من أجل التعريف على نحو أحسن بمفكري العالم العربي، اتخذ معهد العالم العربي قرار إطلاق مشروع طموح للفوز بهذا الرهان. تم إذن انتخاب المثقفين الذين أبانوا عن أصالة وغزارة إنتاجاتهم.
سعى هذا المشروع كذلك إلى جعل أعمالهم وأفكارهم في متناول عامة الناس. كيف أمكن العمل على الاستجابة لهذا التحدي الذي رفعته هذه المؤسسة عندما اختارت المؤرخ المغربي عبد الله العروي؟ هذا ما سنقف عليه في ما كتبه بالفرنسية قدوري عبد المجيد لنفس الغرض.
يعتبر هذا المفكر بحق رمزا للفكر العربي المعاصر بشكل عام والمغربي على وجه الخصوص، لا يزال من الصعب تصنيفه في تخصص محدد: هل هو فيلسوف أم مؤرخ أم باحث أم روائي؟ لا يمكن لقارئ أعماله إلا أن يصاب بالارتباك بهذا الخصوص. إنه يتجاوز التخصصات طالما أنه يدرس الإنسان ككائن معقد ومتعدد الأوجه. يأتي عمق أفكار العروي من صرامته العلمية وتكوينه المفتوح. معرفته العميقة بتاريخ مجتمعه، بتاريخ العالم العربي الإسلامي وبتاريخ الغرب، قوت حدوسه وشحذتها.
الفيلسوف هو الذي يصوغ المفاهيم ويطرح الأسئلة. يصبح روائيا عندما يريد تحرير نفسه من الصرامة العلمية للغوص في الخيال والإبداع. اما المؤرخ فهو الذي برغب في البقاء مرتبطا بمقاربته.
تجدر الإشارة للوهلة الأولى إلى أن هذا المثقف أحسن صنيعا عندما حاول شرح وتوضيح وتبسيط الأفكار والأطروحات التي طورها في كتاباته دون ان ينجح أبدا في تبديد سوء الفهم وردود الفعل السلبية في بعض الأحيان، والتي يتم تداولها عن وحول أعماله.
البعض يحكم عليه بكونه مثقفا يدافع عن المخزن، ويصفه آخرون بأنه مثقف النخبة. ومع ذلك، كل الذين يتناولون فكر العروي يفعلون ذلك انطلافا من منظوراتهم. يختارون من كتاباته الإشكالية التي تهمهم (الدولة، الحداثة، الإيديولوجيا، العقل، الإسلام...)، ثم يختارون الزاوية التي تناسبهم. وفاء لنهجهم، يختارون من متون كاتبنا العناصر التي من شأنها أن تشرح، تبرر أو تعزز إشكالياتهم. من البديهي في حالة الاختيار أن نجد دائما الجواب أو الأجوبة المبحوث عنها.
لقراءة العروي، من الضروري الإلمام بالأساس والركيزة اللذين تقوم عليهما أطروحته. أسس مشروعه متجذرة في التاريخ عامة، وفي تاريخ العالم العربي الإسلامي، وتاريخ المغرب على وجه الخصوص. بدون هذا الشرط، كما هو الحال بالنسبة لمعظم أولئك الذين اهتموا بكتابات مثقفنا، يبقى فهم جميع ملامح أفكاره وتبايناتها الدقيقة بعيد المنال.
بالإضافة إلى الأساس التاريخي، يجب مقاربة كتابات العروي كمشروع شامل ومتطور. لكن، إذا ظلت اطروحته الأصلية ثابتة، يدفعه تحول السياقات إلى تحيين فكره وتوضيحه أكثر كلما استدعى الموقف ذلك. ربما هذا ما يفسر هذه التكرارات العديدة التي تميزت بها كتاباته العديدة.