"هل كان الجابري فيلسوفا أم مجرد مثقف يعمل تحت لافتة العقل المستنير؟" فتحي المسكيني
تقديم
أثار المشروع النقدي للعقل العربي للفقيد محمد عابد الجابري نقاشات واسعة لقاراته البحثية التي همت التراث والهوية، النهضة والإصلاح، الأصالة والمعاصرة، التقليد والحداثة، العلمانية والديمقراطية، ومواضيع أخرى... . وكان الغياب الأخير للجابري مناسبة للتساؤل حول الموقع الذي احتله في الفضاء الثقافي والفكري والفلسفي لمنطقة جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط. في هذا السياق انخرط الأستاذ فتحي المسكيني من تونس في طرح سؤال جريء ومحيّر حول هوية هذا الرجل:
هل كان الجابري فيلسوفا أم مجرد مثقف يعمل تحت لافتة العقل المستنير؟(1).
1- محمد عابد الجابري: مثقف أم فيلسوف؟
يميز الأستاذ فتحي المسكيني بين "المثقف" المنخرط في نقاشات "العقل المستنير" و"الفيلسوف" الباحث في القضايا الفلسفية. ويؤكد على أن "العقل المستنير" يخوض معارك ثقافية ولكنه لا يفكّر أو لا يتفلسف، يعني لا ينتج إشكالية فلسفية كونية ومبتكرة حول مصير البشر بعامة. ذلك أن محمد عابد الجابري وجيل "قرّاء التراث" لم يتمكن من التحرر من مهمات "العقل المستنير" في ثقافة العرب المعاصرين، وظل يشتغل تحت الإشكالية التي صاغها عصر الرواد في القرن التاسع عشر، والمتمثلة في السؤال التالي: لماذا تقدّم الغرب وتخلفنا نحن؟. يرى المسكيني أن هذه "النحن" لازالت تعمل في أساس كل محاولات قراءة التراث، والتي بلغت مع الجابري هالتها العليا والأخيرة.
الأسس النظرية للفلسفة التداولية عند طه عبد الرحمن - محمد امشيش
مقدمة:
تقوم النظرية الفلسفية الإئتمانية عند طه عبد الرحمان على مجموعة من المسلمات والمبادئ تجد في المجال التداولي الإسلامي أسسها الرئيسية دون أن تخل بالشروط المحددة لعملية التفلسف؛ كالإبداع والشمول والنسقية الإستدلالية المنطقية مثلا. وتبتغي هذه النظرية؛من بين ما تبتغي،تقديم رؤية شمولية تجديدية لأهم المواضيع التي تطرح نفسها على الفكر العربي المعاصر موضوعا للنقاش، وتدفعه إلى إنتاج "قوله الفلسفي"؛ كإشكال النهضة، وعلاقة المجال الخاص بالمجال العام، والخصوصية الثقافية وعلاقتها بالكونية، وتحديد مفهوم الإنسان وهويته وخصائصه الأنطلوجية،وغيرها من المواضيع والإشكالات المطروحة في الساحة الثقافية العربية الإسلامية والعالمية.
لا يدّعي هذا العرض أنه يقدّم رؤية طه عبد الرحمان لكل هذه الإشكاليات المعاصرة،بل غاية وأقصى ما يريد هذا العمل بلوغه؛ هو تقديم رؤية موجزة ومختصرة عن بعض هذه الإشكاليات، وكذلك بيان بعض المنطلقات والمبادئ الهامة التي تحكُم المشروع الفلسفي الطهائي في إجاباته والتي توجّه عملية الإبداع فيه.
"الحرية في أن تكون حرا" حسب حنة أرندت - د. زهير الخويلدي
"لا تستولوا على السلطة، بل التقطوها عندما تتدربون في الشارع "1
بعد مرور 40 عامًا على مغادرتها للعالم بجسدها، يظهر نص غير منشور للفيلسوفة الألمانية حنة أرندت في شكل كتاب صغير عن دار بايوت Payot يتكون من 70 صفحة - ويحمل عنوان "الحرية في أن تكون حرا" la liberté d’être libre وعنوان صغير هو "شروط ودلالة الثورة"، ونقلته من الانجليزية إلى الفرنسية الباحثة فرنسواز بويوت، ولقد تم العثور عليه في الركن الموجود في أرندت بمكتبة الكونغرس في واشنطن ، وهو جزء من مشروعها الدائر حول تعميم الثورة الاجتماعية عبر معالجة الأزمة الكوبية ، وإنهاء الاستعمار، وتأييد الحركات المدنية المناهضة للحروب خاصة في فيتنام والمناصرة للعدل والسلام.
