أمام اجتياح وباء الكورونا 19 للعالم، و فشل الأنظمة الرأسمالية في مواجهته، أو على الأقل الحد من اثاره و تداعياته الإجتماعية و الإقتصادية خصوصا، و تصاعد العديد من الإحتجاجات ضد السياسات المتبعة في ظل الجائحة، بالتزامن مع الإحتجاجات التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية التي فجرها اغتيال المواطن الأمريكي ذو البشرة السمراء جورج فلويد، عاد إلى الواجهة سؤال النظام الرأسمالي و مدى نجاعته إنسانيا و أخلاقيا و اجتماعيا، و معه عاد سؤال الإيديولوجيا التي طالما بشرنا منظروا و مثقفوا هذا النظام بنهايتها، التي اتضح فيما بعد على أن هذه النهاية ما هي إلا إعلان عن إنتصار و هيمنة إيديولوجية النظام الرأسمالي و هزيمته لباقي الإيديولوجيات. إذن لنعاود طرح سؤالهم: هل نحن فعلا لم نعد في حاجة للإيديولوجيا؟ أم أن الحاجة للإيديولوجيا أصبحت أقوى مما كانت عليه سابقا، خاصة في ظل الإنهيار الإنساني و الأخلاقي و تنامي الجوع و المرض و الأمية عبر العالم الذي تسيطر عليه الرأسمالية؟ أليس الصراع ضد إيديولوجية الرأسمالية في حاجة للتسلح بإيديولوجيا مضادة و مناهضة؟ لكن ماذا نعني بالإيديولوجيا أولا؟
يشير مفهوم الإيديولوجيا Idéolgie لغويا إلى علم Logie الأفكار idées كما هي مستوحاة من الترجمة اليونانية القديمة "إيديا" أي فكرة و "لوغوس" علم أو خطاب أو عقل، و بذلك تكون الإيديولوجيا هي منطق الأفكار أو خطاب الأفكار أو علم الأفكار. لكن التعريف الأكثر تداولا هو ذاك الذي وضعه الفيلسوف الفرنسي أنطوان دي تراسي عام 1798 م في كتابه "مشروع عناصر الإيديولوجيا" باعتبارها "النسق الكلي للأفكار والمعتقدات والاتجاهات العامة الكامنة في أنماط سلوكية معينة وهي تساعد على تفسير الأسس الأخلاقية للفعل الواقعي وتعمل على توجيهه"، ويضيف إلى ذلك أنها "علم التفكير والأفكار المستَنِدة على الملاحظة الباطنية والمعرفة الطبية". و يعتبر أول الساخرين و المستهزئين بهذا المفهوم هو القنصل و الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرات. بعد ذلك يستعيد ماركس وأنجلز في الإيديولوجيا الألمانية عام 1846م هذا المصطلح ليدلا به على نظرية مجردة ومحيرة وتزعم الإعتماد على العقل أو العلم وترنو إلى تشكيل النظام الاجتماعي على أساس منطقي كلياني وتوجيه الفعل السياسي نحو أغراض فئوية ضيقة. و قد عرفها أيضا عالم الإجتماع الفرنسي كارل مانهايم في كتابه "الإيديولوجيا و اليوتوبيا" بكونها مجموعة من قيم أساسية و نماذج للمعرفة و الإدراك و يرتبط بعضها ببعض، و تنشأ بينها و بين القوى الإجتماعية و الإقتصادية صلات وطيدة. و قد ميز أيضا كارل مانهايم في كتابه هذا بين نمطين من الإيديولوجيا. إحداها خاصة مرتبطة بالأفراد و تبريراتهم للمواقف التي تهدد مصالحهم الخاصة، و أخرى كلية تتعلق بالتفكير السائد داخل الطبقة أو الحقبة التاريخية، كما هو الحال في نمط التفكير السائد لدى البرجوازية أو الطبقة العاملة (البروليتاريا). و هنا نجد أنفسنا أمام صراع إيديولوجي كأحد تجليات الصراع الطبقي السائد في المجتمع الرأسمالي القائم على الإستغلال، بحيث أن الجماعات المسيطرو على وسائل الإنتاج و في نفس الوقت المهيمنة على مقاليد الحكم و المتحكمة فيه، تريد أن تفرض تصوراتها و أفكارها على بقية أفراد المجتمع الخاضعين، و في نفس