يرتسم القاص المغربي حسن برطال، لكتابته القصصية القصيرة جدا طقسية نمذجية، محكمة التحبيك مبنى ومعنى، فهو في استرسالها يُمعن في تمثل توسيماتها الجنسية البلاغية والدلالية والتركيبية، وصياغة لكينونتها السردية من البنى الحكائية، ما يوائم متصوراتها المجردة.
فهو كلما اختط كتابة قصصية، تجده يحرص على أن يقتفي في سياقها، هذا النسق النمذجي المغلق، مما يجعله في مختلف مجاميعه القصصية، يركن إلى كتابة لازمة لا تتعدى حدودها، حتى تظل محايثة لمدار فلكها الجنسي الآسر، حيث يُقصّر حجمها، ويُقتصد في ألفاظها التصريحية، ويُسرّع إيقاعها السردي، وتُقلص بناها الحكائية، وتُحبك على قلتها وفق حبكة موجزة، تفضي إلى مفارقة تشف عن معنى مفارق مباشر، يحتل لدى القاص دون سواه كل آليات تفكيره القصصي، ذلك أنه عمدة هذا القص النثري حسب ما أكده في ملتقيات عدة.
إن هاته الكتابة القصصية، إذ تظل قيد النمذجي الذي تستوحي منه ماهيتها القبلية التي تدل عليها، تتجرد من الحركية الإبداعية، وتفتقد حرية إبداع الصيغ التعبيرية، التي تستجيب لمنطق الصيرورة الزمنية، ودينامية الاختلاف في التبصر بالوجود. إنها كتابة تقصر ذاتها على وصف الأدب والتحدث عنه بدل التحدث معه، لذا فهي تغفل عن حقيقة جوهرية من حقائق القصة القصيرة جدا، وهي أنها ما كان لها لتكون، لولا أن الأدب العالمي قد آمن بمطاوعتها المراد للتحاور مع الأدب وتحريكه، واستثارة أسئلته الملفوظية والتلفظية، والقول بالحرية الإبداعية التي تؤمن بأسبقية الوجود عن الماهية، وبالحوار بين مختلف الأشكال التعبيرية، وبعدم تطابق التفكير والتعبير عنه، وبكون الفهم عملية جدلية لبناء معنى المعنى، وبالتفاعل بين المشروع الأدبي والمشروع التاريخي.
إن الكتابة القصصية للقاص حسن برطال، إذ ترتد دوما إلى أفق جنسها، حتى تستقي منه ماهيتها وشرعية وجودها، تكون لهذا الارتداد تأثيرات على أسلوبها القصصي، وحتى نكون على بينة من هاته التأثيرات، سنستجلي في ما يلي حيثيات اشتغالها، اعتمادا على المجموعة القصصية المعنونة ب: "أحد عشر كوكبا"[i]، وذلك من منطلق افتراض لغويا أسلوبَ الكتابة القصصية، هو فن انتقاء الألفاظ ونظمها.
وستكون المقاربة في هذا السياق، تتحرك على محورين لغويين متعامدين، يكشفان اشتغال هذا الأسلوب، ومدى تأثره باستراتيجية الكتابة:
أولهما عمودي، يتمثل في محور العلاقات الاستبدالية، التي تنشأ في نطاق التصور الكامن للغة، بين ألفاظ لها طواعية الاستبدال فيما بينها، إنه محور يرتهن بعلاقات غيابية، تقام بين ألفاظ تنتقى تبعا "لمبدإ الانتقاء الاحتمالي"، قبل أن تسقط على المحور التأليفي الموالي، وتتركب على الأنسجة اللغوية، في منظومة بنائية متناسقة.
وثانيهما أفقي، يتمثل في محور العلاقات التأليفية، التي تنشأ عن تآلفات تجاورية نسقية، بين الألفاظ المنتقاة التي يترجم بها القاص تصوراته الذهنية، إنه محور يرتهن بعلاقات حضورية، تقام بين الألفاظ تبعا ل"مبدإ التأليف الاحتمالي"، الذي تتآلف وفقه الدوال، حتى تأتي بمداليلها على شاكلة تراكيب لغوية، وتراكبات دالة على إمكانات دلالية، وتوسيمات جنسية.
