكومات اعتمدت مبدأ مماثلا للموقف الذي اعتمدته حكومتنا بإملاء من جهات خارجية، لانهار عندها قطاع الاقتصاد الزراعي ولغدت شعوبها مستوردة لكل ما تستهلك من مواد ومنتوجات غذائية.
لقد فهمت تلك الحكومات، خلافا لحكوماتنا ما للأمن الغذائي والاستقلال الغذائي من أهمية كبرى في إستراتيجية الأمن القومي، لذلك دعمت ماليا ومعنويا وبجميع الوسائل الممكنة منتجيها الزراعيين في بلدانها.
تلك الحكومات أرادت إنتاجا زراعيا وفيرا، وجيدا في نوعيته واكتفاءا ذاتيا من الغذاء، تم تصدير الفائض منه بأسعار رخيصة نسبيا حتى يملك القدرة التنافسية في الأسواق الخارجية، ما يمكنه من إضعاف وتقويض بنيات الزراعة وأركان القطاعات الغذائية المنافسة في البلدان الإفريقية والأسيوية والأمريكية اللاتينية الفقيرة.
تدخلت الدولة في تلك البلدان في الاقتصاد الزراعي، ولازالت تنفق أموالا طائلة متأتية من الضرائب في سبيل الأمن الغذائي لمجتمعها، ومن أجل إنتاج وتصدير فوائض زراعية وغذائية بأسعار تنافسية، وبذلك جمعت في ذات الآن، ما يخدم مصالحها الاقتصادية، بين هذا التدخل للدولة المنافي للاقتصاد الحر وبين الدعوة إلى تحرير التجارة العالمية والذي انتهى إلى إلحاق الدمار بزراعتنا وفلاحينا نحن، واليوم نعاين تقويض بنية وأركان زراعتنا، والعصف بأمننا الغذائي والزراعي، وبذلك ظلت وارداتنا الغذائية تزداد، وأضحينا نجلب جزءا هاما من حاجياتنا الغذائية الضرورية من غذاء تلك الدول، والذي كان سعره رخيصا (قبل أن يدمر قطاعنا الزراعي) لكنه الآن أصبح غاليا وسائرا نحو المزيد من الغلاء.
والحالة هذه، إن جملة من الدول الغربية أضحت الآن تفضل استعمال أراضيها لتوفير منتوجات حكومتنا المتعاقبة منذ الاستقلال، التي جعلت لقمة عيشنا يتحكم فيها الأجنبي، وقد يستعملها كوسيلة للضغط أو كسلاح يفرض علينا ما يحلو له، وقد يصل به الأمر إلى تهديد استقرارنا السياسي أو الاجتماعي إن هو رغب في ذلك.
هذه بعض تداعيات الأزمة الغذائية المحتملة بالنسبة للمغرب، فماذا عن الأزمة الكهربائية المرتقبة وأمنه الطاقي؟
أزمة الكهرباء بالمغرب
إن الفاعلين في قطاع الكهرباء يجمعون الآن أن المغرب لا محالة سيعرف أزمة الطاقة الكهربائية، إذا ظلت الأمور على ما هي عليه في هذا القطاع دون تدارك الموقف.
ومن المؤشرات التي كشفت بوادر هذه الأزمة التفاوت الكبير الحاصل بين العرض والطلب، ولا يخفى على أحد الآن أنه حصل خصاص في الطاقة الكهربائية، بفعل ضعف الإنتاج الوطني من الكهرباء، مما فرض تغطيته عن طريق الاستيراد من الخارج.
كما أن المكتب الوطني للكهرباء يقر أن الأزمة حاضرة وأنه لا بد أن تبذل المزيد من الجهود للتصدي إليها، لذلك سبق له أن دعا إلى تعميم المصابيح المنخفضة الاستهلاك وتشجيع استعمال الألواح الشمسية في الوسط الحضري وشبه الحضري واستعمال التجهيزات الكهربائية ضعيفة الاستهلاك للطاقة.
يرى الكثيرون أن المغرب سيعرف لا محالة أزمة طاقية، الشيء الذي أثار الكثير من التساؤلات بخصوص الإجراءات المتخذة ونجاعتها من قبيل إضافة ساعة للتوقيت الرسمي أو فتح حساب خاص للمساعدات الاقتصادية الخارجية بعد تلقي هبات مالية من طرف كل من الإمارات والمملكة السعودية، في حين إن المطلوب هو إلزامية بلورة خطة استعجالية والإقرار بإستراتيجية طاقية واضحة المعالم ومحددة المقاصد، وهذا من قبيل أضعف الإيمان ليس إلا.
لم يتوقف القائمون على أمور طاقتنا على نفي أن المغرب معرض لأزمة طاقية كهربائية، موضحين أن كل ما في الأمر، أن هناك مجرد مشكلة عجز سرعان ما تم احتواؤها، وبالتالي لا داعي للتهويل ما دام المغاربة لن يعرفوا الظلام. لكن هذا التصريح، هل هو الحقيقة، أم مجرد إدعاء لعدم إقلاق المستثمر الأجنبي المراد جلبه إلى قطاع الطاقة بالمغرب؟ علما أن الأجانب يعرفون عن المغرب أكثر مما يعرفه المغاربة أنفسهم.
وتحسبا لأزمة الكهرباء سعت بلادنا إلى الإقرار بتعاون مع الاتحاد الأوروبي بهدف تحقيق التقارب بين السياسات الطاقية. وفي هذا المضمار وقع المغرب مع المفوضية الأوروبية تصريحا مشتركا يتعلق بأولويات التعاون في مجال الطاقة وبروتوكول اتفاق حول البرنامج المالي 2007 – 2010.
ولازال المغرب يتحاشى الكهرباء النووي، علما أن المكتب الوطني للكهرباء سبق وأن أعلن، سنة 2007، عن مشروع لإنشاء محطة نووية لإنتاج الكهرباء (700 إلى 1000 ميغواط) في أفق 2017، إلا أنه يبدو أن الضوء الأخضر بخصوص هذا المشروع مازال لم يعط بعد.
