- تمهيد:
” لقد عارض أنصار الدارونية الاجتماعية وعلى رأسهم سبنسر فكرة كونت التي تذهب إلى أن تطبيق المعرفة العلمية يمكن أن يؤدي إلى الإسراع بالتقدم الاجتماعي. فقد شاركوه في ادعائه بأن التغير الاجتماعي عبارة عن عملية تطورية. ولكنهم أضافوا إلى ذلك، أن التغير محتوم بقوى لا تثنى ولا يمكن أن تتعدل بالفعل الإنساني وكل المحالات التي تبذل للتأثير في مجرى (النمو التطوري) لن تؤدي إلا إلى قلقلة التوازن الاجتماعي الموروث الأمر الذي يحدث أسوأ الآثار، وكان هدف العلم الاجتماعي عندهم، اكتشاف المراحل الحتمية في التطور الاجتماعي، متمثلين تشارلز داروين في تتبعه لتطور الأنواع الحيوانية “ ([1]).
يمكن اعتبار دراسة هربرت سبنسر* بعنوان " مبادئ علم الاجتماع The Principles of Sociology "([2]) التي تقع في ثلاثة مجلدات والتي نشرت سنة 1877 هي أول دراسة منهجية خُصصت لتناول قضايا التحليل في علم الاجتماع. وكان هذا الباحث أكثر تحديداً من كونت من حيث بيان الموضوعات أو الميادين التي يجب أن تحتل أهمية في التحليل السوسيولوجي في نظره.
فقد أوضح في المجلد الأول من كتاب " المبادئ " مجالات الدراسة في علم الاجتماع حيث ذكر أنه على علم الاجتماع أن يوضح لنا كيفية نشوء الوحدات والأجيال المتعاقبة، وكيفية تنظيمها بحيث تحقق التعاون المتبادل. ويمكن تلخيص المبادئ التي تقوم عليها هذه المدرسة، فيما يلي([3]):
- " يعد مفهوم التطور Evolution المفهوم الرئيسي لفهم العالم بكامله، والمبدأ الأساسي الموحد لكل العلوم، وهو القانون السامي لكل الموجودات، إنه سنة الوجود وقانونه الحاكم، فالطبيعة تتضمن أنماطاً متباينة من الحياة تخضع جميعها لعمليات من التحول والتطور المستمر "([4]).
- اعتبار علم الحياة هو الأساس الذي يقوم عليه علم الاجتماع.
- إن المبادئ الحيوية يجب أن يكون لها اعتبارها عند تفسير الظاهرة الاجتماعية.
- إن المجتمع الإنساني وحدة حية تختلف عن كونها مجرد مجموعة من الأفراد المنعزلين.
- لما كان أفراد المجتمع يخضعون للقوانين البيولوجية فإن المجتمع الإنساني بذلك لا يخرج عن كونه كائناً عضوياً.
- لما كان المجتمع الإنساني كأي كائن عضوي يتكون من خلايا حية، (الأفراد) أصبح المجتمع بذلك كالكائن العضوي في تركيبه وأعضائه ووظائفه.
- التطور الاجتماعي للإنسان استمراراً للتطور الذي يسميه (ما فوق العضوي) للحيوان، وهذا الأخير ليس إلا استمراراً لعملية التطور العضوي.