هنالك العديد من العوامل المتشابكة التي تقف عائقا امام نجاح وازدهار أدب الطفل في عالمنا العربي ، والأدب العربي بشكل عام وهي :
- نقطة الانطلاق جاءت متأخرة : أدب الطفل دخل الى عالمنا العربي ، بعد قرون من انتشاره في الغرب ، وتلكأت الحكومات ، ودور النشر، والمدارس الفكرية عن دعم هذا التوجه ، وتقاعس الأدباء العرب عن طرق هذا الباب ،ربما ظن البعض ان الكتابة للأطفال شارة ضعف ،ربما نظرة استعلاء ، وعدم اعتراف بمكانتهم في المجتمع ، يمكن القول أيضا نتيجة سوء تقدير بأهمية هذا الصنف من الأدب ، فقد حرم أطفال العرب طويلا من هذه النعمة التي كان يتمتع بها أترابهم في أوروبا ، الفضل يعود في نقل وترجمة وكتابة مئات القصص للأديب المصري كامل الكيلاني الذي زار أوروبا في بعثة دراسة وعاد الينا بحزمة من الأفكار والقصص ، وقدم خدمة جليلة لأطفال العرب وللكتاب وللمجتمع.
- انعدام الدعم الحكومي لقصص الطفل : معظم الدول العربية لا تقوم بدعم قصص الطفل ، مما يجعلها تقتصر على فئة الميسورين وينحصر انتشارها ، لان دور النشر ليس بمقدورها مجابهة كل الصعوبات وحدها .
- التكلفة الباهضة للطباعة : ثمن طباعة الكتاب وتوزيعه يعيق عملية انتشاره بشكل شعبي.
- فشل في التوزيع :من عوامل نجاح الكتاب، خطة مدروسة للتوزيع ، حسب مناطق ودول ، وفئات عمرية ، من خلال مكتبات ، ومعارض كتاب ، وتسويق الكتروني ، ان عائدات بيع الكتب في العالم العربي هزيلة ، لا تقارن بعائدات متجر كبير الكتروني غربي، او بعائدات بيع الكتب في دولة أوروبية واحدة .
- التربية على القراءة أزمة عربية خانقة : الكبار لا يقبلون على الكتاب فكيف يبثون حب الكتاب الى صغارهم " فاقد الشيء لا يعطيه " انظر كم كتابا يقرأ كل انسان في اوروبا ، انظر الملايين من القراء التي اشترت سلسلة هاري بوتر ، هل لو كتب الكتاب أديب عربي ، هل كان سوف يهتم به القارئ العربي نفسه ؟، في الغرب يصل عدد النسخ لقصص الاطفال 40000 نسخة طبعة اولى ،اما في العالم العربي عادة تطبع القصة ب 1000 نسخة ، وفي لبنان 3000 نسخة يباع منها خلال 8 سنوات 2000 فقط !!.
- الأمية في العالم العربي : ما زالت الأمية معضلة ومشكلة كبير تواجه الشعوب والحكومات ، تعيق التنمية والاقتصاد ، وتؤثر على التعامل مع الكتاب .
- جودة الكتب ومضامينها : لا شك ان جودة الكتاب ومضمونه ، اثر كبير على اقبال الأطفال على المطالعة ، علينا ان نعترف ان هنالك العديد من القص في السوق وبين نتناول ايد\ي الأطفال اقل ما يقال عنها انها رديئة المضمون والإخراج ، وتنفر الطفل القارئ ، تخسره كقارئ شفوف بالكتب .
- الاخراج الفني للقصص: له اثره ، معظم القصص تصدر بحلة رديئة ، وورق رخيص واخراج بائس ، ورسومات غير جذابة مما ينفر القارئ .
- تحفيز الكتاب : دور النشر العربية لا تشجع الابداع والتميز ، عادة يتكفل الكاتب بالنشر والتوزيع ، معظم دور النشر العربية هي دور طباعة وليست نشر وتوزيع ، ..بينما في الغرب يحصل الكاتب على نسبة معقولة من الأرباح ، تشجعه على التفرغ والتميز والابداع
- قلة الدراسات حول أدب الطفل : الدراسات في عالم الطفل شحيحة ، معظم الأعمال لا يشار اليها ، كأنها خارج مرمى النقد ،فان النقد الصحيح ، رافد هام وحيوي للأدب ، يعالج النص بموضوعية ومهنية ، يبث الحياة المتجددة بالنص كلما نظر اليه القارئ والباحث ، كما انه يقوم الكتابة ويوجه الكتاب ، يظهر مواطن القوة والضعف في الأسلوب والمضمون ، ويعرف القراء بالكتاب ، ويغربل الأدب عن " غير الأدب "، يخلد الأدب الجيد بين حضن المادة ، ويطور أسلوب الكاتب والناقد على حد سواء .
