” يعبّر الخيال السوسيولوجي عن إطار تصويري وأداة تحليلية من أجل إدراك البناء الاجتماعي باعتباره حقيقة تاريخية قائمة بذاتها يمكن تجزئها إلى مجموعة من الأنساق الفرعية وتدرس في علاقتها بالبناء الكلي، فالباحث السوسيولوجي هو جزء من المجتمع الذي يدرسه وحياته لا تنفصل عن موضوع بحثه ومن هذا المنطلق فهو يحتاج إلى الخيال السوسيولوجي لكي يتفهم حياته من خلال الظروف الاجتماعية المحيطة به، بل وأكثر من ذلك فيجب على كل إنسان أن يتحلى ويتصف بهذه الأداة من أجل تخطي عقبة الوعي الزائف التي قد يقع فيها في مختلف مراحل حياته الاجتماعية “ (عالم الاجتماع الراديكالي الأمريكي ﺗﺸﺎﺭﻟﺰ رايت ميلز 1916/1962).
- تمهيد: يعتبر رايت ميلز الأب الروحي للاتجاه الراديكالي في علم الاجتماع المعاصر، فقد استوعب التراث الفلسفي الأوروبي- الأمريكي خصوصاً الفلسفة البراجماتية (النفعية)، التي كانت تعتبر أحد أهم التيارات الفلسفية الهامة في الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت([1]). نُظر إلى ميلز باعتباره واحداً من أهم مؤسسي النزعة الراديكالية في علم الاجتماع الحديث، ليس بسبب أفكاره الناقدة للتراث السوسيولوجي المحافظ والتقليدي فقط، بل بسبب تبنيه لوجهة نظر راديكالية ملتزمة([2]).
ظهر ميلز في إطار شامل من الحركات اليسارية الجديدة التي ظهرت في بلدان عديدة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انتشرت موجة عارمة من النقد الاجتماعي، تمثلت بحركات الشباب والطلبة 1968، التي عمّت أرجاء العالم الغربي بأكمله([3]). لذا يمكن اعتباره رمزاً لمعارضة راديكالية لكل الممارسات السوسيولوجية التي ظهرت خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين المنصرم، وبهذا أصبح ميلز جزءاً من تاريخ الفكر الاجتماعي الغربي، لأنه شكل نقطة انقطاع هامة في مسار الفكر الاجتماعي الذي ظل أسيراً لنزعة محافظة اعتذارية تسعى للدفاع عن الأوضاع القائمة ومعارضة أية تغيرات بنائية شاملة([4]).