بخفة كان إسحاق يمدّ عكازه لينقر الأرض ثم بقوة عليها يدب.. بساقه الخشبية يدب. ثم بطرف العكاز الذي انقلب إلى قرن استشعار برفق بالغ كان يحس.. كأنما يخشى أن يؤذي ظله الممدود أمامه أو يخدشه، فيلحق به الألم. ظله الذي كوّنه ضوء خافت لنصف هلال سافر ومكشوف، فنصفه الآخر سترته غيوم لونها فيراني فيها شحوب، كانت تعبر الآفاق مبطئة في طقس ساخن لا رياح فيه لتنشطه. إنه فوق هذا كفيف، فمذ كان صغيرا حوّل أذنيه وأنفه إلى أعين على الدوام مفتحات. لهذا صار بإرهاف في ضوء النهار يرى، وفي حلكة الليل أيضا بجلاء يشاهد.
اشترى فرشاة أسنان حجمها كبير لتناسب سعة فمه، وكبر أسنانه الأطول بقليل من عقرب الثواني. بعدها مرق في زقاق ضيق ولف بطمأنينة من وراء الجامع، ومن هناك انعطف بجسده الطويل إلى الحارة الهادئة، وفي سكون الليل تسلل. وتحسس بطرف عكازه أوراقا متناثرة ملقاة في عرض الطريق وطوله، فخشخشت.. وفي الحال توقف.. ليس من أجل الأوراق توقف. وأتاح له وقوفه أن يتذكر أول ليلة اغتصب فيها زوجته زينب، فراح يدير وجهه على ما في عينيه من عمى نحو اليمين، وعوجه ثانية وسط الظلمة نحو اليسار، فلمعت بسرعة البرق بسمة حلوة واستطالت وهي تضيء على شفتيه فأوشك أن يقهقه.. فبدا لوهلة كأنه حشر وجهه عنوة بين ابتسامتين.. ثم ثبته في الوسط.. وببطء في طريقه القصير مضى. وكانت تلاحقه أصوات صاخبة ليست مضجرة.. لم يفهمها وربما خمّن أنه لا يستطيع أن يفقه مرادها أحد.. لكنه خمّن ما فيها من وعيد وتهديد.. فضحك أكثر، فتناثرت نهايات شاربه كعشب عشوائي ناشف، بعثرته ريح عاتية هبت فجأة في غير أوان. وارتفعت قمم حواجبه أيضا واهتزت هي الأخرى بغير حساب، فوصلت إلى منتصف جبهته اللامعة الأملس من قطعة صابون مبلول.
أسلمته خطاه والظلمة إلى باب الدار. داره التي فيها اللمبات مطفأة ليوفر من فاتورة الكهرباء، ففتحه. دق الأرض بقدمه اليمنى الخشبية ودلف. وإلى الفراش فوق الحصير في يسر سعى، وفي الحال جلس. ثم بساقه الطبيعية الوحيدة، كما اعتاد من زمن طويل على مهل فوق الفراش تربع، ووضع العكاز، وخلع فردة الصندل. ثم في رفق انتزع ساقه الخشبية وعلقها بجوار رأسه في مسمار قديم، دق وثبت لأجلها منخفضا على الجدار. وإلى نفس الجدار ظهره مال، وعليه استند.
وعلى دبابة ونقراته استيقظت زينب منكودة، وكانت تكره الاستيقاظ خشية أن تسمعه أو تراه، وتململت. تنهدّت. نفخت. تأففت. اعتدلت. وقفت. اقتربت. ثم بأقصى قدرة متاحة في حنجرتها زعقت: طلقني.. ما ممكن أعيش معك يا ظالم.. ربنا بحق جاه النبي يهدّك يا مفتري.. طلقني.. ربنا يبلاك بمصيبة أو بعاهة ما تقوم منها إلى الأبد.. آه لو افتح عيني وأغمضها فألقاك مشلولا.. هو يعني لأنه ربنا أعطاك الصحة تقوم تفتري وتتجبر وتبهدلني لأنني ضعيفة ومكسورة.. طلقني.. طلقني يا حيوان.. تذكر قدرة الله عليك يا ظالم.
