"ليس الدّين مجرّد تقنية من تقنيات الآخرة، بل يمكن أن يكون أحد أنبل أشكال الإنتماء إلى الحياة"  
 فتحي المسكيني
"يلزمنا أن نكون فيزيائيين لنكون بهذا المعنى مبتكرين"
فريديريك نيتشه
تقديم
    طرح فريديريك نيتشه في مستهل كتابه "جينيالوجيا الاخلاق" إشكالية الجهل بالنفس والغربة عنها، وعدم البحث في الذات وحياتها وكينونتها. ودعا إلى التساؤل الجدّي عن أمور الحياة وأحداثها، وخاصة بكل ما مُجّد حتى الآن تحت إسم الأخلاق وعن دورها في عرقلة تطور البشرية أو تعزيز هذا التطور. وهذا يعني حسب نيتشه، أننا بحاجة لنقد القيم الاخلاقية وأن قيمة هذه القيم ينبغي أن تطرح قبل كل شيء على بساط البحث لمعرفة الشروط والأوساط التي ولّدتها. يبدو أن مطلب نقد القيم الاخلاقية أصبح اليوم ضرورة حيوية، في ظل إحساس قوي بخطورة "شبكة المعنى" التي أخذ يفرضها عالم التقنية، لكن مع رغبة في "تنوير الإنسان الاخير"(1) في ظل عودة محمودة إلى الهوية الدينية وإلى مصادر النفس العميقة. إن الأحداث الكبرى التي شهدها العالم منذ القرن الثامن عشر هي علامات عن أمر "الإكتمال" و"النهاية" و"الأخير"، لكن بشارة "العولمة" في نهاية القرن العشرين تدل على ظهور "بدء أول" أو "عهد آخر" هو عهد "البدو"(2)، عهد الحلم بتغيير الإتجاه. هذا مع سابق العلم أن لا منعطف للفانين، الذين هم نحن، إلا بعودتهم إلى كينونتهم الخاصة يستفتونها كما يؤكد مارتن هايدغر، أو "العودة إلى النفس العميقة" والإقبال على تنوير "الإنسان الأخير" بتعبير فتحي المسكيني.

" الكيمياء هو الفرع من العلوم الطبيعية الذي يبحث في خواص المعادن والمواد النباتية والحيوانية وطرق تولدها وكيفية اكتسابها خواص جديدة"- جابر ابن حيان، الكيمياء في كتابه العلم الإلهي
ولد أبو الكيمياء جابر بن حيان عام 721 ميلادي بطوس في إيران وتوفي بالكوفة في العراق عام 813 ميلادي وتأثر بجعفر الصادق وخالد ابن يزيد والحميري وكان معروفا في اللاتينية باسم yeber وgeber.
ذكر ابن خلدون بأن لابن حيان سبعين رسالة في الكيمياء كلها أشبه بالألغاز ومليئة بالأسرار وبالتالي كان أول من علم الكيمياء ومنزلته منها كمنزلة أرسطو من المنطق ولكنه اشتغل كذلك بالطب وعلم الصيدلة ومال إلى التصوف وسبق غيره في اهتمام بصناعة السموم والتداوي بها وتحضير الحوامض والعلاج بها.

" إذا كان لدينا مصدر ضوء ومرآة كروية، فكيف نحدد النقطة التي ينعكس عليها الضوء لعين الناظر؟"
تراوحت حياة الحسن ابن الهيثم بين البصرة في العراق من حيث هي أرض المولد سنة965 ميلادي والقاهرة في مصر مكان الوفاة سنة1040 ميلادي وعرفت عدة رحلات علمية مهمة إلى الشام والأندلس.
حاز ابن الهيثم على فكر موسوعي جمع بين الفلسفة والأدب وبين الرياضيات وعلم الطبيعة وبين الفلك والجغرافيا وبين علم المناظر وطب العيون وتأثر بأرسطو وبطليموس وإقليدس وجالينوس والكندي وثابت ابن قرة وتوصل في مجال الإدراك البصري والهندسة إلى اكتشافات مهمة أثبت صحتها العلم الحديث.
أطلق عليه مؤرخو العلم فيزيائي القرون الوسطى وأطلق عليه المستشرق رينر اللقب اللاتيني Alhazen وحفظت مكتبة فرنسا الوطنية بباريس ومكتبة ليدن ومكتبة بودلن في أكسفورد أعماله الفيزيائية والهندسية.

