المدخل:
يتضمن البحث العلمي المميز الذي أنجزه الباحث الأكاديمي والكاتب السوداني الدكتور محمد محمود مقدمة قصيرة ولكنها تكشف عما يمكن أن يواجهه هذا الكتاب من المتشددين والمتطرفين والجهلة من محاولات للتشويه والإقصاء والتشكيك بكل ما هو علمي وخاضع للتحليل المادي التاريخي والمصاعب التي يواجهها البحث العلمي عموماً في هذه المرحلة التي بدت وكأنها صعود للفكر غير التنويري الغائص في الأساطير والخرافات والخزعبلات الفكرية والرافض للفكر النقدي من جهة، ويشعرنا من جهة أخرى بأهمية الخوض في مثل هذه الأبحاث مستنداً إلى الحكمة التي طرحها أبن خلدون في كتابه "المقدمة" إذ كتب ما يلي: "إنه لا يكفي أن تصف موج البحر، وظهور السفن، حين تريد أن تتكلم عن حياة البحر .. لا بد لك أن تفهم ما في القاع.. قاع البحر المليء بالغرائب والتيارات والوحوش… وقاع السفينة حيث يجلس عبيد وملاحون إلى المجاديف أياماً كاملةً، يدفعون بسواعدهم بضائع تحملها السفن، وثروات وركاباً .. وينزفون عرقاً، وتتمزق أجسامهم تحت السياط.. أجل، ينبغي أن تعطيني صورة كاملة، عندما تريد أن تقنعني بأمر من الأمور". ثم يضيف الدكتور محمد محمود مسألة مهمة جداً تمس استقلالية وجدية البحث العلمي حين يؤكد ضرورة رفع القدسية عن كل شيء حين يراد التعمق حتى القاع في البحث العلمي بهدف الوصول إلى الحقائق الصلدة وليس برؤية مسبقة، ولكن بافتراضات علمية يسعى البحث للتيقن منها أو رفضها، أي البحث بهدف الوصول إلى الاستنتاجات العلمية التي يصعب دحضها من خلال إيراد الأساطير التي تناقلتها المجتمعات البشرية منذ العهود السومرية والأكدية والآشورية والكلدانية وعموماً البابلية أو الفرعونية أو غيرها كالتوراة والإنجيل والتلمود والمدراش ...الخ والمسطرة من جديد وبصيغ وأساليب أخرى في القرآن.
ماذا عن الخضوع الأعمى للإستبداد في المسيحيّة؟ ـ فتحي الحبّوبي
منذ سنوات قليلة، وعلى إثر ارتداده عن الإسلام وتعميده على يد البابا بشكل علني وبدعاية كبيرة من الفاتيكان واعتباره موضع ترحيب في الكنيسة، كتب الصحفي المصري "مجدي علّام "المعتنق حديثا للمسيحيّة آنذاك" مقالا تهجّم فيه عن الإسلام وقال فيه فيما قال: "إنّ جذور الشرّ متأصّلة في إسلام سمته العنف وتسوده تاريخيّا الصراعات".
وكم كنت أودّ أن أفنّد هذه المزاعم بالحقائق التاريخيّة التي لا تحتمل الشكّ و لا تقبل السجال حولها و لا يمكن بالتالي القفز عليها بجرّة قلم من أيّ كان ، ولاسيما ممّن هو حديث التحوّل إلى المسيحيّة. لأنّها تعدّ من البديهيات والمسلّمات التي لا يمكن إنكارها إلّا من جاهل أو متحامل أو منافق بالمعنى الإسلامي للكلمة. إلّا أنّ ذلك قد يتطلّب مبحثا ليس مجاله هذه العجالة.
ورغم أنّ التحوّل على المسيحيّة هو أمر شخصي وخيار حرّ لا يجادل فيه أحد، فإنّه من غير الوارد أيضا- بالنسبة لي على الأقلّ- أن لا أجادله في قوله في موضع آخر من مقاله بعد التعميد حيث قال: »إنّ فكره تحرّر على مرّ السنين من ظلاميّة عقيدة تعطي شرعيّة للكذب والتستّر والموت العنيف الذي يؤدّي إلى القتل والإنتحار والخضوع الأعمى للإستبداد«. وأنا ليس باستطاعتي هنا- لضيق المجال- أن أردّ على كلّ ما جاء في هذا القول من تجنّ على الإسلام لأنّ ذلك قد يتطلّب صفحات من المقارعات بالحجج الدّامغة التي لا تقبل الطعن ضرورة أنّها تقطع الشكّ باليقين.
