رسالة إلى فيلسوفنا المنتظر ـ هادي معزوز

   أيها المعلم الثالث القادم لا محالة اليوم أو غذا، إننا نعلم علم اليقين أنك غير راض على ما نحن عليه، وأنت المُلِمُّ بكل ما نكتب وبكل ما نهتم به، واقفا عند كل كبيرة وصغيرة، متحسرا على تفاهاتنا التي نعتقدها إبداعا، غاضبا على أخطائنا وسوء معرفتنا بالفلاسفة وأنساقهم، منتظرا من أحدنا أن يسير على منوال ديدرو الذي استطاع أن يكسب حب وتقدير مجايليه من الناس لدرجة تحديهم تعاليم الكنيسة المستبدة لصالح الأنسيكلوبيديا، لهذا نعدك ومن هذا المنبر على الوقوف إلى جانبك حتى ولو كلف هذا الوقوف نهاية أنفاسنا، مادامت كل مغامرة فكرية تودي بصاحبها إلى الزوال والأفول جسدا لا فكرا، مثلما حصل لسقراط وهيباتيا والحلاج وابن المقفع وكوبرنيك وغاليلي...بيد أنهم لازالوا أحياءً يعيشون بين ظهرانينا رغما عن تغييرات الزمن ورداءته، لهذا حتى وإن حصل ما لا يحمد عقباه فإن إطلالتك ستلبس معطف المقاومة، كما ستعلي من العلم على حساب الجهل.
    سيدنا الأول والأخير، لاشك أن مقامك عندنا شيدناه في انتظار حلولك، مثلما حاولنا تشييد فكر قويم وعملي دون التمكن من ذلك، لصعوبة الأمر، وثقل المهمة، وعناد الواقع، صحيح أننا لن نكون مريديك وأنت الشيخ الذي يطاع، لأنك تؤمن بالنقد البَنّاء لا بالعجرفة الجوفاء الذي تقتل فينا حس التفكير، وتحيي فينا وهم التفوق في زمن الانحطاط، لهذا أنا واثق من أنك ستستمع إلى ما كنا نعتقده كتابات وإسهامات، ستشجعنا وإن كنا مجانبين للصواب، كما ستقسو علينا قسوة الأب المحب لأبناءه لا قسوة السادي على ضحاياه، وإننا لهذا الأمر لمنتظرين بفارغ الصبر.
    فيلسوفنا المعلم، إننا في حاجة كبيرة إليك، كي ننصت إلى موقفك من التطرف، كي تقف عند أسبابه التاريخية والإبستيمولوجية والبنيوية، ثم تشرح لنا كيف أصبح دَيْدَنَ غالبية العامة والخاصة، ستقول لنا بكل حكمة لماذا بات يأكلنا مثلما تأكل النار الحطب، ولماذا سقطنا بين براثنه من حيث لا ندري، وكيف عَمَّرَ الانحطاط على كل الأصعدة بعد محاولات تنويرية كان المعتزلة أبطالها إلى جانب ابن رشد وأبي حنيفة النعمان وابن عربي...  ستشرح لنا هذه الممانعة وهذه المقاومة المعكوسة لكل فعل ينحو إلى التغيير الإيجابي، عندها سنقف عند الأخطار التي ارتكبناها في حق التاريخ وفي حق الذاكرة المشتركة، كما في حق أنفسنا وإن كنا نتوهم بعطائنا الذي لم يساهم في الكونية لحد الساعة.
    أيها الفيلسوف المخلص مما نحن عليه الآن، لا تنسى أننا في انتظارك لأغراض تنويرية، ونحن الأمة الوحيدة التي لم تستطع لحد الساعة أن تتخلص من جمودها وانحطاطها لسبب بسيط يكمن في محاربة وعزل كل محاولة في مراحلها الجنينية حفاظا عن واقع تستفيد منه أقلية قاهرة على حساب أغلبية مقهورة، إن باسم الدين أو القدر أو القوة، وما كل حظوة تأتي إلا بفضل العطاء والعمل، بدل استغلال أمية وجهل العامة لاستبدادهن وأنت الداعي إلى بلورة فلسفة عملية بدل الركون في مكان قصي والتوهم بالتفوق تزييفا لواقع له رأي آخر في هذا الأمر.
    فيلسوفنا الوقور، إننا نعلم علم اليقين أنه بحلولك ستدعو إلى ضرورة الإصلاح الديني باعتباره مفتاح تقدمنا وتَنَوُّرِنا، معتمدا على قراءاتك التي المضادة هذا الغُلُوِّ والمرتكنة إلى التفسير الواحد للقرآن المبني على ذهنية التحريم وروح التعصب، بدل قبول الاختلاف ومنطق الحوار، سَتُحْدِثُ رجة في القائمين على هذا الشأن مستحضرا ضرورة قراءة النص المقدس والسنة قراءة نقدية تبني ولا تطيع كل شيء طاعة عمياء، نازعا منطق القداسة من تاريخ نتوهم تفوقه معوضا إياه بواقعيته السليمة.
أي فيلسوفنا المأمول حلوله إن عاجلا أو آجلا، لن ننكر أنك ستقنعنا بأن كل فكر متنور هو فكر حداثي بالضرورة، فكر لا يعطي قيمة للفرد انطلاقا من انتماءه الديني أو العقدي أو العرقي أو النَّسَبي، وإنما بمدى مساهمته ومدى احترامه للقانون والامتثال لواجباته والتمتع بحقوقه، ستقول وإني لواثق من ذلك، بأننا لا زلنا لم نصل بعد إلى تحقيق الإنسان، وهو ما سيجعلنا ننصت مطولا إلى تعريف الإنسان وكيفية تبلوره طوال تاريخ البشرية، كما ستؤكد بهدوءك الذي عهدناه بأننا لم نصل بعد إلى مفهوم المواطن ومفهوم الفرد الفاعل... ستعلمنا كيف نقرأ بدل أن نجتر، كما ستذكرنا بأن الفكر الفلسفي الذي يعتمد على قال هذا الفيلسوف وقال هذا المفكر إن هو إلا دوغمائية واجترار ليس إلا، ملقنا إيانا أبجديات الكتابة والقراءة التي لا زلنا نفتقد إليها ونحن الذين نتوهم بأن حماقاتنا إبداعا، ومؤلفاتنا إنجازات لا يشق لها غبار، وإلى حين حلولك تقبل منا كل فائق التقدير والاحترام.