1 ـ لمحة تاريخية عن نشأة الحركة النقابية المغربية
مرت على دخول التنظيم النقابي العصري إلى المغرب حوالي 100 سنة، فبعد سنوات قليلة على توقيع معاهدة الحماية بدأت تتكون جمعيات مهنية في المغرب على يد الأجانب متأثرة بتطور الأوضاع في فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى.حيث الشروط تأسست ثلاث تجمعات مهنية في ظرف ثلاثة أشهر سنة 1919 :
- الجمعية العامة لموظفي الحماية (10 ماي 1919)
- تجمع عمال و مستخدمي الشحن و الإفراغ المغربي (8 يونيه 1919)
- اتحاد وداديات شغيلة الكتاب بالدار البيضاء (10 يوليوز 1919)
بعدما كانت قد تأسست تعاضدية البريديين عام 1916 كأول تنظيم تعاوني بالمغرب.
و مع صعود حكومة "الكتلة الوطنية" اليمينية في فرنسا، التي قمعت إضرابات ربيع 1920 الكبرى و لاحقت النقابيين و حاكمتهم. انعكست هذه الأوضاع على الحركة العمالة المغربية ، وادت إلى تحول التجمعات المهنية إلى وداديات مهنية سنة1922 كان من اهمها :
- الجمعية الودادية لبريد المغرب
- ودادية التعليم الثانوي بالمغرب
- ودادية التعليم الابتدائي بالمغرب(كانت من أقوى الوداديات، حيث أن المعلمين حملوا أنفسهم مسؤولية تعليم الطبقة العاملة وتأطيرها)
- ودادية الإدارة العامة للأشغال العمومية .
جاء فوز تكتل اليسار في انتخابات ماي1924، لتعرف الحركة النقابية تحولا ت مهمة ،فقد كان من أبرز نتائج هذا الانتصار الانتخابي الاعتراف بالحق النقابي للموظفين.
كما أن انشغال الحماية بحرب الريف (1925) دفعها إلى العمل على تهدئة النزاعات الاجتماعية وأدت هذه التحولات إلى نوع من الانفراج ، مما أتاح اتساعا ملحوظا للعمل السياسي و النقابيً. فأنشأ الشيوعيون بالكونفدرالية العامة الموحدة للشغلC.G.T.U بفرنسا لجنة عمل ضد الحرب في الريف، كانت تؤيد الحركات الوطنية في المستعمرات، كما عرف المغرب، منذ 1924 أنشطة مكثفة للحزب الاشتراكي، الفرع الفرنسي للأممية العمالية SFIO. و قد أعطى الاشتراكيون والشيوعيون دفعة هامة للعمل النقابي بالمغرب بحيث انصبوا على تكوين العمال من خلال عروض وندوات مستغلين كل المناسبات والفرص المتاحة.
كما عملوا على تعبئة الشغيلة و تقوية التجمعات المهنية. كان لهاته التحولات السابقة الذكر أثر كبير على الحركة النقابية من حيث هيكلتها و مطالبها. فبدأت بعض الوداديات تتحول إلى نقابات رغم المنع .(الودادية المهنية للسككين - النقابة الوطنية لمعلمي ومعلمات فرنسا 192)
ورغم التطور الكبير للنسيج الاقتصادي الاستعماري بين سنوات1926-1929. فقد تم الهجوم والإجهاز على المكتسبات التي أحرزها العمال الفرنسيون بالمغرب ومعهم المغاربة. فتوجهت الطبقة العاملة الفرنسية لتوحيد صفوفها من أجل مواجهة التراجعات. ونشط العمل النقابي بالمغرب بالرغم من المنع الاستعماري للحق النقابي.
ناضلت الحركة النقابية في هذه المرحلة من أجل تحقيق المطالب الأساسية التالية: (الاعتراف القانوني بالحق النقابي، العطلة الأسبوعية و يوم عمل من 8 ساعات...)، وهي المطالب نفسها التي تمت صياغتها والمطالبة بها منذ البدايات الأولى للعمل النقابي بالمغرب. و بالموازاة مع هذا النشاط بدأ مسلسل تجميع التجمعات المهنية و النقابية فبالإضافة إلى قطاع التعليم المنضوي تحت لواء (ك .ع .شC.G.T)حول البريديون وداديتهم إلى فروع للنقابات الوطنية الثلاث (أطر، مستخدمون، عمال) المنخرطة في( ك ع ش). كما ظهر تجمع عام التجمع الودادي لفئات المستخدمين البريديين في المغرب"، انخرط فيه المتعاطفون معC.G.T.U الكونفدرالية العامة الموحدة للشغل. و توج هذا المسار بتأسيس اتحاد النقابات بالمغرب (الاتحاد الجهوي C.G.T) خلال مؤتمر تأسيسي انعقد بتاريخ 22-6-1930.