رؤية فكرية بين الإعلام والتأريخ ـ نبيل عودة
محور العلاقة بين الاعلام والتاريخ ، يتميز بعلاقة اندماجية لا يمكن فسخها وتجاهلها ، خاصة في عصر الثورة الاعلامية التي نعيشها ، وتحول الاعلام الى أداة نقل مباشر للحدث ، بالصوت والصورة وبالزمان والمكان الذي تجري فيهما الأحداث، بما فيها أشد الحروب أو الكوارث هولا أو القضايا التي تشغل المجتمعات البشرية ، بمختلف تنوعاتها ، من الاقتصاد والسياسة والعلوم والثقافة والاكتشافات ، الأمر الذي أعطى للاعلام قوة حضور ، وقدرة على تشكيل الراي العام ، والتأثير على أرشفة الحدث تاريخيا ، ومهما تنوعت الاسئلة حول الاعلام والتاريخ ، يبقى يجمعهما رابط اساسي مشترك ، يمكن تلخيصه بأن الاعلام المعاصر بات مرجعا توثيقيا لا يمكن تجاهله عند كتابة التاريخ .
السؤال الذي يتبادر الى ذهني: هل يمكن ان نرى في المستقبل نهاية لدور المؤرخين ، اذا اعتبرنا الاعلام تغطية للأحداث التاريخية ؟
هنا بودي التنبيه الى بعض المسائل الهامة : هل وظيفة المؤرخين هي كتابة الأحداث ، بنفس اسلوب الاعلام؟
هل يمكن ان يكون الاعلام متجردا من الرؤية الذاتية للاعلاميين ،أو لسياسة الوسيلة الاعلامية ، أو لسياسة الدولة في حال كان الاعلام مملوكا لدولة أو يخضع لمراقبتها ولنهجها ، مما يؤثر على اسلوب وصيغة نقل الحدث ونقله بما يتلاءم مع العوامل المؤثرة والضاغطة ؟
اذن ما هو دور المؤرخين في عصر الاعلام الذي لم يبق حدثا يمر بدون تغطية وافية ؟
الطبونيمية المائية بتساوت ـ عبدالرزاق القرقوري
مقدمة:
يعتبر العلم المكاني كوثيقة تاريخية ثمينة لا تقل قيمة عن الوثيقة التي تتمثل في القطع النقدية و غيرها ، و تزداد أهمية دراسة الأعلام المكانية في المجتمعات التي تفتقر إلى أرشيفات الوثائق المكتوبة ، ذلك، لأن الهدف هو قراءة و فهم معاني الأعلام الجغرافية التاريخية التي اندثر بعضها من الوجود و بقي فقط في النصوص المكتوبة أو اللغة العامة . لكن كثيرا منها بقي و استمر رغم كل التغيرات التاريخية من غزو و'' مثاقفة '' تبرك و تقرب و تيمن و '' أدلجة '' و تغيير لغة النخب الاجتماعية إلى لغة أجنية أخرى، مثل الفينيقية واللاتينية و العربية و الفرنسة لاحقا"[1]
ومجال تساوت هو ما يهمنا هنا لنرصد التغير الذي عرفه ، مع الزمن ونتعرف على أسماء مجالات مرتبطة بالطوبونيمية المائية، ذلك أن لكل مجال خصوصيته ، فالطبونيمية المائية، تكتسي معرفة الأسماء المرتبطة كون منشأ الحضارات إرتبط أشد ارتباط بالماء، وبدورها منطقة تساوت، تعرف استقرارا بجانب نقط الماء ، هذا ما أفرز لنا أسماء مرتبطة بالماء في هذا المجال ولكي نسلط الضوء على المجال ونتعرف على خصوصيته وارتباطاته بالطبونيمية المائية بالخصوص اتبعنا التصميم التالي:
حرفة الخطاطري :محاولة تركيبية لتاريخها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي انطلاقا من إحدى المحكيات الشعبية ـ رشيد ايت فلاح
لا تسعفنا المصادر والمراجع بكثير من المعلومات حول الجانب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لحرفيي الخطارات، اللّهم بعض الإشارات المبعثرة هنا وهناك، والتي سنحاول التقاطها وتركيبها في سياقات تاريخية لفهم خصائص هذه الحرفة وممتهنيها..
وبتطبيق منهاج العلوم الحديثة، الذي يبني نظرياته على معطيات صحيحة، ثم في مرحلة ثانية يطرح الفرضيات والتساؤلات، التي يُخضعها للتأويل والتحليل بالأدلة والحجج للوصول إلى النتائج المتوخاة..كل ذلك سينحو بنا إلى استغلال أوعية معلومات ليست جديدة ولكنها مهملة من لدن الكثير من مؤرخينا..