الأخلاق بين الخير واالسعادة - د.زهير الخويلدي
تمهيد:
عديدة هي الإحراجات والمشاكل العملية التي تطرحها المسائل النظرية سواء في المسالة السياسية وما تفتح عليه من اغتراب سياسي ومن فساد يجعل المواطنة مجرد فكرة صورية أو مثال أعلى يُشرَّع له قانونيا، في مقابل ممارسة سياسية تحول المواطن إلى مستهلك و تجعل الدولة تستبد بالسيادة فتقضي على المواطنة كما يتم الاعتداء على السيادة في واقع العولمة الموجهة من قبل القوى الامبريالية في العالم.
كل هذه المصاعب هي بمثابة ورطات ووضعيات حدية تجعل الفلسفة الأخلاقية في زمن العولمة ضرورة وجودية إذا ما رام الإنسان الحفاظ على إنسانيته وتحقيق كونية أصيلة تصالح بينه و ذاته والآخر والعالم في فضاء مشترك شهد تسارع نسق التواصل الذي كشف هو الآخر عن احتياجه إلى إيتيقا تصالحية ترتقي بالمرء من مجرد كائن اتصالي إلى أن يكون كائن تواصلي بامتياز.
الهرمينوطيقا الجدلية عند هانز جورج غادمر - محمد بنعبد الرحيم
لا شك أن غادمر باعتباره تلميذا لهايدغر قد تأثر بأستاذه تأثرا كبيرا، وهذا ما نلمسه في تصوره للفهم وكيفية تهكمه على أصحاب التصور المنهجي في مجال العلوم الإنسانية. لقد دافع غادامر في كتابه "الحقيقة والمنهج" على تصوره الذي يذهب فيه إلى ارتفاع عملية الفهم عن أي منهج، ذلك أن الفهم هو فعل منفتح بقدر ما هو محايث للكينونة الإنسانية، إن الفهم في نظر غادامر ليس مفصولا عن التجربة الوجودية للإنسان، بل "ينبغي أن يدرك على أساس أنه فعل الوجود بمعنى أنه مشروع ملقى"1 مشروع لا ينتهي وحامل لتجدده وتطوره.
وبالاطلاع على متن "الحقيقة والمنهج" يتجلى بوضوح أن "غادامر لا تعنيه كثيرا المشكلات العملية لصياغة المبادئ الصحيحة للتأويل؛ إنه يود بالأحرى أن يسلط الضوء على ظاهرة الفهم نفسه"2، وهو يؤكد بوضوح على أن "الظاهرة التأويلية ليست أساسا مشكلة منهج على الإطلاق"3 بل المنهج يشكل حاجزا أمام الفهم أكثر منه مساعدا عليه.
الشغل قـلق وجودي مستمر ! - خالد العمراني
بادئ ذي بدء، يتعين علينا بداية أن نعلم أن قضية الشغل من القضايا التي يواجه فيها الحيوان الناطق على مستوى وجوده في هذا العالم المادي قلقا مستمرا، فهذا القلق هو ما يجعل الإنسان في صراع دائم مع ذاته، ومع وغيره حول كل ما توفره الطبيعة من حوله من ثروات طبيعية بغية استغلالها لصالحه من أجل البقاء، فهو يشقى من أجل الاستمرارية ليس إلا! إن بين الإنسان والشغل علاقة جدلية تربط بينهما منذ اللحظة الأولى التي وعى الإنسان بها شغله، الذي يبذل فيه جهدا سواء كان جسميا أو فكريا، مقاوما بذلك كل ما هو خارج ذاته في هذا العالم بغية تجاوز قلقه. إن هذه القضية القاسية وهي- الشغل- وعلى حد تعبير الفيلسوف الألماني (إيمانويل كانط) "ستجعل الإنسان يتحمل الشعور بالتعب الذي يكره، كما سوف تجعله يمارس التألق الكاذب الذي يحتقره، وستنسيه حتى قضية موته التي ترعبه"[i] .
