إشكالات المدرسة السلفية في الفكر الاسلامي الحديث : الإمام محمد عبده نموذجا ـ عبد الحق علالي

تعريف السلفية:
يعرف محمد عابد الجابري( السلفية بأنها نوع من المقاومة الذاتية لأمراض داخلية المنشأ) 1 ، ومن ثمة تتسع حمولة المفهوم ليشمل محاربة الاستعمار ومحاربة البدع والتقاليد الاجتماعية والدعوة للتجديد والتحديث في مجال الفكر والسياسة والاجتماع. بينما يذهب بنسالم حميش إلى معنيين للسلفية معنى عام ومعنى خاص. (فالمعنى العام للسلفية عنده  يطلق على كل دعوة إلى الاقتداء بالسلف الصالح والتمثل به في العبادات والمعاملات. والمعنى الخاص للسلفية هي الأيديولوجية الأصولية الإسلامية التي تقوم بإعادة تقويم وتنشيط ماضي السلف قصد الإجابة على حاجيات وطموحات الحاضر) 2. اما عزيز الحبابي فيقول ( يمكن النظر الى السلفية من جانبين مختلفين فهي أولا حركة تطهير ترجع الى المنابع عساها تنقي كل ما علق بالإسلام خلال تطوره من خرافات وبدع ضالة وهي ثانيا كفاح من اجل فتح باب الاجتهاد .) 3ونلاحظ من خلال التعريفات التركيز على قضيتين أساسيتين هما: إبطال التقليد وفتح باب الاجتهاد.
الإشكال الأول: المدرسة السلفية و السياسة :
كان ابن خلدون يرى ان الاشتغال بالسياسة لا يليق بالعلماء  اذ يقول : ( في ان العلماء من بني البشر ابعد عن السياسة ومذاهبها والسبب في ذلك : انهم معتادون النظر الفكري والغوص على المعاني وانتزاعها من المحسوسات وتجريدها في الذهن .)4 واثر عن محمد عبده انه قال: لعن الله السياسة ومادة ساس يسوس.
إن هاجس الخوف من الفتنة والتشاؤم تجاه جهود الاصطلاح السياسي الإسلامي إضافة إلى البحث والتنقيب في أقوال السلف وعلمائهم عن أي مرجع لأي مستجد جديد والنظر بكل ريبة وشك في كل اجتهاد لإيجاد مستند في حياة السلف دفع السلفيين على التحفظ على مجموعة من المفاهيم المتعلقة بالمشاركة السياسة كالتحفظ على الديمقراطية كمشروع سياسي ومفهوم الدولة والعلاقة بين الحاكم والمحكوم وبالتالي حصرت نفسها في الأمور السياسية في كتب الأحكام الفقهية خصوصا كتب الأحكام السلطانية. هذا النمط من التفكير جعل السلفية تحرق كافة الحواجز التاريخية وتراكماتها وتصطدم في المسرح السياسي بالقائلين بالمنطق التاريخي يقول بنسالم حميش في ذلك:( إن الخطاب الأصولي اللاتاريخي الداعي إلى التمثل بالسلف مع حرق حواجز التاريخ وتراكماته قد وجد نفسه على المسرح السياسي  في مواجهة حادة مع الخطاب القومي القائل بالمنطق التاريخي والنضال المباشر) 5.
وقد طرح هذا السؤال على الشيخ محمد عبده كيف يتسنى عمليا وموضوعيا الرجوع إلى السلف ويمكن ان تقوم  في عصرنا حكومة على غرار صورة الخلافة الراشدة؟ وقد أجاب الشيخ مفتيه على هذين السؤالين بطريقة تمزج بين مثالية دينية مجردة وحذر سياسي مفرط 6. كانت نظرته للسياسة مثالية لا تتحقق إلا بعد الإصلاح الاجتماعي والتعليمي.ومن الظواهر الغريبة في فكر الإمام حساسيته المفرطة من العمل السياسي المباشر. وفي هذا الإطار ينسب الجابري الى محمد عبده ( نوعا من اعتماد الفصل بين الدين والسياسة قوامه تأجيل العمل السياسي الى ان يتم تكوين ما يكفي من الرجال تكوينا صحيحا في الدين وغيره من علوم الوقت )7.
فعملية التعليم عنده يجب ان تتجه نحو النخب التي ستؤطر لاحقا العوام وتحكمهم سياسيا قبل الانتقال الى إرساء النظام النيابي وممارسته.
