لعل من اهم واجبات القضاء هو تحقيق العدالة بل هو الواجب الرئيس ،لكن ماهي العدالة التي يسعى القضاء الى تحقيقها هل نقصد بالعدالة؟ العدالة بمفهومها العام التي هي ضد الباطل ،ضد الشر،ضد الفوضى لان الباطل خرق في العلاقة بين الانسان واخيه الانسان وتعد على انسجام المجتمع وتوافقه ، ولان الشر يمثل الجوانب السلبية في تفكير البشر وسلوكهم وهو مظهر انقسامهم وتوزعه وتفكيكه ومنعهم من الخضوع للقيم العليا ولان الفوضى عكس النظام وهي اضطراب وانفلات وانقسامات قوى المجتمع.
نعلم ان المجتمع يتكون من مجموعة من الافراد(البشر) ولكل فرد رغباته وتطلعاته وطموحاته المشروعة وغير المشروعة وقد تتعارض، بل من الطبيعي ان تتعارض هذه الرغبات والتطلعات والطموحات بين افراد المجتمع الواحد لاختلاف الامزجة والثقافات ، وبالتالي يحصل النزاع لذا فان سمة تنازع الانسان مع الانسان سمة الحياة الاجتماعية، وتحقيق العدالة يتطلب حل هذا النزاع ، وحل هذا النزاع يتم من خلال اعادة اللحمة والانسجام والتوافق بين الانسان واخيه الانسان .اذا فالعدالة وفقا لمفهومها العام تمثل تحقيق القيم المثلى للمجتمع لاعادة الانسجام للحياة الاجتماعية، وهي مجموعة قناعات وافكارعند الانسان ايا كان ،حاكما ، ام قاضيا ، ام مواطنا وهذه القناعات والافكار غير محددة وبالتالي يصعب لفئة واحدة (القضاة) تحقيقها ، لذا يتطلب تحقيقها تدخل الجميع الحكام والقضاة والمواطنين . علية فالعدالة وفقا لهذا المفهوم لاتحدها قواعد مكتوبة او غير مكتوبة وانما حدودها الخير والشر وهي ان نختار الخير ونبعد الشر و ان نكون مع الحق ضد الباطل .
فالعدالة اذا وفقا لهذا المفهوم فيها عموم تصلح لكل المجتمعات كونها تمثل العدالة الانسانية وان المجتمعات الانسانية وان كانت متفقة على المبادئ الاسياسية للحياة الاجتماعية ، الا انها تختلف في الجزئيات لاختلاف الاعراف والعادات والقيم .لذا عمد كل مجتمع وضع القانون الذي يحكمه و من خلاله تحقيق العدالة فيه .
اذا فالعدالة التي يتطلب تحقيقها من قبل القضاء هي العدالة الوضعية التي تنطلق من القانون الذي يضعه الانسان او يتبناه ، فهي اذا عدالة انسانية، واداة تحقيق العدالة فيها هو القانون ،والقانون هو (مجموعة القواعد القانونية الملزمة التي يقوم بتشريعها السلطة المختصة في الدولة لتنظيم العلاقات الاجتماعية بين الناس والمقترن بجزاء مادي تفرضه على من يخالفها ) والقاعدة القانونية
هي(قاعدة تنظيم السلوك الاجتماعي للافراد وتتصف كونها عامة ومجردة وتقترن بجزاء مادي تصدره السلطة العامة وتوقعه ) ، والقاعدة القانونية تبنى على نشوء مشاعر الافراد المكونيين للمجتمع الكامنة في ضمائرهم لاحساسهم بالحاجة الى الشعور بالتضامن الاجتماعي والشعور بالعدالة ، وتخلق القاعدة القانونية وفقا لسياقات معينة متبعة في كل مجتمع.
اذا فالقانون هو التعبير عن حاجات ومتطلبات الانسان في المجتمع أي انه
تعبير عن ارادة الافراد المكونين لهذا المجتمع.
ولكي يحقق القاضي العدالة ويقول كلمته في النزاع المعروض عليه فلا بد من وجود القانون العادل ، وعدالة القانون تتحقق بوضعه على اسس علمية رصينة بان يستقي مصادره من واقع وقيم وحاجات المجتمع وعلى المشرع ان يصوغ النصوص القانونية الملائمة لحالة مجتمعة والاخذ بما هومتعارف بينهم من اعتبارات ، والقانون العادل لا يعطي بعده الحقيقي ومعناه الا من خلال ،
اولا سيادته ،وسيادة القانون تتمثل بتطبيقه الصحيح من دون تمييز بين المشمولين باحكامه .وثانيا استقرار نظام الحكم وقيامه على اسس سليمة .وثالثا سلامة جهاز الدولة التنفيذي ، وسلامته تتحقق باتصاف هذه الاجهزة بالنزاهة والكفاءة والاخلاص.
وبعد ذلك ياتي دور القضاء في تحقيق العدالة ، وتحقيق العدالة نجد اساسها في كوامن نفس القاضي ، في تحسسه بالعدالة ،في تعايشه مع افراد مجتمعه.وان ذلك لا يتحقق الا اذا توفرت
شروط معينة في القاضي وتتمثل هذه الشروط ، اولا ان يكون ملتزما أي ان يكون ملتزم بتطبيق القوانين المرعية النافذة وثانيا ان يكون قادرا على الاجتهاد في القضايا التي تتطلب ذلك وقبل هذا وذاك يجب ان يكون القاضي مثقفا أي ملما بثقافات المجتمع الذي يعيش فيه ومواكبا للتطور الحاصلة في المجتمع وقادرا على اقناع اطراف النزاع بالقرار الذي يصدره .
اذا فمسيرة العدالة مسيرة طويلة ومعقدة وتحقيقها يتطلب تعاون عدة
عوامل ، المجتمع ، والقانون ، والقاضي .