تثار جملة من القضايا الحيوية التي خاضها الفكر العربي منذ الارهاصات النهضوية الاولى والتي اصطلح على تسميتها (( بالنهضة العربية )) .. لتطرح المزيد من الاشكاليات التي تتلاقى عند فكرة الحداثة التي صارت تخترق كل المجالات الفكرية وألاجتماعية والسياسية وتشكل هاجساً يؤرق رجالات السياسة والفكر على حد سواء .. ومع ذلك تعد ضبابية محددات ومكونات فكرة الحداثة .. وغموض مضامينها من أهم سمات الفكر العربي .. الذي يطرح اليوم بشدة قضية الحداثة والتحديث دون المام واضح بعناصر مشروع العصرنة في مكونيه الرئيسيين : (( الحداثة والديمقراطية ، فالحداثة اختيار فكري ستراتيجي عام ، والديمقراطية هي تجسيده السياسي )) ..
يمكن القول ان الالمامات الاولى للوعي العربي باشعاعات النهضة الاوربية كانت كمفارقة تاريخية كبرى ، ذلك ان الانغلاق الحداثي / الحضاري لفكرنا أخلّ بالتوازن الحداثي الكوني ، الامر الذي افضى الى الصدمة الاستعمارية الاولى .. إذ ارتبط ذلك بالغزوة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت لمصر سنة 1798م ثم توالت الموجات الاستعمارية الغربية لتأتي على البلاد العربية والاسلامية برمتها .. وكان من الطبيعي ان يتأثر العقل والوجدان العربي بالمبادئ والقيم الجديدة التي حملتها تلك الغزوات سيما وان البلاد العربية كانت تعاني من فاقة مدقعة لمثل هذه القيم .. بيد ان تلك القيم التنويرية ارتبطت وربطت بظاهرة الاخضاع الاستعماري ، والتي كانت نتيجة طبيعية للقاء غير متكافئ ، اذا ما فهمناه في اطاره التاريخي الذي يعبر عن (( نزعة التوسع عند البرجوازية الغربية وعدم اكتفاءها بحدودها الطبيعية وهذه النزعة لايمكن ان تقدم الاّ على الاخضاع والاستغلال )) .
ردة الفعل في الوعي العربي المكبل بالاستبداد السياسي والاستغلال الطبقي والتخلف التاريخي ، كانت محاولة اعادة تشكيل هذا الوعي ليقوم على اساس (( رفض الطابع الاستعماري لهذا النموذج مع تبن في نفس الوقت لمكتسبات الليبرالية الغربية )) .. وقد جرت هذه المحاولة واستمرت لما يقارب القرن والنصف ، وقد لمع خلال هذه الحقبة مفكرون كبار من امثال الطهطاوي والكواكبي والافغاني ومحمد عبده وعلي عبد الرازق وطه حسين .. الخ .. الا ان تلك المحاولة الطويلة انتهت الى الفشل والانتكاس ، والسبب (( اننا اتجهنا الى بناء مشروع نهضتنا بعقل غير عقلنا ، اما بعقل معقول ( مكبّل) يتجه صوب الماضي التليد ، وأما بعقل مغاير ، عقل الغرب أي الليبرالية الغربية بسياقها التاريخي المخصوص وبمعطياتها الحضارية المتميزة )) .. أي ان المشروع الحداثي الوافد من الغرب لم يكن (( اختياراً نابعاً من ضرورات تاريخنا وتجربتنا كأمة )) .. وهكذا فشل المشروع الحداثي في الوطن العربي لانه لم ينجز الشرط الحضاري للانتقال الى الحداثة .. الا وهو (( التجديد الديني )) ، أي اعادة قراءة الفكر الديني وتراثه وتجديده وتفسيره وتأويله (( قراءة منفتحة بعين العصر وبالادوات المعرفية الجديدة التي تقدمها العلوم .. وفق متطلبات العصر ، يطور انطلاقاً من الدين ثقافة حافزة على التجديد والتحديث والتطوير كما حصل في اوربا نفسها )) .. الامر الذي يؤكـد عجز العرب في استنبات حداثة جوانية مبنية على اساس انبعاث حضاري جديد (( لكن لهذا الانبعاث قوانينه الذاتية وشروطه الموضوعية التي لايمكن تجاهلها )) .. فهل الخلل في خصوصيتهم التاريخية التي تكبل هذا الانبعاث .. بل وتفشل الحوار الحضاري مع الغرب كضرورة تاريخية ؟ .