إن تحرك المقاربة في علاقتها بهذين المحورين، سيتجه أولا إلى الألفاظ، التي قد تبعثنا بين الآونة والأخرى على استحضار نظمها، الذي سيبعثنا بدوره أثناء مقاربته على استحضارها، ذلك أن الفصل بين المستويات اللغوية: الصوتي منها، والمعجمي، والتركيبي، والدلالي، مجرد فصل إجرائي منهجي.
إن بنية اللغة في علاقتها بالفكر، تكشف في ذهن القاص على مستوى محور العلاقات الاستبدالية، عن رصيد معجمي، فينتقي من ألفاظه، التي لها طواعية الاستبدال فيما بينها، ألفاظا تستجيب لحبكاته القصصية، وتأليفاتها، ولعل ما يستثيرنا إزاء هذا الانتقاء، هو كون القاص حين يأتي بما ارتضاه من الدوال، يخضعها في علاقاتها بمداليلها لمنطق الاقتصاد اللغوي، دون أن يبلغ بها درجة الإيجاز، الذي يدل على قلة الألفاظ مع التكثيف الدلالي والإيحائي.
الميت الحي
أعطاه صورا لأناس ماتوا شنقا أو رميا بالرصاص
وطلب منه أن يختار طريقة موته.. فأشار إلى صاحب
المسذس والحبل، فهو الميت أما الشهداء فهم أحياء. ص:5.
وكأنه بهذا يقيس البنية اللفظية، التي ستكون بها البنية الدلالية، ونظامها ونسقها التأليفي على مقاس القصة القصيرة جدا، ويكيفها ويطوعها للسردي ومعاييره المتحكمة في العالم القصصي، بينما هو يتفادى الإخلال بمبدإ المحايثة الجنسية، الذي تنتظم بمقتضاه الكتابة القصصية.
إن الناظر عن كثب في شأن الألفاظ التي يرتئيها القاص، يجدها ترتسم لنفسها لوحة من فن القول الشفاف، الذي يشف بيسر عن الواقعي والمعيش، ويوقع القارئ في شراك "وهم مرجعي"، إلا أنها رغم شفافيتها يسعى القاص إلى أن لا يطابق أفق كتابتها أفق توقعات قراءتها، وذلك حتى تكون مدهشة.
إلا أن الكتابة تظل رغم هذا المنحى قيد التفرد الدلالي، الذي يجعلها لا تقبل أكثر من قراءة واحدة، ولا تعطي أكثر من نفسها.
إن هذا التفرد الدلالي تتبين لنا صرامته، إذ يلتزم القاص به، وهو يسقط محور الانتقاء أو العلاقات الاستبدالية، على محور التأليف أو العلاقات الركنية، أي حين يستبدل الألفاظ الحقيقية بالألفاظ المجازية، ويصوغ الأسلوب صياغة استعارية، كما يتبين في القصة القصيرة جدا التالية:
رالي الموت / الحياة
قلبي لم يقو على مجاراة قلبها في هذه المنعرجات
(صعودا وهبوطا) عبر هذه القمم... ولما أشرت إليه
بالانسحاب والخروج من السباق، اختار الخط (المستقيم)
والطريق المستوية وارتاح../ (ص:18).
فالألفاظ هنا رغم أنها تنتظم على شاكلة صور شعرية، أي تنتظم وفق توتر أو تنافر دلالي بين المسند والمسند إليه، فهي تُرضخ القارئ إلى جاهزية المعنى، الذي تشف عنه الأسطر بيسر، حتى أننا يمكن أن نختزله في العبارة التالية: رجل تقي يأبى مسايرة امرأة في نزوات قلبها، لذا فهي ألفاظ تُفرغ ذاتُها من الإيحاءات، وتطمس بياضاتها الدلالية، التي تعدد المعاني واحتمالاتها التأويلية، فشأن الاستعارات المترتبة عنها هنا، كشأن تلك الاستعارات التداولية، التي تلابس النسق الاعتيادي العرفي، لاشتغال الفكر واللغة ومفهمة الواقعي، لذا فهي لا تتطلب من المتلقي كفاءة تأويلية.