الوقت تبرير الأوضاع القائمة و الدفاع عنها، و ذلك عبر منظومة إيديولوجية متشابكة يختلط فيها الديني بالإجتماعي و الثقافي بالتاريخي، بينما الإيديولوجيا النقيض، هي التي من المفروض أن تتبناها الجماعات الخاضعة المُسْتَغَلة و المتضررة من الأوضاع فتسعى إلى تغييرها لمصلحتها من أجل تحقيق العدالة الإجتماعية عبر توزيع الثروة بشكل عادل. من هذا المنطلق يتضح أن الإيديولوجيا حاضرة و ستظل حاضرة باعتبارها إحدى أليات الصراع إلى جانب السياسية و الإقتصاد، و من ثم فإن الدعوة أو التنبؤ و التبشير بنهايتها، لا يكاد يكون إيديولوجيا في عمقه، و لَأَدل على ذلك ما يقدمه علماء و مثقفوا الرأسمالية الكبار عبر كتاباتهم مثل "نهاية الإيديولوجيا" لعالم الإجتماع الأمريكي دانييل بيل و التي في جوهرها تسعى إلى التأكيد على انتصار و نجاح المشروع الرأسمالي خاصة الأنجلوأمريكي، و بمثابة دعوة إلى العمل البرجماتي على استمرارية تلك النجاحات الرأسمالية الصناعية المختلفة، و التي انكشفت عورتها الآن خاصة مع جائحة كوفيد19. و هذا الكتاب الانف الذكر لا ينفصل عن تلك الكتابات التي ترتبط بوضع نهايات العالم الواقعي المَعِيش مثل "نهاية التاريخ" عند فرانسيس فوكوياما، الذي قال فيه بالحرف:" إن درجة حرية المجتمعات تقاس بقدرتها على ضبط و تخطيط اقتصاد ذي نموذج رأسمالي" و نهاية الحضارة أو بالأحرى صراع الحضارات مع صامويل هنتنغتون. و كلها تُجْمِع بما لا يدع مجالا للشك على انتصار الرأسمالية و فلسفتها الليبرالية على ما عداها من إيديولوجيات. لكن حقيقة لم يكن دانييل بيل و غيره من منظري النهايات الغربيين إلا معبرين عن إيديولوجيا الرأسمالية، لكن بما هي في مأزق البرير و الشرعية زادته الأوضاع الحالية تعرية عندما أسقطت عنه جائحة الكورونا ورقة التوت التي طالما حاول هؤلاء أن يستروا بها عورة النظام الرأسمالي و معه فلسفته، إذ لم يعد بمقدور هؤلاء التبجح الفكري و الإيديولوجي لمشروعهم هذا الذي طالما طبلوا و زمروا له عقودا، خاصة مهذ نهاية الحرب العالمية الثانية، و إن بأشكال مختلفة بغية تكريس هيمنة المشروع اليبرالي و سيادته عالميا عبر القول بنهاية قاطعة و حقيقية لباقي الإيديولوجيات، بررها واقعيا انهيار الإتحاد السوفياتي و باقي الأنظمة السياسية في أورابا الشرقية بداية تسعينات القرن العشرين. و هذه الدعوة للأسف انجر إليها العديد من المفكرين و الكتاب العرب الذين باتوا يرددون مثل الببغاوات ما قيل هناك في الغرب الرأسمالي، و لم تعلوهم حمرة الخجر و لو مرة واحد في دعوتهم إلى نبذ الإيديولوجيا. فمن أين ينطلق القول بموت الإيديولوجيا؟
ينطلق القول بموت الإيديولوجيا أو نهايتها من رؤية من سَيُهَيْمِن على العالم الآن و من رؤيته للمجتمع و الإنسان و خاصة المرأة، و هو ما سعى لإبرازه دانييل بيل في كتابه "نهاية الإيديولوجيا" سنة 1960م التي سيعود لطرحها سنة 1988م، و كذلك فعل ريمون أرون في كتابه "أفيون المثقفين" مع أنه اعتبرها بمثابة ديانة ذات طابع دنيوي، و أيضا سيمور مارتن في كتابه "الإنسان السياسي" مع أن أول من طرح مفهوم "نهاية الإيديولوجيا" هو الأمريكي إدوارد شيلز ضمن محاضرة ألقاها سنة 1955م، وقد عدها باشلار ثمرة للعقل المتجدد الذي جعل الثقافة أمرا دنيويا و ليس متعاليا. لذلك فإن القول بنهاية الإيديولوجيا يجد مبرره