- تقديم
نحاول في هذه الورقة تقديمَ ملخصٍ شاملٍ لأبرز المضامين الفكرية الواردة في كتابِ "البروباغندا الصّامتة: التلفزة والجماهير"، للباحث الإسباني "إكناسيو راموني". فقد نذر هذا الباحث جزءاً كبيراً من مساره البحثي لدراسة قضايا الصحافة والإعلام والسينما. وهذا ليس زعماً باطلاً؛ فالرجل اشتغل، ردحاً من الزّمن، مديراً لجريدة العالم الديبلوماسي. كما أنه درّس في أكبر المعاهد والمدارس العالمية، ومن بينها المدرسة المولوية بالرباط؛ حيث كان من أبرز أساتذة جلالة الملك محمد السادس. له مؤلفات كثيرة نذكر منها على سبيل المثال: "الجغرافيا السياسية للفوضى"، "علكة العيون"، "فيدل كاسترو: سيرة ذاتية بصوتين"، ثم كتاب " البروباغندا الصّامتة: "التلفزة والجماهير" الذي نحن بصدد جرد مفاصله الكبرى ومناقشتها.
- مضامين الكتاب ودلالاتها
يقف الباحث في بداية كتابه عند خطورة الصور الــمُبرمجة. تكمن خطورة هذه الصور في طاقتها على الاختفاء والمباغتة. فهي صورٌ لا تتقصد وعي المشاهدِ، بل تتجه، منزلقة، نحو لا وعيه. إنّها لا تخاطب عقلا يعي ويدركُ ويحللُ بل تستهدف وعياً نائماً؛ يوفر لها إمكان تفريخ عددٍ كبير من الاستيهامات والرغبات والحاجات الزائفة. يصبحُ المشاهد، في هذه اللحظة، كائنا استهلاكيًّا موجّهاً ومبرمجاً بسلوكٍ استهلاكيّ هو لا يعيه. ويعتبر "راموني" هذا الاستهداف شكلاً من أشكال استعباد الإنسان المعاصر، الذي حوّلته آليات الدعاية ووسائل الإعلام إلى حيوانٍ استهلاكي شرهٍ لا يشبع أبداً. في هذا السياق يذكر الباحث أن الولايات المتحدة الأمريكية تُجيّشُ جمعاً هائلاً من الخبراء والمفكرين المنتمين إلى مجالات معرفية مختلفة؛ بغية توسيع مجتمع الاستهلاك والتحكم في اختياراته وتوجهاته الفكرية والفنية والسياسية وغيرها. وتعتمد في كل ذلك على قوتها التكنولوجية المتمثلة أساسا في الأنترنيت الذي تحوّل إلى شبكة لا متناهية ولزجة قادرة على اقتناص ضحاياها بمكر وقوةٍ.