طه عبد الرحمان قارئا جون رولز - عبد الكريم نوار
انطلق الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمان من القول أن أسس نظرية العدالة العالمية تحددت صيغتها مع كبير فلاسفة السياسة المعاصرين وهو الأمريكي جون رولز، و جاء بها على طورين في كتابيه "نظرية العدالة" سنة 1961 و "قانون الشعوب" سنة 1999، فأفرد الكتاب الأول لمبادئ العدالة الأهلية أو الوطنية، وهي التي تنظم البنية القاعدية للمجتمع ومراده بهذه البنية القاعدية؛ المؤسسات الاجتماعية الأساسية بدءاً بالدستور وانتهاء بالأسرة و خصص الكتاب الثاني "لمبادئ العدالة الدولية" وهي التي تنظم العلاقات بين مختلف المجتمعات والتي ينبغي أن تلتزم بها كل دولة في سياساتها الخارجية.
وأوضح طه عبد الرحمان معاني الميثاق الآمنة عند رولز بإبرازه أن الفيلسوف الأمريكي المعاصر قد سلك في استنباط مبادئ العدالة الدولية نفس المسلك التعاقدي الذي اتبعه في استنباط مبادئ العدالة الأهلية، وقام هذا المسلك على مفاهيم مترابطة ثلاثة تكشف آثار التفكر في مذهب سياسي، وهذه المفاهيم هي مفهوم العقد الاجتماعي ومفهوم الوضع الأصلي، ومفهوم حجاب الجهل.
تطور الذكاء الاصطناعي بين الرمزي والعرفاني والعصبي - د.زهير الخويلدي
مقدمة:
" الذكاء الاصطناعي (IA) هو مجال علوم الكمبيوتر، وهو مجموعة من التخصصات التي تركز على التفكير وتقليد القدرات البشرية."1[1]
إذا كان حرص الإنسان على إيجاد آلات ذكية تساعده في القيام بوظائفه المعرفية يعود إلى الزمن القديم فإن الاختصاص المعرفي الذي اختص في هذا المجال واقتلع مكانه من بين التطبيقات الدقيقة هو معاصر.
يشهد الذكاء الاصطناعي في المرحلة الراهنة تطورا اقتصاديا هاما ضمن إطار الإعلامية المتقدمة وقد تم ترجمة هذا التقدم عبر المشاريع الكبرى في البحث الوطني والدولي في الدولة المتحكمة في سيادة العالم وعن طريق التطبيقات التي عرفت نجاحات كبيرة في المجال الصناعي وداخل قطاع الخدمات والإدارة.
لقد اعتمد المنظرون للذكاء الاصطناعي على مقاربات متنوعة وتعريفات مختلفة تبعا لتنوع واختلاف التقاليد والإحالات التي اعتمدوها ورجعوا إلى الجذور والينابيع الأسطورية والدينية عند الإغريق والشرق واخذوا من التراث والتاريخ ما يدل على قدرة الكائن البشري على خلق كائنات اصطناعية ذكية شبيهة به.
الإشكالي في عبارة الذكاء الاصطناعي لا يثار من جهة الاصطناعي فهذا المضاف على غاية من البداهة وإنما من جهة الذكاء فهذا الأمر مطلب عزيز وقيمة ثابتة يبحث عنها الكل وتتداخل فيه العديد من العوامل.
لويس ألتوسير: لغز الفيلسوف القاتل - أحمد رباص
في يوم الجمعة 30 مارس 2018، بثت إذاعة فرنسا الدولية برنامجا كان بمثابة حكاية عن قتل الفيلسوف الفرنسي الماركسي الذي هيمن على الفلسفة الأكاديمية خلال الستينيات والسبعينيات لزوجته هيلين ريثمان أثناء إصابته بنوبة جنون يوم 16 نونبر 1980. هذا البرنامج الإذاعي الذي اقترحه فابريس درويل والذي قدمته كلارا سايير بمشاركة زوي غابييه استضاف الفيلسوف كومت-سبومفيل.