عند هؤلاء الذين لا يرون في المجتمع سوى "مجتمع الحاجات" كما وصفه هيجل، و لا يرون في العلاقات الإجتماعية سوى علاقات إنتاجية نفعية ربحية بالمعنى الضيق للكلمة، فقط هؤلا من بإمكانهم أن يزعموا أن لا مكان للإيديولوجيا في مثل هذه المجتمعات، لكن الذين يرون في المجتمع سوى "مجتمع الغايات" كما عبر عنه كانط، سوف يتشبثون بالإيديولوجيا و يدافعون عن أحقيتها في الحياة و البقاء، و طبعا سيجادولن من ينتقدونها و يقول بموتها، متجاوزين ذلك إلى القول بأن الإنسان كائن إيديولوجي. أما الذين يرون في المجتمع "المسرح الواقعي للتاريخ" كما وصفه كارل ماركس، فإنهم يدركون عوامل انبثاق الإيديولوجيا، و عوامل تفسخها و موتها، باعتبارها عوامل تاريخية لا تقررها الإرادات الذاتية لدانييل بيل أو فوكوياما أو غيرهم. لذلك فإن الإيديولوجيا ضرورة بالنسبة للطبقات الإجتماعية و الجماعات البشرية لضمان استمراريتها من حيث تُوَفِر لهم قواعد السلوك و معايير التفكير، و تشكل عامل محدد لهويتهم و انتمائهم، و أيضا تساعدهم على الإندماج الإجتماعي. و قد أوضح الباحث و المفكر التونسي زهير الخويلدي في إحدى مقالاته كيف أن الإستعمال المحايد للإيديولوجيا يجعلها عبارة عن نظرية علمية لتحليل الواقع المادي بطريقة منهجية، تجمع بين الجانب العقلاني و المنهج التجريبي و تسمح بالتحرر من الأحكام المسبقة و المتحاملة و تشتغل على تطوير العلم. لكن الإيديولوجيا ليست بالعلم الدقيق و المحايد المُؤَسَس على التجربة، لأنها دوغمائية تسلم بمقدمات على أنها حقائق قبلية دون أن يتسرب إليها الشك في مدى صحتها تجريبيا، على خلاف العلم الذي يهتم بالتجارب التي قد تلغي فرضياته، إذ الإيديولوجيا ترفض كل ما من شأنه تكذيب مبادئها، كما أن الإيديولوجيا ليست فلسفة، لأن الفلسفة الحقيقة تساؤل مستمر عن مشكلة الوجود الجوهرية، و عن وضعية الإنسان الوجودية، بحيث تشكل الأسئلة التي يطرحها الفلاسفة على أنفسهم و الإجابات التي يتوصلون إليها المسار الجدلي للفكر الفلسفي و حركيته، في حين تظل الإيديولوجيا نسقا مقفلاً و منغلقاً على نفسه متمحوراً حول ما تعتبره حقائق ساعية إلى إشهار قيمته الكونية و المطلقة حسب ما أورده المفكر الإيراني داريوش شايغان في كتابه "ما الثورة الدينية؟: الحضارات القديمة في مواجهة الحداثة". إذن الإيديولوجيا لا هي علما و لا هي فلسفة و لا حتى دين، مع أنها تتوفر على شحنة إنفعالية كبيرة تقرب بينها و بين العاطفة الدينية، و أيضا تتوفر على جهاز منطقي عقلي يعطيها مظهرا علميا و فلسفيا حسب المفكر الإيراني محمد رضا خاكي قراملكي.
و ما دمنا في مجتمع طبقي قائم على استغلال الذين يملكون وسائل الإنتاج لِمَنْ لا يمكلون سوى سواعدهم و أفكارهم، فإن الإيدويلوجيا تبقى ضرورة في حركية الصراع ما دام كل نظام إجتماعي يسعى للهيمنة و البقاء كمسيطر، و هذا يتطلب الإرتكان إلى إيديولوجيا تدعم ذلك و هو ما نجده في خصائصها التي حددها قراملكي في خمس ذات ارتباط بعناصرها الفكرية و هي:
1ـ القيم: حيث كل إيديولوجيا عادة ما تكون منبثقة من الإعتقاد بكون بعض القيم أهم من غيرها.
2ـ الفكر السياسي المثالي: إذ الإيديولوجيا تستلهم عناصرها على ضوء تصوير كيفية وضع أسس مجتمع سياسي، يتم بناؤه و الإشراف عليه بالشكل الذي يحمي مصالح الطبقة المهيمنة، و يضمن لها البقاء.
