مدخل :ماهو الإبداع وماهي الكتابة كتعبير إبداعي ؟؟؟؟
الإبداع ظاهرة عامة كلية تنتشر في كل المجتمعات الإنسانية ،وعبر مختلف مراحل التطور الاجتماعي والثقافي ،وهو القدرة على التعامل بطريقة مريحة مع المشكلات الغامضة وغير المحددة ،أي تفكير غير تقليدي ،وغير مألوف ،يتجلى في المجال المسرحي ،والفني ،والسياسي ،والعلمي ،والكتابات الأدبية الذهنية كالشعر والقصة والرواية ،كنتاج للحالات الداخلية والمشاعر والأحاسيس ،وتعبير عن الاحتياجات والدوافع والتصورات، التي تعتمل في أذهان الأشخاص المبدعين ووجداناتهم، من الجنسين معا ذكورا وإناثا ،فالإبداع بمفهوم آخر هو قوة أو موهبة يبزغ لهيبها في أفق التجربة في أوضاع من القلق والمعاناة التي يعيشهما المبدع أو المبدعة ،ترتكز على تشابه المشاعر، والخبرة الفنية والجمالية ،وتشغيل المخيّلة، كعناصر مشتركة بين الجنسين،..والمقصود بالكتابة الإبداعية أو عملية الكتابة الإبداعية الذهنية ،تصور العمل الإبداعي كوحدة كلية قبل الشروع في إنجازه ،حيث تلتمع الفكرة أو التصور عن طريق الحدس ،فتتوقد البصيرة بشكل مفاجئ وسريع ،وعلى الكاتب أن يبذل كثيرا من الجهد / العمل الشاق /للقبض على التصور قبل التلاشي ،وتحقيقه وتجسيده على التو ،ثم تحسينه بمراجعته وتصحيحه ،وتهذيبه من الشوائب بالإضافة أو الحذف ، وإدخال عليه التعديلات المطلوبة كي يكون في كامل نضجه وجماليته ..
1 ــ مامكانة الكتابة النسائية من الإبداع
الإبداع يجتاح مخيلة الإنسان كالإعصار ،لافرق لديه بين الجنسين، لكون المتخيل النسائي رديف المتخيل الذكوري، مرفوقا بأحاسيس ومشاعر، وحالات انفعالية تتقاسم فيها المرأة والرجل نفس الخصائص ،معناه ،أن هناك قواسمَ مشتركة بين الرجل والمرأة كالتفكير، والإحساس ، والتوتر والقلق ، يوظفها الجنسان معا في الإبداع ،بعيدة كل البعد عن الجوانب الفيزيولوجية ، والنوع الخلقي، والتنميط والتأطير والجغرافيات والتاريخ والأسطوريات ، والإنجاز تحت الطلب ، وماجاور ذلك ..والإبداع في الكتابات النسائية المغربية كما الذكورية أسّسَ هويته الخاصة ،وعرف تأثيثا واسعا في كل الأجناس الأدبية والفنية ،وأخص بالذكر الجانب القصصي والروائي ،والشعري بنوعيه الفصيح والزجل ،حيث الكتابات تصدح بشتى الهموم الإنسانية، بما فيها المرأة والطفل والإنسان المهمش ،والإنسان القضية ،والطبقات المسحوقة والمقصية ، فتألقت بعض المبدعات المغربيات من حجم الأديبة الروائية والشاعرة مريم بن بختة، التي أحدثت ثورة في الشعر والسرد المغربين، والروائية اسمهان الزعيم، والروائية سعاد الرغاي ،والشاعرة إلهام وزويرق، والقاصة ربيعة عبد الكامل ،والمبدعة مليكة صراري ،والناقدة سعاد أمسكين ،وغيرهن من الأسماء اللامعة اللواتي أفرزتهن تربة الواقع المغربي وبصمن بشكل قوي في سجل الإبداع ،وهن بالعشرات إن لم نقل المئات ،لكن يضيق الحيز لذكر أسمائهن كلهن ، وقد اتسمت كتاباتهن بغزارة الأفكار، وسيولة توليدها ،والقدرة على الإنتاج الممتع والهادف ،وإعطاء تلقائيا عددا متنوعا من الاستجابات في أكثر من إطار ،وفي أكثر من شكل ،وبأكثر من موضوع، وبأكثر من موقف ، منجزات إبداعية متنوعة في مختلف الأجناس الأدبية جديرة بالمتابعة والاهتمام..