ظل للحظات معتصما بصمت موحش رهيب، والى نداءه الداخلي استسلم. ثم بيد مصممة تناول ساقه عن الحائط، وكانت ملامحه المشحوذة قد تجهمت كلها على آخرها وانكمشت، وبالصرامة تلبدت. وصوب بدقة أذنه نحو آهاتها الفائرة المعذبة.. وتنهيداتها التي كانت مرة تتصل ومرة تنقطع دون أن يجف ما فيها من علقم، ثم تتكتم مع أنفاسها المتهدجة فيبعثها قلبها ثانية لتشيع حارقة دون أن ينقطع لها فحيح. فحدد موقعها بالضبط، وسدد نحوها ساقه الخشبية فأصابت رأسها وجرحته، فسكتت، وفي صمت توجعت. فأمسكت بالساق في جزع كبير، وفي جزع أكبر هرعت بها مذعورة إلى الغرفة الداخلية، وأغلقت على نفسها الباب في خوف سرى متدفقا في دمها المجمّد، وحزّ بين ضلوعها المرعوبة وهناك استقر وكان يكويها وهو يسري ويحزّ. وانزوت في ركنها القاصي غارقة في رعب أرعش كل مفاصلها فتخّت، ولم تستطع ساقاها حملها فهبطت في الحال وانهارت، فتكوم جسدها كتلة هامدة من اللحم المعذب الساخن ينفث الآهات وبشدة ينوح. وكانت يدها المرتجفة وهي تنهنه ممسكة بالساق لا تزال. وبلا وعي راحت تلمس بسبابتها ثقب قديم في الساق وتحسس عليه.. الثقب الذي أحدثته رصاصة في معركة قديمة خاضها مع جيرانه الطيبين، حين حاولوا حمايتها منه لأنه كان يعاكسها في وقاحة قصوى، وأفعال فاجرة تفوق قدرتهم على التحمل كسرت ما فيهم من صبر. ثم ارتفعت يدها لتلمس الجرح المفتوح الغائر في رأسها بين جذور وسيقان شعرها الطويل الناعم المنكوش، فتأوهت.. في حرقة تأوهت. وعلى ملامحها الضائعة لا يزال يسيل دم تحول إلى دمع، ودمع تحول إلى دم.
قام إسحاق من مكانه وعلى العكاز اتكأ، وعلى الجدار بكفه اعتمد. وبعد قليل من الحجل المتتابع والقفز وصل إلى الباب الخشبي وبقوة دفعه.. ثم بأقصى قوته صدمه بجانب كتفه المكون من عضلات صلبة مدكوكة.. فكسره.. فانساب ظلام الغرفة الداكن ليختلط مع بقية ظلام البيت.
وبعد كسره للباب هجم على زينب وشدّ ساقه من يدها واستعادها وهو يزمجر، وراح بغيظ يسب أباها ويلعن جدودها الأوائل والأواخر دون أن ينسى أحدا منهم. ثم رفع بيده الساق عاليا وأمالها قيلا إلى الخلف، وهوى بها وضرب رأسها ففتح فيها جرحا آخر أوسع من الجرح الأول، وأعمق. وبينما هي بين الغيبوبة والصحو أعاد ساقه إلى مكانها في جسده تحت جذعه.. ومشى إلى الوراء عدة خطوات على ساقين. ثم غير رأيه، وعاد يتقدم نحوها ليضربها على ظهرها بالعكاز، ليسكت ما بقي في جوفها وفمها من آهات، ويسكت ما اختزن في قلبها من صمت سافر ومبين ظلت به تلوذ. ثم خلع كالمهووس ملابسه وهجم عليها كالوحش واغتصبها.. ثم عاد وخرج إلى الفراش وفي نشوة المنتصر جلس، ثم ابتسم وبرم شاربه.. ومدّ ساقه الطبيعية الباقية في جسده.. ووضع العكاز. وأبقى ساقه الخشبية في حجره وراح بكفه يملّس عليها، وتركها ترتاح من عناء ضرب مبرح وطويل.
