1- المصادقة على حرية المعتقد
تناقلت وسائل الإعلام الوطني، قبل أربع سنوات، خبرا سارا تحدد مناطه في توقيع المغرب ومصادقته على حرية المعتقد. ونظرا للأهمية القصوى التي يكتسيها هذا الحدث على مستوى تطلع المغرب إلى اللحاق بالمسار الكوني الحداثي المؤدي إلى احترام حقوق الإنسان و الذي انخرطت فيه الدولة المغربية عبر مراحل و بشكل محتشم من خلال الحرص على التنصيص على هذا المطلب ابتداء من دستور 1962 وصاعدا دون أن يترجم ذلك التنصيص إلى حيز الواقع بحيث يمكن تصريفه في صورة التقليص على الأقل من حجم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا؛ وهذا بشهادة التقارير السنوية المنجزة من قبل جمعيات حقوقية وطنية ودولية، (نظرا لكل ذلك) أسال مدادا غزيرا وأثار ردود فعل إيجابية لدى قطاع واسع من الرأي العام الوطني مشكلا، في الوقت نفسه، امتدادا لدينامية النقاش العام التي استمدت طاقتها من رياح الحراك العربي.
في هذا السياق، قرأنا للكاتب سعيد لكحل، يوم الخميس 10 ابريل 2014، مقالا بعنوان "حرية المعتقد بين المصادقة والدسترة" على الصفحة الأخيرة من جريدة "الصباح ". ويبدأ سعيد لكحل مقاله بفقرة صغيرة الحجم ينوه فيها بمصادقة المغرب على القرار الأممي المتعلق بحرية المعتقد خلال الدورة الأخيرة لمجلس حقوق الإنسان مبرزا أهمية الحدث في تناغم وتجاوب مع السياق المذكور في مقدمة هذه المقال الذي يطمح لأن يكون تركيبيا. في الفقرة الثانية، وهي أكبر حجما، يشير الكاتب إلى الوقت الضائع المسجل على هذا المستوى والمترتب عن استعمال التيار الأصولي، الذي استقوى بحركة 20 فبراير، لكل أوراقه للضغط على اللجنة المكلفة بمراجعة الوثيقة الدستورية وحملها على إسقاط دسترة حرية المعتقد من المسودة . سوف نعود لهذه القصة بشيء من التفصيل في موضع لاحق من هذا المقال.
انطلاقا من الهوة المعتادة عندنا بين الخطاب والممارسة كما تم تشخيصها في مستهل الحديث، يكتب سعيد لكحل قائلا: "(...) هذه المصادقة لن تكون ذات جدوى عملية، إلا إذا عززتها الإجراءات الضرورية التي بدونها ستظل صورية؛ ما سيفتح باب التشكيك في جدية الدولة وخلفيات المصادقة. ذلك أن حرية المعتقد ليست مجرد تصويت ومصادقة في المحافل الدولية، بل هي تشريعات وقوانين وإجراءات تحول القرار إلى ممارسة مشروعة وشرعية." انسجاما مع هذا الطرح، يقترح كاتب المقال على الدولة الإسراع باتخاذ خمسة قرارات وهي كالتالي: 1- تعديل الدستور ليتضمن بندا أو فقرة تنص صراحة على حرية المعتقد، 2- ملاءمة القانون الجنائي مع روح ومنطوق القرار الأممي الجديد، 3- تعديل قانون الصحافة والإعلام حتي يتلاءم مع نفس القرار، 4- تجديد الخطاب الديني و ملاءمته مع فحوى القرار، 5-إصلاح البرامج التعليمية بما ينسجم مع مقتضيات الدستور والمواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان.
لكن، قبل إنهاء هذه القراءة، لابد من معرفة نص القرار الأممي المصادق عليه في صيغته الأصلية. ضمن تفاصيل المقترح الثاني المشار إليه أعلاه، نجد أن القرار إياه ينص " على حق كل فرد في حرية الفكر والوجدان والدين أو المعتقد، بما يشمل حريته في أن يكون أو لا يكون له دين أو معتقد أو في أن يعتنق دينا أو معتقدا يختاره بنفسه، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعليم والممارسة والتعبد وإقامة الشعائر ، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة، بما في ذلك حقه في تغيير دينه أو معتقده".
