آخر الرجال على الأريكة تربع،
في وجه الفولاذ المصبوغ بالدم تبسم،
يلتقط ذراعه كمقذوف ناري،
يقذف بها الخوذ الكاكية المقعرة،
يقذف الحديد بحذائه، بعصاه، بفرشاة أسنانه..
بعقيق سبحته،
بسورة، أو بآية..
بترنيمة سلام،
بورقة من تذكار،
بترتيل من صلاة..
بتعويذة منقوشة على عرش الله،
الهندي الأحمر الأخير، مضرجا في دماه،
يصلي صلاته الأخيرة في محراب كتيبة الرماه.
لا يخشى الزيتون ظل الغمام،
النورس الغزَيَ يحلق عاليا فوق خطايا البحر،
لا يأبه بالسفلة !
على الكنبة الملطخة بالغبار،
بذر بذرا،
غرس مشتلا،
فتفتحت فلسطين كزهرة، بين شقوق الإسمنت،
تضرب جذورها في اليباب،
تقاوم فتمتد في العلياء،
تضيق بها الأرض وتتسع لها الأريكة !
هي سدرة المنتهى، و روحك تحرس ظلها،
لله عرش يسع العالمين،
و ليحيى كنبة بحدود فلسطين !
تحملها قصائد درويش و قصص غسان و دمعة دنقل.
بين الجدران المهدمة كان الميلاد،
بين الشوك و القرنفل مسافة حياة مستحيلة،
كان وجودك جميلا أيها الرجل المستحيل،
لكن موتك المشتهى كان الأجمل أيها العليل،
يا يحيى، خذ الكتاب بقوة و اضرب بعصاك الأرض،
يتصدع من تحت قدميك الطور،
يا يحيى، لا تخش الذيب و اخش إخوة يوسف،
أيها المسيح المسلح، لا تخش الصليب و اخش يهوذا،
لا تكثرت بالجموع، فسبيل الحق مهجور،
دع عنك وزر الحياة ، و اغتسل في حوض الأنبياء،
اضرب بيسراك، فيمناك انفجرت لهيبا،
في وجه الشوك، و الجدار،
يا يحيى أقم الصلاة و لا تجزع،
فالشهداء يصلون قياما في حضرة الموت،
منتصبين كنخيل غزة، و زيتون سلفيت.
على ناصية العنفوان وقفت ثابتا كقضية،
و في ظلك الوارف احتمى جمع المتخاذلين،
لقد أدركهم العار قبل الردى،
ستعرض عن جيفهم ديدان الثرى !
عيناك جميلتان و هما تنفجران في وجه الطلقة،
متلألئتان كفجر ذري،
و كقذيفة متشظية انطلقت روحك،
لتصيب عدوك في كل الجبهات.
نم هنيَاً إلى حين،
سيكون كل شيء على ما يرام،
سيكون لما بعدك، ما بعده،
فنحن الأبناء الشرعيون للحلم،
و أرضنا المحروقة، ستخضر سنابل،
فدمنا، يفجر عيونا و جداول،
سيكون كل شيء على ما يرام،
سيرجع الحمام و البلابل،
لم يلحق أذى بشيء، و لم يضع شيء.
هي مسألة وقت،
حتى تصدأ البنادق،
و تُزهر الفوهة زنابق.
سنرمم أحلامنا، و نردم الخنادق،
و على صهوة النصر سنعود،
و ترجع معنا، إلى مآذنها اللقالق !
تطوان في: أكتوبر 2024
أحمد الخراز- كاتب و قاص و شاعر من المغرب