خرج في صبيحة يوم خريفي، يجر قدميه متثاقلا بدون هدف، والرأس يضج بمئات الاصوات، وتتصارع فيه الهواجس والتساؤلات، ولكن الاحساس بالضجر والكآبة صار يسكنه بقوة هذه الايام..
لقد أضناه تعب الانتظار..منذ تخرج من المعهد وهو ينتظر..يحلم بالوعود ويتمسك بالاوهام..
في البيت كان غارقا في تأمل أوراقه، حين تناهت الى سمعه طرقات متسارعة على الباب..كأن الطارق في عجلة من أمره..وقف ساعي البريد محملا بكومة من الرسائل، حين بادره قائلا:
- «هذه رسالة لك يا أستاذ..»
تناولها عباس، وأخذ يتأملها مبتسما..
لقد اعتاد أن يتوصل بهذه الرسائل الجوفاء، كما يقول دائما، مثلما اعتاد أن يبعث طلبات العمل - بلا جدوى- الى المؤسسات الادارية بحثا عن وظيفة تلائم مؤهلاته العلمية.
الأجوبة يعرفها.. هي لا تخرج عن نطاق الرفض أو الاعتذار..
وطافت بخياله صور الماضي البعيد..أيام كان طالبا مايزال بالمعهد..«أي جديد هذا الذي تحمله الرسالة ؟ انها مثل الردود السابقة.. وانتظاراتك ستدوم طويلا.. وعليك بالصبر.. الصبر؟ وماذا عساك تفعل غير الصبر؟ انه سلاح الضعفاء..مضى وقت طويل على تخرجك ..وأنت تعلك الانتظار مع الايام..»
وضع الرسالة أمامه على الطاولة، وطفق يتأملها حائرا، ويفكر في محاولاته اليائسة للحصول على وظيفة، وراح يحدق في الفراغ شاردا..
وفكر..«هذه الرسالة قد تكون- بلاشك - جوابا على بعض مراسلاتك، مع احدى المؤسسات الحكومية في قطاع التعليم قبل شهرين..هل نسيت؟ ..أن تكون معلما أفضل لك من أن تبقى متسكعا.. تعلك أوهامك مع الفراغ..»
فقرر أن يقصد المكتب البريدي غدا لاستلام الرسالة..
بقسم الارساليات المضمونة، في المكتب البريدي، وقف عباس ينتظر.. وقد غمرته صور لذكريات الامس البائد ..«هكذا وقفت أيها البطل، تنتظر تسلم شهادة تخرجك بالمعهد..»
عاد من ذكرياته وتأهب لتسلم الرسالة..
وما هي الا لحظات حتى سمع نداء موظف البريد:
-«عباس الوزاني..تفضل..»
تسلم عباس الرسالة المنتظرة، وطفق يتأملها باهتمام ويقرأ:
- «لقد تم قبول طلب السيد عباس الوزاني، للحصول على تأشيرة السفرالى فرنسا، قصد مباشرة العمل بأحد معامل النسيج، الكائن بمدينة ليون الفرنسية».