مقدمـة : عن الإصلاح
انطلق المغرب منذ فجر الإستقلال في مسلسل بناء نظام تعليمي يروم امتلاك المعارف الأساسية و دمقرطة التربية الوطنية. و قد كان هذا المسلسل مرآة التطور الاجتماعي و الثقافي و السياسي لبلادنا. و من شأن التحليل الموضوعي و الدقيق لذلك المسلسل أن يوضح المسار الطويل لإصلاحات تأرجحت بين الرغبة في بناء نظام تعليمي يستجيب للحاجة الوطنية للتنمية من جهة ، و الترددات المرتبطة بالرؤى السياسية المتضاربة لتلك الحقب من جهة أخرى . إن فكرة الإصلاح في المغرب تحتاج إلى بحوث خاصة ليس فقط من منظور الدولة ، و لكن أيضا من منظور التمثلات التي ولدتها لنا أفعال الإصلاح الطويلة من القرن 19 إلى الآن . والمتجلية في الخوف الذي أصبح يرتادنا قبل هذا الوقت من فكرة الإصلاح. والحقيقة أنه لم يترجم بالمغرب إصلاح إلى حدوده الكاملة. لذلك كانت صيرورات الإصلاح دائما تنتج مفعولا ضديا ، و هي أنها تهدم بنى دون أن تعوضها ببنى جديدة ، فالإصلاح يتخذ صبغة دائرية و كأن المجتمع لا يراكم. فلا إصلاح في المغرب له ذاكرة ولا إصلاح في المغرب يستمر ليبني زمنه المستقبلي.
اختلالات الميثاق الوطني للتربية والتكوين:
ورغم أن الميثاق الوطني للتربية و التكوين جاء لتجاوز خطاب الأزمة و الذي قيل عنه أنه نتاج توافق إرادي بين القوى الحية للأمة و يحتفظ براهنيته و نجاعته كإطار مرجعي لإصلاح المنظومة التربوية فإن تطبيقه في السنوات الماضية خلف اختلالات نجملها فيما يلي :
- فقدان المدرسة العمومية لجاذبيتها ، إذ ساهمت في تحطيم صورة المتعلم المثقف المناضل ، وتحطمت صورتنا عن المدرسة باعتبارها خلية ليست فقط لاكتساب الأبجدية و لكن خلية لبناء القيم فهي صانعة الإنسان المتحرر ليس بالضرورة المتحرر بالمعنى السياسي و لكن المتحرر من الجهل و المتحرر من الاندماج السهل . و تحولت المدرسة بالتالي إلى مجال لتحقيق السلم الاجتماعي . إن مدرسة اليوم لن توطن العقل حاليا ، لن تؤهل المتعلم ، لن تؤهل المدرس و لن تؤهل إداريين لإنجاز التغيير والذي من دونه لن يمكن للمجتمع المغربي المساهمة في بناء عالم أفضل ، وبالتالي تدهورت القيمة الاجتماعية والاقتصادية للمدرسة و يتجلى ذلك في تبخيس قيم العلم و المعرفة و حتى إذا افترضنا أن المدرسة العمومية لن تؤدي إلى الشغل ، فالفقر أن يقول الفقراء و المستضعفون و أشباههم " لا جدوى من المعرفة " فليس بسيطا أن يحرم الإنسان نفسه من متعة الفهم و الذكاء بحجة أولويات الحاجات البيولوجية ، و من مظاهر إفلاس المدرسة انتحار المنظومة القيمية المغربية بعد تعدد ضرائر المدرسة و انكسار المسار الحضاري للشعب المغربي .
ضعف التحكم في الكفايات الأساسية و المعارف ( القراءة – الكتابة – والحساب ).
- استمرار نسبة الأمية في مستوياتها المرتفعة مقارنة مع البلدان ذات مستوى نمو شامل.
- انخفاض نسبة تمدرس الأطفال الذين هم في سن التمدرس.
- وجود تفاوت كبير بين الوسط القروي و الحضري و بين الذكور و الإناث فيما يخص الخدمات التربوية.
- هامشية التكوين المهني و جانبيته بالنسبة للنظام الكلي للتعليم.
- ضعف المردودية الخارجية للتعليم لتفشي بطالة حاملي الشهادات.
- ضعف المردودية الداخلية للنظام التعليمي و هي أيضا باهضة الثمن ، وتدني مستوى مؤهلات المتخرجين من النظام بسبب خفض عتبات المرور، واستفحال اعوجاج أنظمة التقييم و الامتحانات.
