" حقا إني أعيش في زمن أسود، الكلمة الطيبة لا تجد من يسمعها، والجبهة الصافية تفضح الخيانة والذي مازال يضحك لم يسمع بعد بالنبأ الرهيب ، أي زمن هذا"  -  بريخت-
أثارت حادثة تعرية الممثل السوري المقيم في ألمانيا لنفسه أثناء تقديمه لعرضه المسرحي ضمن فعاليات "أيام قرطاج المسرحية" بتونس العاصمة الكثير من الجدل والتعليقات وطرحت إشكاليات حرية التعبير وآداب الفنان وشروط الذوق وحقوق المتفرج وفلسفة المسرح ومراوحته بين الجرأة والاختراق والتخلق.
لعل المناخ الثوري العام الذي تمر به تونس يدفع الكثير من الضيوف إلى المخاطرة والمغامرة بالانخراط في التجربة النضالية عن طريق الانتفاضة الفنية والإبداع الجمالي وابتكار أشكال من التمرد والرفض والمواجهة ولكن واقع الحال يبين أن بعض الأنماط التعبيرية لا تدرج الا في خانة الفن الهابط وجمالية القبح وتظل مجرد تقليعات أشبه بالصرخة الطبيعية التي لا تجد صدى ولا تملك أي وقع على الجمهور.

إن السؤال حول ماهية الفعل أي فعل بشري ينبغي أن يطال كل ما نقوم به من أفعال، وهو فرصة لمراجعة وتقييم الذات سلوكاتها وأفكارها ومساءلة مدى فاعليتها في كل لحظة من لحظاتها ،وبالتالي أن نوازي بشكل دائم بين ما نقوم به ونفكر فيه وبين مدى فاعليته ونجاعته بالنسبة لنا ،هل فعلا يجلب إلينا المتعة أم لا ؟وهل ينبغي أن نستمر فيه ؟  فمثلا نجد من يشتغلون بالفلسفة، فمع أنهم يشتغلون داخل الحقل الفلسفي وينتجون معرفة فلسفية معينة، فهم بالضرورة يهتمون بسؤال الفلسفة وبحاجة الناس إليها،بل يسائلون بشكل نقدي صريح  دور الفلسفة وماهيته ،ولماذا ينبغي أن أن تستمر الفلسفة ؟ ونفس المنطق ينطبق على الأنساق المعرفية التي تنشغل بهموم معرفية ما ،وهو نفسه ما ينطبق على الممارسات والأفعال الإنسانية وحتى إن كانت أفعال بيولوجية طبيعية محضة.

أولا : ماهي السيرة الذاتية والأعمال العلمية والفكرية للشخصية المفهومية التي تنحتونها؟
زهير الخويلدي ، فيلسوف تونسي وأستاذ مساعد بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ، رقّادة ، القيروان، الجمهورية التونسية.
أستاذ مبرز وكاتب فلسفي وباحث أكاديمي في الجامعة التونسية مختص في الفنومينولوجيا والهرمينوطيقا والايتيقا وفلسفة السرد والنظرية السياسية والاجتماعية.
نال شهادة الدكتورا في الفلسفة المعاصرة بعد مناقشة أطروحة بعنوان تقاطع السردي والإيتيقي من خلال أعمال بول ريكور من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية 9 أفريل بتونس.
ينشط في العديد من المؤسسات التابعة للمجتمع المدني ويؤثث دوريا عدة منتديات ثقافية وملتقيات فكرية في عدة جمعيات.
يكتب بشكل مستمر في العديد من الصحف والجرائد والمواقع الإخبارية والثقافية والمجلات الفكرية العربية وشارك في العديد من الكتب الفلسفية الجماعية مع أكاديميين عرب ضمن أعمال تأليفية مشتركة.

ستشهد الهرمينوطيقا بعد دلتاي منعطفا حاسما سيساهم في دخول هذا الحقل المعرفي إلى مجال أكثر تعقيدا وخصوبة، وهذا المنعطف سيتأسس على نقض التصور المنهجي الذي اضطلع بالاشتغال عليه كل من شلايرماخر ودلتاي، وإن كان هذا النقض لن يتبلور صراحة  إلا مع غادامر إلا أن إرهاصاته ستبدأ مع هايدغر الذي سيتجاوز التصورات الميتودولوجية إلى الحديث عن طابع جديد للهرمينوطيقا يتجلى في الطابع الأنطولوجي، الذي يبحث في شروط وجود الفهم وإمكانية فهم هذا الفهم.
والحديث عن هرمينوطيقا هايدغر ليس بالأمر الهين ولا هو بالأمر الذي يمكن تلخيصه في فقرات محدودة، لكن يبقى المهم هو تبيان أهمية المنعطف الذي شكله هايدغر في مجال الفلسفة التأويلية وكيف اتجه بالفكر الهرمينوطيقي إلى أعمق ما يمكن أن يصله وفي قالب لغوي أعقد مما يمكن فهمه بسهولة، ويمثل هايدغر ضمن هذا العرض الموجز للهرمينوطيقا نوع من المجانسة بين الفينومينولوجيا والأونطولوجيا من جهة والهرمينوطيقا من جهة أخرى.

