جلست أصنعه ، لم يعد في الغرفة ما يشوب ، أنا فتحت نوافذها ومسحت كلّ الخيوط التي نسجها العنكبوت في الآونة الأخيرة ووضعت الطاولة الصّقيلة في وسطها ولم أبق إلا هذا الحبر الداكن وهذا الورق الذي خشيت أن لا يحتويه لكني قدّرت أن أصنعه على مقاس معتدل موزون حتى لا أضطرّ إلى قطع العمل والبحث عن ورق آخر ولن أضمن إذاك ما ذا يحدث وما إذا سيكون الورق وفيا كالذي لديّ واللحظة هي اللحظة التي تنتابني فيها رؤاي هذه ،إذ لا بدّ إذا أتيت
محترفي هذا من أفق رحب يحتلّ كل رأسي فيه عصافير بيضاء لا مرئية وهبوب ريح يحرّك جريد نخل أراه موغلا في البعد كلّما حاولت أن أمسك به لكني مع ذلك أحسّه حاضرا حتى أنه يلامس خدّي كلّما رفعت رأسي أو أحنيتها..قلت لو كان لي زجاج وكنت من الذين يحسنون الرّسم لكنت حفرته بخيوط رقيقة ، أحبه شفافا بقامة متداخلة مع السحاب أو أني خزافة لصنعته على هيئة نورس غاضب أو على شاكلة زورق بوجه آدمي .ولكني لست من أصحاب اللّون ولا أصابع لي تتقن تشكيل الخزف الحي .
قلت أصنعه على الورق بمزاجي ، سيكون غير موغل في الطّول أخاف يوم الأحد ولا قصيرا كعمر سنونوة ، سيكون بين بين أرجوحة ممتدّة من دهشتي الأولى إلى يوم نكبتي بعد أن تعلّمت الحساب .
خمّنت في ما عسى يكون لونه ؟ كنت دائما أكره الأثواب الفاقعة الصفيقة التي تشير بأصابعها وتغمز بعيونها وحتى الأحذية كنت أنتعلها دائما متشابهة خفيفة رفيقة بالمكان لا تخدشه ولا تتغطرس عليه .سيقول قائل ، يالها امرأة تصنع الرّجال على قدر مزاجها ولا تفرّق بينهم
وبين أحذيتها .أعرف أن هذا دأبهم ولكني لا أهتم كثيرا ، لكني لست أنوي شرّا بأحد ولا أفكار مسبّقة لدي حتى أهين أحدا أو أشعره بصفاقته ولكني من كلّ ألبستي أحبّ أحذيتي فهي رفيقتي دائما فمن غيرها يحمل وقري ومن غيرها يقودني إلى وجهتي ومن غيرها يسحّب بي إذا فضت على المكان أو زاد عن حاجتي لذا فأنا دائمة الإطراق وكثيرا ما أحاور أحذيتي .
سيكون لونه باهتا متشابها كلون الأرض حتى لا يجلب انتباه أحد، لا أريد أن تخطفه مني الأبصار إن أنا جعلت جبينه بحرا أو عينيه منارتين أو جعلت شعره مرجا تعشش فيه اليعاسيب .سأنقش أصابعه بإتقان ، سأجعل مابين سبابته وإبهامه خيطا خفيا نورانيا وحدي أنا أبصره إن تكلّم أو أشار مقسما.
ربّما سأبالغ قليلا في وصف صوته ... قد أكون محتاجة إلى أوتار من كلام... ربما تكون الجمل الطويلة أقدر على الإيفاء بالغرض ، سأقول إن صوت هذا المخلوق المكتوب المفقود يوقع في ما يشبه الغدير المترع بماء القرنفل لكنه قرنفل وحشي يصيب من ينشقه بالإغماء . ثمة شيء آخر في هذا الصوت ، وأنا في الواقع محتاجة إلى كثير من التركيز والسّكينة حتى أدركه ، ربما فيه اتجاهات لكن لا وجود لأسهم أو إشارات تدلّ عليها وكلّها تؤدّي إلى دهاليز تفضي إلى ممرات سرية فيها شرفات مرفوعة على نواصي الهواء يأتي منها نسيم بارد تقشعرّ له الرّوح ويمتلكها. وفي الصّوت ثمّة دواوير ربما تشبه تلك الثقب السوداء الموجودة في الكون ولا أحد يعلم إلى أين تفضي أو لعلّها أشبه بتلك الدوائر التي نصنعها بحبّ الزعرور نلقيه في الغدير إذا نزل المطر فنظلّ نتبعها بأعيننا ولا نعلم إلى أين تمضي ؟
سأجعله مقبلا في إطراق مقمرا بحضور يتوزّع نوره بالعدل في الفضاء فتخيط النساء أثوابهنّ وتلمّ النملات قمحهنّ والصبية يعيدون ترتيب الكجّات و النظّامون يخيطون الأثواب المطرّزة دون ارتباك وضارب الودع لا يتيه عن ودعة واحدة،كلّها ينعكس عليها ضوء قمره فلا يمضي الليل إلا وكلّ يد أمسكت بأختها .