يمكن لعبارة الوعي الذاتي أن يكون لها معنيان. فهي تعني أولا معرفة الإنسان بأفكاره، بأحاسيسه وبأفعاله. وتعني ثانيا قدرته على الرجوع إلى أفكاره وأفعاله.
بصفة عامة، نعتبر الوعي الذاتي جوهر الإنسان. إنه ما يجعل منه ذاتا؛ أي كائنا يربط علاقات خاصة بالعالم وبذاته تميزه عن غيره من الحيوانات. كل هذه العلاقات الخاصة تعني إجمالا الفكر (ديكارت) أو الروح (هيغل).

أ) الوعي هو ماهية الفكر
أول فيلسوف تمكن من إعطاء تعريف واضح للوعي هو ديكارت في القرن السابع عشر. ففي "خطاب في المنهج"، يبحث ديكارت عن حقيقة من شانها التغلب على الشك. تمثلت النتيجة النهائية التي أدى إليها الشك المنهجي في يقين لا يرقى إليه شك: الكوجيتو، "أنا أفكر، إذن أنا موجود".
هذه الحقيقة ذات الأهمية القصوى، "أنا أفكر، إذن أنا موجود"، هي أساس الفلسفة. إنها تسمح بتعريف الروح كجوهر متميز عن الجسد يحدد طبيعة أو ماهية الإنسان. الإنسان بالتعريف كائن أو جوهر مفكر.
هذا الفكر أو المعرفة المباشرة (أنا كائن مفكر. الفكر يمثل الشكل الخاص لوجودي) التي يمتلكها الإنسان على نفسه، هو ما يسميه ديكارت الوعي، والذي هو بالتالي وعي ذاتي دائمًا.

" حساب الهند قوامه تسع صور يكتفي بها في الدلالة على الأعداد الى ما لا نهاية له وأسماء مراتبها أربعة وهي الآحاد والعشرات والمئات والألوف" ، الخوارزمي، مفاتيح العلوم،
عاش محمد ابن موسى الخوارزمي بين 781 و850 ميلادي بين خوارزم وبغداد وتأثر بأبي كامل شجاع ابن أسلم وعاصر المأمون وعمل في بيت الحكمة ولقد اهتم بالجغرافيا والفلك ولكنه برع في الرياضيات.
لقد ألف الكثير من الكتب وترك عددا من الرسائل العلمية على غرار الجمع والتفريق في الحساب الهندي وتقويم البلدان ومفاتيح العلوم والعمل بالإسطرلاب وصورة الأرض ورسم الربع المعمور، ويبدو أن كتابي المزولات والتاريخ الذي ذكرهما ابن النديم في الفهرست قد ضاعا وأن مسلمة المجروطي قد أنقذ النسخة العربية من كتاب علم الفلك الهندي المنقول إلى اللاتينية ، غير أن كتابه المختصر في حساب الجبر والمقابلة هو العمل العلمي الذي نال به شهرة واسعة وخلده وجعل منه عالما رياضيا فائق الابتكار.

