مقدمة :
كثيرة هي النظريات التي تعد الاختلاف ظاهرة صحية في الحياة المجتمعية. وفعلا فإن طبيعة تكون المجتمع، وتشعب مناحي المعرفة التي يمتح منها الأفراد توجهاتهم السياسية والثقافية والتربوية والاقتصادية، كل ذلك يستتبع مجموعة من القضايا الخلافية التي تحصل بين الأحزاب بقدر ما تحصل بين الأفراد أو بين الفرد والجماعة التي ينتمي إليها أو يجد نفسه متورطا فيها. ومن هنا تصدر إشكالية معروفة تتمثل في كيفية تدبير علاقات الاختلاف في سياق وضعية يطبعها اختلاف العلاقات ؟ ! كيف يمكن إذن، لأطراف متعارضة في التصور والتمثل ونظام الفكر أن تتواصل وتناقش وتتفاهم؟
سنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة انطلاقا من الدرس الفلسفي والسوسيوبنائي الذي نستخلصه من بعض المفاهيم الأساسية التي يستعملها "هابرماس" في كتاباته المختلفة. ويشفع لهذا الاختيار نزوعنا إلى تعرف الفكر الهابرماسي في بعض جوانبه الحداثية والديمقراطية. وذلك من أجل استثماره المفترض في تدبير ما يحدث بيننا من اختلافات سياسية وثقافية ودينية.
1-هابرماس : الولادة والفكر
ولد يورغن هابرماس (Jûrgen Habermas) في مدينة دوسلدورف بألمانيا عام 1929. درس الفلسفة وعلم النفس والأدب والاقتصاد والتاريخ في غوتينجن وزيوريخ وبون وهو في سن العشرين. وفي سنة 1954 حصل على شهادة الدكتوراه في موضوع حول الفيلسوف الألماني شلينغ shelling ، ثم أصبح أستاذا مساعدا لأدورنو Adorno وهو لايزال شابا. وفي سنة 1964 أصبح أستاذا للفلسفة وعلم الاجتماع بجامعة فرنكفورت التي بقي فيها كأستاذ شرفي بعد تقاعده سنة 1994.
قرأ هابرماس لفلاسفة ومفكرين عدة أمثال : كانط، وهيجل، وماركس، وفيبر، ودوركايم. ويعد حاليا الوريث الشرعي لمدرسة فرانكفورت أو مدرسة النقد الجديد. لقد تشرب أفكارها وتأثر بروادها كأدورنو وهوركهايمر وماركوز؛ كما واجه هابرماس هانس جورج غادامير، وألبرت، وأرندت، وبوبر.