وعلى الرغم من المشتتات والمعوقات التي تثيرها المواقف الخارجية ، فأغلبهن أمسكْن بزمام الكتابة ، مصرات على مواصلة الاتجاه ،بالتعبير عن مجموعة معينة من المواقف، وتشخيص عدة ظواهر ،وتجسيد حجم من الأحداث ،لتحقيق أهدافهن من زواياهن الخاصة ولو بأقل قدر من الحرية ،فحققن كمّا لابأس به من الأحلام المأمولة بأفضل صورة ممكنة ،تتيح لهن ملامسة الآفاق دون جعجعة ...
2 ــ معوقات تجُر الكتابة النسائية المغربية نحو التردي
لكل مبدع ومبدعة ظروف تساهم في نشأتهما ،وتكوينهما ،فإما أن تساهم في تفجير ينابيع إبداعهما ،وإما أن تكون وبالا عليهما في إحباطهما وانكسارهما وإخماد طلائعهما ،والمبدعة ليس لها نفس حظ الذكر من الحرية والانطلاق، لأنها تعاني من عدة أزمات، تُعتَبر حجر عثر في زاويتها ،وعراقيل تقف في وجه تطوير عملها الإبداعي على أكمل وجه، وتحقيق المرجو منه ،ويتضح ذلك من خلال مايلي :
ـــ الموروث الثقافي وتحجر العقول
مازالت بعض الضغوطات والإكراهات المتوارثة لذوي العقول المتحجرة ، ترى في الأنثى لا قيمة لها مثل الذكر ، واعتبارها عورة وضعفا ، امرأة التشنجات والدموع ،صاحبة الكيد العظيم ،امرأة الشعوذة والعرافات ،غير ناضجة عقلا ودينا ، وغير قادرة على حماية نفسها ولا على العطاء والتفكير، إلا بمساعدة أعوان من الأسرة أو الأقارب ..حُكْم صادم وظالم، يقوقع المرأة في مربع الضعف والدونية ،ويضعها تحت الحماية والتسييج وعدم الاستقلالية ،فيفرض عليها التزامات ، عليها أن تخضع لها عن طواعية أو إجباريا ،من ضمنها الحياء والحشمة والوقار ،كخِصلات فضلى تتحلى بها المرأة قد يفسدها الخروج من البيت ولو في مهام أدبية ؛ ولتحصينها تُحرَم من إقحام أمكنة ثقافية ولو تمكنها من تنمية قدراتها، وتسهم في انفتاح عقلها وتطوير سلوكها، باعتبار الغياب عن البيت أحيانا ،أوالعودة إليه متأخرة ولو في خدمة الأدب استهتارا وزيغا ،وشيئا غير طبيعي ومتجاوزا للحدود ؛وهذه الأشياء تترسخ في العقول منذ ولادة الأنثى حتى سن رشدها ، فلا تشارك في اللعب مع قريناتها خارجه إلا بالحراسة المشددة مع تجنب الاختلاط بالذكور ، بينما أخوها يمارس حريته الكاملة في اللعب وقتما شاء، وفي أي مكان يحلو له ،ومع مَن أراد ،فعوض ترشيدها إلى أنها والذكر وحدة مكتملة متكاملة، وتربيتها على مجانبة الخطأ والأخذ بالصواب في السلوك والتعامل مع الجنس الآخر بما يليق وفي حدود ، يُمارَس عليها الشطط والحَجْر ،لتقبع داخل البيت ،مما يُجَمّد فكرها ويُضعف من شخصيتها ...
