يبدو لدى غالبية الفلاسفة الغربيين والعرب مثل هذه العنونة غريبة على الفلسفة الغربية المعاصرة مفتعلة على احسن الفروض، فالفلسفة تجريد إفصاحي لغوي نوعي إجناسي متفرد نخبوي يختلف عن الاجناس الادبية مثل الشعر والقصة والرواية والمسرح والفنون التشكيلية. وتختلف الفلسفة عن التجربة العلمية والعملية وتطبيق الايديولوجيا بكافة ما يطلق عليه السرديات الكبرى. في الوصاية على تاريخ الانسان والحياة.
الفلسفة ليست نصا ثقافيا ادبيا تجنيسيا يتقبل (ثيمة) الالتزام علما ان الفيلسوف الفرنسي الشهيرسارتر طرح مثل هذا التساؤل في كتابه ما الادب؟ ومثله فعل هنري برجسون. نال سارتر جائزة نوبل بالادب وليس بالفلسفة ورفض استلامها. اما برجسون فقد منح جائزة نوبل بالادب واستلمها.
هنا اسأل سؤال اجيب عنه راجيا عدم تذكيري توضيح الاجابة عليه اكثر مما احاول اختصره مراعاة ضيق المجال. لماذا لا تمنح جائزة نوبل للفلاسفة وتمنح لجميع الاختصاصات العلمية في الفيزياء وفي الرياضيات والكيمياء وفي شتى ضروب الحياة تليها تخصصات الاجناس الادبية كافة في تسمية جائزة نوبل بالادب؟ الاجابة التي لا ارغب ذكرها في سبب حجب جائزة نوبل عن الفلاسفة هو لان الفلسفة بنية منطقية تجريدية لا تلتزم واقع الانسان والحياة. على خلاف من العلوم والاجناس الادبية. وكذا منعت جائزة نوبل عن الايديولوجيات السياسية الوحشية الممثلة بالعنصرية والابادات الجماعية.
الالتزام في الادب
أوصل صدى ما طرحه سارتر حول الالتزام بالادب في نهاية الستينيات من القرن العشرين إبان إزدهار الفلسفة الوجودية الفرنسية ان بادر الكاتب الروائي الكبير سهيل ادريس صاحب مجلة الاداب اللبنانية بداية السبعينيات دعوة عميد الادب العربي طه حسين تلبيته رغبة اتحاد ادباء لبنان القائه محاضرة حوارية نقاشية امام بعض الحضور من ادباء ومثقفي لبنان يناقشون فيها معه مسالة الالتزام بالادب من وجهة نظر فلسفة سارتر. لا اعتقد تم تنفيذ الدعوة.
في محاولة رفض الادباء والفنانين والشعراء العرب تحديدا اتخاذهم موقف المعاداة في الزام الاجناس الادبية والفنون من غير الفلسفة تبني ثيمة الالتزام بالانسان والحياة علما ان مناقشة الالتزام بالفلسفة ليس واردا اطلاقا والى يومنا هذا. خاصة بعد هيمنة فلسفة اللغة على المشهد الفلسفي عالميا واصبحت الفلسفة الاولى منذ منتصف القرن العشرين.
تعقيب توضيحي حول فهم الحداثة العربية الماخوذة عن الغرب إذ بقي تمسك ادبائنا وفنانينا بالحداثة الاوربية كموضة استهلاك مهووسة وليس كضرورة حياة عربية معاصرة. الى ان جاء عالم اللغة باختين في مقولة موت المؤلف ليعقبه في نفس المقولة رولان بارت احد ابرز فلاسفة البنيوية الفرنسيين في تكراره موت المؤلف فسقط بايدي مستنسخي الحداثة الادبية الغربية من قبل الادباء والفنانين العرب في استقتالهم بناء امجاد انفرادية بعيدا عن هموم المجتمعات العربية باستثناءات بقيت مغمورة مهمشة لحين وفاتها.
تجريد الفلسفة اللغوي وإن كان يلتقي معه لغة التعبير التجريدي في الاجناس الادبية من شعر وقص ورواية ونقد الا ان ذلك يبقي على انفصال تجريد تعبير لغة الفلسفة لا يلتقي تجريد لغة الاجناس الادبية في ثيمة الالتزام بمعناه الانساني السيسيولوجي قائما حضوريا عبر احقاب تاريخية من عصور الفلسفة.
الاجناس الادبية وإن كانت ايضا تجريدا لغويا لكنها مقارنة مع تجريد الفلسفة في التعبير تصبح الاجناس الادبية التزاما واقعيا في حياة الانسان حتى وإن طغى المخيال الادبي اللاشعوري على لغة الاجناس الادبية. تجريد تعبير اللغة فلسفيا تجريد منطقي في مرجعية وصاية العقل عليه. بخلاف تجريد لغة الاجناس الادبية الذي هو تعبير لغة اللاشعور الخيالي متداخلة مع احساسات الواقع المادي الانساني وغير الانساني في الطبيعة.
ربط الفلسفة بالعلوم والرياضيات
المفارقة كانت في محاولة بعض الفلاسفة ربط الفلسفة بالعلوم الطبيعية تارة والرياضيات والفيزياء تحديدا تارة اخرى ولم يفكروا ربط الفلسفة بالادب في ثيمة الالتزام او ثيمة الجمال في صنوف الادب والفن كموضوع فلسفي وليس اندغاما تكوينيا بالسرد الفلسفي.. علم الجمال هو علم الفن قبل ان يكون علم الفلسفة رغم ان كليهما الفلسفة والفن تجريد تعبيري مختلف بوسائل تواصله مع المتلقي رغم النخبوية الاستقبالية الواحدة التي تجمعهما معا. الفن الجمالي في الرسم والنحت والتشكيل الفنتازي والشطحات المدرسية المتفردة في مثل الرسم بالافكار وبالمفهوم قبل جمالية الصنعة. لا يلتزم حياة الانسان بالوجود كما هي الفلسفة تماما.
السبب ان لغة الفلسفة التجريدية لغة متعالية على مفهوم لغة التداول ولغة الكتابات الادبية والثقافية فهذه الاخيرة تتمكن من تمرير الالتزام لانها لغة مقارنة بغموض لغة الفلسفة يمكنها اي الاجناس الادبية تمرير ثيمة الالتزام بالادب لانها تخاطب واقع الانسان في جميع مناحي حياته. وهو ما لا تتمكن منه لغة الفلسفة العصية على التلقي والاستقبال والفهم المباشر. بما يخص فلسفة الجمال بالفن لا تلتزم معالجة الواقع والحياة، بل كانت افكارها مستمدة من عالم الذاكرة والخيال واللاشعور وتختلف مع الفلسفة بمنطق اللغة المفصح عنها. بينما تكون لغة الجمال والفن وليس لغة التنظير لهما هي لغة التموضع التكويني الكامن في اشكال التعابير الفنية الجمالية التي يستقبلها المتلقي بعاطفته الجمالية قبل عقله.
لذا تكون تهمة الفلسفة انها ترف الطبقات النخبوية المتعالي بضمنهم بعض المثقفين والفنانين الذين نعيش تطرفهم اللغوي وتعبيرهم التجريدي بالادب والفن وخاصة بالشعر الموغل بالابهام والغموض في بعضه بما يلغي حضور الفهم والاستيعاب الجماهيري لما يعبّرون عنه في محاولتهم الالتقاء مع ماتقوله الفلسفة من ابهام تجريدي لغوي عصي على المتلقي. وهو امر وارد واقع نعيشه.. والاكثر عصيا على الاستقبال هو فن التجريد في الرسم او ما يسمى الفن المفهومي الذي تكون اللوحة فيه تعبيرا عن مفهوم وليس تعبيرا عن تجريد لغوي كامن باللوحة يتقبل التاويل. كما نجده في اعمال بيكاسو في مراحله الفنية خاصة التكعيبية. الفن المفهومي هو التعبير عن الافكار بغير وسيلة اللغة بل بوسائل الصنعة الجمالية الفنية.
ربما يبدو غريبا ان يشغل طرح قضية الالتزام بالفلسفة غربيا اوربيا قبل قرنين من الزمان مقارنة مع ما ساوضحه لاحقا عندنا عربيا . الالتزام بالفلسفة سابقة لم يشهدها تاريخ الفلسفة لعقود تاريخية طويلة ماضية لاسباب تجعل من الاجناس الادبية قبل الفلسفة فعاليات يتوزعها الاهتمام الشعبي الاستقبالي الواسع كون الاجناس الادبية بعد منعطفها الحداثي عربيا المتاثر بالحداثة الثقافية الاوربية ما جعل ايديولوجيا الاحزاب السائدة عندنا عصرذاك تتقاطع مع ثقافة الادب والاجناس الثقافية الاخرى وتقف مختلفة معها بفواصل عقائدية دوجماطيقية بين مستويين احدهما رفض الالتزام بالادب عموما كون الاستجابة لهذه الدعوة هو اعطاء مشروعية الايديولوجيا السياسية للاحزاب السياسية المتزمتة تطويع مجمل الثقافة حق السياسة الوصاية على الشعر والاجناس الادبية الاخرى مثل القصة والرواية وبعض الفنون التشكيلية التي فقدت ملامح الهوية العربية بالانغماس غير المتحفظ الواعي بالصرعات الفنتازية الاجنبية الحداثية كما وردت في السريالية والبرناسية والدادائية وفي الحداثة التجريدية في فن المفهوم وادب اللامعقول مؤخرا.
ولا يعني هذا التعميم انه لم يجر التزام ادبي خاصة بالشعر الجديد والرواية العربية في تمرد جريء مناوئ الايديولوجيات العربية بكافة اشكالها التضليلية واستغفالها الجماهير في التسلط ونهب خيرات تلك البدان العربية في تواطئها مع الانحرافات الحزبية المتتالية التي تقودها التدخلات الاجنبية التي جعلت من فقر وجهل وقطعانية الاذعان في المجتمعات العربية ظاهرة لم يسبقها مثيل.
فمثلا اعمال الروائي العربي المصري نجيب محفوظ ويوسف ادريس واحسان عبد القدوس ومثلهم بسوريا والعراق ولبنان كانوا جميعا ملتزمين الواقع الاجتماعي العربي المتردي في انحطاطه السياسي والاقتصادي في غالبية النتاج الادبي والثقافي الذي التزمته الاعمال السينمائية والمسرحية.
وفي ضروب الثقافة الغربية الاجنبية عموما جاءت ردة الفعل المتطرفة على صعيد المروق على فنون عصر النهضة في البداية التي غادرت اعمال عمالقتها ليوناردوا دافنشي ومايكل انجلو، رافاييل، غويا، وفان كوخ وماتيس ومانيه وغيرهم من الذين استهوتهم رغبة كسر جميع انواع المحددات المحذورة التي تجعل من اللوحات الفنية استنساخا فوتغرافيا للواقع الذي يماليء توجه اللاهوت الديني في خدمة الطبقات الارستقراطية التي كانت تتطير من مفهوم ان يكون الادب والفن للعامة من الناس وتحارب هذا التوجه بضراوة في رشوة الطبقة الارستقراطية والملوك غالبية الادباء والفنانين في العصور الوسطى وعصر النهضة.. كي يكون جل اهتمامهم تنفيذ رغائب الطبقات الارستقراطية والغنية.
فكان ان ظهر تبشير كاندنسكي في التجريد الفني التجديدي إيغالا غير مسوّغ في دفن رغبة ان يكون الفن في خدمة العامة فظهرت السريالية الفنية في الرسم لدى بيكاسو وسلفادور دالي وآخرين غيرهما متماهية مع تجريدية الشعر من خلال تحطيم النسق اللغوي الدارج التي كان تزعمها اندريه بيرتون في مقولته الشهيرة القصيدة الشعرية يجب ان تكون حطاما للعقل.. واصدر بيانا يبشر به ان كتابة الشعر ورسوم اللوحات الفنية يجب ان تخضع لسطوة تداعيات اللاشعور.
الاتجاه الثاني الذي قاده منهج الالتزام الادبي عندنا عربيا فقد ابتلعها الموروث العربي المستمد من مرجعية وصاية الاحزاب السياسية وهيمنة رجال الدين الرافض لكل تجديد يطال اي منحى بالحياة ونكاد نقول اليوم انه لازال الموروث ذي الخصائص الهوياتية العربية الراضخ تحت الهيمنة الحزبية المتدينة سياسيا يعيش قابعا في جوف الحوت الذي أعقبه قيء يونس حيّا من جوفها بعد ثلاثة ايام.
هيدجر وفوكو والتزام عالم الجنون
السؤال طالما كانت الفلسفة تجريديا يماثل الالتقاء مع تجريدية اللغة والتي ايد هذا التكامل كلا من هيدجر ومن بعده فوكو فماذا اضاف هذا التلاقي على صعيد البنية المضمونية بالنسبة لثيمة الالتزام بالفلسفة؟ ولماذا فشل هذا المسعى الذي عبّر عنه هيدجر وفوكو ان عوالم الشعر التجريدية وضعت بصمتها الجوهرية في تداعيات لغة اللاشعور في كل من لغة الشعر وتكاملها الوجودي الفلسفي مع لغة الجنون واعتبرا هذا التعبير الخارج على نظامية تحقيق المعنى اللغوي في التواصل هو اصدق تعبير عن عالمنا الزائف بكل شيء منها تعبير لغة الفلسفة في تضليلها العقل. واعتبرا حقيقة الوجود هو ما يمثله الجنون والشعر في تعبيرهما عن لغة تداعيات اللاشعور في تبشيرهما بعالم حقيقي جديد هو غير عالمنا الذي نعيش..