الإقرار باحتمال حدوث الأزمة
لقد سبق للمدير العام للمكتب الوطني للكهرباء، يونس معمري، أن صرح أن سنة 2008 ستعرف بداية أزمة على مستوى الكهرباء، في حين رد وزير الطاقة والمعادن السابق، محمد بوطالب، بنفي احتمال حدوث أية أزمة بهذا الخصوص، بحجة أن المغرب عمل منذ العقدين السابقين على خلق الضمانات التي من شأنها تجنيب بلادنا الوقوع في أية أزمة كهربائية، وبعد هذا التصريح ظهر مخطط التجهيز الطاقي 2008-2009، خاويا على عروشه باستثناء بعض المحطات الصغيرة القليلة، وفسر العديد من المحللين هذا الارتباك بغياب كلي لرؤية واضحة في مجال الطاقة بالمغرب، وما لم يستسغه العقل، هو أن معظم المحطات المبرمجة تعتمد على البترول في وقت يشهد سعره ارتفاعات صاروخية، هذا يدل كذلك على افتقار حكومة عباس الفاسي لإستراتيجية طاقية واضحة المعالم ومحددة المقاصد، مما يقوي إمكانية حدوث أزمة طاقية (الكهرباء) في المستقبل القريب.
ومن مؤشرات ارتباط الحكومة البين في هذا القطاع الاستراتيجي والحيوي، فشلها في إقامة إحدى المحطات التي راهنت عليها لخلق التوازن، وهي محطة "كاب غير" بضواحي آسفي ليكون مصيرها الإهمال، وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على فشل القائمين على أمور الطاقة ببلادنا.
وتقر وكالة إنعاش المقاولات الصغرى والمتوسطة أن أزمة قطاع الكهرباء واردة مستقبلا بفعل ضعف القدرات الإنتاجية للمغرب في مجال الكهرباء، وسيتعاظم هذا الضعف أكثر نظرا لتحاشي المغرب في الانخراط في الخيار النووي من أجل إنتاج الكهرباء رغم وضوح جدواه المالية والاقتصادية.
وأكد مولاي حفيظ العلمي، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب التخوف المستمر لأرباب المقاولات بخصوص التزود بالطاقة الكهربائية، أن السبب الرئيسي في أزمة الكهرباء هو التأخر في تحقيق الاستثمارات المسطرة في قطاع الطاقة، خاصة تلك التي تم الإعلان عنها سنة 2002، إذ لوحظ تأخير انطلاق بعض المشاريع، منها المحركات المستعملة بالغاز بمدينة المحمدية والمحطة الحرارية بعين بني مطهر، والتي يبدو أن تشغيلها لن يتأت إلا بحلول 2010 خلافا لما كان متوقعا، وما يزيد الطين بلة أن أغلب المقاولات المغربية غير مستعدة لمواجهة أزمة طاقة الكهرباء المرتقبة في السنين القادمة، إذ أنها لم تفكر في التزود بمولدات احتياطية..
ومن المشاريع التي عرفت تأخيرا في الإنجاز، يمكن الإشارة إلى مشروع محطة تهدارت الكائنة بين مدينتي طنجة وأصيلة، التي لم تنطلق سنة 2003، كما كان مقررا ولم تبدأ الأعمال بها إلا عام 2005.
القائمون على طاقتها أخلفوا موعدهم مع التنمية
منذ أن أعلن المكتب الوطني للكهرباء عن الإحصائيات المرتبطة بكهربة العالم القروي وإنتاج الكهرباء بالمغرب، شكك الكثيرون في صحتها وعكسها للواقع، كما يجادل العديدون بخصوص التناقضات الواضحة للعيان بين أولويات المكتب الوطني للكهرباء ووزارة الطاقة والمعادن.
كل العروض التي قدمها المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء أو وزيرة الطاقة والمعادن والماء والبيئة أمام البرلمان، لم تقنع أحدا بفعل افتقارها لأدنى تصور استراتيجي ولغضها الطرف عن مختلف المشاكل البنيوية، مما كشف بجلاء اعتماد الارتجالية كنهج للعمل في هذا القطاع الحيوي، ولم يعترف القائمون على أمور طاقتنا إلا بتعثر واحد، وهو المتعلق بالبرنامج الوطني للكهربة القروية.
في حين أكدت أكثر من جهة أن المغرب يوجد على أبواب أزمة طاقية اعتبارا لارتفاع استهلاك الكهرباء المتزامن مع ضعف الاستثمارات في القطاع، علما ان بلادنا ظلت، من حيث لا يدري القائمون على أمورنا، تعيش وضعية طاقية هشة، ورغم ذلك لم يتم التفكير الجدي في تطوير الطاقات البديلة، وإن كان المغرب أول من اهتم بها على صعيد المنطقة العربية والمغاربية في فجر ثمانينات القرن الماضي، وارتهانه إلى السوق الخارجية.
وفي هذا الصدد، قال أحد العالمين بوضعية القطاع عن قرب، إن هذه عادة المسؤولين عندنا، لا يأخذون المشاكل بمحمل الجد إلا بعد بروز المشاكل بشدة واستفحالها، متسائلا، لماذا لم يقو المغرب، وهو البلد السباق إلى الاعتناء بسياسة السدود، على تطوير الطاقة الكهربائية المستمدة منها، هذا في وقت بلغ مستوى نمو الاستهلاك الوطني السنوي للكهرباء 9 بالمائة وأن 60 بالمائة منه آتية من المحروقات حسب ما أكده يونس معمري المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء نفسه، هذا في وقت يمتلك 98 بالمائة من المغاربة جهاز التلفاز و 43 بالمائة من الإقامات على مكيفات هوائية، قصد الإشارة فحسب.
ويتكلف المكتب الوطني بإنتاج ما يربو على 30 بالمائة، في حين ينتج المستقلون 60 بالمائة ويستورد المغرب حاليا ما يناهز 10 بالمائة من حاجياته، وفاق استهلاك الطاقة خلال سنة 2007 حجم 13 مليون طن من البترول، علما أن الطلب الوطني على الكهرباء تطور بنسبة تفوق 8 بالمائة خلال خمس سنوات الأخيرة، وتتطلع بلادنا لرفع إنتاج الطاقة الريحية إلى 1000 ميغاواط في أفق 2012.