هذا التمييز القائم على الجنس/النوع مترسخاً في اعتقاد الأغلبية بشكل سلبي، قد يصبح انطلاقا من الممنوع المرغوب فيه دافعا جامحا للمرأة إلى نهج سلوك معاكس،وارتكاب فواحش غير محمودة ،والسقوط أكثر في ماهو مرفوض تماما .. ويزداد الأمر عسرا حين تُوَجّه بعض العقول الأنثى دون الذكر نحو مسؤولية تربية الأطفال ،والاهتمام بأشغال البيت كَمَكانٍ محترم وآمن لها ؛وكأن الطبيعة وشمت على جبينها هذا التقسيم في المهام ،وتحديد دورها بالضبط في هذا المجال ؛وأضيف مازال الرجل/الزوج إلى حد كتابة هذه السطور ،هو المسؤول الأول في كل كبيرة وصغيرة، يستعبد المرأة/الزوجة ويستبعدها أحيانا من اتخاذ القرارات الأسرية والمجتمعية، تصبح معه المرأة عنصرا شبه منعدم، مما يؤثر على حياتها وسلبيتها كشريك في بناء عشها الزوجي، وطرف هام في تدبير شؤونه ..فالموروثات الذكورية التي مازالت مهيمنة بشكل سلبي على بعض العقول، تحُد تماما من المشاركة الكاملة للمرأة في المسيرة الإبداعية، وتُفوّت عليها التمتع بتكافئ الفرص ،الشيء الذي يغتال جموح المرأة الإبداعي في مهده ،ويصبح سببا رئيسيا في قمع قدراتها ، وإطفاء طاقاتها ،مما يجُرّ إبداعها نحو التخلف والجمود والتردي ..
ــ السلطوية ووضع المرأة تحت الوصاية
ومن السلبيات الأخرى في تحطيم قدرات المرأة الإبداعية ،سلطة الزوج أو الإخوة أو أولياء الأمور، أو الأبناء في غياب الأب ،أو التدبير الاجتماعي الجائر، أو السلوكات والممارسات تجاه المرأة تحت أغلفة إيديولوجية متحجرة ، مما يجعل صوت المرأة مقموعا ،ولا اعتبار لكلمتها، ولا فرصة متاحة لإسماع همومها ورأيها بوصفها عنصرا /إنسانا ،لها الحق في أن تضطلع بالمسؤولية ،وتتحمل جسام الأمور داخل المجتمع كباقي البشر، فيمارَسُ في حقها الحيف الاجتماعي بوضعها في خانة دونية بعد الرجل ؛ والحيف السياسي بإبعادها عن السلطة ،والمشاركة في اتخاذ القرار إلا بالنزر القليل ؛ والحيف الاقتصادي بعدم تولي شؤونها بنفسها في مجال التجارة ،إلا بوصي أو مساعد من الأسرة أو الزوج أو الابن ؛ والحيف الثقافي بالاحتكام الى المنطق الذكوريّ ،وهيمنة الرجل عبر محافل مؤسسات ثقافية ،وعدم فتح المجال لمشاركة المرأة وإدلاء بدلوها ..
فهذه العوامل مجتمعة تقف حائلا بينها وبين تحقيق النِّدّيّة والمواساة ،فكم من مبدعة في عزلة مؤقتة تفصل نفسها عن الحياة جراء الأسباب آنفة الذكر ،وكم من مبدعة راكمت كتاباتها في أقبية الرفوف ..وكم من مبدعة يُنظر إلى إبداعها بشيء من الدونية والتحقير وكأن الإبداع حكرٌ على الرجل بمفرده؛ وعليه فالمرأة انتفضت لتفك وثاقها ، وكرست جهودها لإنتاج الحلول، في انتظار لحظات ملائمة تفجر فيها طاقتها ، وتقف ندّا صامدا في وجه مجتمعات منغلقة ومحافظة ،تتلصص من خلال كتاباتها على حياتها ،وتتدخل في شؤونها ،متحملة ألوانا من الضربات التقليدية والسلطوية بعُود لاينثني ..
وعلى الرغم من ذلك ،وماحققته جزئيا بعض النساء من الحريات ، ستظل الكتابة النسائية محتشمة نوعا ما ، وفي حالة التردي مالم تتمكن المبدعة من كسر طوق الحصار المفروض كليا ،وإيجاد وسيلة تجابه بها بعض الأعراف والعادات السيئة التي تشدها من تلابيبها نحو الخلف ،ليستوعب المجتمع طبيعة عملها الجديد ...