حرفة الخطاطري بمجال مراكش: مسار حرفة بين الازدهار والأفول:
لعل ظهور حرفة الخطاطري بالمغرب يعود إلى زمن بعيد قد يكون سابقا عن أول مهندس ارتبط اسمه بهذه التقنية، والذي أورده الإدريسي في نصه..فمجموعة من الدراسات الحديثة ترجع تاريخ نظام الخطارات في فجيج إلى أزمنة قديمة، إذ أثبت تحليل الكاربون 14 الذي أُجري على البقايا الخشبية التي تم العثور عليها في سقف بعض الخطارات القديمة، أنها تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد على أقل تقدير[1]..الشيء الذي يُعزز فرضية أسبقية الجنوب المغربي في هذا المجال، ويجعلنا نتصور كذلك ان حرفة الخطاطري تبلورت في مجالات أخرى بالمغرب سابقة عن مجال مراكش..
ومع انتشار تقنية الخطارة ظهرت مجموعات بشرية ارتبط اسمها بحرفة الخطاطرية، في ما يشبه التخصص في هذا الميدان. وكان جلهم يتنقلون من مواطنهم الأصلية للعمل في مناطق أخرى لأسباب متعددة سنذكرها في حينها، وكانوا يشتغلون في حرف مختلفة بعضها ارتبط بالتراب ( الخطاطرية، الأبّارون، حفاروا القنوات...)، وأخرى ارتبطت بالماء والتراب ( الفخارون...) وغير ذلك من الحرف، وقد ارتبط اسمهم بالعديد من المنشآت المائية كأهل تافيلالت الذين ينسبون خطاراتهم لاهل تودغة،[2] وساقية تاضراويت بحوض مجاط التي تُنسب إلى ''ضراوة'' القادمين من نفس المنطقة..[3]
المجتمعات العربية في مواجهة التيارات الأصولية والسلفية ـ حبيب حداد
بداية لا بد من توافق معرفي مبسط لمفهوم ودلالات كل من ظاهرة الأصولية والسلفية حتى لا ينأى بنا الإختلاف في تفسير هذين المصطلحين الذين تتعدد وتتباين استخداماتهما في وقتنا الراهن, وبالتالي تتعدد وتتباين التقييمات و المواقف ازاءهما. فهل هما صفتان لظاهرة واحدة أم أن كلا منهما يعبر عن ظاهرة متميزة عن الأخرى، خاصة بعد أن شاع استخدامهما في الخطاب السياسي والإعلامي ,سواء بوعي أو بغير وعي, طوال السنوات الأربع الماضية أي منذ انطلاق الانتفاضات الشعبية العربية التي هدفت لاقامة الحياة الديمقراطية السليمة ؟ وهل أن كلا منهما بالتالي يعبر عن مذهب او تيار ديني أوفكري او سياسي او اجتماعي خاص.
في الأساس يدل مصطلح الأصولية على انماط معينة تفكيرا وأخلاقا وسلوكا، وسواء أكانت اصولية مسيحية أم اسلامية ام في الديانات الأخرى كاليهودية والهندوسية وغيرها ... وقد نشطت الأصولية المسيحية كحركة بروتستانتية ظهرت في أوائل القرن العشرين لتؤكد أن الكتاب المقدس معصوم عن الخطأ في كل مايتعلق بمسائل العقيدة والأخلاق والسلوك الإنساني والخلق والغيب. و في الوقت الحاضر تشهد ظاهرة الأصولية في البلدان الغربية وفي البلدان المتقدمة بصورة عامة وكما هو معروف تماوجات تتراوح بين مد وجزر وذلك تبعا للمسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي لكل منها اوبتأثير بعض العوامل الخارجية الطارئة كما في حالات الحروب والارهاب العابر للقارات والنزوح الكثيف كما هو حاصل الآن. لكن وفي المحصلة فان الحركات الأصولية في البلدان المتطورة تبقى حركات ثانوية محدودة الفعل والتأثير بالنسبة للتيار العام في المجتمع.