لم يبق في الورق من مساحة لأعدّ خطاويه إذا خطا وغنته إذا ضحك ومكره إذا سخر وأنا لست أرغب في استعارة ورق آخر أكمل فيه رسم تفاصيل الرسم الذي بدأت رسمه ، قلت هذا يكفي فجمال الرسم في ان لا يكتمل ويهب للناظر آفاقا أخرى ليزيد بعض التفاصيل هنا أو شيئا من الضوء هناك أو يحذف هذه الجملة أو يبدل هذه الصفة المشبّهة باسم فاعل أو أي شيء مما يتقنه صنّاع الكلام إذا كتبوا أو أصحاب الخطوط إذا رسموا .
ربما أكون نمت بعد أن أنهيت الرّسم ، الحبر نفد من القلم رغم أني لم أسهب في وصف ولا بالغت في صور ولكني شعرت بإعياء شديد كأنما ركضت أميالا أو تسلّقت صخورا وعرة أو سبحت في بركة ثقيلة الماء .قلت هكذا أبتدعه في خيالي وأعلن تفاصيله كما تمليها اللحظة فإن قرأ قارئ ولم يتمثل الرّسم أو عزف عنه لأنه لم يرقه وبدا له ثقيلا مركّبا فله أن يأخذ ورقا آخر ليصنع شخصا بمواصفات أخرى وله أن يجعله طويلا كيوم الأحد أو قصيرا كعمر سنونوة أو أن يطلي وجهه باللون الفاقع أو يجعل صوته كالكمان أو الأرغن أو حتى كصوت الطبل .
أغلقت الدفتر مقتنعة جدّا بما رسمت والحبر شحّ فألقيت القلم من النافذة وأحسستني خفيفة كبذرة متدحرجة . ناديت طفلتي وقد عوّدتني بفسحة المساء والهواء الحارّ شجعنا على التفكير في المثلّجات .
تمشينا باتجاه المقهى البعيدة وداخلني فجاة بعض الأسف فأنا لم أصف شيئا في وجهه كنت أحدسه ولا أراه لكنني لو أعطيت نفسي مزيدا من الوقت ولم أستعجل إتمام الرّسم لكنت أدركته حتما .
دخلنا المقهى وقصدت ركن المبرّدات وابنتي توقفت وقد شغلها الكلب الأ بيض ذو الشعر المنفوش وصاحبته تجرّه بسلسلة أنيقة أما أنا فقد انهمكت في قراءة ألوان المثلجات وتصوّر نكهاتها وعندما قرّرت أن أختار رفعت بصري استدعي طفلتي لتختار بدورها لمحته جالسا هناك قبالتي وأصابعه وهي تتصفّح الجريدة كانت ترسل نفس النور الذي رسمته تخمينا في المخلوق الورقي الذي كنت صنعته منذ قليل ، داخلني الارتباك وكدت أسقط وأنا أتخيله ينظر إلي ويشير بيده مسلّما .
خرجت مهرولة وأنا اجرّ ابنتي جرّا وهي لا تعلم لماذا عزفت فجأة عن اشتراء المثلّجات .
جريت إلى الدفتر أقلبه ... كلّ الصفحات كانت بيضاء إلا واحدة كانت تحمل آثار أقدام .
وبين أحذيتها .أعرف أن هذا دأبهم ولكني لا أهتم كثيرا ، لكني لست أنوي شرّا بأحد ولا أفكار مسبّقة لدي حتى أهين أحدا أو أشعره بصفاقته ولكني من كلّ ألبستي أحبّ أحذيتي فهي رفيقتي دائما فمن غيرها يحمل وقري ومن غيرها يقودني إلى وجهتي ومن غيرها يسحّب بي إذا فضت على المكان أو زاد عن حاجتي لذا فأنا دائمة الإطراق وكثيرا ما أحاور أحذيتي .
سيكون لونه باهتا متشابها كلون الأرض حتى لا يجلب انتباه أحد، لا أريد أن تخطفه مني الأبصار إن أنا جعلت جبينه بحرا أو عينيه منارتين أو جعلت شعره مرجا تعشش فيه اليعاسيب .سأنقش أصابعه بإتقان ، سأجعل مابين سبابته وإبهامه خيطا خفيا نورانيا وحدي أنا أبصره إن تكلّم أو أشار مقسما.
