حدائق روحي لوحات زمردية تشع بألوان رمادية تترنح بها حكايا الحسناء الغجرية التي تسرب سرها المكنون إلى مدائني البلورية فأمست تمخر على عباب البوح وتنشد سمفونية القدر التي مطلعها :
ترانيم أحلامي زفرات سكرى بكؤوس السلاف
وورود العمر حبلى بزخات القطر والعفــاف
وبعد إنهائها لمقطوعتها التراجيدية استشعرت – فعلا – جراحات هاته الدرة المتلألئة التي أبهرتني بثوبها البلنسي الآسر ، وجعلتني أمعن نظري لهذه الأمسية الباكية بعبرات ظلت تهوي على أرصفة مهجتي فأمست صفراء شاحبة بعد أن كانت موردة مزهرة .
ساءلت الفؤاد عنها وشرايين الوصل تخزن مآذن بوحي ، وحينها انتصبت جاثما وقطع الذهول المحرقة تمطرني وكأنني بليلة دهماء تهاوت كواكبها .
وبعد هذا المشهد ألفيتها بأزقة بغداد والجمع يلهث خلفها في رغبة جامحة منهم لحضورها مجالس الملوك وقصورها لما رأوا فيها حسنا وروعة ولطف حديث .
وبذلك شعرت بتوالد الأبعاد من أبعاد لذكرى عهودها المشرقة والتي طرزت فصولها بتبر العسجد وأحكم نسيجها بخيوط حريرية ونمقت جدارياتها بقطع بلورية نفيسة .
لن أعاتب دمعها المدرار الذي تنفضه جمانا على أرصفة المدينة وقد كانت برياض ماتعة ينعم بها الأهل والأصحاب والولدان ، واليوم أضحت بين أنياب مدينة ضروس لا تجد في جوها الصفاء ولا في ألسنة أهلها سمفونيتها الرائقة العذبة سوى أصوات دخيلة عرجاء طمست تراتيل أصواتها الشجية الصداحة .
من حقها أن تبكي حاضرا تناسى مجالسها الجميلة يوم أن أضحى صداها يحلق بقصور بغداد والحمراء ، وعندها يحاكم الحذاق والنبهاء ، كيف لا وقد أبصروها عطاء فياضا ورحيقا مصفى .