ـــ تهميش كتابات المرأة من قبل المثقفين /الذكور
الإبداع الحُر صافي المعدن لاوطن له ولامكان ولازمان،ولايقبل التشكيل تحت وصاية ما ،كما لايقبل المحاباة ،ولايُكتَب تحت الطلب،و لايباع ولايشترى ،له طقوسه الخاصة التي يكسر بها حدود المجتمع المفروضة على العقل بجرأة تامة ، متحديا كل الموانع الاجتماعية والمحظورات ..وبالنسبة للكتابة النسائية ،هناك مبادئ مطلقة ،وأفكار راسخة ، واعتقادات مهيمنة تغذي العقلية المتخلفة ، لتكرس تهميش كتابات المرأة ،وإبعادها بأية وسيلة عن حلبة الإبداع والفكر والمحافل الأدبية ،ليحتكره بعض المثقفين الذكور، من لهم حزازات ضد المرأة ،ويرون فيها المنافس الأقوى للرجل في عمليتي الكتابة والتفكير، ضاربين في العمق الأدب الإنساني الشمول.. أستثني بالطبع المثقفين الأحرار ،أصحاب المبادئ الإنسانية العليا ،الواعين بدور المرأة ، والذين يَخفِضون لها جناحا من العون ،والأخذ بيدها ليتألق بدرها في المنابر ..
والمرأة الواعية المؤمنة برسالتها الأدبية كعنصر مكمل إلى جانب الرجل للتنمية والتطور، هي التي تنتصب رُمحاً ضد التصور التقليدي لبعض المثقفين عنها ، والرؤى السلبية التي تختزل طاقتها في قلْي البطاطيس ،وتنظيف البلاط ليس إلا .. وتعلن عن ذاتها ،وتقتحم المنابر والمحافل الإبداعية في نفس حلبة المنافسة ، لإبراز خزانها المعرفي ،فتدخل عالم الكتابة بأوسع مراميه ،وهي تمتلك إمكانيات متعددة للبوح و التعبير بحرية ، لتترجم خلجاتها ،وتبدي تجاربها وألامها بأحاسيس مشتعلة مكبّدة بالضيم والحزن ،تذكيها الناحية النفسية و الثقافية واللغوية، وبحماس تعانق الحرف لتولد من جديد، فتُسمِع صوتها المكبوت ،رافعة الأحجب عن كتاباتها بتحرر ملموس ،متخذة مسارا حرا كشرط أساسي للسمو بالإبداع.. وإن لم ترفض المرأة التهميش ،وتقبع كالدمية في قبو يغلق عليها كل المنافذ ضحيةَ أفكار ضلالية ظلامية تغتال طموحها ،وتحطم قدرات عطائها، فقد تؤسس لنفسها خسارة كبرى..
3 ــ ما العمل لتهييء البساط لتطوير الكتابة النسائية وما الاقتراحات ؟؟؟
هناك عاملان أساسيان متداخلان يكملان بعضهما البعض :
ـــ عامل داخلي
ويتجلى في ذات المرأة وشخصيتها كأقرب عنصر للدفاع عن نفسها وعن قضيتها ، بالمطالبة والتعبير، ورفع لواء التمرد والاحتجاج في وجه التسلّط الذكوري والمؤسساتي لانتزاع حقوقها المهضومة، وبلورة الوعي بكل ماتستدعيه طرق الاحتجاج والنضال ، لتقويم النظرة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ،والجهر بصوتها عبر مختلف قنوات الإبداع ، وإشعال رغبتها في الكتابة والرسم ،وأي فن أخر بالإبداع المائز ،وتفعيل تجاربها الحياتية بنبرتها الخاصة المتميزة انطلاقا من واقعها المعيش، ومواجهة كل أشكال التحقير والتهميش لتحطيم شخصيتها ، والسعي بكل ماأوتيت لتثبيت وجودها ،وتحقيق ذاتها في جميع الحقول الأدبية والفنية ،وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية ،فتجعل من كتاباتها وقودا لقطع المراحل ،واختزال المسافات نحو الأرقى، من أجل ترسيخ اسمها بماء الذهب في صفحة تاريخ الأدب...