- انفصام اللغات المستعملة في التعليم الأساسي و الثانوي من جهة، والتكوين المهني و التعليم العالي العلمي و التكنولوجي من جهة ثانية، ناهيك عن التدني العام الملحوظ لكفاية امتلاك قدرات التعبير والتواصل اللغوي.
- وجود حاجات للتربية غير ملباة ، تتعلق أساسا بالتجهيزات المدرسية.
- وجود مفارقة بين المناطق حيث أن بعضها يسجل فائضا من المدرسين والإداريين في حين يعاني البعض الآخر من الخصاص المهول في الموارد البشرية.
- انخفاض مستوى تحفيز الأساتذة.
- التناقض المكشوف بين ضخامة الحاجة إلى موارد إضافية من أجل التعميم والجودة من جهة، وبين النفاذ شبه التام لإمكانية تعبئة نفقات عمومية إضافية.
- اتسام أنماط التنظيم و الإدارة بالمركزية المفرطة و انعدام المشاركة الفعلية لأطراف أخرى في تسيير مؤسسات التربية و التكوين.
ü أسباب نز ول البرنامج الاستعجالي و مرتكزاته :
معلوم أنه قد صدر تقرير للبنك الدولي بداية الموسم الدراسي 2007 – 2008 خاص بواقع التعليم ببلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط حيث جاء المغرب في الرتبة 11 ضمن 14 دولة ، و أقر بتخلف المغرب على جميع الأصعدة ، الكمية و النوعية ، وهو تقرير شكل صفعة حقيقية للمسؤولين الذين سارعوا في التقرير السنوي للمجلس الأعلى للتعليم للإقرار – وبمرارة لم يستطيعوا إخفاءها – بفشل جل الرهانات التي رفعها الميثاق الوطني للتربية و التكوين قبل تسع سنوات ، و بإخفاق الإصلاح التعليمي. و سطر البنك الدولي توجهات جديدة ينبغي على المغرب اتباعها من بينها التسريع في وتيرة الخوصصة و تطبيق ما يسمى بترشيد وعقلنة النفقات و التخلي التدريجي عن دعم القطاع من طرف الدولة ، وبالتالي جاء البرنامج الاستعجالي تنفيذا لتوصيات البنك الدولي و تأكيدا على ضرورة التعجيل بإصلاح حقل التربية والتعليم و إيلائه الأهمية التي يستحق من جهة ، و التزاما بالتوجيهات السامية .
يشكل الميثاق الوطني للتربية و التكوين الإطار المرجعي للبرنامج الاستعجالي ويستند أساسا على توجيهاته ، ليرفع من وتيرة الإصلاح المسطر فيه ، وجل الإجراءات و التدابير المتضمنة في مشاريع البرنامج تفيد نية إعادة هيكلة المنظومة التربوية على أسس جديدة سترهن مستقبل الأجيال و البلاد لعدة عقود قادمة . وبالتالي فإننا أمام مخطط استراتيجي خيطه الناظم هو تعميق توجه الدولة نحو التنصل من مسؤولياتها الدستورية و التزاماتها الدولية في إطار أهداف الألفية للتنمية و التربية للجميع.
ü ايجابياتالبرنامج الاستعجالي :
- تطوير التعليم الأولي خاصة في العالم القروي.
- توسيع العرض التربوي للتعليم الإلزامي.
- تأهيل المؤسسات التعليمية.
- ربط المؤسسات التعليمية بشبكات الكهرباء و الماء الصالح للشرب و الصرف الصحي خاصة بالعالم القروي.
- محاربة ظاهرة الهدر المدرسي بشكليه : التكرار و الانقطاع عن الدراسة.
- التخفيف من الحصة الزمنية المخصصة لتدريس المواد بالتركيز على التعلمات الأساسية.
- إنصاف الأطفال ذوي الحاجات الخاصة.
- المنع النظامي للدروس الخصوصية.
- الدعم المدرسي و الدعم الاجتماعي و توفير النقل المدرسي .
- بناء الداخليات و إلزامية التعليم.
و يغطي البرنامج الإصلاحي الفترة ما بين 2009 و 2012 و يتضمن 23 مشروعا تتوزع على مجالات أربع على الشكل التالي:
- المجال الأول: التحقيق الفعلي لإلزامية التعليم إلى غاية 15 سنة ( 10 مشاريع ).