ولعل الناظر عن كثب إلى منظومة الألفاظ التي استلهما القاص من مخزونه المعجمي، واعتمدها في صميم المقامات القصصية، يجدها ألفاظا ذات سجلات لغوية متنوعة المرجعيات، فهناك ألفاظ عربية فصيحة مهيمنة، وهناك ألفاظ تتوالج معها في سياقات نصية عدة، وهي ألفاظ مقترضة، مثل: رالي، الرادار، الكولف، ريشتر، الطرامواي، الفيسبوك، السيروتونين، الجغرافيا، السانديك، السطرنج، البون، أوألفاظ أعجمية صيغت بلغتها الأصلية، مثل:bouche-à-bouche، j’aime، blocage، golfe ...أوألفاظ عامية: دجاجة بكامونها، ولد باب الله، رجْل هنا ورجل هناك، عود الريح... إن هذا التنويع في السجلات اللغوية المتعددة المرجعيات الواقعية، مترتب عن استراتيجية يرتسمها القاص لكتابته، وهي استراتيجية الاستيقاع، التي اصطلح مصطلحها الناقد المغربي رشيد بنحدو، قاصدا به: "التماس النص للواقع العيني من خلال إفادات، تثبت مضارعته للحقيقة"[ii]، إنها استراتيجة نصية تبعث الكتابة على استيحاء الواقعي بشتى حيثياته، ومحاولة ترجمته لفظيا، وإنتاجه على الورق بدقة متناهية، تكفل لها معادلته أو مضاهاته، والإيهام به حكيا، وإيقاع القارئ في شراك وهم مرجعي، وبالتالي الدلالة على الانتساب إلى جمالية واقعية، تبلغ درجتها القصوى حين تشف بواسطة قرائن نصية عن مفارقة ذات بعد واقعي.
ولعل الناظر عن كثب في شأن ألفاظ العناوين، يجدها هي الأخرى مترتبة عن هاته الاستراتيجية، لذا لا غرو إن أتت ذات شفافية ومباشرية واضحتين، لا تتطلب من القارئ كفاية تفكيكية وتأويلية خاصة، ولعل من أمثلتها العناوين التالية: محسن، المياه الجوفية، ضربة إرسال قوية، بورصة القيم، محكمة الأسرة، نشرة إنذارية، مستودع الملابس، أحلاهما مر، حلم يتحقق، عامل النظافة، ماء غير صالح للشرب، العنف ضد الأصول، الحياة المدرسية، التاريخ الهجري، المسيرة القرآنية، المفيد في الجغرافيا، قانون السير... إنها عناوين ذات شحنات دلالية واقعية، وهي تمتثل بشكل جلي للقرائن الشائعة في العرف اللغوي المتداول، وتضطلع بوظيفة مرجعية.
إلا أن العنوان الجامع: "أحد عشر كوكبا"، الذي عنون به القاص مجموعته القصصية، انزاح عن هذا المنحى الواقعي في اختيار الألفاظ، إذ اقتبسه من سورة يوسف القرآنية، أي من تلك الرؤيا الحلمية التي تضمنها قوله تعالى: "إذ قال يوسف لأبيه: يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين"[iii]. ولعله بعنوانه المقتبس الذي يلم بكل النصوص، يود أن يؤشر رمزيا على واقع المفارقة الصارخة، التي تراهن عليها النصوص، فتبدو كالسلك الناقل لشحناتها القصصية، كما يود أن يقيم مع القارئ ميثاق قراءة، يبعثه على تعقب المقروء بوصفه شبكة علاقات دلالية، وبلاغية، وتركيبية متجانسة، والنظر إلى النصوص القصصية في تشكلاتها وانتظاماتها بوصفها منفتحة على بعضها البعض، ومتوالجة، ومتقاطعة، ومتناسقة، ومتواصلة في دلالتها على الواقعي، وبالتالي إقامة المقروء على رؤيا مستقبلية، تبعث على تجاوز ما هو كائن، والنظر إلى ما ينبغي أن يكون. ويبقى القصد من هذا المنحى الاقتباسي إقامة وصل وتواصل مع الواقعي، اعتمادا على تلك الاستراتيجية الاستيقاعية، وهذا دون الارتقاء إلى مستوى الخيال أو بالأحرى الاستخيال، ذلك أن عنوان-الرؤيا ظل في علاقته بالسياق النصي، قيد الإيحاء بمفارقاته الواقعية، وإن حاول بمعزل عن هذا السياق أن يحمل بشرى التغيير.
ونحن نتبصر في أمر الألفاظ المنتقاة على مستوى محور العلاقات الاستبدالية، لا نجد بدا من استجلاء بين الآونة والأخرى، ما يتعلق بتآلفاتها على مستوى محور العلاقات الركنية، ذلك أنهما مستويان متعالقان أشد التعالق، وإذا كنا قد رجحنا مستوى الألفاظ فيما سبق، فإننا فيما سيأتي سنرجح مستوى التأليف.