لنعد الآن إلى موقف حزب العدالة والتنمية باعتباره ممثلا للتيار الأصولي المشار إليه سابقا من قبل سعيد لكحل من مسألة حرية المعتقد لحظة إعداد وثيقة دستور 2011. لأجل تحقيق هذا الغرض، يجدر بي الاستشهاد بنص مقتطف من مقالة لرشيد شريت عن "العدالة والتنمية وهلامية شعار:محاربة الفساد" منشورة بمجلة "وجهة نظر" ( العدد 54). يقول هذا الكاتب: " (...) تقدم الحزب بمذكرة جد متواضعة؛ محافظة أكثر منها إصلاحية! وكان كل هم الحزب الاحتفاظ بإمارة المؤمنين وتكريس صلاحيتها المطلقة، ثم مسألة الهوية، حيث كانت قضية منع حرية العقيدة أولوية الحزب وحجر الزاوية في المذكرة التي قدمها والتي اتسمت بتكريس الوضع الراهن في هيمنة سلطة القصر.ولقد ترجمت المذكرة السياسية المقدمة من طرف الحزب، حيث يرى أن الحراك الحالي هو حراك هوياتي وليس حراكا سياسيا بالدرجة الأولى. لذا، غض الطرف عن كل أولوية للإصلاح السياسي مركزا على مسألة الهوية، ما يعني العمل على تكريس الوضع الراهن. وبعد أن استجيب للحزب في عدم إدراج قضية حرية المعتقد ، بدا أنه قد حقق كل مناه ومطالبه (...)".
2- الفتوى بقتل المرتد
هذا عن المصادقة على حرية المعتقد، لكن ما ذا عن الفتوى بقتل المرتد؟ للإجابة عن هذا السؤال تكفي إحالة القارئ على موقع "لكم .كوم" الإلكتروني الذي نشر هذه الفتوى المثيرة للجدل بعد توصله بالكتاب المتضمن لها والحامل لعنوان "فتاوى الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء: 2012 – 2013". يستفاد من التعليق الذي تصدر نص الفتوى الممتد على الصفحات 289 و290 و291 أنها جاءت استجابة لطلب من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعد توصلها بطلب من المندوبية الوزارية المكلفة بحقوق الإنسان حول موقف الإسلام من "حرية العقيدة"، وذلك في إطار تحضير التقرير الدوري السادس لإعمال العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وحسب مصدر مأذون من المجلس العلمي العلمى ، فإن الأمر لا يتعلق بفتوى وإنما برأي فقهي وهو ما أكده الوزير أحمد التوفيق لاحقا في جلسة برلمانية.
وفقا لمنطوق هذا الرأي الفقهي، يكون المسلم مدعوا إلى الحفاظ على معتقده ودينه وتدينه، وإلى التمسك بدينه الإسلامي عقيدة وشريعة، أما إذا حصل العكس فقد وجب إقامة الحد عليه. والغريب في الأمر أنه تم، في هذا السياق، الاستشهاد بالآية (217) من سورة البقرة التي يحذر فيها الله من الارتداد دون أدنى إشارة إلى وجوب قتل من أقدم من المسلمين على الارتداد. ومن أراد التأكد بنفسه من هذا الأمر، نسوق له فيما يلي نص الآية الكريمة: "ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون."
أثناء تناوله لمسألة حرية الاعتقاد بالدرس والتحليل في كتابه "الديمقراطية وحقوق الإنسان"، توصل محمد عابد الجابري إلى نفس النتيجة؛ أي خلو الآيات القرآنية المتعلقة بالارتداد والردة من أي إشارة إلى وجوب قتل المرتد عن الإسلام. هكذا نلفاه يقول: " في جميع هذه الآيات نجد أن حكم المرتد ، كما يتحدد في سياقها، هو لعنة الله، غضب الله ، جهنم ...وليس القتل، وأكثر من ذلك فباب التوبة مفتوح أمامه." اما في الفقه – يقول الجابري – فحكم المرتد هو القتل كما هو معروف استنادا إلى حديث نبوي يقول : "من بدل دينه فاقتلوه ".