لكن للأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 كان لها أثر كبير على الاقتصاد المغربي. وانعكاسات خطيرة على المأجورين. أدت إلى تكوين اتحادات نقابية لمواجهة الوضع. فتأسست الفيدرالية المغربية للتعليم العموميً (1934) ضمت إلى جانب نقابة المعلمين كلا من ودادية التعليم العاليً (تأسست سنة 1933) و فيدرالية وداديات التعليم الأوربي للسلك الثانوي بالمغربً (تأسست سنة 1934)، و دخلت فيدرالية التعليم العمومي في تكتل مع فيدرالية الموظفين و فيدرالية البريد أطلق عليه تكتل المصالح العموميةً (1934). وبالنسبة للقطاعات الأخرى توسع الانخراط في الاتحاد الجهوي لـ (ك ع شً) و لضمان وجود قانوني و التمكن من التفاوض مع المشغلين اتخذت تجمعات هاته القطاعات تسمية جمعية مهنيةً أو مجموعةً، و نذكر منها:
- نقابة البحارة الصيادين ذات التسمية الرسمية "الجمعية المهنية للبحارة الصيادين للدار البيضاء و لباقي مدن المغرب" (يونيه 1934)، و كانت تضم 350 منخرطا (80 في المئة من البحارة: إسبان، برتغاليون و مغاربة)
- "الجمعية المهنية لمستخدمي الفوسفاط" و التي تم الاعتراف بها يوم 18-9-1933، و كانت مطالبها تتركز حول المطالبة باستقرار الشغل و ضمان (الترسيم) و الدفاع عن الأجور و المطالبة بإعداد نظام أساسي للمستخدمينً.
ومند مارس 1935 شرع المناضلون الاوروبيون في استقطاب العمال المغاربة الذين كانوا قليلي التنقيب لما تعرضوا له من منع إلى حدود 1933، وبرز مطلب "أجر متساو لعمل متساو".و تم إدراك أن وحدة الطبقة العاملة هي أكبر سلاح لمواجهة تصلب أرباب العمل وسلطات الاستعمار ، وقد كان لهذه الخطوة تأثير بليغ على الحركة الوطنية المتمثلة في كتلة العمل الوطني. وخلال المؤتمر التأسيسي للإتحاد الجهوي ل C.GT.. يومي 16 و17 /01/1937 تم تغيير اسم C.G.T. إلى C.G.T.U. أي اتحاد النقابات الكونفدرالية بالمغرب وبرز الطابع العمالي المحض وتم الاحتجاج على عدم الاعتراف للمغاربة بالحق في العمل النقابي، حيث تم إدراك قيمة الوحدة والتضامن في النهوض بالعمل النقابي .
جاءت إضرابات يونيو 1936 لتظهر تطور الوعي النقابي لدى العمال المغاربة الذين تحركوا لوحدهم عكس ما كان سابقا، إذ كانوا دوما تابعين لرفاقهم الأوربيين،
كان لنجاح إضرابات 1936 أثر كبير على العمل النقابي ساهم فيه أيضا الانتصار الانتخابي للجبهة الشعبية في فرنسا، هذا العامل الذي دفع بالإقامة إلى الاعتراف بالحق النقابي (ظهير 24-12-1936)، إلا أن هذا الحق ظل مقيدا إذ احتفظ بالترخيص المسبق لتأسيس النقابات، و اقتصر على الأوربيين، كما منع انخراط النقابات المغربية في الاتحادات الفرنسية، و هو ما أثار احتجاج النقابيين فحصلوا فقط على حق تأسيس الاتحادات.
وخلال المؤتمر الثامن للاتحاد الجهوي لـ (ك ع ش) بالدار البيضاء الذي انعقد يومي 16 و 17-1-1937، تم التأكيد على خصوصية الحركة النقابية في المغرب، فاتفق المؤتمرون على تغيير اسم الاتحاد الجهوي لـ (ك ع ش) بـ (اتحاد النقابات الكونفدرالية بالمغرب USCM).
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية وما واكبها من تحولات سياسية ،عرفت الحركة النقابية المغربية تغيرات تنظيمية دفعت نحو مغربتها من خلال ظهور (ك.ع.ش)في شكل جديد سنة1943. سيحمل عقب مؤتمره التأسيسي (5 مارس 1944) اسم الاتحاد العام للنقابات الكونفدرالية بالمغرب (U.G.S.C.M) منضويا تحت لواء المركزية الفرنسية (C.G.T).