مقدمة
تدفقت العبقرية العربية الإسلامية بعطاءات فكرية تربوية وفلسفية يندر مثيلها في تاريخ الفكر الإنساني. وقد شكلت هذه العطاءات منطلقا من منطلقات النهضة التربوية في الحضارة الغربية في مختلف تجلياتها. وفي التربية كما هو الحال في الفلسفة وغيرها نجد نوعا من الطفرات الإبداعية العبقرية التي ما زالت تحظى بإعجاب المفكرين وتثير دهشتهم. وليس في قولنا أي نوع من التعصب القومي إذا قلنا بأن النزعة الطبيعة في التربية كانت منذ البدء عربية الهوية إسلامية التكوين. وأن ابن طفيل الأندلسي في مأثرته الخالدة "حي بن يقظان" يمثل الأب الروحي للنزعة الطبيعية في التربية ورائدا لها في القرن الرابع عشر أي قبل ولادة جان جاك روسو بأربعة قرون. وليس في هذا القول تجنيا على الحركة الطبيعية التي شهدناها في القرن الثامن عشر بزعامة جان جاك روسو زعيم النزعة الطبيعية في عصره. وإن كان روسو قد قدم للإنسانية نسقا نظريا متكاملا وأصيلا لهذه النزعة فإن ابن طفيل نسج خيوطها الأساسية وغرس بذورها الأولى، ولا يستطيع احد في دنيا المعرفة أن ينكر هذه الحقيقية الصارخة في الفكر الإنساني.

" العلم السياسي هو العلم الأسمى والمعماري بامتياز... إنه يقوم باستعمال العلوم العملية الأخرى، وعلاوة على ذلك يشرع على ما يجب القيام به وما ينبغي الامتناع عنه"[1]
استهلال:
التفكير في النظرية العلمية السياسية والقانونية عند المعلم الأول بالنسبة إلى العرب في عصور ازدهارهم وحسب أستاذ الأسكندر المقدوني وفيلسوف اليونان أرسطو لا ينفصل عن التعرف على الحياة الاجتماعية والثقافية التي عرفها اليونان في ذلك الوقت ومعالجة المسائل المتعلقة بالعلوم السياسة التي ذكرها في مؤلفاته القانونية وكتبه الفلسفية والدساتير التي ساهم في تأسيسها للعديد من المدن الدولة في عصرها الإغريقي وقبل انتقالها إلى العصر الروماني والعصر البيزنطي والعصر اللاتيني والعصر العربي وخاصة مؤلفات السياسي والأسكندر أو في المستعمرات وفي النظام الملكي التي فقدت ولم يبق منها سوى العناوين والتطرق لتاريخ الدساتير والأنثربولوجيا الاجتماعية والسياسية التي تضمنتها أفكاره الطبيعية.

"الجهل وحده هو من يدفع إلى الحكم الأخلاقي المطلق"
جيل دولوز
"ما أطلبه من الفيلسوف معلوم: أن يتموضع ما وراء
  ’’خير’’ و’’شر’’ أن يكون فوق وهم الحكم الأخلاقي"   
فريديريك نيتشه
تقديم
    لا يمكن لروح نبيلة ولا لعقل حر تحمّل ثقل الاحكام الأخلاقية وممثليها الذين يتكاثرون بسرعة فائقة ويشكلون "أبطالا على الخشبة". إن همّهم الوحيد هو المثابرة في إخراج تصور أخلاقي عن العالم وتثبيته في نفوس عامة الناس، عن طريق التأكيد على أسبقية القيم على الوجود وسموها عن الموجودات المادية، وبالتالي بناء نظام أخلاقي هو في جوهره "نظام حكم". هنا تظهر ضخامة العنصر الأخلاقي؛ فحتي في مجال الإدراك الحسي لا توجد تجارب أخرى معيشة غير التجارب الاخلاقية(1). يشير فريديريك نيتشه إلى أن معظم الفلاسفة شيّدوا صروحهم تحت إغراء الأخلاق، فقد كانوا يتظاهرون بالإهتمام باليقين ب"الحقيقة"، بينما اهتمامهم الحقيقي كان منصبا على صروح أخلاقية شامخة. ويبدو الآن، أن هذا الإغراء يمارس تأثيره على حياة الأفراد وعلاقاتهم بأنفسهم وبالآخرين، وعلى تصورات الناس حول الطبيعة والكون. إذ نلاحظ عودة قوية إلى التصورات الدينية والأخلاقية القديمة للعالم في ظل ما سمي ب"مجتمعات ما بعد العلمانية" وسيادة الدولة الليبرالية ونظامها الرأسمالي، مع إحساس بالإرتياح تجاه استئناف الأخلاق لدورها التاريخي في تربية الإنسانية المعاصرة.