ومهما يكن من أمر، إن إمكانية الخروج من الأزمة الطاقية المحدقة يتطلب على أقل تقدير استثمار عشر ملايين درهم سنويا للحصول على 600 ميغاواط لسد العجز.
والأكيد الآن أنه وقع تأخر ملحوظ في إنتاج الطاقة الكهربائية، وحصل خلل على مستوى توزيعها وطنيا، وفي الوقت الذي يتطلب الوضع التفكير الجدي والسريع في بلورة إستراتيجية وطنية طاقية جديدة، تم التركيز على حملة لترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية وتغيير ما يناهز 5 ملايين من المصابيح المتوجهة بأخرى ذات استهلاك منخفض قصد اقتصاد ما يقارب 200 ميغاواط في ساعات الذروة، وبذلك يمكن توفير 300 ميغاواط في الساعة سنويا، وهو إجراء إلى جانب إضافة ساعة، غير أنهما يغنيان ولا يسمنان من جوع في مواجهة الأزمة الطاقية المحدقة بالمغرب.
هكذا تكرست التبعية في مجال الطاقة الكهربائية
شكلت سنة 1994 سنة تحول بالنسبة لقطاع الكهرباء، وقد تزامن ذلك مع انتهاء تشييد وحدة الجرف الأصفر التي برمجت أصلا لسد النقص الحاصل في تغطية الحاجيات من الكهرباء، سيما أنه آنذاك، كان التيار الكهربائي ينقطع باستمرار، وكانت القدرة الأولية لتلك الوحدة تسد 35 بالمائة من الاحتياجات الوطنية، وهي نسبة وضعت المغرب على مسافة قريبة جدا من الاكتفاء الداخلي في مجال الكهرباء، لكن في ذلك العام (1997) تم تسليم المشروع لأياد أجنبية في إطار منح الامتيازات قصد استغلاله لمدة ثلاثة عقود بثمن باهظ مقارنة بكلفة إنتاجه، واعتبارا لأن الصفقة شكلت "بزولة" ذات حليب وافر سارع الأجانب أصحاب الامتياز، إلى بناء وحدتين إنتاجيتين إضافيتين لتصل قوة الإنتاج إلى ما يربو على 65 بالمائة من الحاجيات الوطنية من الكهرباء، وهكذا رهن قطاع حيوي بيد أجانب لمدة 30 سنة.
كما منحت بعض المجالس المنتخبة قطاع توزيع الماء والكهرباء عبر عقد التدبير المفوض ("ليديك" بالدار البيضاء و"ريضال" بالرباط و" أمانديس" بالشمال...)، والانتهاء برغبة تحويل المكتب الوطني إلى قطاع الكهرباء لشركة مساهمة.
ومن المعلوم أن قطاع الكهرباء لا زال يعتبر من القطاعات الحيوية، باعتبار أن كل المحللين أجمعوا على أن الحكومات لا تطمئن لتدبير الخواص لهذه الخدمة لاعتبارات اجتماعية وأمنية وإستراتيجية.
تزداد الإشكالية تعقيدا إذا علمنا أن أزمة الطاقة الكهربائية ببلادنا، ككل الأزمات التي تعيشها بلادنا، أنها نتاج اختيارات وسياسات فاشلة، فقطاع الطاقة يعرف اختلالات كبيرة، ومن معالمها يمكن ذكر عملية تفويت محطة "جليك" لشركة أمريكية صاحبة الامتياز لمدة 30 سنة بمبلغ هزيل مقاربة بحكم الأرباح الذي تحصده على "ظهر المغاربة" وتصاعد الاحتياج الوطني للكهرباء بنسبة 8 أو 9 بالمائة، وهو العجز السنوي المتوسط، وعندما تبين عجز المكتب الوطني على توفير الكمية الضرورية من الطاقة دفع الوزارة إلى اقتراح تشجيع الإنتاج الذاتي بخصوص الشركات الأكبر استهلاكا للطاقة، مما أدى إلى نهاية احتكار المكتب الوطني للكهرباء للقطاع في وقت تعمقت فيه مديونيته بشكل لم يسبق له مثيل.
والحالة هذه، هناك عدة أسباب لانتظار حدوث أزمة طاقية كهربائية بالمغرب، ولعل الأكثر ظهورا منها، عجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها بخصوص قطاع الطاقة وارتهان بلادنا للخارج في تلبية حاجياته الطاقية الكهربائية، مما يفيد بوقوع المغرب تحت رحمة تبعية بنيوية في هذا المضمار.
أضحت الأزمة الغذائية آفة كونية بفعل فاعل
إن الأزمة الغذائية على الصعيد العالمي تسير نحو التأزم، فأسعار المنتوجات الغذائية ترتفع باستمرار، وبذلك يصبح ملايين البشر مهددين بالجوع، الشيء الذي قد يدفعهم إلى الانتفاضة والعصيان المدني، وقد قدر عدد الأشخاص المهددين بالجوع بأكثر من 100 مليون نسمة حاليا.
في آخر مؤتمر للمنظمة العالمية للغذاء، المنعقد بروما، نادى الجميع بضرورة تأمين الغذاء للجميع، وبذل الجهود الممكنة لحفظ عدد الذين يعانون سوء التغذية.
وأكد البيان الختامي على مغبة استعمال الغذاء كأداة للضغط السياسي والاقتصادي، وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قد حذر بقوة من الفشل في معركة أزمة الغذاء العالمية، كما وجه رسالة إلى المنتظم الدولي ينبهه فيها من مغبة الإخفاق في مواجهة الأزمات الغذائية، ودعا جميع زعماء العالم إلى مكافحة الجوع وتشجيع الأمن الغذائي، وأكد كذلك على أن أعمال الشغب والاحتجاجات كانت بسبب الجوع الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار.
أقر العديد من الخبراء أن العالم سوف تسوده الإضرابات والمظاهرات إن لم يتم تدارك أزمة الغذاء، وقد وقع هذا فعلا في جملة من البلدان، كما ذهب البعض إلى القول، قد تدخل بعض مناطق العالم في أتون حروب أهلية، الشيء الذي أضحى يثير إشكالية خطورة نقص الغذاء على الأنظمة السياسية العاجزة عن تدبير المتطلبات الغذائية الأساسية لشعوبها، علما أن أزمة الغذاء في العام، مصطنعة ومدبر لها نتيجة قرارات واختيارات وسياسات، إذ أن أكثر من 90 بالمائة من الأراضي الصالحة للزراعة بالقارة الإفريقية مثلا لا تزرع والدول الكبرى تحدد ما تزرعه حسب مشيئتها.
حذر "جان زيجلر" مفوض الأمم المتحدة للحق في الغذاء، في إحدى مقالاته بصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، نشر في غضون شهر أبريل الماضي، من اجتياح الفوضى للعالم بسبب أزمة الغذاء، وقد تطول فترة أعمال الشغب والفوضى والصراعات وموجات من الإضرابات الإقليمية، مشيرا إلى أنه بينما تنفق الأسر في الدول الغربية ما بين 10 إلى 20 بالمائة من دخلها على الغذاء، فإن العائلات في دول العالم الثالث تنفق ما بين 60 و 95 بالمائة من دخلها لضمان لقمة العيش.
ومن جانبه أكد "روبرت زويليك"، رئيس البنك الدولي على أن الارتفاع المستمر والمضطرد في أسعار المواد الغذائية أضحى الآن يهدد أكثر من 30 مليون من سكان القارة السمراء الذين يعيشون تحت خط الفقر، بالمجاعة وتحسبا لذلك أوصى بتزويد المزارعين الفقراء بالبذور والأسمدة الضرورية للإنتاج الزراعي لضمان الغذاء، كما أكد أن على الدول النامية والفقيرة أن ترفع الحظر على تصدير المواد الغذائية التي تساهم في ارتفاع الأسعار.
ومن الإجراءات الجديدة التي ساهمت في تعميق الأزمة الغذائية على الصعيد العالمي، أن هناك مؤشرات تفيد بأن اللهث وراء المزيد من إنتاج الوقود الحيوي (غاز الايثانول)، ارتكازا على مواد غذائية قد يسبب بشكل مباشر، في تعميق المجاعة بالعالم، وفي هذا الصدد اتهم الكثير من النشطاء، في حملة مكافحة الجوع عبر العالم، بخصوص الوقود الحيوي الذي يصنع في الغالب من محاصيل زراعية، تسبب في الأزمة، وتبرر الدول المتقدمة مساعيها لإنتاج الوقود الحيوي بدعوى إتاحة سبيل للحد من الانبعاثات الناجمة عن وسائل النقل وتقوية درجة أمن طاقتها.
وللإشارة، توجه الولايات المتحدة ربع إنتاجها من الذرة لإنتاج غاز الإيثانول بحلول سنة 2022، كما يعتزم الاتحاد الأوروبي توفير عشرة (10) بالمائة من وقود السيارات من الطاقة الحيوية بحلول سنة 2020.
لقد أفضى ارتفاع واردات المنتوجات الغذائية إلى المساهمة في مفاقمة الميزان التجاري المغربي (إلى جانب المنتوجات الطاقية) خلال الأربعة أشهر الأولى من سنة 2008، وذلك رغم الأداء الجيد لصادرات الفوسفاط الذي ارتفع سعره مؤخرا في الأسواق العالمية.
في تصريح، أكد صلاح الدين مزوار، وزير الاقتصاد والمالية، أن المغرب سيستورد ما بين 30 و 50 مليون قنطار من القمح حتى متم سنة 2009 نظرا للمستوى المنخفض للإنتاج الوطني مقارنة بالحاجيات الملحة.
ويرى الاقتصادي نجيب أقصبي، أنه رغم عدم توفر معلومات دقيقة حول الأوضاع المعيشية بالبادية المغربية، فإن هناك جملة من المناطق المهمشة بدأت تعيش وضعية سوء التغذية، لكن لا يتم الحديث عنها، وبالنسبة لنجيب أقصبي، إن الإشكالية الجوهرية تظل أراد من أراد، وكره من كره، هي "الأمن الغذائي"، فبالرغم من أن القائمين على الأمور يجتهدون لتوفير المواد الغذائية بالكميات اللازمة، لكن ذلك يتم مقابل تعميق التبعية الغذائية للخارج دون الاهتمام بضرورة الحرص على التوازن الغذائي ببلادنا.
ومهما يكن من أمر، إن ضمان الأمن الغذائي ليس بالأمر المستحيل الآن بالنسبة للمغرب، وإنما هو بحاجة فقط إلى قرار سياسي تملك الدولة به قوتها، ثم قرارها لتحديد اختياراتها دون إضرارها، تحت مختلف الضغوطات، للامتثال للأوامر الواردة عليها من الخارج، لكن متى ستحضر الشجاعة لاتخاذ مثل هذا القرار؟
خلفيات الأزمة الغذائية بالمغرب
عموما في المجال الفلاحي مر المغرب بثلاث مراحل كبرى، مرحلة سياسة السدود، التي استمرت إلى حدود ثمانينات القرن الماضي، ثم تلتها مرحلة التكييف الهيكلي، وبعدها جاءت مرحلة غياب رؤية وسياسة فلاحيتين جملة وتفصيلا.
تمحورت سياسة السدود حول مشروع تحديث الفلاحة ببلادنا (8 إلى 10 بالمائة من الأراضي والمساحات الصالحة للزراعة) لجعلها قاطرة تجر الباقي إلى التحديث والعصرنة، إلا أن هذا لم يحدث، وذلك رغم توظيف إمكانيات هائلة استفادت منها، في نهاية المطاف، حفنة من المحظوظين وكان من الطبيعي تعميق الفوارق وخلق اختلافات كبرى.
