فرح الحفاة، فالسحب كانت رحيمة وتحب الاحسان إلى عباد الله المعوزين، فأمطرت أحذية من مختلف المقاييس غير أن عبد الله بن سليمان كان نائماً فلم يفرح إذ لم يظفر بحذاء ظلت قدماه حافيتين. وهكذا فقد حدق عبد الله بن سليمان إلى أحذية الناس السائرين في الطرقان بينما يفترسه الحسد. والحسد وقانا الله منه أصل البلاء، وهو كما تعلمون شر عظيم والمرء الحسود ينال ما يستحق من عقاب، فالله ساهر لا تخفى عليه خافية، لا يهمل ولا يمهل. لقد ولد عبد الله بن سليمان حافياً، وترعرع حافياً، ويسير حثيثاً إلى القبر بقدمين حافيتين ولكن ابليس اللعين خزاه الله وسوس في أذنيه وزين له أن يصير من عباد الله مالكي الأحذية، فلم يرفض عبد الله بن سليمان اغراء ابليس انما خضع له. ولا بد أنكم تعلمون أن ابليس ذو وجه يخلو من الوسامة ، وله قرنان وذيل.
ولم يكن عبد الله بن سليمان يملك من النقود ما يكفي لشراء حذاء، ولذا لم يتردد في اللحاق برجل حذاؤه جميل لامع الجلد، ثم انتهز فرصة سيره في طريق فرعية تخلو من المارة، فانقض عليه بخنجره المحدودب النصل الذي ورثه عن أبيه، وطعنه في صدره طعنة واحدة، فهوى الرجل في الحال كحجر ثقيل وارتطم بالأرض، فسارع عبد الله بن سليمان إلى الركوع بجواره محاولا انتزاع الحذاء من قدميه.
وفي تلك اللحظة مرت دورية من رجال الشرطة، فقبضت على عبد الله بن سليمان الذي لم يجرؤ على انكار فعلته البشعة، فالخنجر ملطخ بالدم، والرجل الممزق الصدر يتخبط في دمه وتتحشرج أنفاسه وقد أشار إلى عبد الله بن سليمان معلنا أنه هو قاتله.
حدث ما حدث في يوم السبت ، فقضى عبد الله بن سليمان يوم الأحد في السجن، واقتيد إلى المحكمة في اليوم التالي ثم أعيد إلى السجن في اليوم نفسه، وبقي فيه حتى يوم الجمعة. ولا بد أنه كما تعلمون قد أجهش البكاء، نادما تائبا، وطلب من الله المغفرة وحسن الختام، ولعن ابليس الوسواس الخناس.
وفي يوم الجمعة أفاق الناس من نومهم، وتناولوا طعام الافطار بشهية ثم تمطوا وتثاءبوا بتكاسل غير أن بعضهم أدى تمرينات رياضية، فالرياضة كما تعلمون مفيدة للاية وتنشط الدورة الدموية.
وما أن تعالت أصوات المؤذنين فيما بعد داعية إلى صلاة الظهر حتى لبى الرجال النداء وغادروا بيوتهم قاصدين المسجد، وهناك أدوا صلاة الظهر ثم طالبوا الله في ختامها بمنحهم ما يبغون لأنهم من عبيده الصالحين المتقين.
وعندما انتهت صلاة الظهر غادر المصلون المساجد، وساروا في الطرقات مشدودي القامات، وكانت وجوههم مطمئنة راضية، وأحذيتهم تضرب الأرصفة ببهجة. وعندئذ اقتيد عبد الله بن سليمان إلى ساحة واسعة ترابية الأرض، ويطوقها الجند المسلحون بالبنادق.
وبادر الناس إلى الوقوف خلف الجند، وراحوا يتزاحمون ويتصايحون. وأقف عبد الله بن سليمان في وسط الساحة، وأوثقت يداه خلف ظهره ثم جاء رجل ذو لحية بيضاء طويلة ووقف بالقرب منه، وبدأ يقرأ في ورقة صفراء.
وحين انتهى الرجل الملتحي من القراءة، دلف إلى وسط الساحة رجال عديدون يرتدون الثياب البيض.
"- من هؤلاء؟".
" – أهل القتيل رحمه الله".
وابتدأ الرجال يطوفون حول عبد الله بن سليمان المقيد اليدين. الله أكبر . الله أكبر.
وأطلقت امرأة ما زغاريد مديدة حادة في اللحظة التي انقض فيها الرجال على عبد الله بن سليمان منتضين خناجرهم المحدودبة النصال.
وترنح عبد الله بن سليمان بينما كانت الخناجر تغرز في لحمه ثم سحب منه بحركات غاضبة حتى صار جسمه كله ثقوبا يتدفق منها الدم بغزارة. ولم يستطع الصمود طويلا فسقط على الأرض. وجثا الرجال متحلقين حوله، وتابعوا تسديد الطعنات إلى جسده ذي القدمين الحافيتين.
وبعد قليل جمل عبد الله بن سليمان إلى سيارة الاسعاف كتلة لحم ممزقة تقطر دما.
وهكذا كما ترون دحر ابليس، ودفن عبد الله بن سليمان حافي القدمين في حفرة وأهيل فوقه التراب، وكانت نهايته عبرة للضالين الذين لا يريدون أن يظلوا حفاة حتى موتهم.