كان المطلوب من ثقافتنا (( الخصوصية )) ان تتحدث وتتعصرن بحكم تطورها الذاتي واحتكاكها مع الفكر الحداثي الوافد وانجازاته العظيمة .. والاولوية للنخب التحديثية كالنخب السياسية والثقافية والتكنوقراط التي يمكن ان تنجز التحديث ، لانها هي التي تسير في اتجاه التاريخ وتستنير بقوانينه بخلاف النخب التقليدية المحكومة بتجارب الماضي .. وردود الفعل تجاه التاريخ العالمي والتحديثي ، لذلك فهي (( تكاد تشكل فرملة للتطور )) لانها تعيد انتاج الماضي بوصفه تاريخ التزمت والانغلاق .. وتاريخ الاجترار والتكرار . من هنا يثار التباس اشد وطأة في اذهاننا حول ماهية الحداثة .. واستعمال قوى الحداثة ، سيما وان الحداثة داهمتنا بقوة ، واخترقت دواخلنا بقسوة من خلال المد الاستعماري الذي استباح أوطاننا ونهب ثرواتنا وعمل على تدمير ثقافتنا ، لكن ثقافتنا ومجتمعنا مدعوان الى (( ان تميز بين النواة الصلبة للحداثة كعقلانيـة وحريـة ، وبيـن استعمال الحداثة … للسيطرة على الشعوب )).. لا ان تكون ردة الفعل رفض الحداثة شكلاً ومضموناً كما هو الحال مع الفكر التقليدي المتزمت ، او في أحسن الاحوال المواءمة بين الحداثة كمفهوم عملي تقني والثقافة التقليدية الموروثة وبشكل مشوش والتباسي كما انتهى حال النهضة العربية مع الانظمة الشمولية الاستبدادية .
يمكن القول ان كل امة عظيمة عندما تنحدر من حضارة جبارة وقوة عظمى الى لحظة آنية تمثل الضعف والقصور بل والذهول الحضاري الرهيب ، كما هو حال الامة العربية .. لابد بغية تجاوز المحنة والانطلاق نحو المستقبل وامتلاك ناصية العلم والعظمة .. من البحث عن ملهم تاريخي للواذ به والاهتداء بانواره . فكان المحرك الماضوي / التاريخي للغرب واضحاً وبسيطاً هو العودة الى (( التراث اليوناني ، أي العودة الى المدني تخلصاً من الديني الذي يمثله التراث المسيحي )) .. اما في حالة العرب .. فان المحرك التاريخي يصعب انتقاؤه ذلك ان للشعوب العربية قطيعة معرفية تماميه مع التراث الذي سبق الاسلام الا لماماً لايغني ولايسمن من جوع .. والحال ان المحرك المطلوب هو ما يمكن البحث عنه في التاريخ الذي اعقب ظهور الاسلام .. واولى الاشكاليات التي تواجهنا هنا هي ان الملهم التاريخي عند العرب يمثل (( قاعدة مركبة مزدوجة )) .. هذه القاعدة فيها الخلافة الراشدة وهي دينية ثيوقراطية ، الدولة الاموية – ملك عضوض يتبرقع بالديني - ، الحكم العباسي الذي اراد ان يجمع بين ثيوقراطية الدولة الراشدة ودنيوية الملك العضوض ، دولة الرجل المريض والتي ادخلت المسلمين في عصور الجهل والظلام والانحطاط .. (( عند العرب الرومنس التاريخي بكل مضامينه كان يجمع المدني والديني ، الصوفي والماجن ، المادي والروحي ، مما جعل النهضة العربية عاجزة عن ان تنطلق فكرياً من اسار هذه الثنائيات المتراكبة المعقدة )) .. فضلا عن ذلك فان اية نهضة حداثية حقيقية بحاجة الى قوى اجتماعية ناهضة وليس الى الملهم التاريخي فحسب .. ففي الغرب كانت البرجوازية كقوة اجتماعية منتجة ومجددة هي التي استطاعت ان توظف التراث اليوناني كمحرك تاريخي للنهضة الاوربية وتنجز عملية التحول الحداثي الكبرى .. بينما انحسرت قدرة القوى المحافظة الاقطاعية / الكنسية التي كانت تشكل اكبر العوائق امام انطلاق الحداثة الغربية .