إن هذا المستوى يبدي النصوص القصصية، في تشكلها وانتظامها، مزدوجة في جملها اللغوية، فمنها من جهة النصوص ذات الوتيرة السردية السريعة، التي تهيمن عليها الجمل البسيطة:
الطرامواي
يقفون أمام الآلة، يكلمونها رمزا.. تقبض الثمن،
تسلمهم التذاكر.. ولما حضر ثعبان آلي وابتلع شعبا آليا
أدركت أني لست منهم، فتركت المدينة
وعدت إلى الكهف../ (ص:52).
ومنها من جهة أخرى النصوص ذات الوتيرة السردية البطيئة، التي تهيمن عليها الجمل المركبة، التي لا تفي بقصدها الدلالي، إلا إذا ما استوفينا قراءتها، أو قراءة النص بأكمله:
أولى القُبلتين
الرجل الذي طلق زوجته الثالثة (ثالث الحرمين)،
لازال باب بيته يحمل لوحة معدنية كُتب عليها:
- عباس وحرمه../ (ص:36).
إن الجمل سواء كانت بسيطة أو مركبة، تأتلف دلاليا في النسيج القصصي، معتمدة على الاتساق الذي يهبها انسجاما، كلما تناسقت مستوياتها اللغوية صوتيا ومعجميا وتركيبيا ودلاليا، وحتى نكون على بينة منه نورد النص القصصي التالي:
مباراة افتتاحية
العروس والعريس، كل واحد منهما رفض
اللعب في ملعب الآخر.. الأسرتان تتفقان
على الملعب المحايد بدل مبارتي الذهاب والإياب../ (ص:79)
فالاتساق هنا يتجلى على المستوى الصوتي، في اشتغال اللغة وفق تشكيلات إيقاعية، تتمثل في ترجيعات صوتية ناتجة عن أصوات متشابهة: (الباب، والراء، والعين)، أو متجانسة: (العروس والعريس)، أو ممدودة، كما في: (الأسرتان تتفقان)، وهي ترجيعات تحقق في سياقها النصي تناسبات صوتية، توحي بتناسق الكلمات والجمل والعبارات في وحدة نصية متلاحمة البنى.
كما نعاين الاتساق على المستوى المعجمي في انتظام اللغة، وفق مبدإ تنظيمي يتمثل في طيمة محورية، ينشد إلى دلالتها حقل معجمي لكلمات متسقة، في إحالتها على موضوع مشترك، كما ينتج عن منسقات معجمية أخرى، كالتكرار التطابقي (الملعب)، أوالطباقي (الذهاب والإياب)، وربط الجزء بالكل، أو الكل بالجزء (الأسرتان في علاقتهما بالعروس والعريس)، وهي تناسقات التضام اللغوي.
أما على المستوى التركيبي، فيترتب الاتساق عن الوصل، أي ربط اللاحق بالسابق من المقول القصصي، وتحقيق تلاحم وتناسق بينهما، اعتمادا على حروف العطف النسقي، التي تُعتمد بشكل لافت في النصوص، وكذلك مختلف الروابط اللغوية، والضمائر الإسنادية.
في حين يجد المستوى الدلالي منسقاته، في العنوان الذي يدل على وحدة موضوعية، ينتظم وفقها النص، وفي الإحالات الدلالية، التي هي صلة وصل بين محيل، تدل عليه ضمائر لغوية ومحال عليه، يتمثل في: العروس والعريس، وهي إحالة قد تعتمد أيضا على أسماء الإشارة، والأسماء الموصولة، ولعل أبين اتساق يتبين هنا في التحبيك القصصي، أي إحكام القص، حتى يؤول بشكل غير متوقع إلى مفارقة.
ويكون القصد من الاتساق الذي يقتفيه القاص في تأليفه، تدبير حد أدنى من الألفاظ تدبيرا نسقيا محكما في تسريد البنى السردية، وتكثيف الدلالة.
إلا أن التكثيف هنا وكما تعتمله النصوص القصصية: "أحد عشر كوكبا"، لايشرع الألفاظ على دلالات متعددة مساوقة لها، وإنما يوصدها على دلالة واحدة محايثة لها، كما في النص السابق، لهذا فهو في سياقه النصي يعتبر تكثيفا تركيبيا قد يرادف الاختزال، خاصة وأن القاص يتفادى الإسهاب في الوصف، والتكرار اللفظي والمعنوي، ويقلص السرد، ويسرع إيقاعه، ويلغي السببية، ويدمج نقط الحذف... كما أنه يستهدف وحدة موضوعية مغلقة على مفارقة تثير الإدهاش، دون أن تستثير المخيلة والاحتمالات التأويلية .