إن الأهداف التي حددتها سياسة همت بالأساس تشجيع التصدير وتنمية إنتاج المنتوجات الموجهة إلى السدود الداخلية في إطار رؤية تعويض الواردات (التي كانت "موضة" آنذاك عملت بها كل دول العالم الثالث)، لكن النتيجة كانت فشلا ذريعا على جميع المستويات، لأنه لم يتم التوصل إلى إنتاج المواد الأساسية بالقدر الكافي الضامن لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وبذلك تكرست التبعية الغذائية، وأضحت مع مرور الوقت أكبر بكثير من السابق.
إلى حدود سنة 1974 كان الميزان التجاري الغذائي يتوفر على فائض، ومنذ ذلك الحين حتى يومنا هذا تكرس العجز وظل يتسع ولا زال، ومن ثمة لم يتحقق ولو هدف تحسين حالة الصادرات لجعلها قاطرة للنمو، ومع حلول مرحلة التكييف الهيكلي وقع تحرير بعض القطاعات، وكانت الغاية جعل القطاع الخاص يمتلك زمام المبادرة ويستفيد من الإمكانيات التي تتيحها السوق الحرة للاستثمار لتكييف الإنتاج، لكن في الأخير خرجنا بخفي حنين ("لا حمار لا سبعة فرانك") أو "لا ديدي لا حب الملوك"، فلا الصادرات شكلت قاطرة تجرنا نحو تحسين الأوضاع المعيشية لأوسع الفئات ولا نحن حافظنا على درجة تبعث على الاطمئنان بخصوص أمننا الغذائي.
في منتصف التسعينات، قيل إن المرحلة تستدعي وضع إستراتيجية فلاحية للتنمية القروية، وكل وزير كان يأتي بتصوره ورؤيته يثبتها في وثيقة يكون مآلها السبات في رف من رفوف أرشيف الوزارة، إلى أن وصلنا إلى وضعية حيص بيص بامتياز، ففي مرحلة الحبيب المالكي، كان يقال إن المغرب بلد فلاحي وجاء إسماعيل العلوي وقال المغرب ليس بلدا فلاحيا، وتلاه آخر بتصور آخر، دون أن يبلور أي منهم إستراتيجية واضحة المعالم ومحددة المقاصد والغايات، قادرة على الاستجابة لانتظارات أوسع الفئات بالمغرب والضامنة لأمنه الغذائي لتخليصه من التبعية البنيوية للخارج في هذا المجال.
في ظل هذا الارتباط ضاع مفهوم الأمن الغذائي إلى أن حلت سنة 2005، فكانت الضربة القاضية حين وقع المغرب اتفاقيات ترهن مستقبل المغرب والمغاربة وفلاحتهم وغد الفلاحين، وذلك دون الانطلاق من رؤية واضحة. لقد وقعنا اتفاقيات ستتحكم في مسارنا لمدة طويلة ونحن عزل لا نتوفر على أي سلاح للتمكن من الدفاع عن أنفسنا عندما تقتضي الضرورة ذلك.
علينا أخذ العبرة من الدول المتقدمة
لقد حرصت الحكومات الأوروبية منذ زمن طويل على دعم وتقوية قطاع الزراعة ضمن اقتصادها، على تطويره بما لا يضر بيئتها، ولو أن تلك الحكومات اعتمدت مبدأ مماثلا للموقف الذي اعتمدته حكومتنا بإملاء من جهات خارجية، لانهار عندها قطاع الاقتصاد الزراعي ولغدت شعوبها مستوردة لكل ما تستهلك من مواد ومنتوجات غذائية.
لقد فهمت تلك الحكومات، خلافا لحكوماتنا ما للأمن الغذائي والاستقلال الغذائي من أهمية كبرى في إستراتيجية الأمن القومي، لذلك دعمت ماليا ومعنويا وبجميع الوسائل الممكنة منتجيها الزراعيين في بلدانها.
تلك الحكومات أرادت إنتاجا زراعيا وفيرا، وجيدا في نوعيته واكتفاءا ذاتيا من الغذاء، تم تصدير الفائض منه بأسعار رخيصة نسبيا حتى يملك القدرة التنافسية في الأسواق الخارجية، ما يمكنه من إضعاف وتقويض بنيات الزراعة وأركان القطاعات الغذائية المنافسة في البلدان الإفريقية والأسيوية والأمريكية اللاتينية الفقيرة.
تدخلت الدولة في تلك البلدان في الاقتصاد الزراعي، ولازالت تنفق أموالا طائلة متأتية من الضرائب في سبيل الأمن الغذائي لمجتمعها، ومن أجل إنتاج وتصدير فوائض زراعية وغذائية بأسعار تنافسية، وبذلك جمعت في ذات الآن، ما يخدم مصالحها الاقتصادية، بين هذا التدخل للدولة المنافي للاقتصاد الحر وبين الدعوة إلى تحرير التجارة العالمية والذي انتهى إلى إلحاق الدمار بزراعتنا وفلاحينا نحن، واليوم نعاين تقويض بنية وأركان زراعتنا، والعصف بأمننا الغذائي والزراعي، وبذلك ظلت وارداتنا الغذائية تزداد، وأضحينا نجلب جزءا هاما من حاجياتنا الغذائية الضرورية من غذاء تلك الدول، والذي كان سعره رخيصا (قبل أن يدمر قطاعنا الزراعي) لكنه الآن أصبح غاليا وسائرا نحو المزيد من الغلاء.
والحالة هذه، إن جملة من الدول الغربية أضحت الآن تفضل استعمال أراضيها لتوفير منتوجات حكومتنا المتعاقبة منذ الاستقلال، التي جعلت لقمة عيشنا يتحكم فيها الأجنبي، وقد يستعملها كوسيلة للضغط أو كسلاح يفرض علينا ما يحلو له، وقد يصل به الأمر إلى تهديد استقرارنا السياسي أو الاجتماعي إن هو رغب في ذلك.
هذه بعض تداعيات الأزمة الغذائية المحتملة بالنسبة للمغرب، فماذا عن الأزمة الكهربائية المرتقبة وأمنه الطاقي؟
أزمة الكهرباء بالمغرب
إن الفاعلين في قطاع الكهرباء يجمعون الآن أن المغرب لا محالة سيعرف أزمة الطاقة الكهربائية، إذا ظلت الأمور على ما هي عليه في هذا القطاع دون تدارك الموقف.