لم تكن هذه أول مرة يغتصب فيها زينب أو يضربها، لكن أول مرة كانت قبل عدة سنين مضت دون أن تهمد مع الذكريات المرة العابرة.. عندما كان يجلس أمام باب الدار. وبأقصى أنوثة لديها كانت زينب تمر رائحة غادية من أمامه لتملأ الدنيا كلها وتغرقها بأنوثتها.. فتلتهب رجولته وتفيض بشهوة غزيرة جارفة كانت تلهب روحه وتشعل كل شيء فيه. وظل في كل يوم يرقب بأذنيه ويتلذذ مستمتعا بطرقات كعب حذائها البناتي، وحفظ بحسه الداخلي طرقاتها عن ظهر قلب. وأيضا كان يتابع رائحة عطرها الأنثوي بأنفه وقد صار يميزها حتى لو كانت تائهة بين ملايين البنات، وحتى لو كان عطرها مبثوثا بين ملايين الروائح والعطور، واقتنع تماما بأن عطرها لم يخلق إلا من أجل أنفه المرهف الدائخ الوله. واقتنع فيما اقتنع أيضا أن حذاؤها خلق له هو خصيصا ليطربه دونا عن بقيه خلق الله.
وعندما تيقن أنها تعيش وحيدة في البيت بلا أهل، وبلا زوج وأولاد، فقد ماتوا قديما في الحروب، وبعضهم هاجر إلى البرازيل يبغي الثراء.. تسلق الحائط بواسطة حبل مبروم أعدّه جيدا ونزل كالزواحف بخفة إلى الداخل. ولمّا على صراخها هرع الجريء من الجيران الضعفاء وتجمّعوا من كل بيت وشارع، نشبت معركة.. وأصابت إحدى الرصاصات ساقه الخشبية ونفذت منها. لكنه انتصر عليهم وهربوا، وامسك إسحاق بواحد منهم ودق بساقه الخشبية إحدى ذراعيه وكسرها. ثم افلح بعد هذا في اغتصاب زينب.. وصار يغتصبها كل يوم صبحا ومساء.. واعتاد على هذا حتى أصبح كأنه سنة الحياة وفرضها.
وبعد أن اغتصبها أحضر إسحاق شهود زور، وكتب كتابه.. وزيف عقد زواج. وزينب التي ظل عرضها مهتوكا وشرفها ضائعا، لم تعترف بالزواج وعلى الدوام مع ضعفها تردد على مسامعه أنه غير شرعي. وبين حين وآخر تنفجر في وجهه وتصرخ طلقني. وكلما صرخت ضربها بساقه أو عكازه ليسكتها فتصمت، ثم بعد هذا يسدد ضربة ساق خاطفة ليكتم صمتها الذي كثيرا ما كان يكبر ويكبر مع ساعات الليل، فيحيله إلى عذاب حارق مكبوت، وقهر عميق محبوس ينفلت بين حين وآخر من أعماقها في حسرة وسط ليل لا يبدو له صبح، لتحمله الظلمة في قلق عميق إلى الخارج، وتبثه بدورها إلى الجيران، وتنثره العتمة في فوضى حتى يصل إلى أبعد قريب، وأقرب بعيد. فيعود ثانية يضربها ليعاقبها بقسوة أكبر ويترك دمها يسيل دون أن يندمل لها جرح، أو ينطق لها صمت.
أشعل إسحاق سيجارة.. وتصاعدت من فتحتي أنفه أعمدة دخان طويلة ومتلاحقة، صوبها في العتمة نحو اللمبة المطفأة في السقف. وكشر حين واتته فكرة أفزعته وجعلت قلبه كالريشة في مهب الريح. وفي سره تساءل، ماذا لو تخلت زينت عن خوفها؟ خوفها الذي لا الضعف سببه ولا الأنوثة سببه وليس الجهل سببا له. ماذا لو انفكت شبكة الخوف الشامل المحيط الذي خوفها جزءا أصيلا منه. يا ترى ماذا كان سيحصل لو أن زينب بادرته بضربة قوية على رأسه، بساقه الخشبية، وقتلته بها أو على الأقل جرحته، وراح إثرها في غيبوبة.. أو ربما صار ينزف فتتركه يموت. يا إلهي لو أنه لم يفلح في كسر الباب وفشل في انتزاع ساقه من يدها الخائفة.