3ـ فطرة الإنسان: كل إيديولويجا يجب أن تشتمل رؤى تُصَاغ على أساسها السلوكات التي نلاحظها على الصعيد الإجتماعي و الحكومي.
4ـ الإستراتيجية: كل إيديولوجيا لا بد أن تتبنى استراتيجيا خاصة بغية إجراء تغييرات على المجتمع السياسي الموجود، و تحويله إلى مجتمع سياسي مثالي، أو إضفاء المشروعية على ما هو قائم و محاولة إظهاره كواقع مثالي، كما هو حال النظام الرأسمالي حاليا.
5ـ التدابير السياسية: كل إيديولوجيا تنتقي أسلوبا خاصا على صعيد الأداء السياسي، و من ثم تتحرك على أساسه سواء تعلق الأمر بالمعارضين أو السلطة السياسية القائمة.
لذلك لا يخلو أي مجتمع من إيديولوجيا، و كل دعوة إلى موتها و نهايتها، هي في الأساس دعوة إلى هيمنة إيديولوجيا ما و الإستسلام لمنظومتها على جميع المستويات، سواء كانت دينية أو علمية أو اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو اقتصادية.. و هو الأمر الذي يوضحه الباحث السويدي كارل جونار ميردال K.Gunnar Myrdal بالقول ليس هناك أي علم محايد و سوف لا يوجد علم كهذا مطلقا خاصة العلوم الإجتماعية. و كل الذين وجهوا سهام الهجوم على الإيديولوجيا تقريبا من دانييل بيل إلى سيمور مارتن كانوا يقصدون بذلك الهجوم على الشيوعية و ليس سواها من الإيديولوجيات المنتشرة عبر العالم، باعتبارها الخطر الأكبر على النظام الرأسمالي، و لأننا نعيش على إيقاع أزمة هذا النظام، التي زادتها جائحة كوفيد 19 وضوحا، لدى غالبية سكان الكوكب، مما جعلهم يطرحون سؤال البديل، و لأننا نرى أن البديل لن يكون إلا نقيض النظام السائد، و ليس شكلا أخر من أشكال تشذيبه أو تنميقه و إظافة المساحيق إليه حتى يبدو مقبولا، لأنه في الأصل يحمل معه جينات الإستغلال و الإستعباد و العنصرية، لذا فالبديل يقتضي منظومة فكرية نقيضة و مناهضة متكاملة تجمع بين الإقتصاد و السياسة و الثقافة، من هنا تجد الإيديولوجيا مبرر حضورها الضروري، باعتبارها سلاحا لابد منه بيد المُسْتَغَلِين، من حيث هي نسقا تراتبيا للأفكار ينتظم في هيكل واضح، وظيفته تفسير العالم، كما تمثل بنية رمزية معدة للإستخدام، و تنطوي على صفتي الإنتقائية و الإختزالية، التي تلعب من خلالها دور الدرع الواقي ضد نزعات الشك و القلق، الناتج عن تضارب المعاني، بحيث تمد الفرد الذي يعتنقها بأجوبة مريحة و جاهزة، و هو ما افتقر إليه أغلب منتقدي و مناهضي النظام الرأسمالي، أو على الأقل تخلفوا عن نشره و تَمَلُكِه من قبل المُضْطَهَدِين خاصة الطبقة العمالية (البروليتاريا). إذن أليست العولة إيديولوجيا محضة تهدف لتبرير نزعات التغلغل الإقتصادي و السياسي في المجتمعات الضعيفة، بغية الإستلاء على مواردها الطبيعية، و تحويلها إلى سوق إستهلاكي مفتوح، و كل ذلك على حساب تدمير بيئتها و طبيعتها؟ أليست مقولة صدام الحضارات و صراعها، انحياز سافر لهيمنة حضارة غربية رأسمالية مجردة من القيم، و إلغاء ماكر للثقافات و الهويات الأخرى عبر العالم؟ أليس كل هذا إيديولوجيا؟ و كذلك على الجانب الآخر القول بعالم إسلامي موحد له طابع شمولي من جاكارطا إلى الرباط رغم التفاوت الهائل بين هذه البلدان، هو قول إيديولوجي محض؟ و على نفس المنوال يأتي القول الإيديولوجي بعالم غربي مسيحي، فكلها أقوال و خطابات إيديولوجية، تسعى لتغطية، طبيعة الصراع الاستراتيجي الحقيقي حول الهيمنة الرأسمالية العالمية، و السعي نحو استنزاف خيرات و طبيعة الأرض، و تجويع ملايير الناس و استغلال ملايير أخرى و التي يراد لها أن تبقى خفية و مضمرة، لذلك فإن الإيديولوجيا من شأنها أن تنير الطريق و توضح طبيعة الصراع و تساعد حركات التحرر من الإستعمار الرأسمالي الذي صار أغلبه غير مباشر، و تمثل سلاحا ثوريا و إطارا نظريا للقوى الإجتماعية التي تسعى إلى التغيير الجذري و إعادة توزع الإنتاج. و في هذا الإطار بذل أنطونيو غرامشي مجهودات كبيرة من أجل تفادي الوقوع في المعنى الشائع السيء الذي شوه مفهوم الإيديولوجيا، داعيا إلى تبني المعنى المطابق. و قد ميز في هذا الإطار بين الإيديولويجا الإعتباطية التي تساهم في إنشاء حركات فردية و جدالات جانبية، و بين الإيديولوجيا العضوية التي تعد ضرورة تاريخية و لها صلاحية نفسية، و تساعد على التنظيم السياسي للجماهير، و تشكل الأرضية المناسبة التي يتحرك فوقها الناس و يتصارعون و يكسبون وعيهم بأنفسهم. و من هذا المنطلق تبدو الحاجة إلى الإيديولوجيا ملحة الآن، و حتى الذين يشنون هجوما عليها لا يعرفون أنهم غارقون في الإيديولوجيا حتى أذانهم. لأن الإيديولوجيا في نهاية المطاف هي الوعي المَصُوغ تعبيراً عن المصالح، سواء كانت هذه المصالح حقيقية أو مُتَوَهَمَة، و هنا سواء كان هذا الوعي زائفا أو مطابقا، لكن في كل الأحوال هذه إيديولوجيا. لذلك فحين تُرْفَض الإشتراكية و يُشًنُ هجوما عليها باعتبارها إيديولوجيا شمولية، فهذه أيضا إيديولوجيا، لأن الرافضين للإشتراكية لهم مصالح في النظام الرأسمالي القائم، و من هذا المنطلق يفترض الإنتماء الطبقي في حالة الوعي الحقيقي المطابق للواقع كواقع إستغلال، إنحيازا إيديولوجيا إلى الإشتراكية العلمية طبعا، باعتبارها تشكل خلاصا لهؤلاء المُظْطَهَدِين من عبوديتهم، و ما الهجوم على هذه الإيديولوجيا إلا إيديولوجيا مضادة مقيتة تسعى إلى الإبقاء على واقع الإستغلال و العبودية، و بالتالي فإن الإيديولوجيا ليست صفة تيار فكري بعينه، كما حاول منظروا نهايتها إيهامنا به، بل هي صفة كل التيارات الفكرية و كل فكر عموما. لذلك فأن شَيْطَنَة الإيديولوجيا هي شَيْطَنَة الذات كما يقول المفكر السوري سلامة كيلة. لذلك في عالم منقسم إلى طبقات إجتماعية، و حيث فئة قليلة جدا تستحوذ على أكثر من 90% من خيرات الأرض، بينما الفئات الأخرى ترزح تحت نير الفقر و الجوع و المرض و التشرد، تبقى الإيديولوجيا هي السلاح الفكري و النظري الأقوى الذي لا بد منه لمقارعة إيدولوجيا الطبقة المسيطرة.
ذ.شفيق العبودي
الإحالات:
1ـ Antoine Destutt De Tracy elément d’idéologie/première partie/idéologie proproment dite/paris 1817.
2ـ Bell Daniell –la fin de l’idéologie- trad de l’americain par Emmanuelle Baille préf. de Raymond Boudon – paris/PUF/1997.
3ـ "الإيديولوجيا و اليوتيوبيا"/ كارل مانهايم ترجمة محمد رجا عبد الرحمن الدريني/ الطبعة الأولى أكتوبر 1980 طباعة شركة المكتبات الكويتية.
4ـ "الإيديولوجيا الألمانية" كارل ماركس و فريديريك انجلز/ ترجمة فؤاد أيوب/ طباعة دار دمشق 1968.
5ـ "مصطلح الإيديولوجيا عند غرامشي بين الاعتباطية والعضوية" زهير الخويلدي/ الحوار المتمدن-العدد: 6374 - 2019 / 10 / 9.
6ـ جميل مطر "نهاية الإيديولوجيا" على الرابط
http://www.siironline.org/alabwab/maqalat&mohaderat(12)/384.htm