من أجل تفسير هذا الاختلاف الحاصل بين القرآن والسنة حول مسألة المرتد، التجأ الجابري إلى الإيديولوجيا والتاريخ حيث أبرز حاجة الدولة ألإسلامية الفتية إلى تبرير فقهي لحكم قتل المرتد الذي لم يكن حكما ضد حرية الاعتقاد، بل ضد خيانة الأمة والوطن والدولة. ويبقى مطلوبا – يقول الكاتب – من الاجتهاد الفقهي المعاصر النظر فيما إذا كان المسلم الذي يعتنق دينا آخر اعتناقا فرديا لا يمس من قريب أو من بعيد بالمجتمع الإسلامي و لا بالدولة الإسلامية، يدخل في دائرة "المرتد" بالمعنى الفقهي ، أم أنه يدخل في زمرة المرتدين الذين تحدثت عنهم اآيات القرآنية ذا ت الصلة.
بعد الجدل، الذي أثير حول فتوى المجلس العلمي الأعلى في المغرب بخصوص قتل المرتد، والتي تضمنها كتاب صادر عن الهيئة العلمية المكلفة بالإفتاء سنة 2012، وفي سابقة هي الأولى في تاريخ المغرب، تراجع المجلس الأعلى عن فتواه المثيرة للجدل، حسب ما جاء في وثيقة أصدرها، أخيرا، تحت عنوان “سبيل العلماء”.
3 - التراجع عن قتل المرتد
بعد مرور خمس سنوات تقريبا عن تاريخ صدور الفتوى بقتل المرتد، جاءت وثيقة “سبيل العلماء” التي تبناها المجلس العلمي الأعلى في أخر دورة له انعقدت بمدينة الرباط، وهي عبارة عن تصورات وخطوات مرسومة للعلماء المغاربة تهديهم الى سبل تعاملهم مع القضايا الكبرى ومستجدات العصر، كما أنها ترسم لهم بعض الحدود التي ينبغي عدم تجاوزها في القضايا الجدالية أو ذات الحساسية السياسية.بالاصافة الى ذلك، فقد أعطت مفهوما سياسيا للردة من خلال ربطها بـ”الخيانة العظمى”.
ورد في تلك الوثيقة أن قصية الردة أثيرت في الإسلام قديما، ولا تزال ، وأن الفهم الأصح، والأسلم لها المنسجمُ مع روح التشريع، ونصوصه، ومع السيرة العملية للنبي، يقتضي أن المقصود بقتل المرتد هو الخائن للجماعة، المفشي لأسرارها، والمستقوي عليها بخصومها؛ أي ما يعادل الخيانة العظمى في القوانين الدولية، وهذا معنى قوله “من بدل دينه فاقتلوه”، المقيد بقوله: “التارك لدينه المفارق للجماعة.
واعتبرت الوثيقة ذاتها أن “ترك جماعة المسلمين لم يكن حينها إلا التحاقا بجماعة المشركين خصومهم، وأعدائهم في سياق الحروب الدائرة بينهم. فالردة هنا سياسية، وليست فكرية”. وأوضح المصدر أن “القرآن الكريم تحدث عن الردة الفكرية في آيات عديدة، ولم يرتب عليها عقوبة دنيوية، وإنما جزاء أخرويا، كما في قوله تعالى: “ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون”.
وتعتبر الوثيقة الجديدة للمجلس العلمي الأعلى أن “قتال أبي بكر رضي الله عنه للمرتدين لم يكن إلا بالمعنى السياسي العام، ضد طائفة شقت عصا الطاعة على الإمام، وأرادت أن تفرق وحدة الجماعة، وتفسد فهم الدين بتعطيل أحد أركانه، ومعلوم أن الدين كان، ولا يزال العمود الأساس للاستقرار في المجتمع الإسلامي. وما كثير من الفتن، والحروب الدائرة اليوم إلا بسبب فساد تأويله، وسوء استغلاله، وتوظيفه”، وفق المصدر ذاته.
وارتكز المجلس العلمي، الذي يترأسه محمد يسف، في تراجعه عن قتل المرتد على معاهدة صلح الحديبية، التي كان من بنودها أن من أسلم ثم ارتد إلى قريش لا يطالب به المسلمون، وأن من التحق بالمسلمين من المشركين استردوه.