لكنه ترك كل هذه الخواطر المزعجة التي لا طائل منها، وقال أنها كلها من وساوس الشيطان.. وسحب آخر نفسين من السيجارة، بعمق حتى احترقت حواف الفلتر الأصفر. ودون أن يدري راح يغط في النوم ويشخر.
تنبهت زينب إلى شخيره فخرجت من الغرفة متسللة على أطراف أصابعها العشرة.. تتلفت حولها في خوف مريب.. وعسعست بيدها وتناولت عكازه.. ثم بحذر تناولت ساقه عن الجدار. وفي الحال صبت عليهما الكاز وأشعلت بهما النيران.
استيقظ إسحاق على دخان كثيف متصاعد أحس به يخنقه.. حاول النهوض وهو بقسوة يكح، معتمدا على الجدار ليلحق بزينب ويمسكها ليخنقها.. لكنه لم يستطع المشي ولو خطوة واحدة، فوقع.. فزحف قليلا، ثم حاول النهوض. فأسرعت زينت ودفعته بيديها فسقط أرضا، وعلى وجهه انكفأ. على النار انكفأ.
سبتمبر 2009
وعلى دبابة ونقراته استيقظت زينب منكودة، وكانت تكره الاستيقاظ خشية أن تسمعه أو تراه، وتململت. تنهدّت. نفخت. تأففت. اعتدلت. وقفت. اقتربت. ثم بأقصى قدرة متاحة في حنجرتها زعقت: طلقني.. ما ممكن أعيش معك يا ظالم.. ربنا بحق جاه النبي يهدّك يا مفتري.. طلقني.. ربنا يبلاك بمصيبة أو بعاهة ما تقوم منها إلى الأبد.. آه لو افتح عيني وأغمضها فألقاك مشلولا.. هو يعني لأنه ربنا أعطاك الصحة تقوم تفتري وتتجبر وتبهدلني لأنني ضعيفة ومكسورة.. طلقني.. طلقني يا حيوان.. تذكر قدرة الله عليك يا ظالم.
ظل للحظات معتصما بصمت موحش رهيب، والى نداءه الداخلي استسلم. ثم بيد مصممة تناول ساقه عن الحائط، وكانت ملامحه المشحوذة قد تجهمت كلها على آخرها وانكمشت، وبالصرامة تلبدت. وصوب بدقة أذنه نحو آهاتها الفائرة المعذبة.. وتنهيداتها التي كانت مرة تتصل ومرة تنقطع دون أن يجف ما فيها من علقم، ثم تتكتم مع أنفاسها المتهدجة فيبعثها قلبها ثانية لتشيع حارقة دون أن ينقطع لها فحيح. فحدد موقعها بالضبط، وسدد نحوها ساقه الخشبية فأصابت رأسها وجرحته، فسكتت، وفي صمت توجعت. فأمسكت بالساق في جزع كبير، وفي جزع أكبر هرعت بها مذعورة إلى الغرفة الداخلية، وأغلقت على نفسها الباب في خوف سرى متدفقا في دمها المجمّد، وحزّ بين ضلوعها المرعوبة وهناك استقر وكان يكويها وهو يسري ويحزّ. وانزوت في ركنها القاصي غارقة في رعب أرعش كل مفاصلها فتخّت، ولم تستطع ساقاها حملها فهبطت في الحال وانهارت، فتكوم جسدها كتلة هامدة من اللحم المعذب الساخن ينفث الآهات وبشدة ينوح. وكانت يدها المرتجفة وهي تنهنه ممسكة بالساق لا تزال. وبلا وعي راحت تلمس بسبابتها ثقب قديم في الساق وتحسس عليه.. الثقب الذي أحدثته رصاصة في معركة قديمة خاضها مع جيرانه الطيبين، حين حاولوا حمايتها منه لأنه كان يعاكسها في وقاحة قصوى، وأفعال فاجرة تفوق قدرتهم على التحمل كسرت ما فيهم من صبر. ثم ارتفعت يدها لتلمس الجرح المفتوح الغائر في رأسها بين جذور وسيقان شعرها الطويل الناعم المنكوش، فتأوهت.. في حرقة تأوهت. وعلى ملامحها الضائعة لا يزال يسيل دم تحول إلى دمع، ودمع تحول إلى دم.