إن هاته الغاية الكتابية لا يحيد عنها القاص، وإن بدت قصصه وكأنها منفتحة، تتناص مع نصوص أخرى، كما يتبين عند قراءة النص القصصي التالي الذي يتناص مع قصة حي بن يقظان :
حي بن قضبان
ولد في السجن وعاش فيه.. ولما أطلقوا سراحه لم يتأقلم مع زنزانته الجديدة../ (ص:32).
فرغم أن القاص اعتمد على سخرية التلاعب اللفظي، وأقام مسافة بين الشخصية الفلسفية التي تقرن المعرفة باليقظة، والشخصية التي تقرنها بالسجن، ظل قيد دلالة تصريحية مباشرة، تشير إلى شخصية لم تتمكن من الاندماج الواقعي بعدما خرجت من السجن، فاعتبرت واقعها المعيش زنزانة، ولعل القاص بهاته الدلالة المحايثة، لم ينتقل من مستوى الاستيقاع إلى مستوى الاستخيال، فهذا ما نلمسه من خلال قراءتنا لنصوصه المتناصة مع نصوص أخرى: الله يرانا، مستودع الملابس (حصان طروادة)، إبراهيم الخليل، الروح الرياضية، حورية البحر، المسيرة القرآنية، (المهاجر) السري، طواف تاريخي، نعجة السيد سوغان، حي ابن يقظان...
فهو ضمنها لا يستحضر نصا قصد التحاور معه، وإنما يستحضره قصد استجلاء قصد دلالي، وإعطاء جمالية لقصه في إطار اشتراطاته الجنسية.
إن القصص القصيرة جدا، التي توالت في مجموعة "أحد عشر كوكبا"، تنبني من حيث كيفية اعتمالها الأسلوبي على مستويي العلاقات الاستبدالية والتأليفية، وفق المبادئ التالية:
أولا، مبدأ المحايثة الجنسية، الذي تنتظم بمقتضاه الكتابة القصصية، وفق ترسيمة جنسها الأدبي، مترسمة ثوابتها دون أن تحيد عنها، أو تنشرع عن قصد على ترسيمة جنس أدبي آخر، وتبعا لهذا المبدأ تمتثل الكتابة لآقتضاءات جاهزة، وتحصر في حيز محدود من الآنية والتواجد، كما لوكانت كائنا سكونيا ثابتا.
ثانيا، مبدأ تطابق التفكير والتعبير عنه، الذي ينجم عنه القول، بكون الحقيقة تكمن في تقريرية الكتابة، وشفافيتها، وإحاليتها، وبكون الفهم عملية طوعية، لتلقي المعنى المتشكل سلفا داخل النص، وليس عملية جدلية لبناء هذا المعنى، او بالأحرى بناء معنى المعنى.
ثالثا، مبدأ المحاكاة الذي يبعث القاص على استيحاء الواقع، ومحاولة ترجمته بكلمات معدودة، ذات معان اصطلاحية تصريحية،لا تلبث أن تفضي به في سياقها النصي إلى مفارقة واقعية.
رابعا، مبدأ التناسق والانسجام، الذي تبدو بموجبه البنية اللغوية السردية للقصة القصيرة جدا، متسقة صوتيا ومعجميا وتركيبيا ودلاليا، ومتحابكة النسيج السردي الأحادي البعد الدلالي، بشكل يجعلها حصيلة "كُلٍّ"، لا يعطي أكثر من نفسه، ولا يستتيح إمكانية استخراج من صلبه كتابة تأويلية مغايرة.
وإذ يرسى أسلوب الكتابة في: "أحد عشر كوكبا" على هاته المبادئ الناظمة، يبدو نتاج أدبية التطابق، التي تنتفي عنها ديمومة الوجود وحركيته.
هوامش
[i].حسن برطال، أحد عشر كوكبا، مطبعة وراقة بلال، فاس، 2019.
[ii]. رشيد بنحدو، جمالية البين - بين في الرواية العربية، منشورات نادي الكتاب بالمغرب، مطبعة الكتاب، فاس، 2011، ص: 66.
[iii]. الآية الرابعة من سورة يوسف ضمن سور القرآن الكريم.