تجتاح أرجاء العالم عموما وأروبا خصوصا مند سنوات تغيرات عديدة: استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، تصاعد شعبية اليمين المتطرف في الكثير من البلدان، ترهل معظم الأحزاب التقليدية وفقدانها لبريقها.. إضافة إلى موجة من الاحتجاجات التي باتت ترهق أجهزة الدول ولعل أخرها حركة السترات الصفراء التي وضعت النظام السياسي الفرنسي في موقف حرج، خاصة بعد فشل الدولة في التعاطي معها بشكل يليق بمكانة دولة عريقة في الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لعل هذه التغييرات مؤشر على عجز النظام الديمقراطي المعتمد منذ الحرب العالمية الثانية في جل البلدان الأوربية على الاستجابة للحاجات المتزايدة التي يشهدها العالم الحالي في مجال الحكم وتدبير الاختلاف...
يتجلى هذا الأمر خصوصا في فقدان غالبية الشعوب قدرتها على التأثير على صناعة القرار الذي بات حكرا على أقلية تدير الدول بما يخدم مصالحها في شتى المجالات، رغم وجود مجموعة من الأليات التي من شأنها نظريا ترسيخ نظام حكم أكثر عدلا؛ من بينها صناديق الانتخابات.. إلا أن الواقع يخالف ذلك.
الأمر الذي استدعى وما زال هبات جماهرية متواصلة أضحت أكثر عنفا وغضبا أمام استهداف متواصل لمصالحها وانهيار قدرتها الشرائية في حين تتضخم أرصدة وثروة مجموعات محدودة لا تتوانى في ترديد خطاب الأزمة في كل لحظة وحين.
إن أهداف هذه الحركات الاحتجاجية تتجاوز في جوهرها مجرد تحسين وضعها المادي والاعتباري إلى محاولة استرداد مفهوم السيادة للشعب بعدما أصبح مجرد شعار أجوف غايته خلق نخبة سياسية لا تهمها بالضرورة مصلحة شعوبها. كما وضعت هذه الحركات نظريات عدة على المحك في الاقتصاد والسياسية وغيرهما. حتى أصبح سحر العقد الاجتماعي غير قادر على الحد من تغول الحكومات وسطوة رأس المال على المواطنين، بعدما أخلت الدول بعقد تنازل بموجبه الشعب على جزء مهم من حريته وحقوقه مقابل ضمان أمنه وغدائه...
في مقال سابق، معنون ب:" الديمقراطية عود على بدء"، نشر في الصحافة الإلكترونية، أشرت إلى ما أسميته أزمة الديمقراطية وعرجت على بعض الحلول التي استوحتها بعض الدول من مبادئ الديمقراطية المباشرة لتحدث بعض التوازن في أنظمتها السياسي: مثل الاستفتاء الفيتو الذي يمكن الشعب من إلغاء قوانين تم إقرارها وتخلف مصالح الشعب (بسب سوء التقدير، قوى الضغط، مراكز التفكير، الإعلام، وغير ذلك)، وما يسمى بالمبادرة الشعبية التي تهدف إلى تقديم مشروع قانون لإقراره عبر المؤسسات المختصة.
إن تجاوز الحركات الاجتماعية للتنظيمات التقليدية، خاصة الأحزاب عماد الديمقراطية، وأخذها زمام المبادرة وافراز قيادتها بعيدا عن الزعامات المعروفة، إضافة إلى تبنيها أفكارا ومواقفا تتجاوز في معظمها إيديولوجيات الأحزاب الجامدة وإبداعها طرق عمل غير تقليدية في جلها، تناسب عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصال،... كلها عوامل ساهمت في وضع النظام الديموقراطي الحالي و بجانبه مجموعة من المسلمات في علم السياسة على سكة الانهيار المفاجئ ؛ وهو ما يهدد كينونة مجموعة من المنظمات العتيدة كالاتحاد الأوربي...