- الكتب المترجمة الى العربية : ظاهرة جيدة ، لكن هنالك العديد من القصص المترجمة العربية لا تتناسب مع ثقافتنا ومجتمعنا وبعضها يبث ثقافة استعمارية هدامة ، او تنزع القيم ، او تخيف الطفل، أيضا قد تكون ارخص مما يجعلها تنافس الأدب المحلي ، فتبقيه على الرفوف يبكي حظه.
- قلة الترجمة من العربية الى اللغات الاخرى :بهدف تعريف العالم بإبداعاتنا ، ما ترجمه العرب ضئيل منذ العصور الوسطى حتى اليوم ، من المفروض ان تترجم الأعمال الإبداعية في مجال ادب الطفل الى شتى لغات العالم ، ليصل صوتنا الى بعيد ، الى الصين وأوروبا وافريقيا واستراليا، الترجمة جسر محبة والفة بين الشعوب ، تقبل للآخر ، ولفهم ونشر حضارتنا وثقافتنا ومخزوننا الحضاري ، وعلى عاتق دور النشر والحكومات ومراكز البحث تقع هذه المهمة الشاقة والشيقة ، الغربيب أن العرب كانوا رواد الترجمة في العصور الوسطى ، ولهم فضل كبير على الغرب في هذا المضمار ، لانهم حفظوا الفلسفة اليونانية واسس الفكر القديم من طب وجبر ورياضيات ، من الضياع والتزييف والتحريف ، لكن اليوم اضعنا البوصلة ، كما ان عملية الترجمة تساهم في حفظ مكانة اللغة العربية كلغة عالمية ، لغة الادب والشعر والابداع والخيال ولغة القران الكريم ، هذه الخطوة تساهم في تعزيز مكانة الأديب العربي ، تسوق فكره وابداعه .
- الفقر عدونا الأول : الفقر مدقع في العالم العربي ينتشر في معظم الدول العربية ، يحاصر فئات كبيرة ، ويفرض عليها حياة شاقة مغموسة بالعوز والهم والدمع والحرمان، الأسر الفقيرة تفكر أولا في لقمة الخبز والمسكن والملبس ، تنظر الى كتب الأطفال على انها من الكماليات ، بينما هي في الواقع غذاء الروح وبوصلة للعقل ، وعامل مهم لنمو ذكاء الطفل ولتطوير مهاراته اللغوية وتعزيز شخصيته وتوسع ثقافته وإبراز هويته الثقافية والدينية والقومية.
- حالة الاقتتال والحروب الأهلية في العالم العربي : كان يرجى من الثورات العربية والربيع العربي ، أن تصب في صالح الثقافة والابداع ، وأن تنشط دور النشر، ومراكز الدراسات وتزدهر طباعة الكتب، وتركز جهود الحكومات والأنظمة على دعم جهاز التربية والتعليم والمعاهد العليا ، والاهتمام بالطفل وأدبه وتعزيز مكانة الكاتب المبدع ، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، الأوضاع الأمنية والحروب التي تعصف وتمزق العالم العربي ، التصفيات السياسية ، والصراع المذهبي ، اعمال السلب والنهب ، واغتيال الحضارة وسرقة المتاحف ، وأعمال القتل والتشريد والتهجير والتصفية العرقية ، واضطهاد الأقليات ، الصراعات الإقليمية ، كلها عوامل تستنزف مقدرات الوطن العربي ، وتصرف الأنظار عن الابداع ، تخرس الأقلام وتغتال روح الابداع وتقزم المبدع الذي يقف عاجزا أمام جلل المصاب وعمق الجرح النازف، وتنطق أمامه المدافع والطائرات الحربية ، يسمع أزيز الرصاص وصوت الانفجارات ، تهاجر الطيور والعقول الى جهات أخرى في هذا الكون الفسيح، فبدل تكريم الطفل ،نشاهد موته جوعا وقصفه وتشريده وذبحه ، ومصادرة طفولته وهدم مستقبله ، وقتل ذويه ، وحرمانه من التعليم ومن ابسط حقوقه الطبيعية والشرعية .
- الرقابة الذاتية ورقابة المجتمع : هنالك من يشير الى الرقابة الكبيرة التي يفرضها الكاتب على نفسه ،بهدف قبول عمله من قبل الأهل ودور النشر ، والمدارس ، والنقاد ، فيشعر انه يكتب لكل هؤلاء باستثناء الطفل وهو "الهدف "، زد على ذلك أن دور النشر تبحث عن القصص ذات توجه تربوي تعليمي ، لنشرها، ولا تبحث عن القصص التي تكتب لمتعة وسعادة الطفل ، كان القصص هي وسيلة التربية الوحيدة في المجتمع !!
- انتقائية دور النشر : العديد من دور النشر تبحث عن أسماء لامعة في عالم الطفل ، التي حققت النجاح في بعض القصص ، وتقبل عليها ، وتهمل الأسماء الأخرى والقصص الأخرى ، مما يحدث نوع من التكرار والاجترار للمواضيع والأساليب والأفكار. وبث روح الإحباط لدى العديد من المبدعين الذين اخفقوا في التوصل الى صيغة مع دور النشر القائمة ، مما يدفعهم الى العزوف عن الكتابة والابداع ، او الإصدار بشكل شخصي متحدين كل الظروف والية التوزيع ، لكنها خطوة مزروعة بالمخاطر المادية .