ــ عامل خارجي
وهو فوق إرادة المرأة ،ويبدو في ماهو اجتماعي، ومؤسساتي، والنقد ،ووسائل الإعلام ،ومنظومة التربية والتعليم وغيرها ، نقتطف منها مايلي :
ـــ دور المجتمع في تأهيل الكتابة النسائية
على المجتمع بكل مكوناته ومؤسساته، أن يقوم بدور طلائعي في العملية الكتابية النسائية بإدراك القيود المحاصرة وتكسيرها ،ومساعدتها على التخلص من أعبائها ومشاكلها الاجتماعية ، وأن يتيح لها الفُرَص ببَسْط السبل، وتهييء الإمكانات المساعدة، حتى تتمكن المرأة من بلورة فكرها وحدسها ومشاعرها في الكتابة ،وإبداء رأيها ، وتحقيق ذاتها ،والدفع بها لكشف نوع التصور الذي تريد التعبير عنه في الواقع ، في بيئتها الأصلية التي أنبتَتْها ..
ــ دور النقاد في بناء الكتابة النسائية
وكما للمجتمع دور تجاه الكتابة النسائية ،للنقاد أيضا أمانة جسيمة على عاتقهم لولوج الحلبة في هذا الباب ، والاهتمام بمنجزات المرأة بالنقد الموضوعي البنّاء ، لتوضيح التصور، وميكانزمات الكتابة بأسلوب واضح ونزيه ،قافزين على الأحكام المجردة المبنية على العبث والنزوع الذاتي ،وإبداء آراء مضيئة لنصوصهن بأدوات علمية دقيقة ،ومرجعيات منبعها الظروف الزمانية والمكانية للواقع ،تزن التجربة النسائية وتُقيّمها بتنوعها من حيث الخصائص الفنية بما فيها الأسلوب والصياغة التركيبية ، واللغة والإضافات الجديدة ،والمواقف الإنسانية ،وليس بكَمّها وكثرتها ، وتحديد موقعها بالنسبة لأعمال المبدع والمبدعة الواحدة ،والوقوف على علاقتها بالأعمال الإبداعية الأخرى من مفكري ومفكرات المرحلة ..ففي الخدمات النقدية الجليلة فتح آفاق رحبة للكتابات النسائية كي تشرق وتنمو وتسمو..
ـــ احتضان المؤسسات والجمعيات للكتابات النسائية
وإلى جانب هذا وذاك ،لانُغَيّب دور بعض الجمعيات والمؤسسات الثقافية، مثل بيت الشعر في المغرب ، واتحاد كتاب المغرب ،ووزارة الثقافة ،وحثّها على إفساح المجال للطاقات النسائية في الكتابة، كي تبرز في المحافل الشعرية ،وفي المواسم الأدبية والاحتفاءات باليوم العالمي للشعر،وفي المناسبات الوطنية ،وألا يتم الارتكاز على بعض المبدعات دون غيرهن ،وخاصة أن ضرع الإبداع النسائي مؤخرا لم ينضب في مجال القصة والرواية والشعر، وسماء الكتابة لمَعَ بشتى من الإنجازات ،أتحفت مكتبتنا المغربية بزخم متنوع ومتميز ،لكن الحظوظ لم تسعفهن للمساهمة بإنتاجاتهن ،لأن ظروف الوصول إلى الإسهامات مازالت غامضة أمامهن ،لذا على المؤسسات آنفة الذكر، وغيرها من المتعاونين أو المشاركين والمهتمين، أن تتظافر جهودهم من أجل هذه الكنوز المنفلتة ،وتصيد درَرها بأية طريقة ..
ــ من مهام وسائل الإعلام تسليط الضوء على الكتابات النسائية
لايخفى على أحد أن بثّ العمل الأدبي عبر وسائل الإعلام من إذاعات وقنوات تلفزية ،أو نشره في الصحف والمجلات، يخلق جمهورا واسعا يتتبعه باهتمام ،ويخول له قراءات متعددة من خلالها يلتمع وينضاح ،كما يصبح حافزا أقوى للمبدعة والمبدعة على تحديد تصور عام وانطباع حول منجزهما ، يمكنهما من وضع تقييم له ،وعلى أنقاضه يتم البحث عن الجديد الجيد ،لتتخذ التجربة مسارها نحو التطور والارتقاء ..غير أنه لِحَد الآن، مازالت وللأسف بعض وسائل الإعلام لاتستقبل الإبداعات النسائية ، إلا من خلال الوصايا أو الصداقة للاهتمام بها ونشرها ،في حين تتغافل عن أخرى رغم جودتها ؛ وتهميشها لحسابات ضيقة : شخصية أو سياسية ..لايدخل في هذه الخانة طبعا ذوو الضمائر الحية من الصحفيين ، الذين يرون في وسائل الإعلام وظيفة ومهاما، يجب أن تخدم الشعب في كل المجالات بما فيها الثقافة والأدب ،والذين يثمنون واجبهم المهني ، ويحترمون أداء عملهم بكل مسؤولية ،ويؤمنون بمبادئهم النظيفة في هذا الباب ،ولهم غيرة على الثقافة المغربية، ويتطلعون مشكورين إلى السير بها نحو الآفاق لتنميتها ،لتصبح في مصاف الأدب الراقي ..