وهذه الثنائية بين لغة الشعر السائبة بلا معنى تحت راية تقليد الحداثة الغربية، وهذاءات وغطرفة لغة المجانين في اصوات ايضا لامعنى لها في التزام نيتشة وهيدجر وفوكو والشاعر الالماني هولدرين. ان هذه النماذج من القول الفارغ بلا معنى في تفسيره المعلن والخفي هو الذي يمثل الوجود الحقيقي بما نطمح تحقيقه في ازاحة وجودنا الزائف الذي نعيشه بنفاق كاذب. ....
تعقيب حول اعجاب نيتشة وهيدجر وفوكو بتجربته الشعرية هو ان هولدرين الشاعر الالماني تحت وطأة هذا الانحراف الهستيري جاءت تجربته الشعرية في تقمص هولدرين حالة الجنون كي يصل اعماق الحفريات الدفينة في عالم الجنون وخرج بنتيجة انه تلبسه الجنون تماما. ما اثار تمجيدات نيتشة وهيدجر لتجربة هولدرين في اثباته من خلال تجربته الجنون لا حقيقة العالم الذي نعيشه وعالم الجنون الذي لا نستطيع فهمه ربما يكون اصدق من عالمنا الذي نعيشه.
الالتزام وتنحية الابستمولوجيا فلسفيا
الى هذا الحد يمكن تمرير هذا الهوس باسم التجديد على الصعيد الفلسفي في نظرية المعنى والتحول اللغوي وعلوم اللسانيات التي انبثقت بدايات القرن العشرين وبلغت اوجها منتصف ذلك القرن، لكنما كيف يمكننا تمرير وجوب ربط الفلسفة بالعلم او ربط الفلسفة بالرياضيات او ربط الفلسفة بالمنطق وعلوم الطبيعة والفيزياء التي ترى في حضور العقل هو ان نجعل من تجريد الفلسفة بلا معنى لغوي يعني انعدام امتلاكها مقبولية فكرية تداولية تلقى الاستقبالية الشعبية التي تفتقدها؟
وإن كانت هذه الطروحات الطوباوية فاشله وأن افتراض نجاحها الفلسفي لم يكن ليلغي حقيقة ثيمة الالتزام بالنسبة للفلسفة ليست اكثر من مطالبة تعجيزية لا تقبلها الفلسفة نفسها فهي رازحة تحت وطأة حقيقة الفلسفة للنخبة الاكاديمية والقراء وتلامذة الجامعات من النوابغ وبعض الفلاسفة الفرنسيين والاوربيين قاطبة.. الفلسفة تعبير مافوق اللغة. شرحت في مقال منشور لي مصطلح ما فوق اللغة بالفلسفة الغربية واجريت عليه اسقاطا عربيا على واقع لغة القران الكريم ولغة الشعر وتطورهما على يد العبقري اللغوي الخليل بن احمد الفراهيدي ت 79 هجرية.
بعد منتصف القرن العشرين تسّيدت فلسفة اللغة مكانة الفلسفة الاولى. وتلتها عشرات الاتجاهات الفلسفية التي قامت على اهمية مراجعة تصحيح تاريخ الفلسفة بضوء تصحيح تاريخ اللغة التضليلي معرفيا في نظرية المعنى وفي علوم اللسانيات ما نتج عنه تشعب تيارات فلسفية جعلت من التفكير في مسالة الالتزام بالفلسفة سذاجة لا يقبلها عصر ما بعد الحداثة الذي كفر بكل ايقونة ثابتة وردت بتاريخ الفلسفة الملازم للحداثة مثل اللغة، الذات ، السرديات الموروثة في الدين والماركسية والتاريخ.
حتى وصل الحال انكار وجود العقل عند فيلسوف العقل واللغة جلبرت رايل 1900 - 1976 الذي كان سبقه التبشير به ديفيد هيوم. في مقولته لا يوجد شيء يسمى عقلا يمتلكه الانسان أبدا. الغاء العقل ليس المقصود به الغاء الدماغ العجينة التي تحتويها جمجمة الانسان ، بل الغاء العقل هنا على انه الغاء خاصية العقل كتفكير تجريدي معرفي فلسفي منتج للافكار.