قام إسحاق من مكانه وعلى العكاز اتكأ، وعلى الجدار بكفه اعتمد. وبعد قليل من الحجل المتتابع والقفز وصل إلى الباب الخشبي وبقوة دفعه.. ثم بأقصى قوته صدمه بجانب كتفه المكون من عضلات صلبة مدكوكة.. فكسره.. فانساب ظلام الغرفة الداكن ليختلط مع بقية ظلام البيت.
وبعد كسره للباب هجم على زينب وشدّ ساقه من يدها واستعادها وهو يزمجر، وراح بغيظ يسب أباها ويلعن جدودها الأوائل والأواخر دون أن ينسى أحدا منهم. ثم رفع بيده الساق عاليا وأمالها قيلا إلى الخلف، وهوى بها وضرب رأسها ففتح فيها جرحا آخر أوسع من الجرح الأول، وأعمق. وبينما هي بين الغيبوبة والصحو أعاد ساقه إلى مكانها في جسده تحت جذعه.. ومشى إلى الوراء عدة خطوات على ساقين. ثم غير رأيه، وعاد يتقدم نحوها ليضربها على ظهرها بالعكاز، ليسكت ما بقي في جوفها وفمها من آهات، ويسكت ما اختزن في قلبها من صمت سافر ومبين ظلت به تلوذ. ثم خلع كالمهووس ملابسه وهجم عليها كالوحش واغتصبها.. ثم عاد وخرج إلى الفراش وفي نشوة المنتصر جلس، ثم ابتسم وبرم شاربه.. ومدّ ساقه الطبيعية الباقية في جسده.. ووضع العكاز. وأبقى ساقه الخشبية في حجره وراح بكفه يملّس عليها، وتركها ترتاح من عناء ضرب مبرح وطويل.
لم تكن هذه أول مرة يغتصب فيها زينب أو يضربها، لكن أول مرة كانت قبل عدة سنين مضت دون أن تهمد مع الذكريات المرة العابرة.. عندما كان يجلس أمام باب الدار. وبأقصى أنوثة لديها كانت زينب تمر رائحة غادية من أمامه لتملأ الدنيا كلها وتغرقها بأنوثتها.. فتلتهب رجولته وتفيض بشهوة غزيرة جارفة كانت تلهب روحه وتشعل كل شيء فيه. وظل في كل يوم يرقب بأذنيه ويتلذذ مستمتعا بطرقات كعب حذائها البناتي، وحفظ بحسه الداخلي طرقاتها عن ظهر قلب. وأيضا كان يتابع رائحة عطرها الأنثوي بأنفه وقد صار يميزها حتى لو كانت تائهة بين ملايين البنات، وحتى لو كان عطرها مبثوثا بين ملايين الروائح والعطور، واقتنع تماما بأن عطرها لم يخلق إلا من أجل أنفه المرهف الدائخ الوله. واقتنع فيما اقتنع أيضا أن حذاؤها خلق له هو خصيصا ليطربه دونا عن بقيه خلق الله.