2 ـ رؤية نقدية حول نشوء الطبقة العاملة المغربية وبداية مغربة الحركة النقابية
كان المغرب من نصيب الاستعمار الفرنسي حيث دخل رسميا في 30مارس1912 تحت نظام الحماية الذي شهد المجتمع المغربي في ظله تحولا على مستوى نمط الانتاج بهيمنة نمط الانتاج الرأسمالي. وتعرضت أنماط الإنتاج التقليدية للتفتيت التدريجي بفعل التدخل العنيف للرأسمالية .التي لم تظهر في المغرب نتيجة للتطور الطبيعي كما كان الحال في اوروبا. و إنما نتيجة نمط انتاج جديد خاضع في نشوئه وتطوره إلى حاجيات المركز المهيمن على قوى الانتاج وعلاقاته.
وفي ظل هذه المتغيرات نشأت قوى إنتاج جديدة، انحدرت منها طبقة عاملة مغربية ستنخرط تدريجيا في المدرسة النقابية الفرنسية التي ساهمت في تثقيفها تأطيرها، ومساعدتها على تحقيق بعض المطالب. لكنها بالمقابل لعبت دورا في صرفها عن انشاء نقابات خاصة، وحاولت ابعادها عن الانخراط في صفوف الحركة الوطنية. فمن اين انحدرت النواة الأولى للطبقة العاملة المغربية؟ وما هي المراحل التي قطعتها في ظل الحركة النقابية الفرنسية قبل أن تصل إلى مرحلة المغربة؟
إن دراسة الحركة العمالية والنقابية يقدم لنا معلومات مهمة في مجال التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمغرب. تؤرخ لانتقال المغرب من اقتصاد عتيق ذو نمط إنتاج تقليدي إلى اقتصاد تحكمه علاقات الإنتاج الرأسمالي الاستعماري. وما صاحب هذا الانتقال من تكون النواة الأولى من الطبقة العمالية المغربية من أبناء البوادي المفقرين الذين هاجروا إلى المدن بسبب استيلاء المعمرين على أخصب الأراضي، ومن صغار الحرفيين الذين قضت عليهم منافسة السلع الأجنبية. والذين شكلوا يدا عاملة رخيصة لقطاعات الصناعة والخدمات التي يحتاجها الرأسمال الاحتكاري الاستعماري لنهب خيرات المغرب: مثل الصناعات الاستخراجية بالمناجم ،النقل العمومي، و البناء.
عاش العمال المغاربة في قراهم ومدنهم الجديدة ظروفا اقتصادية واجتماعية بئيسة ساهمت في ظهور مدن الصفيح(كانت تسمى مدن الوحل) بجوار المدن الصناعية و المنجمية. وبداية خروج المرأة إلى العمل ..... وقد صاحب هذه النشأة تزايد كبير للجالية الأوروبية، التي كان لها السبق في انطلاقة الحركة النقابية والعمالية وانتشار الوعي النقابي. وأدخلت معها أنماطا فكرية جديدة خاصة الفكر الاشتراكي و الفكر الشيوعي. بتياراتهما المختلفة التي تسابق كل منها إلى استقطاب العنصر المغربي واستغلاله لتقوية صفوفها وتحقيق مطالبها الخاصة. ورغم الدور المهم الذي قامت به هذه التيارات في تأطير وتوعية العمال المغاربة، فقد كانت السمة الغالبة على التيارات التي طبعت نشأة الحركة النقابية المغربية هي تغليبها لمصالح برجوازيتها المتروبولية فوق مصالح الطبقة العاملة المحلية، مستغلة شعارات التضامن الطبقي و الأممي لتضليلها.
وقد عانى العامل المغربي منذ بداية هذه التحولات من الاضطهاد العنصري الاستعماري الذي يضاعف من وطأة الاستغلال الاقتصادي. حيث أن الإيديولوجيا الاستعمارية القائمة على النهب والسلب، عملت على ترك اليد العاملة المغربية في أسفل السلم بعد الفرنسيين و الأوروبيين. الذين كانوا يتمتعون بامتيازات مهنية ومعنوية داخل المؤسسة الاقتصادية والنقابية، فأجورهم أعلى ومنحهم أكثر. الأمر الذي جعل ارتباطهم بالنظام الاستعماري وثيقا. هذا الارتباط كان واضحا على توجهات الحركة النقابية الفرنسية التي انطلقت تحت لواء الكونفدرالية العامة للشغل(ك.ع.ش). حيث أن الملتمسات الصادرة خلال المؤتمر التأسيسي للاتحاد الجهوي C.G.T المنعقد بتاريخ 22-6-1930.ركزت على ما أسموه"الدور الحضاري لفرنسا بالمغرب"وكذلك الدور الحضاري للعمال الأجانب". ورغم المساهمة الوازنة للعمال المغاربة في إضرابات 1936جاء ظهير 24دجنر 1936 ليؤكد توجه النقابات الفرنسية حول ممارسة السلطة الأبوية على العمال المغاربة. من خلال دعمها للحق النقابي الفردي تحت ظلها، وإغفالها عن قصد للحق النقابي الجماعي المتمثل في إنشاء نقابات مغربية. بحيث نص هذا الظهير على ان النقابات لا تنشأ إلا بين الأوروبيين. وعلى ضرورة تشكيل المكاتب من الفرنسيين وحدهم. خلافا لما كان عليه الحال في تونس التي صدر فيها قانون منذ 1932 .( مرسوم الباي المؤرخ في16 نونبر1932 ،تونس).نص على أن النقابات بإمكانها أن تؤسس بدون ترخيص من الحكومة، وبأن أعضاء المكتب يجب أن يكونوا فرنسيين أو تونسيين.