من التاريخ الى ذهنيات التاريخ ـ عبد اللطيف بلمعطي
مرت الكتابة التاريخية بمراحل تدرجت خلالها في تراتبية التطور المعرفي التاريخي، لتصل الغاية التي هي عليها اليوم وأضحت أكثر اتساعا من ذي قبل، فبعد أن كان التاريخ بنفحاته التقليدية، التي لطالما قدمت في اهتماماتها شخصيات من علية القوم كالملوك والقادة العسكريين والسياسيين... وهيمن الحدث السياسي والعسكري من حروب ومعارك... وغلب على التحليل عاملا السرد والوصف التاريخيين. كانت الكتابة التاريخية ومعها التاريخ يسيران بخطى متثاقلة ليس لهما من السبل إلا سبيل السرد الحولياتي )سنة بعد سنة(، والشأن هنا شأن الضفتين معا الشمالية والجنوبية للحوض المتوسط.
لكن وتماشيا مع ما عرفته القارة الأوربية خلال القرن التاسع عشر (قرن العلوم) ستعرف الكتابة التاريخية ما يمكن أن نصفه بالتطاول على القوالب الجامدة من داخل حقل المعرفة التاريخية، حيث سيعرف هذا القرن ميلاد أول مدرسة منهجية في تاريخ الكتابة التاريخية الاوربية "المدرسة الوضعانية الألمانية 1870م"، التي اعتبرت بمثابة أولى الثورات السباقة إلى الرفع من شأن التأريخ، والتي هدف مؤسسوها بقيادة كل من "شارل لنجلوا" و" شارل سينيوبوس" إلى محاولة تحرير الكتابة التاريخية من قبضة الرهبان وغايات الكنيسة، واشترطوا في ذلك مجموعة من القواعد جاعلين في مقدمتها شعار "لا تاريخ بدون وثيقة"[1]، كضرورة لا غنى عنها والتي على أساسها يقطع الطريق عن الهواة. فانغلق التاريخ وانحصر في شعار هذه المدرسة، وظل ما يقارب النصف قرن من الزمن حبيس الوثيقة، ما ضيق الخناق على هذه المعرفة وظلت جامدة مكانها رغم حمايتها، الشيء الذي سيمهد الطريق ويعبدها أمام الثورة المنهجية الثانية في هذا الحقل.
المغرب في خضم العلاقات الدولية أثناء الحرب العالمية الثانية: لقاء أنفا يناير 1943 ـ د.محمد تلوزت بن علا
تمهيد:
إذا كانت الحرب العالمية الثانية تجد أسباب اندلاعها في آثار الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929 و نتائج الحرب العالمية الأولى و تزايد التوتر في العلاقات الأوربية بين دولها الكبرى، فإن المغرب كان له نصيب في توجيه مجريات أحداثها و استفاد منها لخدمة قضيته الوطنية حيث جسد لقاء أنفا الذي احتضنه في يناير 1943 أحد مظاهر هذا الفعل. فماهي ظروف انعقاده؟. و كيف استفادت منه المغرب؟.
أولا. الظرفية التاريخية لانعقاد لقاء انفا.
أطوار الحرب العالمية الثانية.
من المعلوم أن اجتياح القوات الألمانية لبولونيا قي فاتح شتنبر 1939 هو الحدث الذي فجر اندلاع هذه الحرب كما يتفق على ذلك معظم الباحثين، و قد عرفت في مرحلتها الأولى اكتساحا لقوات دول المحور لأوربا الغربية فهاجمت ألمانيا فرنسا يوم 10 ماي 1940 و احتلت ¾ ترابها،و استولت القوات الإيطالية على المناطق الواقعة وراء جبال الألب، و نتيجة ذلك تشكلت حكومة بيتان في مدينة فيشي و وقعت شروط الهدنة مع دول المحور. و بعد ذلك في 10 يوليوز انطلقت معارك إنجلترا، و شنت إيطاليا هجوما على اليونان و مصر و أصبح البحر الأبيض المتوسط ميدانا رئيسيا للعمليات الحربية، و اشتدت الحرب و أصبحت عالمية على إثر اجتياح القوات الألمانية للاتحاد االسوفياتي في يونيو سنة 1940 كما استغلت اليابان هزيمة فرنسا سنة 1940 فاحتلت الهند الصينية، ثم قامت بهجوم مفاجئ على قاعدة الولايات المتحدة بيرل هاربور في المحيط الهادي وأعلن الرئيس روزفيلت دخول بلاده الحرب ضد اليابان. وفي 11 دجنبر أعلنت ألمانيا و إيطاليا الحرب على الولايات المتحدة فشهدت سنة 1942 معارك ضارية بين دول المحور و الحلفاء في الكثير من مناطق العالم مما دفع قادة دول الحلفاء بالتفكير في خطة لحسم الحرب لصالحهم فكيف ذلك؟.