في المقهى كبرت شجرة السر الخطير، وانتقل الخبر من منصة إلى منصة حتى استقر به المقام في المصب الأخير لكل النفايات- بين يدي الدوائر الحكومية- كيف وقع ذلك للمواطن الملعون وهو الذي لم يضبط متلبسا بقراءة جريدة، لافي المقهى مع جماعته من الحشرات الصلعاء، ولا وهو في الصف ينتظر صرف المعاش النحيف، ولاوهو يفر من الدائنين الكثر؟
كيف وهو الذي لم يتعرف على كاتب أوصحفي؟ كيف قرر فجأة أن يكتب يومياته؟
في كل ليلة –حسب تقرير السر الخطير- يسترخي المواطن الملعون في سريره وفي الضوء الشاحب لمصباح صغير يشرع في كتابة يومياته.
كتابة اليوميات، ترف رئاسي، غواية وإغراء فني للكتاب والشخصيات المهمة، طريقة لبقة لتقاسم نشوة القمة مع الحشرات، كل ذلك مقبول، ولكن أن يكتب المواطن الملعون يومياته ، هذا أمر لايحتمل.
قامت حالة الطوارئ في الحي بكامله، بل في كل أنحاء المدينة ، وساد هرج ومرج في الدوائر الحكومية،
الخضارفي خطر، فهو عامل المواطن الملعون بطرق تفاوتت بين الشدة واللين، مؤسسات الدولة التي قطعت عنه الماء والكهرباء لبضعة أشهر تخشى من أن تطل لعنة الظلام والعطش في يومياته، أسعد الناس حظا هو الجزار فهو لم يكن يتملى بطلعة المواطن الملعون إلا في المواسم...
في الصباح، وقبل أن تستيقظ عصافير الحي كان جمهور غفير من الناس قد احتشد مقابل بيت المواطن الملعون بتحفيز من الدوائر الحكومية، وفي لحظة خاطفة وبإشارة خفية كان الجميع يندفعون إلى الداخل بعد أن هشموا الباب المتآكل.
كان الأمر خارج السيطرة، فقد خرج الناس كل يحمل ورقة في يده ويطلق ساقيه للريح، الخضار، الجزار، بائع حلوى الأطفال، موظفون في الدوائر الحكومية...
المفاجأة التي لم يستطع أحد تفسيرها، هي أنهم لم يجدوا المواطن الملعون عند خروج الجماهير من بيته وقد تخاطفت يومياته .
هل مزقوا جسمه وفاز كل واحد بقطعة؟ هل خرج مع الناس في الزحمة؟ لاأحد يملك جوابا...
زوجة المواطن الملعون والتي نجت بأعجوبة، أقسمت أن المواطن الملعون كان يأخذ القلم ودفتر اليوميات لايوجه إليها كلمة واحدة أو لمسة واحدة ، ويلبث كذلك حتى يغالبها النوم، وعند الصباح كانت تتفحص اليوميات فلا تجد إلا تاريخ اليوم وأسفله بياض لاشيء غير البياض...