- المجال الثاني : حفز المبادرة و الامتياز في الثانوية التأهيلية و الجامعة و التكوين المهني ( 4 مشاريع ).
- المجال الثالث : المعالجة الملحة للإشكاليات الأفقية الحاسمة للمنظومة التربوية (7 مشاريع ).
- المجال الرابع : توفير الموارد اللازمة للنجاح.
ü الملاحظـات و السلبيـات :
بالنظر في هذه المشاريع و تمحيصها يمكن الوقوف على الملاحظات التالية باعتبارها سلبيات البرنامج الاستعجالي لن تؤدي إلا إلى مزيد من إفلاس المنظومة التربوية و الإجهاز على ما تبقى من المدرسة العمومية .
- الملاحظة الاولى : عدم تطبيق مبدأي الإشراك و التشاور
إن منهجية إعداد هذا البرنامج بعيدة عن ثقافة الإشراك التي تتبجح بها الوزارة حيث لم يتم إشراك الفاعلين التربويين و الأطر التعليمية و جمعيات الآباء و أولياء التلاميذ في مختلف مراحل إعداد المشروع. و لم يطلب منها حتى بعد الصياغة، قراءته القراءة التربوية بغاية إثراء المشروع وتفادي النواقص و الأخطاء. و حتى النقابات التعليمية تم استدعاؤها بشكل مباغث لشرعنة البرنامج و انتزاع اعترافها لتمريره.
- الملاحظة الثانية : التمادي في سياسة الخوصصة
استمرار تبني الدولة لسياسة تفويت قطاع التربية و التعليم إلى القطاع الخاص، والتأكيد مجددا على تخلي الدولة و تملصها من مهامها و أدوارها في ضمان التربية و التعليم كحق من الحقوق الأساسية للإنسان ، ويتضح ذلك من خلال الصفحات من 79 إلى 83.
فالتخفيف من العبء المالي للدولة في تحويل المنظومة يتطلب تشجيع تنمية العرض التربوي الخصوصي ، وإقرار تدابير تحفيزية تمكن من تسهيل استثمار الخواص في قطاع التعليم ، و خوصصة بعض الوظائف مثل البناء و الصيانة و النقل و الترميم والحراسة و الأمن و تدبير الداخليات و المساحات الخضراء ، فضلا عن إحداث وكالات وطنية للإشراف على بعض الاختصاصات التي كانت للإدارة المركزية.
- الملاحظة الثالثة : تكريس ضرب المجانية و التعميم
من أهداف البرنامج الاستعجالي هو التعجيل بالإجهاز على مجانية التعليم ، من خلال فرض رسوم إضافية و خصوصا في التعليم الثانوي التأهيلي و الجامعي . كما أن اقتراح عملية انتقاء المرشحين لولوج الجامعة يعد إجراءا إقصائيا لفئات واسعة من التلاميذ الحاصلين على الباكالوريا علما أن الجامعة هي الملاذ الوحيد لعدد كبير من التلاميذ.
- الملاحظة الرابعة : الحد من التوظيف
حيث تواصل الدولة تطبيق سياسة تقشفية في مجال التوظيف تطلق عليها : " ترشيد كتلة الأجور من أجل تحسين مردودية المنظومة ".
- الملاحظة الخامسة : الإجهاز على مكاسب الشغيلة التعليمية
فقد اختار مشروع البرنامج الاستعجالي إثقال كاهل الشغيلة و تحميلها فاتورة تنفيذ هذا البرنامج من خلال التدابير التالية :
- التوظيف التعاقدي
- اعتماد شبكة جديدة لتقويم أداء الموظفين.
- الساعات الإجبارية الإضافية بزيادة ساعتين إضافيتين للمدرسين.
- المدرس المتحرك.
- المدرس المتعدد الاختصاصات ( المواد المتاخية)
- الاشتغال خلال العطلة البينية.
- الترسيم بعد 3 أو 4 سنوات.
- عدم احتساب الساعات المخصصة للتحضير و التصحيح خارج الحصص الرسمية.
- إعادة الانتشار على المستوى الجهوي.
- الاقتطاع من أجور المتغيبين و المضربين بدون تدقيق و تحديد للغياب.
- إجبار الأساتذة على استكمال الغلاف الزمني الأسبوعي.