في بداية البرنامج الإذاعي، تم التذكير بما كتبه لويس ألتوسر عن هذه الحادثة المأساوية في مذكراته الحاملة لعنوان "المستقبل يدوم طويلا": "أتذكر سؤالي الذي لا نهاية له: لكن كيف حدث أن قتلت هيلين؟
في هذه المذكرات، كتب ألتوسير يقول:"هذا هو مشهد القتل كما عشته. فجأة أقف وأنا لابس منامتي بجانب سريري في شقتي (الكائنة) بالمدرسة العليا للمعلمين. حل يوم رمادي من نونبر - الأحد السادس عشر، حوالي الساعة التاسعة صباحا - على يسار النافذة الطويلة جدا، التي تم تأطيرها لفترة طويلة بواسطة ستائر ذات لون أحمر إمبراطوري، قديمة للغاية، ممزقة بفعل الزمن وباهتة بسبب أشعة الشمس، ليضيء أسفل سريري. كانت هيلين أمامي، مستلقية على ظهرها، مرتدية هي الأخرى منامة."
استعمالات العقل بين العمومي والإجرائي - د.زهير الخويلدي
" أي شيء يستطيع العقل البشري تصوره والإيمان به، تتمكن الإرادة الإنسانية من تحقيقه"
لقد دأبت السلطة على استغباء الشعب ونشر التفاهة واحتقار الفكر وحجب الحقائق عن الناس واستخفت بالعقل وحاصرته وزينت للجمهور الاستهلاك والتقليد ودعته إلى الرضوخ والاستسلام للعادات والسائد، غير أن الوعي الذي يشتغل داخل صخب الواقع وينمو في كنه الذوات المتحاورة يرفض هذه المواقف التافهة والمتحاملة ويدخل في اشتباك مع اليقين والتصديق القبلي ويتسلح بالتساؤل المفكك والشك المحير.
في الواقع يختلف الاستعمال العامي للعقل من طرف الإنسان العادي عن الاستعمال العمومي له من طرف الكائن المفكر والخبير المحاسب والمثقف العضوي. فماهو العقل يا ترى؟ وما دوره في حياة الإنسان؟ هل له أدوار خاصة أم عمومية؟ وفيم تتمثل أدواره العمومية؟ هل يمثل العقل أداة جلب المصالح الجزئية وتحقيق النجاعة السياسية والاقتصادية أم مملكة الغايات وفضاء للحوار والتواصل والنقد؟ وماهي حدوده؟
الحياة السنيكية: الفيلسوف البطل وسؤال السيادة والسلطة - المقالة الثانية - : ادريس شرود
تقديم
أثارت حياة الفلاسفة السنيكيين جدالات واسعة بين مختلف الإتجاهات الفلسفية والاوساط الإجتماعية والسياسة، فقد كانت أفكارهم وسلوكاتهم وأسلوب عيشهم محط نقاش وردود فعل من طرف مختلف الشرائح والفئات، وخاصة خلال فترات ازدهار الحركة السنيكية وتألق ممثليها المشهورين. إذ عكست فلسفتهم وطريقتهم في الحياة وجُرأتهم على قول الحقيقة إرادة قوية في القطع مع الممارسات والتصورات والمفاهيم الفلسفية المعاصرة لهم، وطرح تصور آخر للفلسفة وللحياة الفلسفية الحقة. هكذا انخرط الفلاسفة السنيكيين في نقد مظاهر الإنحطاط المميّزة للمجتمع المنغلق، والمتعلقة بالجهل وعدم معرفة الأشياء الضرورية للحياة، وفي المقابل دافعوا على العيش وفقا للطبيعة والإكتفاء الذاتي والسيطرة على الميول العقلية وتحرير النفس من تأثير الثروة والشهرة والسلطة. وكانت طريقتهم في الحياة تعكس التطلع إلى إنقاد البشر وإقناعهم بإمكانية تعلّم الفضيلة وعيش "الحياة الحقة".