اما فيما يتعلق بالحالة العربية فان الوضع يجري بالمقلوب وبالمعكوس.. ففي الوقت الذي تفتقر فيه الامة الى الملهم التاريخي الواضح والمشرئب الى المستقبل ، فان القوى المهيمنة والمسيطرة على المجتمعات العربية ، هي القوى السلفية والمحافظة التي تتمسك بالتراث ضد الحاضر والمستقبل وتخوض معركة شرسة ومصيرية ضد التجديد باسم الهوية والاصالة .
لكي يمكننا الحديث عن ولوج عصر الحداثة في بلادنا .. لابد لنا من ان نخرج من شرنقة الانساق المغلقة المشيدة على اساس اغتيال العقل في البلاد العربية والاسلامية .. وذلك لايكون الا من خلال بناء العقل بالتزامن مع البناء الديمقراطي .. ولو رجعنا الى المحرك التاريخي الاوربي – التراث اليوناني – لوجدنا ان (( بناء العقل ( لوغوس Logos ) قد تزامن اصلا مع بناء الديمقراطية وان الديمقراطية الاثينية هي التي سمحت للعقول بالاحتكاك وولدت ما نسميه الان بالفكر الحر الناقد ( الفلسفي ) الذي يستطيع ان يشرح ويوضح ويشخص حتى يتدخل العالم او الطبيب او السياسي للاصلاح والمعالجة )) .. بينما في مجتمعاتنا التي يجري فيها اغتيال العقل من خلال تكريس الانتماء الوحيد الى التراث والذي لايتحمل العقل فيما هو آني وقادم . . وبالتالي لايتم البحث عن الحقيقة لانها موجودة .. ولايتم طلب الاصلاح الا بالنكوص الى الماضي حيث لامكان للتحاور والتسامح والتطور .. لايمكن اعادة بناء العقل العربي الا ببناء ديمقراطية حقيقية وذلك لايكون الا بنهوض قوى اجتماعية متنورة تضع يدها على رومنس تاريخي لتفجره حتى تدخل شظاياه كل بيت عربي .. عندها فقط نبدأ مشروع الحوار الحضاري الحقيقي القائم على الندية المتأتية من الانبعاث الحضاري الذاتي .
كان المطلوب من ثقافتنا (( الخصوصية )) ان تتحدث وتتعصرن بحكم تطورها الذاتي واحتكاكها مع الفكر الحداثي الوافد وانجازاته العظيمة .. والاولوية للنخب التحديثية كالنخب السياسية والثقافية والتكنوقراط التي يمكن ان تنجز التحديث ، لانها هي التي تسير في اتجاه التاريخ وتستنير بقوانينه بخلاف النخب التقليدية المحكومة بتجارب الماضي .. وردود الفعل تجاه التاريخ العالمي والتحديثي ، لذلك فهي (( تكاد تشكل فرملة للتطور )) لانها تعيد انتاج الماضي بوصفه تاريخ التزمت والانغلاق .. وتاريخ الاجترار والتكرار . من هنا يثار التباس اشد وطأة في اذهاننا حول ماهية الحداثة .. واستعمال قوى الحداثة ، سيما وان الحداثة داهمتنا بقوة ، واخترقت دواخلنا بقسوة من خلال المد الاستعماري الذي استباح أوطاننا ونهب ثرواتنا وعمل على تدمير ثقافتنا ، لكن ثقافتنا ومجتمعنا مدعوان الى (( ان تميز بين النواة الصلبة للحداثة كعقلانيـة وحريـة ، وبيـن استعمال الحداثة … للسيطرة على الشعوب )).. لا ان تكون ردة الفعل رفض الحداثة شكلاً ومضموناً كما هو الحال مع الفكر التقليدي المتزمت ، او في أحسن الاحوال المواءمة بين الحداثة كمفهوم عملي تقني والثقافة التقليدية الموروثة وبشكل مشوش والتباسي كما انتهى حال النهضة العربية مع الانظمة الشمولية الاستبدادية .