ومن المؤشرات التي كشفت بوادر هذه الأزمة التفاوت الكبير الحاصل بين العرض والطلب، ولا يخفى على أحد الآن أنه حصل خصاص في الطاقة الكهربائية، بفعل ضعف الإنتاج الوطني من الكهرباء، مما فرض تغطيته عن طريق الاستيراد من الخارج.
كما أن المكتب الوطني للكهرباء يقر أن الأزمة حاضرة وأنه لا بد أن تبذل المزيد من الجهود للتصدي إليها، لذلك سبق له أن دعا إلى تعميم المصابيح المنخفضة الاستهلاك وتشجيع استعمال الألواح الشمسية في الوسط الحضري وشبه الحضري واستعمال التجهيزات الكهربائية ضعيفة الاستهلاك للطاقة.
يرى الكثيرون أن المغرب سيعرف لا محالة أزمة طاقية، الشيء الذي أثار الكثير من التساؤلات بخصوص الإجراءات المتخذة ونجاعتها من قبيل إضافة ساعة للتوقيت الرسمي أو فتح حساب خاص للمساعدات الاقتصادية الخارجية بعد تلقي هبات مالية من طرف كل من الإمارات والمملكة السعودية، في حين إن المطلوب هو إلزامية بلورة خطة استعجالية والإقرار بإستراتيجية طاقية واضحة المعالم ومحددة المقاصد، وهذا من قبيل أضعف الإيمان ليس إلا.
لم يتوقف القائمون على أمور طاقتنا على نفي أن المغرب معرض لأزمة طاقية كهربائية، موضحين أن كل ما في الأمر، أن هناك مجرد مشكلة عجز سرعان ما تم احتواؤها، وبالتالي لا داعي للتهويل ما دام المغاربة لن يعرفوا الظلام. لكن هذا التصريح، هل هو الحقيقة، أم مجرد إدعاء لعدم إقلاق المستثمر الأجنبي المراد جلبه إلى قطاع الطاقة بالمغرب؟ علما أن الأجانب يعرفون عن المغرب أكثر مما يعرفه المغاربة أنفسهم.
وتحسبا لأزمة الكهرباء سعت بلادنا إلى الإقرار بتعاون مع الاتحاد الأوروبي بهدف تحقيق التقارب بين السياسات الطاقية. وفي هذا المضمار وقع المغرب مع المفوضية الأوروبية تصريحا مشتركا يتعلق بأولويات التعاون في مجال الطاقة وبروتوكول اتفاق حول البرنامج المالي 2007 – 2010.
ولازال المغرب يتحاشى الكهرباء النووي، علما أن المكتب الوطني للكهرباء سبق وأن أعلن، سنة 2007، عن مشروع لإنشاء محطة نووية لإنتاج الكهرباء (700 إلى 1000 ميغواط) في أفق 2017، إلا أنه يبدو أن الضوء الأخضر بخصوص هذا المشروع مازال لم يعط بعد.
الإقرار باحتمال حدوث الأزمة
لقد سبق للمدير العام للمكتب الوطني للكهرباء، يونس معمري، أن صرح أن سنة 2008 ستعرف بداية أزمة على مستوى الكهرباء، في حين رد وزير الطاقة والمعادن السابق، محمد بوطالب، بنفي احتمال حدوث أية أزمة بهذا الخصوص، بحجة أن المغرب عمل منذ العقدين السابقين على خلق الضمانات التي من شأنها تجنيب بلادنا الوقوع في أية أزمة كهربائية، وبعد هذا التصريح ظهر مخطط التجهيز الطاقي 2008-2009، خاويا على عروشه باستثناء بعض المحطات الصغيرة القليلة، وفسر العديد من المحللين هذا الارتباك بغياب كلي لرؤية واضحة في مجال الطاقة بالمغرب، وما لم يستسغه العقل، هو أن معظم المحطات المبرمجة تعتمد على البترول في وقت يشهد سعره ارتفاعات صاروخية، هذا يدل كذلك على افتقار حكومة عباس الفاسي لإستراتيجية طاقية واضحة المعالم ومحددة المقاصد، مما يقوي إمكانية حدوث أزمة طاقية (الكهرباء) في المستقبل القريب.
ومن مؤشرات ارتباط الحكومة البين في هذا القطاع الاستراتيجي والحيوي، فشلها في إقامة إحدى المحطات التي راهنت عليها لخلق التوازن، وهي محطة "كاب غير" بضواحي آسفي ليكون مصيرها الإهمال، وإن دل هذا على شيء فإنه يدل على فشل القائمين على أمور الطاقة ببلادنا.
وتقر وكالة إنعاش المقاولات الصغرى والمتوسطة أن أزمة قطاع الكهرباء واردة مستقبلا بفعل ضعف القدرات الإنتاجية للمغرب في مجال الكهرباء، وسيتعاظم هذا الضعف أكثر نظرا لتحاشي المغرب في الانخراط في الخيار النووي من أجل إنتاج الكهرباء رغم وضوح جدواه المالية والاقتصادية.
وأكد مولاي حفيظ العلمي، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب التخوف المستمر لأرباب المقاولات بخصوص التزود بالطاقة الكهربائية، أن السبب الرئيسي في أزمة الكهرباء هو التأخر في تحقيق الاستثمارات المسطرة في قطاع الطاقة، خاصة تلك التي تم الإعلان عنها سنة 2002، إذ لوحظ تأخير انطلاق بعض المشاريع، منها المحركات المستعملة بالغاز بمدينة المحمدية والمحطة الحرارية بعين بني مطهر، والتي يبدو أن تشغيلها لن يتأت إلا بحلول 2010 خلافا لما كان متوقعا، وما يزيد الطين بلة أن أغلب المقاولات المغربية غير مستعدة لمواجهة أزمة طاقة الكهرباء المرتقبة في السنين القادمة، إذ أنها لم تفكر في التزود بمولدات احتياطية..
ومن المشاريع التي عرفت تأخيرا في الإنجاز، يمكن الإشارة إلى مشروع محطة تهدارت الكائنة بين مدينتي طنجة وأصيلة، التي لم تنطلق سنة 2003، كما كان مقررا ولم تبدأ الأعمال بها إلا عام 2005.