- الملاحظة السادسة : القضاء على وحدة صف الشغيلة التعليمية
و ذلك بالقضاء تدريجيا على نقط القوة الكامنة في تماسك الصف التعليمي حتى يتسنى خلق شرخ غائر و هوة عميقة بين مختلف العاملين بل و بين مختلف الفئات.......... و بالتالي الإجهاز على الحق في الإضراب.
- الملاحظة السابعة: تأجيل إيجاد حل للمسالة اللغوية
فرغم إقرار البرنامج الاستعجالي بأن الإستراتيجية اللغوية التي يتعين اتباعها في التعليم قضية حاسمة ، فإنه لم يوليها الأهمية التي تستحق واكتفى بإحالتها على المجلس الأعلى للتعليم علما أن صلاحية المجلس هي استشارية فقط. فالهوة واسعة بين التعليم المدرسي ( الابتدائي - الإعدادي و التأهيلي المعرب ) و التعليم الجامعي المفرنس كليا ، الشيء الذي كانت له نتائج جد سلبية منها : ضعف مستوى التلاميذ في اللغة الفرنسية ، وعدم تمكن الطلبة من مسايرة المواد العلمية المدرسة بالفرنسية في الكليات و المعاهد .
- الملاحظة الثامنة : ضرب مبدأ تكافؤ الفرص
حيث أن البرنامج يتحدث عن ثانويات مرجعية و ثانويات للتميز إلى جانب الثانويات العادية ، مما سيؤدي إلى تقديم عرضين مختلفي الجودة و الإمكانيات ، وسيعمق بالضرورة الطابع النخبوي لمنظومتنا التربوية . و الحقيقة أن التميز موجود بنظامنا التربوي فمن الأجدر التركيز عليه و دعمه و تطويره كما و نوعا ( الأقسام التحضيرية ، العلوم الرياضية أ و ب ، التبريز......... ).
- الملاحظة التاسعة: ضبابية بعض المفاهيم ، وارتجالية الخيارات البيداغوجية
يقترح البرنامج الاستعجالي مقاربة جديدة للتدريس يطلق عليها " بيداغوجية الإدماج " علما أن هيئة التدريس لم تستوعب بعد بيداغوجية التدريس بالكفايات ، والبعض الآخر لا زال في طور الاستئناس بها و محاولة استيعابها بمجهوداته الذاتية ، بينما الغالبية العظمى لا تزال تعتمد بيداغوجيا التدريس بالأهداف لغياب التكوين المستمر ، وبالتالي نسجل تخبط الوزارة الوصية في اختيار مقاربة تصلح لنظامنا وتراعي مؤشراتنا المحلية ، وقد تضطر الوزارة بذلك إلى إمكانية تغيير المقررات والمناهج الدراسية و إلى اقتراح نظام جديد للامتحانات.
أما ضبابية المفاهيم فتتجلى مثلا في اسم " مدرسة الاحترام " الذي يحيل على الأخلاق في بعدها المحدود ، والضيق لا بعدها الاجتماعي و الفكري و الحضاري ، لذا ينبغي تعويضه بالمدرسة المواطنة و حقوق الإنسان و الديمقراطية ، و بالتالي اعتماد مفهوم الأمن التربوي و التحصين الثقافي بدل الاستعانة بالأمن و القوات المساعدة و الدرك لمواجهة بعض الظواهر المهيمنة في المجتمع و المتواجدة داخل فضاء المؤسسات التعليمية.
خلاصـة القـول :
إن مجال التربية يشكل رهانا كبيرا من أجل تنمية بلادنا ، باعتباره يحتل المرتبة الثانية بعد قضية الوحدة الترابية من حيث الأولويات الوطنية للبلاد ، لذا من اللازم ترجمة هذا الشعار و تحويله إلى واقع ملموس ، وتجاوز ضغط الإصلاح على وعينا الجماعي بالنظر إلى تجارب الماضي المريرة و الفرص الضائعة فالبرنامج الاستعجالي أو المخطط الاستراتيجي يقتضي مراجعة الكثير من مشاريعه مراجعة شاملة لا لأنها مست المكتسبات ، و لا لأنها لم تراع السياق الاجتماعي فقط ، ولكن لأنها بالإضافة إلى ذلك ستضرب المدرسة العمومية في العمق.
المراجـع المعتمـدة :
* تقرير المجلس الأعلى للتعليم 2007.
* المغرب الممكن : تقرير 50 سنة من التنمية البشرية.
* www.men.gov.ma * جريدة الصباح (التربوي ).
مصطفى أعزيز
كرامة ـ الرشيدسة