يمكن القول ان كل امة عظيمة عندما تنحدر من حضارة جبارة وقوة عظمى الى لحظة آنية تمثل الضعف والقصور بل والذهول الحضاري الرهيب ، كما هو حال الامة العربية .. لابد بغية تجاوز المحنة والانطلاق نحو المستقبل وامتلاك ناصية العلم والعظمة .. من البحث عن ملهم تاريخي للواذ به والاهتداء بانواره . فكان المحرك الماضوي / التاريخي للغرب واضحاً وبسيطاً هو العودة الى (( التراث اليوناني ، أي العودة الى المدني تخلصاً من الديني الذي يمثله التراث المسيحي )) .. اما في حالة العرب .. فان المحرك التاريخي يصعب انتقاؤه ذلك ان للشعوب العربية قطيعة معرفية تماميه مع التراث الذي سبق الاسلام الا لماماً لايغني ولايسمن من جوع .. والحال ان المحرك المطلوب هو ما يمكن البحث عنه في التاريخ الذي اعقب ظهور الاسلام .. واولى الاشكاليات التي تواجهنا هنا هي ان الملهم التاريخي عند العرب يمثل (( قاعدة مركبة مزدوجة )) .. هذه القاعدة فيها الخلافة الراشدة وهي دينية ثيوقراطية ، الدولة الاموية – ملك عضوض يتبرقع بالديني - ، الحكم العباسي الذي اراد ان يجمع بين ثيوقراطية الدولة الراشدة ودنيوية الملك العضوض ، دولة الرجل المريض والتي ادخلت المسلمين في عصور الجهل والظلام والانحطاط .. (( عند العرب الرومنس التاريخي بكل مضامينه كان يجمع المدني والديني ، الصوفي والماجن ، المادي والروحي ، مما جعل النهضة العربية عاجزة عن ان تنطلق فكرياً من اسار هذه الثنائيات المتراكبة المعقدة )) .. فضلا عن ذلك فان اية نهضة حداثية حقيقية بحاجة الى قوى اجتماعية ناهضة وليس الى الملهم التاريخي فحسب .. ففي الغرب كانت البرجوازية كقوة اجتماعية منتجة ومجددة هي التي استطاعت ان توظف التراث اليوناني كمحرك تاريخي للنهضة الاوربية وتنجز عملية التحول الحداثي الكبرى .. بينما انحسرت قدرة القوى المحافظة الاقطاعية / الكنسية التي كانت تشكل اكبر العوائق امام انطلاق الحداثة الغربية .
اما فيما يتعلق بالحالة العربية فان الوضع يجري بالمقلوب وبالمعكوس.. ففي الوقت الذي تفتقر فيه الامة الى الملهم التاريخي الواضح والمشرئب الى المستقبل ، فان القوى المهيمنة والمسيطرة على المجتمعات العربية ، هي القوى السلفية والمحافظة التي تتمسك بالتراث ضد الحاضر والمستقبل وتخوض معركة شرسة ومصيرية ضد التجديد باسم الهوية والاصالة .
لكي يمكننا الحديث عن ولوج عصر الحداثة في بلادنا .. لابد لنا من ان نخرج من شرنقة الانساق المغلقة المشيدة على اساس اغتيال العقل في البلاد العربية والاسلامية .. وذلك لايكون الا من خلال بناء العقل بالتزامن مع البناء الديمقراطي .. ولو رجعنا الى المحرك التاريخي الاوربي – التراث اليوناني – لوجدنا ان (( بناء العقل ( لوغوس Logos ) قد تزامن اصلا مع بناء الديمقراطية وان الديمقراطية الاثينية هي التي سمحت للعقول بالاحتكاك وولدت ما نسميه الان بالفكر الحر الناقد ( الفلسفي ) الذي يستطيع ان يشرح ويوضح ويشخص حتى يتدخل العالم او الطبيب او السياسي للاصلاح والمعالجة )) .. بينما في مجتمعاتنا التي يجري فيها اغتيال العقل من خلال تكريس الانتماء الوحيد الى التراث والذي لايتحمل العقل فيما هو آني وقادم . . وبالتالي لايتم البحث عن الحقيقة لانها موجودة .. ولايتم طلب الاصلاح الا بالنكوص الى الماضي حيث لامكان للتحاور والتسامح والتطور .. لايمكن اعادة بناء العقل العربي الا ببناء ديمقراطية حقيقية وذلك لايكون الا بنهوض قوى اجتماعية متنورة تضع يدها على رومنس تاريخي لتفجره حتى تدخل شظاياه كل بيت عربي .. عندها فقط نبدأ مشروع الحوار الحضاري الحقيقي القائم على الندية المتأتية من الانبعاث الحضاري الذاتي .