وهذا ما يفسر مهادنته للإنجليز لتنفيذ مشاريعه الاصلاحية في القضاء والتعليم . لذلك مني محمد عبده بهزيمة سياسية فاصبح لا يثق بصدق نوايا المستفتين وفقد امله في إمكانية توحيد الامة وفي إقامة اسلام السلف وعاد الى مزاولة وظيفته كمربي وداعية يقول حميش:( ففي فترة عزلته السياسية لم يعد يأمل في إمكانيات توحد الامة عبر حكوماتها ولافي إعادة إقامة اسلام السلف دنيا للامة ولا حتى في اصلاح الازهر .)8
الاشكال الثاني: المدرسة السلفية و الغرب :
لقد زهد اغلب السلفيين في الثقافة المعاصرة وتشبتوا بالموقف السلبي من الغزو الفكري والثقافي مما جعلهم بعيدين عن معطيات العصر. فكيف السبيل الى التعامل مع الغرب المستعمر المتفوق تكنولوجيا وعلميا الذي فرض نفسه على العالم الاسلامي اقتصاديا وعلميا وما طرحه هذا الزحف الاستعماري الاوروبي من تحديات؟
ان تميز الامام محمد عبده بالنظرة الشمولية الاجتهادية التي تتسع لجوانب عديدة جعله يدخل في العديد من المعارك الفكرية من اجل التجديد مع دعاة الجمود والانغلاق .فنلاحظ مثلا دعوته الى ضرورة الاخذ بالعلوم الحديثة وتشجيع النقل عن الحضارة الغربية ولومه للمسلمين على عدم تقدمهم في مجال الصناعة  وخصوصا الصناعة الحربية .يقول الحبابي :(فكرت السلفية المعاصرة في المشكلات الدينية بمعزل عن سياق التصنيع مع ان لعالم التصنيع مشاكل جديدة سيكولوجية ومجتمعية.) 9 علاوة الى دعوته الى الانفتاح على الثقافات والمعارف والعلوم الاخرى والى اصلاح التعليم وتجديد مناهجه والتعرف على ما استحدث من كشوف علمية وتقنيات تواصلية جديدة بين الافراد والجماعات والمجتمعات يقول حميش:(حقا الغرب فرض ذاته على العالم الإسلامي سلبيا بالقمع وبحد السلاح. غير انه مثل أيضا هذه القوة التي استمدت أسباب اشعاعها وانتشارها من نجاحاتها العلمية والتكنولوجية اما نحن فما يعرفنا سلبا هو تأخرنا الاقتصادي والعلمي وايجابا هي مثلنا وعظمة ديننا.)10
ان الغرب لا يسعى الى الهيمنة المادية فحسب بل الفكرية أيضا ويمكن القول ان محمد عبده لم يكتب في مطلع القرن كتابيه الإسلام والنصرانية والإسلام دين العلم والمدنية الا ليرد على انتقادات وهجمات اوروبا الاستعمارية. ولتجاوز هذه المرحلة مرحلة التخلف الاقتصادي والعلمي لابد من فرض إصلاحات ضرورية تهدف الى دمج المسلم في هويته وتنشيط النمو الاقتصادي والتقني والاختراع وتبرئة مساحة الدين والكف عن اتهام العاملين في المجتمع والسياسة.
الاشكال الثالث: المدرسة السلفية و التاريخية:
التاريخ بالنسبة للسلفية هو الإحالة الى افضل العصور اي اسلام السلف فهو المرجع والمنطلق ولابديل عنه فهو النموذج  القيم واولاها بالاقتداء والاتباع في سلوكاتنا في هذا العصر الحديث. وبالتالي فالمدرسة السلفية ترفض التاريخ وتختزله وتطمس الوقائع وتقفز على الاحداث.
يقول حميش :( ان اختزال المدرسة السلفية للتاريخ تنتهي بهم الى الاخذ بما يشكل لديهم الأصل والجوهر.) 11 ان حرق المراحل التاريخية وتراكماتها دفعهم الى عزل وتجاوز كل التأويلات المذهبية فهم يذمونها ويعتبرونها كنبت طفيلي لا كشهادات على مختلف الأزمنة والعصور التاريخية. يقول حميش:( اننا لنضعف كل إحساس تاريخي ولنستعد ذاكرتنا الاصلية ان كنا نرغب في الحياة الصادقة المثلى.)12
اما شيخنا محمد عبده يرى ان راس السلفية لا يقوم الا بإعادة طبع الحس التاريخي بمعطيات  وظروف جديدة كما كان ذلك  مع الغزالي وابن تيمية وابن حزم لذا فهو يناهض الذين يفضلون كتب الأموات على كتاب الله .