القائمون على طاقتها أخلفوا موعدهم مع التنمية
منذ أن أعلن المكتب الوطني للكهرباء عن الإحصائيات المرتبطة بكهربة العالم القروي وإنتاج الكهرباء بالمغرب، شكك الكثيرون في صحتها وعكسها للواقع، كما يجادل العديدون بخصوص التناقضات الواضحة للعيان بين أولويات المكتب الوطني للكهرباء ووزارة الطاقة والمعادن.
كل العروض التي قدمها المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء أو وزيرة الطاقة والمعادن والماء والبيئة أمام البرلمان، لم تقنع أحدا بفعل افتقارها لأدنى تصور استراتيجي ولغضها الطرف عن مختلف المشاكل البنيوية، مما كشف بجلاء اعتماد الارتجالية كنهج للعمل في هذا القطاع الحيوي، ولم يعترف القائمون على أمور طاقتنا إلا بتعثر واحد، وهو المتعلق بالبرنامج الوطني للكهربة القروية.
في حين أكدت أكثر من جهة أن المغرب يوجد على أبواب أزمة طاقية اعتبارا لارتفاع استهلاك الكهرباء المتزامن مع ضعف الاستثمارات في القطاع، علما ان بلادنا ظلت، من حيث لا يدري القائمون على أمورنا، تعيش وضعية طاقية هشة، ورغم ذلك لم يتم التفكير الجدي في تطوير الطاقات البديلة، وإن كان المغرب أول من اهتم بها على صعيد المنطقة العربية والمغاربية في فجر ثمانينات القرن الماضي، وارتهانه إلى السوق الخارجية.
وفي هذا الصدد، قال أحد العالمين بوضعية القطاع عن قرب، إن هذه عادة المسؤولين عندنا، لا يأخذون المشاكل بمحمل الجد إلا بعد بروز المشاكل بشدة واستفحالها، متسائلا، لماذا لم يقو المغرب، وهو البلد السباق إلى الاعتناء بسياسة السدود، على تطوير الطاقة الكهربائية المستمدة منها، هذا في وقت بلغ مستوى نمو الاستهلاك الوطني السنوي للكهرباء 9 بالمائة وأن 60 بالمائة منه آتية من المحروقات حسب ما أكده يونس معمري المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء نفسه، هذا في وقت يمتلك 98 بالمائة من المغاربة جهاز التلفاز و 43 بالمائة من الإقامات على مكيفات هوائية، قصد الإشارة فحسب.
ويتكلف المكتب الوطني بإنتاج ما يربو على 30 بالمائة، في حين ينتج المستقلون 60 بالمائة ويستورد المغرب حاليا ما يناهز 10 بالمائة من حاجياته، وفاق استهلاك الطاقة خلال سنة 2007 حجم 13 مليون طن من البترول، علما أن الطلب الوطني على الكهرباء تطور بنسبة تفوق 8 بالمائة خلال خمس سنوات الأخيرة، وتتطلع بلادنا لرفع إنتاج الطاقة الريحية إلى 1000 ميغاواط في أفق 2012.
ومهما يكن من أمر، إن إمكانية الخروج من الأزمة الطاقية المحدقة يتطلب على أقل تقدير استثمار عشر ملايين درهم سنويا للحصول على 600 ميغاواط لسد العجز.
والأكيد الآن أنه وقع تأخر ملحوظ في إنتاج الطاقة الكهربائية، وحصل خلل على مستوى توزيعها وطنيا، وفي الوقت الذي يتطلب الوضع التفكير الجدي والسريع في بلورة إستراتيجية وطنية طاقية جديدة، تم التركيز على حملة لترشيد استهلاك الطاقة الكهربائية وتغيير ما يناهز 5 ملايين من المصابيح المتوجهة بأخرى ذات استهلاك منخفض قصد اقتصاد ما يقارب 200 ميغاواط في ساعات الذروة، وبذلك يمكن توفير 300 ميغاواط في الساعة سنويا، وهو إجراء إلى جانب إضافة ساعة، غير أنهما يغنيان ولا يسمنان من جوع في مواجهة الأزمة الطاقية المحدقة بالمغرب.
هكذا تكرست التبعية في مجال الطاقة الكهربائية
شكلت سنة 1994 سنة تحول بالنسبة لقطاع الكهرباء، وقد تزامن ذلك مع انتهاء تشييد وحدة الجرف الأصفر التي برمجت أصلا لسد النقص الحاصل في تغطية الحاجيات من الكهرباء، سيما أنه آنذاك، كان التيار الكهربائي ينقطع باستمرار، وكانت القدرة الأولية لتلك الوحدة تسد 35 بالمائة من الاحتياجات الوطنية، وهي نسبة وضعت المغرب على مسافة قريبة جدا من الاكتفاء الداخلي في مجال الكهرباء، لكن في ذلك العام (1997) تم تسليم المشروع لأياد أجنبية في إطار منح الامتيازات قصد استغلاله لمدة ثلاثة عقود بثمن باهظ مقارنة بكلفة إنتاجه، واعتبارا لأن الصفقة شكلت "بزولة" ذات حليب وافر سارع الأجانب أصحاب الامتياز، إلى بناء وحدتين إنتاجيتين إضافيتين لتصل قوة الإنتاج إلى ما يربو على 65 بالمائة من الحاجيات الوطنية من الكهرباء، وهكذا رهن قطاع حيوي بيد أجانب لمدة 30 سنة.
كما منحت بعض المجالس المنتخبة قطاع توزيع الماء والكهرباء عبر عقد التدبير المفوض ("ليديك" بالدار البيضاء و"ريضال" بالرباط و" أمانديس" بالشمال...)، والانتهاء برغبة تحويل المكتب الوطني إلى قطاع الكهرباء لشركة مساهمة.
ومن المعلوم أن قطاع الكهرباء لا زال يعتبر من القطاعات الحيوية، باعتبار أن كل المحللين أجمعوا على أن الحكومات لا تطمئن لتدبير الخواص لهذه الخدمة لاعتبارات اجتماعية وأمنية وإستراتيجية.