ربّما سأبالغ قليلا في وصف صوته ... قد أكون محتاجة إلى أوتار من كلام... ربما تكون الجمل الطويلة أقدر على الإيفاء بالغرض ، سأقول إن صوت هذا المخلوق المكتوب المفقود يوقع في ما يشبه الغدير المترع بماء القرنفل لكنه قرنفل وحشي يصيب من ينشقه بالإغماء . ثمة شيء آخر في هذا الصوت ، وأنا في الواقع محتاجة إلى كثير من التركيز والسّكينة حتى أدركه ، ربما فيه اتجاهات لكن لا وجود لأسهم أو إشارات تدلّ عليها وكلّها تؤدّي إلى دهاليز تفضي إلى ممرات سرية فيها شرفات مرفوعة على نواصي الهواء يأتي منها نسيم بارد تقشعرّ له الرّوح ويمتلكها. وفي الصّوت ثمّة دواوير ربما تشبه تلك الثقب السوداء الموجودة في الكون ولا أحد يعلم إلى أين تفضي أو لعلّها أشبه بتلك الدوائر التي نصنعها بحبّ الزعرور نلقيه في الغدير إذا نزل المطر فنظلّ نتبعها بأعيننا ولا نعلم إلى أين تمضي ؟
سأجعله مقبلا في إطراق مقمرا بحضور يتوزّع نوره بالعدل في الفضاء فتخيط النساء أثوابهنّ وتلمّ النملات قمحهنّ والصبية يعيدون ترتيب الكجّات و النظّامون يخيطون الأثواب المطرّزة دون ارتباك وضارب الودع لا يتيه عن ودعة واحدة،كلّها ينعكس عليها ضوء قمره فلا يمضي الليل إلا وكلّ يد أمسكت بأختها .
لم يبق في الورق من مساحة لأعدّ خطاويه إذا خطا وغنته إذا ضحك ومكره إذا سخر وأنا لست أرغب في استعارة ورق آخر أكمل فيه رسم تفاصيل الرسم الذي بدأت رسمه ، قلت هذا يكفي فجمال الرسم في ان لا يكتمل ويهب للناظر آفاقا أخرى ليزيد بعض التفاصيل هنا أو شيئا من الضوء هناك أو يحذف هذه الجملة أو يبدل هذه الصفة المشبّهة باسم فاعل أو أي شيء مما يتقنه صنّاع الكلام إذا كتبوا أو أصحاب الخطوط إذا رسموا .
ربما أكون نمت بعد أن أنهيت الرّسم ، الحبر نفد من القلم رغم أني لم أسهب في وصف ولا بالغت في صور ولكني شعرت بإعياء شديد كأنما ركضت أميالا أو تسلّقت صخورا وعرة أو سبحت في بركة ثقيلة الماء .قلت هكذا أبتدعه في خيالي وأعلن تفاصيله كما تمليها اللحظة فإن قرأ قارئ ولم يتمثل الرّسم أو عزف عنه لأنه لم يرقه وبدا له ثقيلا مركّبا فله أن يأخذ ورقا آخر ليصنع شخصا بمواصفات أخرى وله أن يجعله طويلا كيوم الأحد أو قصيرا كعمر سنونوة أو أن يطلي وجهه باللون الفاقع أو يجعل صوته كالكمان أو الأرغن أو حتى كصوت الطبل .
أغلقت الدفتر مقتنعة جدّا بما رسمت والحبر شحّ فألقيت القلم من النافذة وأحسستني خفيفة كبذرة متدحرجة . ناديت طفلتي وقد عوّدتني بفسحة المساء والهواء الحارّ شجعنا على التفكير في المثلّجات .
تمشينا باتجاه المقهى البعيدة وداخلني فجاة بعض الأسف فأنا لم أصف شيئا في وجهه كنت أحدسه ولا أراه لكنني لو أعطيت نفسي مزيدا من الوقت ولم أستعجل إتمام الرّسم لكنت أدركته حتما .
دخلنا المقهى وقصدت ركن المبرّدات وابنتي توقفت وقد شغلها الكلب الأ بيض ذو الشعر المنفوش وصاحبته تجرّه بسلسلة أنيقة أما أنا فقد انهمكت في قراءة ألوان المثلجات وتصوّر نكهاتها وعندما قرّرت أن أختار رفعت بصري استدعي طفلتي لتختار بدورها لمحته جالسا هناك قبالتي وأصابعه وهي تتصفّح الجريدة كانت ترسل نفس النور الذي رسمته تخمينا في المخلوق الورقي الذي كنت صنعته منذ قليل ، داخلني الارتباك وكدت أسقط وأنا أتخيله ينظر إلي ويشير بيده مسلّما .
خرجت مهرولة وأنا اجرّ ابنتي جرّا وهي لا تعلم لماذا عزفت فجأة عن اشتراء المثلّجات .
جريت إلى الدفتر أقلبه ... كلّ الصفحات كانت بيضاء إلا واحدة كانت تحمل آثار أقدام .