هذه النظرة التاريخية جعلت السلفيين على المستوى السياسي يدخلون في مواجهة حادة مع دعاة الخطاب القومي القائل بالمنطق التاريخي والنضال المباشر واتهام البعض لهم بتبني الفكر الانتقائي.
الاشكال الرابع: المدرسة السلفية والهوية الاسلامية:
تقع إشكالية الهوية عند السلفيين بأنهم ينظرون الى المستقبل بعيون الماضي وتتقمصون دور حماية الدين والدفاع عنه في مواجهة التحديات وضغوطات المجتمع المعاصر. وذلك بالالتزام بالعودة الى التراث باعتباره مرجعا لأي تفكير. فهم يمتلكون التقدم الروحي بلا إنجازات مادية لذا فهم خائفون من تحدي الحداثة والعولمة. فالجابري مثلا يطرح مسالة الهوية في ثنائية الأزواج الإسلام/العروبة الدين/الدولة الاصالة/المعاصرة الوحدة /التجزئة.13
اما محمد عبده فيرى ان الهوية المشتركة العميقة بين مكونات الامة ضمن القيم الإسلامية العليا كالرحمة والتعاون هي الأساس اما باقي التفاوتات المادية فهي ثانوية وعارضة ولأجل تحقيق الوحدة والادماج بين الجماهير الإسلامية لابد حسب رايه من عمل تربوي وبيداغوجي مكثف تحت رعاية حكم استبدادي. هذه الفكرة -المستبد العادل -استغلت لاحقا من طرف معارضيه وخصومه.
اما بخصوص رايه في مسالة القومية فإنها ليست طبيعية في رايه وانما هي من الملكات العارضة على الانفس ترسمها وترسخها الضرورات. وفي الإسلام استغناء الانفس عن عصبية الجنس فهو لا يناصر القوميات الا اذا انصهرت وتوحدت في حركات إسلامية. وهذا حسب معارضيه لمسالة وحدة المسلمين ينم على سوء ادراك للمشاكل الحقيقية وعن التهافت في طرحها وعن غفلة عن الواقع.
ان الحركة السلفية جزء لا يجتزئ من المجتمع فهم ملزمة على التعايش مع باقي شرائح المجتمع من قوى سياسية  وحركات لمواجهة تحديات المستقبل.

وكتبه: عبد الحق علالي بتاريخ 25/03/2015
مراجع:
1 محمد عابد الجابري الدين والدولة وتطبيق الشريعة قضايا الفكر العربي مركز دراسات الوحدة العربية ص 140
2 بنسالم حميش التشكيلات الأيديولوجية في الإسلام الاجتهادات والتاريخ ص 195
3 محمد عزيز الحبابي كتاب الشيطانية الإسلامية دار المعارف ط 2القاهرة ص 123
4 ابن خلدون مقدمة ابن خلدون دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ص560       
5 بنسالم حميش التشكيلات الأيديولوجية في الإسلام الاجتهادات والتاريخ ص 199
6 بنسالم حميش التشكيلات الأيديولوجية في الإسلام الاجتهادات والتاريخ ص 202
7 محمد عابد الجابري السلفية مشكل ام حل؟ اسلام اون لاين نت موقع الكتروني حسام تمام ملحق وجهات نظر.
8 بنسالم حميش التشكيلات الأيديولوجية في الإسلام الاجتهادات والتاريخ ص 203
9 محمد عزيز الحبابي كتاب الشيطانية الإسلامية دار المعارف ط2 ص 124
10بنسالم حميش التشكيلات الأيديولوجية في الإسلام الاجتهادات والتاريخ ص 203
11 بنسالم حميش التشكيلات الأيديولوجية في الإسلام الاجتهادات والتاريخ ص 199
 12بنسالم حميش التشكيلات الأيديولوجية في الإسلام الاجتهادات والتاريخ ص 198
13 محمد عابد الجابري إشكاليات الفكر العربي المعاصر ص 102