تزداد الإشكالية تعقيدا إذا علمنا أن أزمة الطاقة الكهربائية ببلادنا، ككل الأزمات التي تعيشها بلادنا، أنها نتاج اختيارات وسياسات فاشلة، فقطاع الطاقة يعرف اختلالات كبيرة، ومن معالمها يمكن ذكر عملية تفويت محطة "جليك" لشركة أمريكية صاحبة الامتياز لمدة 30 سنة بمبلغ هزيل مقاربة بحكم الأرباح الذي تحصده على "ظهر المغاربة" وتصاعد الاحتياج الوطني للكهرباء بنسبة 8 أو 9 بالمائة، وهو العجز السنوي المتوسط، وعندما تبين عجز المكتب الوطني على توفير الكمية الضرورية من الطاقة دفع الوزارة إلى اقتراح تشجيع الإنتاج الذاتي بخصوص الشركات الأكبر استهلاكا للطاقة، مما أدى إلى نهاية احتكار المكتب الوطني للكهرباء للقطاع في وقت تعمقت فيه مديونيته بشكل لم يسبق له مثيل.
والحالة هذه، هناك عدة أسباب لانتظار حدوث أزمة طاقية كهربائية بالمغرب، ولعل الأكثر ظهورا منها، عجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها بخصوص قطاع الطاقة وارتهان بلادنا للخارج في تلبية حاجياته الطاقية الكهربائية، مما يفيد بوقوع المغرب تحت رحمة تبعية بنيوية في هذا المضمار.
أضحت الأزمة الغذائية آفة كونية بفعل فاعل
إن الأزمة الغذائية على الصعيد العالمي تسير نحو التأزم، فأسعار المنتوجات الغذائية ترتفع باستمرار، وبذلك يصبح ملايين البشر مهددين بالجوع، الشيء الذي قد يدفعهم إلى الانتفاضة والعصيان المدني، وقد قدر عدد الأشخاص المهددين بالجوع بأكثر من 100 مليون نسمة حاليا.
في آخر مؤتمر للمنظمة العالمية للغذاء، المنعقد بروما، نادى الجميع بضرورة تأمين الغذاء للجميع، وبذل الجهود الممكنة لحفظ عدد الذين يعانون سوء التغذية.
وأكد البيان الختامي على مغبة استعمال الغذاء كأداة للضغط السياسي والاقتصادي، وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، قد حذر بقوة من الفشل في معركة أزمة الغذاء العالمية، كما وجه رسالة إلى المنتظم الدولي ينبهه فيها من مغبة الإخفاق في مواجهة الأزمات الغذائية، ودعا جميع زعماء العالم إلى مكافحة الجوع وتشجيع الأمن الغذائي، وأكد كذلك على أن أعمال الشغب والاحتجاجات كانت بسبب الجوع الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار.
أقر العديد من الخبراء أن العالم سوف تسوده الإضرابات والمظاهرات إن لم يتم تدارك أزمة الغذاء، وقد وقع هذا فعلا في جملة من البلدان، كما ذهب البعض إلى القول، قد تدخل بعض مناطق العالم في أتون حروب أهلية، الشيء الذي أضحى يثير إشكالية خطورة نقص الغذاء على الأنظمة السياسية العاجزة عن تدبير المتطلبات الغذائية الأساسية لشعوبها، علما أن أزمة الغذاء في العام، مصطنعة ومدبر لها نتيجة قرارات واختيارات وسياسات، إذ أن أكثر من 90 بالمائة من الأراضي الصالحة للزراعة بالقارة الإفريقية مثلا لا تزرع والدول الكبرى تحدد ما تزرعه حسب مشيئتها.
حذر "جان زيجلر" مفوض الأمم المتحدة للحق في الغذاء، في إحدى مقالاته بصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، نشر في غضون شهر أبريل الماضي، من اجتياح الفوضى للعالم بسبب أزمة الغذاء، وقد تطول فترة أعمال الشغب والفوضى والصراعات وموجات من الإضرابات الإقليمية، مشيرا إلى أنه بينما تنفق الأسر في الدول الغربية ما بين 10 إلى 20 بالمائة من دخلها على الغذاء، فإن العائلات في دول العالم الثالث تنفق ما بين 60 و 95 بالمائة من دخلها لضمان لقمة العيش.
ومن جانبه أكد "روبرت زويليك"، رئيس البنك الدولي على أن الارتفاع المستمر والمضطرد في أسعار المواد الغذائية أضحى الآن يهدد أكثر من 30 مليون من سكان القارة السمراء الذين يعيشون تحت خط الفقر، بالمجاعة وتحسبا لذلك أوصى بتزويد المزارعين الفقراء بالبذور والأسمدة الضرورية للإنتاج الزراعي لضمان الغذاء، كما أكد أن على الدول النامية والفقيرة أن ترفع الحظر على تصدير المواد الغذائية التي تساهم في ارتفاع الأسعار.
ومن الإجراءات الجديدة التي ساهمت في تعميق الأزمة الغذائية على الصعيد العالمي، أن هناك مؤشرات تفيد بأن اللهث وراء المزيد من إنتاج الوقود الحيوي (غاز الايثانول)، ارتكازا على مواد غذائية قد يسبب بشكل مباشر، في تعميق المجاعة بالعالم، وفي هذا الصدد اتهم الكثير من النشطاء، في حملة مكافحة الجوع عبر العالم، بخصوص الوقود الحيوي الذي يصنع في الغالب من محاصيل زراعية، تسبب في الأزمة، وتبرر الدول المتقدمة مساعيها لإنتاج الوقود الحيوي بدعوى إتاحة سبيل للحد من الانبعاثات الناجمة عن وسائل النقل وتقوية درجة أمن طاقتها.
وللإشارة، توجه الولايات المتحدة ربع إنتاجها من الذرة لإنتاج غاز الإيثانول بحلول سنة 2022، كما يعتزم الاتحاد الأوروبي توفير عشرة (10) بالمائة من وقود السيارات من الطاقة الحيوية بحلول سنة 2020.