لا يخفى على مطلع أن ل(الكسندر كوجيف) الفضل في التعريف بفلسفة هيغل في الجامعات الفرنسية, وقد حضر محاضراته عدد كبير من المفكرين والمثقفين الفرنسيين, أمثال: جاك لاكان ورولان بارت وليفي شتراوس, وجورج باتاي مابين (1933-1939) في معهد الدراسات العليا. ولكن الذي كان يتلقاه هؤلاء لم يكن النسخة الأمينة من فلسفة هيغل الألمانية, بل هي النسخة المشوّهة أو المؤولة كوجيفيا لتتلاءم والمزاج الفكري الفرنسي, وهذه الأفكار ذاتها أصبحت البديل لفلسفة هيغل حتى عند الألمانيين الذين صعب عليهم فهم النسق الفلسفي لهيغل فعاد إليهم هيغل بنكهة ولكنة فرنسية.

" لقد نأت مابعد الفلسفةméta philosophie   بنفسها بمرور الوقت ، وتكونت كاختصاص مستقل مكرس لكل أشكال تحليل الخطاب الفلسفي وبما في ذلك مقولات النظريات" -جورج ليرو-
لكي يفهم المرء التحولات التي تجري في الفلسفة المعاصرة أثناء متابعتها للمشهد الراهن الحري به أن يدرس نقاط الافتراق بين الفلسفة القارية والفلسفة التحليلية ومواطن الالتقاء  والاستفادة المتبادلة بينهما.
تُعَدُّ الفلسفة التحليلية صورة متقدمة عن الفلسفة القارية وشكل من أشكال الانتشار الجغرافي والتناسل الطبيعي لها وتعتبر الفلسفة القارية بمثابة المصدر الذي انحدرت منه الفلسفة القارية وتفتحت في الخارج.
بيد أن المؤرخين أقاموا بينهما العديد من التمييزات المنهجية والمضمونية وأكدوا على الفروق في الاهتمام والتخصص والأساليب المتبعة خدمة لأغراض بيداغوجية توضيحية أو تأكيد لخصوصية فكرية حضارية.

إنه ليس أمرا غريبا أن يكون المرء قد سمع ولو مرة واحدة  في حياته عن فريدريش نيتشه صاحب كتاب "هكذا تكلم زرادشت"؛وغيره من الكتب الفلسفية الأخرى التي كان المراد منها أن تحل محل الكتاب المقدس، وفي هذا المقال بالذات لن ندخل في أشعار زرادشت، وانما سنقف عند كتاب أخر اختلف حوله الدارسون، فالبعض يرى فيه كتابا ثانويا ولا يستحق كل هذا الاهتمام، بينما يرى فيه البعض الاخر كتابا رئيسيا الى جانب كتابه الشهير"هكذا تكلم زرادشت" ص5، إنه كتاب "نقيض المسيح"الذي ترجمه الى العربية التونسي علي مصباح.
               لعل ما يثير انتباهنا أثناء القراءة ولا نستطيع ان نتجاوزه، إنما هو عنوان الكتاب الذي هو نقيض المسيح.وهنا نجد مترجم الكتاب يوضح بعض الالتباسات التي دفعته الى ترجمة العنوان بنقيض المسيح وليس بعدو المسيح، كما ذهب الى ذلك بعض المترجمين العرب الذين انخدعو بالترجمة الفرنسية التي تفتقر الى الدقة هذا ناهيك عن الأمانةص12، فنيتشه حسب مترجم الكتاب هو الانتيكريست الذي هو نقيض للمسيح.يقول نيتشه:

" يكفي أن نحسن الحكم لكي نحسن الفعل "1
لقد علمنا رونيه ديكارت1596-1650  الكيفية التي نتخطى بها حدودنا ونكتسب قدرات جديدة عن طريق المنهج عندما نواجه المشاكل المستعصية بجد، ولذلك اعتبره المؤرخون بطلا استثنائيا ومفجرا لثور ة هامة في تاريخ الفلسفة ومؤسسا للحداثة الفكرية وموقع مفهوم الكوجيتو الشهير ومكتشف الحدوسات الأكثر لمعانا في الفكر الحديث وذلك عن طريق اعتماده على نظام عقلاني يمدنا بالقواعد، ونسق معرفي يوفر لنا العديد من التوجيهات الإجرائية التي تساعدنا في البحث عن الحقيقة وفي العمل على التحكم في العالم.
غير أن ديكارت لم يولد من فراغ ولم ينته إلى لاشيء، وإنما انحدر من مجموعة من العلماء الذين مهدوا له الدرب على غرار غاليلي وكوبرنيك وكبلر وبرينو، وواصل المجهود الذي كان قد انطلق فيه جملة من المفكرين والفلاسفة على غرار الرواقيين ومونتاني وباسكال والقديس أوغسطين وتوما الأكويني، ويمكن الحديث عن تواصل الديكارتية بعده عند لايبنتز وسبينوزا ومالبرانش وكانط وهيجل وهوسرل وكانغيلام.

قبل أكثر من عام بقليل فحسب، قام فريق متلهف من علماء الآثار بحفرِ الطين والآبار الجوفية في حيّ فقير في القاهرة. كان الحي مقامًا على أنقاض مدينة فرعونية قديمة هي هليوبوليس. عملية الحفر كشفت النقاب عن تمثال ضخم يمثّلُ في اعتقادهم الفرعون رمسيس. لكن سرعان ما تحولت النشوة إلى خيبة أمل عندما اكتشفوا أن التمثال لم يكن لرمسيس وإنما لحاكم أقل شهرةً من القرن السابع قبل الميلاد في مصر، هو إبسماتيك الأول.
مع أنه كان شبه منسيٍّ من ذاكرة العالم الحديث، إلا أن إبسامتيك حظي بالاحترام في مرحلة ما باعتباره حاكمًا عزز العلاقات التجارية والدبلوماسية مع اليونان. فقد سمحت سياساته للهِّيلينيين بإنشاء مستعمرات على الأراضي المصرية لأول مرة، مما أفسح المجال أمام علاقة تجارية وثقافية ستصمد لأكثر من ثلاثمائة عام.

" إن تحطيم الإنسانية يكون شاملا في نظام الذعر الشمولي"1[1]
وجّهت حنة أرندت 1926-1975 بحوثها نحو دراسة الوقائع السياسية بعد قيامها بوصف فنومينولوجي للوجود الإنساني في كتابها الشهير وضع الإنسان الحديث الذي كانت قد ألفته سنة 1958 وأبقت فيه على مسلمات الفلسفة الوجودية التي درستها عند ياسبرس وهيدجر، وطالعتها عند سارتر ودي بوفوار وكامو.
لقد تصورت الوجود من حيث هو وجود فاعل على ثلاث مستويات وهي: الشغل travail  الذي يواجه به المرء ضرورات الحياة ويسمح له بالاستمرار في الوجود ، والصنعoeuvre  الذي ينتج بواسطته المرء مجموعة من المواضيع الدائمة التي تشكل العالم المصنوع الذي يحيا ضمنه الناس، والفعلaction الذي يختلف عن العمل ولا يكتفي بتحقيق هدف معين، وإنما يساعد المرء على أن يعيش تجربة استثنائية من إمكانيات الحياة السياسية بين المتساوين أي يتواجد معهم في فضاء عمومي وفق مبدأي المساواة والتميز.

يتحدد الإنسان باعتباره كائنا راغبا؛ ذلك أنه لا يكتفي بتلبية حاجاته التي تمليها الضرورة الطبيعية، بل يدبر هذه الحاجات وفق سياسات للرغبة، تحدد نمط حياته، وخطة عيشه، وعلل فعله؛ وهو الأمر الذي يجعل رغباته ليست منفعلة فحسب، وإنما فاعلة كذلك، من حيث هي مصدر للمقاومة، مقاومة البلاهة والتفاهة والوهم والاستهلاك والاحتكار وغلاء الأسعار.
    يُمْكِنُ مقاربة سياسات الرغبة في علاقتها بالسعادة؛ ذلك أن هذه هي الخير الأسمى الذي تتطلع إليه البشرية جمعاء، على اختلاف سياسات رغباتها؛ إذ هناك من يجد سعادته في المأكل والمشرب والمنكح، وهناك من يجدها في  المال والنفوذ والمجد، وهناك من يجدها في المناصب السياسية، بينما فريق آخر يجدون سعادتهم في العِلم والحِكمة.