ــ تشجيع الكتابات النسائية بإدراج إبداعهن في مواد دراسية
، مايلاحظ أن مقررات أبنائنا الدراسية ،مليئة بنتف من النصوص العربية ،في إغفال شبه تام للنصوص المغربية ،وخاصة منجزات الكِتابات النسائية ، وعدم إدراجها كمواد أدبية لتربية النشء عليها ،وتعودهم على تذوق الفن النسائي المغربي في مجال الكتابة منذ الطفولة .. لذا على المنظومة التعليمية التربوية إدراج إبداعات نسائية في المقررات ،واستدعاء النساء الكاتبات إلى المؤسسات التعليمية في مناسبات وطنية ،أو في نهايات الأطوار الدراسية ،أو في احتفالات آخر السنة ،ليتلاحم الكبار مع الصغار والشباب ،وتتواشج الخبرات، وتتلاقح التجارب ،ويتبادلان التأثر والتأثير ،الشيء الذي يشجع النساء على الكتابة كباعث حقيقي لهن على العطاء بغزارة ،ومحفز قوي للبحث عن الجديد...ومن وجهة أخرى تهييء أجواء حماسية تفاعلية ،نستثمر فيها قدرات شبابنا وطاقاتهم لخلق جيل من الكتاب والكاتبات في المقبل ...
اختتام :كفاح المرأة هو الذي يتؤثث وجودها والاعتراف بقدراتها
من خلال ماتقدم فقد استوعبت المرأة الكاتبة تعقيدات العلائق البشرية ،وقسوة المجتمع ،وثقل التقاليد ،والاتجاه الديني وتحريفه ،وبعض السلوكات المزيفة ،والأعراف المتدحرجة من أزمنة غابرة ، فأدركت وضعها النفسي، وواقعها الاجتماعي ،وموقعها الوجودي ،لتنطلق من طاقتها الداخلية / الذات التي تحثها على التحدي والمغامرة ، فتتجاوز مايعتريها من عقبات وعراقيل عن طريق الإبداع /الكتابة ،لتكتب عن نفسها وتجاربها الحياتية ،وتعبر عما هي مجبولة به من حمولات نفسية تذكيها المؤثرات الخارجية؛ وتجهر بصوتها لتغيير و تجديد أفق الإبداع المكتوب ،ليحتلّ خطابها مرتبته اللائقة إلى جانب الخطاب الذكوري ، فيترك الأثرفي تاريخ الأدب ..،كما عليها الاستمرار في التمرد والفضح والتعرية ،والكشف عن كل الأوهام التي تغطي الحقيقة ،وتُدني من قيمتها في مجال الكتابة ، وتحط من فكرها وإبداعها، وتهين مساهمتها في الحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،وتقلص من مهامها في عملية التنمية البشرية والوطنية ؛كما أوجه الاهتمام إلى جميع القوى الحية الجمعوية والسياسية والمدنية والمؤسسات الثقافية لدعم المرأة ، وخلق حملات تحسيسية توعوية تقف إلى جانبها ، للرفع من مكانتها ،والاعتراف بدورها العام في جميع الميادين ،حتى تتمكّن من المواصلة والعطاء...
المراجع
الإبداع الأنثوي : KARIMA AHDADمقال من النيت
نعمات البحيرى :- المجتمع يضع المرأة المبدعة دوماً في إدانة أخلاقية
فينوس فائق :- ليس هناك أدب نسائي بل أدب أنساني شمولي
نوال السعداوى :- المبدعة تواجه تناقضا بين أنوثتها وعقله
المرأة والإبداع بقلم محمد برادة ـ كاتب واستاذ جامعي من المغرب