ظلت السلطات الفرنسية متمسكة بحرمان المغاربة من الحق النقابي، وساعدها على موقفها غموض موقف المناضلين الفرنسيين. خاصة بعد صياغة كتلة العمل الوطني ل"مطالب الشعب المغربي". وتأكيد النضالات الاجتماعية لسنوات 1936-1937-1938 على تنامي الوعي النقابي للعمال المغاربة من خلال انخراطهم القوي (ك.ع.ش) الذي أعطاهم قدرة تفاوضية كبيرة. فأصدرت ظهير 24يونيو1938 لرفع وتيرة منع الحق النقابي.
وجراء المنع المتواصل تحولت الحركة العمالة المغربية تدريجيا للنضال في إطار الحركة الوطنية. واستفادت من أوضاع الحرب العالمية الثانية لتسير حول مغربتها.
إن دراسة نشأة الحركة النقابية مابين1912و1942 تمكننا من استخلاص مايلي:
- التخلف النوعي لقوى العمل.
- الأصول القروية والحرفية لأغلب العمال المغاربة.
- مساهمة تعدد أجناس التركيبة العمالية في إكساب العمال المغاربة ثقافة نقابية .
- السياسة العنصرية لسلطات الحماية وإدارتها ومؤسساتها، وعملها الدؤوب على إعاقة تطور وعي العنصر المحلي.
- نشأة الحركة النقابية المغربية في ظل نقابات فرنسية غلبت مصالح البرجوازية المتروبوليية على مصالح الطبقة العاملة المغربية.
- استغلال الفرنسيين لشعارات الاشتراكية الأممية، وعالمية الحركة النقابية. لضمان تبعية الطبقة العاملة المغربية وإبعادها عن الحركة الوطنية البرجوازية.
- تحول الحركة النقابية تدريجا إلى المسار الوطني لتعمل جنبا إلى جنب مع الحركة الوطنية، قصد الدفاع عن مصالح الطبقة العمالية الشعبية المضطهدة.
خاتمة
ظهرت الحركة النقابية في المغرب مع بداية الاحتلال الفرنسي. وكانت نشأتها نتيجة التغيير الذي حصل في خصائص المجتمع وسياساته إثر دخول الاستعمار إلى المغرب. حيث تأسست نقابات مهنية كان الهدف منها تشجيع اليد العاملة الفرنسة على العمل بالمغرب قصد انجاز المشاريع الاستعمارية من جهة والتصدي لهيمنة العنصر المحلي من ناحية ثانية، وقد قضى العامل حوالي ربع قرن من الزمن(1919-1942) ببحث عن ذاته، في ظل النقابات الفرنسية المنضوية تحت لواء الكونفدرالية العامة للشغل، التي وظفت العمال المغاربة ككتلة ضاغطة لتحقيق مساعيها. وتوجت هذه المرحلة بنضالات 1936-1937-1938.التي لم يحقق منها العمال المغاربة أية مكاسب رغم نجاحها، حيث كانت السبب الرئيسي وراء إصدار ظهير يونيو أول تشريع يقنن العمل النقابي في المغرب. والذي حصر هذا الحق في العمال الفرنسيين دون الأهالي. ومع التجاهل المقصود من طرف النقابيين وقوى اليسار الفرنسية لحق المغاربة في العمل النقابي. ونضج وعي وثقافة العمال المغاربة. اتجهت الحركة النقابية المغربية نحو العمل في إطار الحركة الوطنية. وكان النقابيون المغاربة يدافعون عن الأفكار الوطنية ويتسابقون للذود عنها. وهكذا بدأ التوجه نحو مغربة الحركة النقابية. لتجمع بين النضال الطبقي المباشر والطابع الوطني المعادي للاستعمار. معلنة بداية مرحلة جديدة من تاريخها، رأت فيها ان الحل الوحيد لحل مشاكل العمال المغاربة هو إنهاء الاستعمار.