كما برزت لنا فلسفات عديدة قامت بتعميق الشرخ الفاصل بين الفلسفة والالتزام في ابسط معانيه ابرزها الفلسفات الفرنسية فقط مثل تاويلية بول ريكور وتفكيكية جاك دريدا وعدمية فانتيمو. اعقبهم العشرات من الفلاسفة الاميركان امثال ريتشارد رورتي ،جون سيرل، سيلارز، سانتيانا، نعوم جومسكي ، فريدريك سكينر، وكارناب ، وفينجشتين المحسوب على فلسفة بيرتراند راسل الانجليزي قبل احترابهما الابيض بينهما بعد نيل فينجشتين شهادة الدكتوراه في فلسفة اللغة تحت اشراف راسل واصراره الحفاظ على وصيّة جاتلوب فريجة قوله من العار على فلسفة اللغة وجوب تضييع فرصة دمج الايقونات القارة الفلسفة واللغة والرياضيات والمنطق في توليفة واحدة رأى كلا من فينجشتين وجورج مور وفلاسفة امريكان لا حصر لهم ان راسل يهذي بهذا التعجيز الفلسفي ليقابلهم هو بالرد ان الفلسفة الاميريكية البراجماتية نذلة وخسيسة..
الفلاسفة الذين رأوا بعد خلاص الفلسفة من هيمنة الابستمولوجيا (المعرفة) السيدة الاولى بالفلسفة بعد منتصف القرن العشرين بعد تتويج الفلسفة لفلسفة اللغة عروس التفلسف.
على امتداد تاريخ ثلاثة قرون فلسفية تحت تأثير من ديكارت في القرن السابع عشر. ودخول العالم بعدها في سلسلة من التطورات التاريخية التي بدأت في نهضة ايطاليا القرن السادس عشر لتنتشر باشكال علمية ودينية ومعرفية لا سابق لها اوربيا سميت بعصر النهضة الحداثية.
بمجيء عصر ما بعد الحداثة التي تبنت بداياتها الاولى الفلسفة البنيوية التي كانت ثورة هوجاء على كل ما جاءت به الحداثة وعصر الانوار من اعلاء قيمة الذات الانسانية ونيل كرامتها وتنحية تدخلات رجال الدين بالعلم. اول فيلسوف سويسري فتح ابواب فلسفة اللغة وعلوم اللسانيات ونظرية المعنى هو دي سوسيرفي بدايات الفلسفة البنيوية بعمالقة فلاسفتها مثل شراوس وفوكو والتوسير ولاكان ورولان بارت.
الفلسفة البنيوية بجميع فلاسفتها الفرنسيين والالمان والانكليز والاميركان اجمعوا ان ضياع عصور من تاريخ الفلسفة في تضليل العقل هو مراوغة اللغة في التعبيرعن المعنى. وبعد ان وجدت الفلسفة البنيوية انها كانت البادئة في ايصال فلسفة اللغة وتيهان علوم اللسانيات الى طريق مسدود لجأت مرغمة التزام طروحات ما بعد الحداثة في انكار الوجود الزائف الذي نعيشه ونكرانها منجزات العلم التي ادخلت الانسان في نوع من هيمنة الالة والذكاء الصناعي والسبرانية والذرة والروبوت الالي، والتمرد على نزعة الحداثة في رفض تمجيد الذات والانسان ولم يسلم العقل ايضا من السخرية منه..
وضرورة اعلان افلاس سرديات التاريخ الكبرى في مقدمتها الماركسية وكتاب راس المال.. فكان موت التزام الفلسفة سريريا حقيقة فكرية مجتمعية صادمة لا تقبل المعالجة خاصة في طغيان طروحات فلسفة بنية اللغة على انها نسق ذاتي مستقل يوازي الواقع والحياة ولا يقاطعهما ولا يعمد الاسهام بصنعهما ابدا.
حتى ذهب بعض الفلاسفة من الفرنسيين والاميركان أبعد من ذلك التطرف حين ارادوا اثبات كليّة النسق اللغوي المستقل خارجا عن فهمه الخاص أن اللغة جوهر انساني يمتلك خاصية الانسان التواصلية والحوارية المتراجعة الاهمية امام اعتماد خاصية متفردة أن اللغة صوت ذو دلالة يحمل نظاما خاصا في المعنى لا علاقة له بحياة الانسان.
في عبارة اخرى حين يصار الى تجريد اللغة من معناها الفكري القصدي والمعرفي والتواصلي فماذا يبقى للفلسفة ما تتاجر به أن اللغة فائض معنى نبحث عنه في قراءات متعددة جديدة بامكانها تصحيح مسار تاريخ الفلسفة الوهمي التضليلي للعقل وقضاياها الزائفة المتوارثة عبر العصور.
علي محمد اليوسف
يتبع بمقال قادم