- النقص الشديد في أدب الفتينان والناشئة : هنالك العديد من القصص التي تلائم جيل الطفولة المبكرة ، وهنالك الروايات والقصص التي تلائم الكبار وطلاب المرحلة الثانوية ، هنالك اهمال كبير من قبل الكتاب بجيل الفتيان ،يجب ان تكون الكتابة في العالم العربي لجميع الأجيال وبنفس الاهتمام والجودة ، لان كل فئة عمرية في غاية الأهمية ، وجيل المراهقة في أمس الحاجة لصرف اهتمامه وانظاره عن ملهيات الحياة المظللة ، بمطالعة كتاب نافع يوقد فكره ويوسع معلوماته ، ويصقل شخصيته .
- وعي أهمية أدب الطفل : الوعي كمجتمع وحكومات بأهمية ادب الطفل هام ، فكلما زاد الوعي ، تزداد الطاقات والموارد التي تصرف على نشر هذا الادب وتكريس نجاحه ، صحيح انه طرأ اهتمام في بعض الدول بأدب الطفل مثل : الكويت والامارات وعمان ، والأردن ، حيث تتبنى الدول مسابقات على مستوى العالم العربي ، تشجع هذا اللون الأدبي وتكرم الأدباء ، لكن هنالك حاجة ليكون هذا الاهتمام أوسع وأعمق وأشمل ، وأيضا ليكون في سائر الدول العربية من خلال بناء رؤية شاملة لتجذير نشر ودعم أدب الطفل .
- تسيس الاعلام : بسبب الحالة العربية ، وانتشار الفوضى السياسية والثقافية والاقتصادية والعسكرية والفكرية ، وحاجة جميع الأطراف المتنازعة الى الة الاعلام ، لنشر أفكارها ، ونقل الحقيقة كما تراها هي ، تهتم كل الأطراف السياسية والعسكرية في العالم العربي بالإعلام بكل أشكاله المرئي والمسموع والمقروء ، لبسط نفوذها عليه، فبات الاعلام موجه سياسيا ، فانحصر دوره على التغطية السياسية ورصد التطورات العسكرية على أرض المعارك المنتشر في العديد من الدول العربية ، والترويج لأفكار تيارات معينة ، وحتى ان بعض الميلشيات العسكرية والحكومات استولت على مقدرات ومقرات الصحف والمواقع الإلكترونية ، وحجبت العديد، مما افقدها مصداقيتها أمام الجمهور ، إضافة لتغيير في النهج ، هذا الأمر انعكس على تغطية النشاط الأدبي ورصد حركة الابداع بشكل عام .
- ضعف لغة العربية في الشبكة العنكبوتية : لا أحد ينكر أهمية المواقع الالكترونية في نشر المعرفة وتسخير العلم ، ونشر الادب ، الانترنت منافس قوي للكتاب الورقي ، لكن الفطن من يستغل هذا العملاق الذي يفرض نفسه يوما بعد يوم على العالم بلا منازع ، هنالك فشل في تسويق ادب الطفل عبر الانترنت ، شبكات التواصل الاجتماعية ، لعدة أسباب ، منها التخلف التكنولوجي في معظم البلدان العربية ، وضعف الموارد المخصصة لهذا الغرض ، لاحظ الخبراء قلة المواقع العربية المختصة ، وقلتها بشكل عام مقارنة بعدد الناطقين بالعربية ، كلغة هامة للحضارة والإنسانية ، لكنها ليست لغة الأبحاث ، يقول رائد أدب الطفل يعقوب شاروني " والتنبؤ بمصير العربية فى هذا المعترك عسير ، من حيث هو مرتبط بمكانة العرب من العالم ... بالنظر إلى إخفاقاتهم فى التقدم خطوة نحو ما يحمى اللغة حقًّا من غائلة اللغات الأخرى ، التى تستفحل مع الوسائط الاتصالية القائمة على تلك اللغات " .
- ويضيف : " والعلاقات بين اللغات كالعلاقات بين الدول ، منها علاقات مشروعة وضرورية ونافعة ، ومنها ما هو نوع من التدخل فى الشئون الداخلية وانتهاك للسيادة ، وهذا هو ما يترصد العرب كما يترصد لغتهم " ، فان اللغة العربية تواجه تحديات شديدة من قبل اللغة المهيمنة " اللغة الإنجليزية " لغة الشعوب القوية ، كذلك في ظل مكان الدول العربية والعرب عامة دوليا . لذا من المهم استغلال الشبكة العنكبوتية بصورة إيجابية لنشر المعرفة وتعزيز مكانة اللغة العربية ونشر الادب وادب الطفل واستغلال كل التقنيات الحديثة ، وهنالك حاجة لتحسين أداء المواقع العربية وتحديثها ونشر الأبحاث الهامة في كافة المجالات باللغة العربية .