وعندما تيقن أنها تعيش وحيدة في البيت بلا أهل، وبلا زوج وأولاد، فقد ماتوا قديما في الحروب، وبعضهم هاجر إلى البرازيل يبغي الثراء.. تسلق الحائط بواسطة حبل مبروم أعدّه جيدا ونزل كالزواحف بخفة إلى الداخل. ولمّا على صراخها هرع الجريء من الجيران الضعفاء وتجمّعوا من كل بيت وشارع، نشبت معركة.. وأصابت إحدى الرصاصات ساقه الخشبية ونفذت منها. لكنه انتصر عليهم وهربوا، وامسك إسحاق بواحد منهم ودق بساقه الخشبية إحدى ذراعيه وكسرها. ثم افلح بعد هذا في اغتصاب زينب.. وصار يغتصبها كل يوم صبحا ومساء.. واعتاد على هذا حتى أصبح كأنه سنة الحياة وفرضها.
وبعد أن اغتصبها أحضر إسحاق شهود زور، وكتب كتابه.. وزيف عقد زواج. وزينب التي ظل عرضها مهتوكا وشرفها ضائعا، لم تعترف بالزواج وعلى الدوام مع ضعفها تردد على مسامعه أنه غير شرعي. وبين حين وآخر تنفجر في وجهه وتصرخ طلقني. وكلما صرخت ضربها بساقه أو عكازه ليسكتها فتصمت، ثم بعد هذا يسدد ضربة ساق خاطفة ليكتم صمتها الذي كثيرا ما كان يكبر ويكبر مع ساعات الليل، فيحيله إلى عذاب حارق مكبوت، وقهر عميق محبوس ينفلت بين حين وآخر من أعماقها في حسرة وسط ليل لا يبدو له صبح، لتحمله الظلمة في قلق عميق إلى الخارج، وتبثه بدورها إلى الجيران، وتنثره العتمة في فوضى حتى يصل إلى أبعد قريب، وأقرب بعيد. فيعود ثانية يضربها ليعاقبها بقسوة أكبر ويترك دمها يسيل دون أن يندمل لها جرح، أو ينطق لها صمت.
أشعل إسحاق سيجارة.. وتصاعدت من فتحتي أنفه أعمدة دخان طويلة ومتلاحقة، صوبها في العتمة نحو اللمبة المطفأة في السقف. وكشر حين واتته فكرة أفزعته وجعلت قلبه كالريشة في مهب الريح. وفي سره تساءل، ماذا لو تخلت زينت عن خوفها؟ خوفها الذي لا الضعف سببه ولا الأنوثة سببه وليس الجهل سببا له. ماذا لو انفكت شبكة الخوف الشامل المحيط الذي خوفها جزءا أصيلا منه. يا ترى ماذا كان سيحصل لو أن زينب بادرته بضربة قوية على رأسه، بساقه الخشبية، وقتلته بها أو على الأقل جرحته، وراح إثرها في غيبوبة.. أو ربما صار ينزف فتتركه يموت. يا إلهي لو أنه لم يفلح في كسر الباب وفشل في انتزاع ساقه من يدها الخائفة.
لكنه ترك كل هذه الخواطر المزعجة التي لا طائل منها، وقال أنها كلها من وساوس الشيطان.. وسحب آخر نفسين من السيجارة، بعمق حتى احترقت حواف الفلتر الأصفر. ودون أن يدري راح يغط في النوم ويشخر.
تنبهت زينب إلى شخيره فخرجت من الغرفة متسللة على أطراف أصابعها العشرة.. تتلفت حولها في خوف مريب.. وعسعست بيدها وتناولت عكازه.. ثم بحذر تناولت ساقه عن الجدار. وفي الحال صبت عليهما الكاز وأشعلت بهما النيران.
استيقظ إسحاق على دخان كثيف متصاعد أحس به يخنقه.. حاول النهوض وهو بقسوة يكح، معتمدا على الجدار ليلحق بزينب ويمسكها ليخنقها.. لكنه لم يستطع المشي ولو خطوة واحدة، فوقع.. فزحف قليلا، ثم حاول النهوض. فأسرعت زينت ودفعته بيديها فسقط أرضا، وعلى وجهه انكفأ. على النار انكفأ.
سبتمبر 2009