تأملوا معي هذه العبارة :"مستشفى الأمراض العقلية" هل يمكن اعتبارها عبارة صحيحة على مستوى المعنى؟ بل هل سبق وأن انتبهنا إلى حمولتها الفلسفية؟ هي ليست جملة عادية كي نمر عليها مرور الكرام، إنها تحمل بين طياتها تاريخ الحداثة برمته، وتلخص بين تضاعيفها الجانب الخلفي المؤطر لمركزية الإنسان، أو لنغامر ونقول: إنها الوجه الآخر للكوجيتو الديكارتي.. "أنا أفكر، أنا موجود" تكاد تكون إذن بمثابة التيار المضاد لعبارتنا، أو الطرف المقابل للمعادلة التي يمكن أن نقرأها على الشكل التالي: "مستشفى الأمراض العقلية = أنا أفكر أنا موجود" لأن التفكير تمرين يدل على غياب مرض يتيح لنا إمكانية ولوج المستشفى وإن لم نرد، بينما نتفق أن من يدخلها شخص مريض يجب أن يعالج، وهنا أتحدث طبعا عن الأمراض العقلية/النفسية، فالسليم المعافى، والمتوازن نفسيا هو من يعمل عقله، أي هو من يفكر، بينما يأخذ المجنون هذه الصفة لأن عقله اختفى، بالتالي فهو لا يفكر، الأول من حقه التمتع بمشاركة الفضاء العمومي مع الآخرين، بينما الثاني توجب عليه الذهاب كرها إلى "مستشفى الأمراض العقلية" كي يشفى من سقمه.

ظهر مصطلح الابستمولوجيا"[1] بعد الفلسفة الكانطية في القرن التاسع عشر، و هي كلمة يونانية مركبة من لفظين: ابستيمي épistème  و معناها: علم science  و لوقوس logos بمعنى منطق- نقد- علم-دراسة-نظرية-مقالة... الخ. و عليه فكلمة ابستمولوجيا épistémologie من حيث الاشتقاق اللغوي تشير إلى مقالة في العلم"[2].
تعددت اصطلاحات الفلاسفة حول كلمة ابستمولوجيا، حيث يعرفها لالاند la lande بقوله:" هي فلسفة العلوم لكن بمعنى أكثر دقة، فلا تخص فقط دراسة المناهج العلمية التي هي موضوع الميتودولوجيا méthodologie و التي تعد جزءا من المنطق، كما أنها ليست تركيبا أو توقعا حدسيا للقوانين العلمية على الطريقة الوضعية أو التطورية، إنها في جوهرها الدراسة النقدية لمبادئ و فرضيات و نتائج مختلف العلوم، الهادفة إلى تحديد أصلها المنطقي لا النفسي و قيمتها و مدى موضوعيتها"[3].

الموقف الفلسفي
تحث عدة هيئات وجمعيات على مساهمة الفلسفة في تسليط الضوء على المشاكل التي تثيرها الأبحاث والتطبيقات المنجزة في إطار العلوم البيولوجية والطبية. ويمكن كذلك أن نفترض أنه يوجد عند الجمهور أفق انتظار بهذا المعنى، كما لو كان على موعد مع التعبير عن وجهة نظر العلماء والمشرعين ورجال الدين. بكل اختصار، يمكن للطلب الاجتماعي على الفلسفة أن يتوجه إلى ما من لازلنا نعتبرهم كاختصاصيين في الشمولية.
لنطرح السؤال الأول عما يعقل انتظاره من الفلسفة. لهذا السبب يتوجب التشديد على الطابع الخصوصي لموقف الفلسفة من من قضايا وتيمات الأخلاق البيولوجية ومن كل تدخل ممكن بهذا الصدد. فإذا كان رجال الدين يعتبرون كممثلين لعقيدتهم الدينية التي ينبغي في نظرهم احترامها، نجد أن الفلاسفة لا يصدق عليهم نفس المقال. لا أحد منهم بإمكانه الادعاء بأنه يمثل الصوت الحقيقي للفلسفة؛ وهذا راجع إلى ثلاثة أسباب: