يعد تدبير الشأن العام غاية تطمح إليه كل المجالس المنتخبة عبر العالم ؛ وفيها يتم طرح المشاريع و مقترحاتها ، التي تعود بالنفع على الوطن والمواطن . ومن هذا المنظور، يستوجب على هذا الأخير أن يكون في الحدث ، ويشارك بكثافة في الاستحقاقات الانتخابية بجميع أطوارها ومراحلها بغية تغيير واقع لطالما ناضل من أجل مكتسبات جديدة تعود عليه بالنفع مستقبلا . إن الديمقراطية ، في هذا الأساس ، لا يمكن فهمها إلا في ظل هذا الرهان الذي يبدو صعبا ، مادام السواد الأعظم من المواطنين جاهلين بالدور، الذي تلعبه صناديق الاقتراع في التغيير المنشود . فإذا كانت الديمقراطية تجعل الشعب في قلب العاصفة ، نظرا لإيمانها القوي بالسلطة ، التي تخولها للمواطن في تدبير شأنه الوطني والمحلي ، فإن التعبير عن الرأي أيضا ، بكل حرية ، قسيم قوي يضمن لها الشرعية . وعلى غرار ذلك يتم تقويض هذا الطموح ، الذي يحلم به المواطن ، باللعب على أوتار الفقر والحاجة الملحة إلى العيش الكريم .
فكما هو معروف ومتداول لم نعد نعيش في جزر وأرخبيلات عائمة ، بعيدة كل البعد عن عين ومسمع العالم ، بل إن الثورة المعلوماتية والصحوة الرقمية ، التي اجتاحت المنظومات الإلكترونية ، جعلت من الكون فضاء صغيرا جدا بحجم الكف . وأكبر دليل على ذلك وباء كورونا ، الذي ظهر فجأة في مدينة وهان الصينية ليعمَّ ، في لمح البصر ، كل أرجاء المعمور ، غير آبه لا بالحدود الجغرافية ولا التاريخية ولا السياسية أيضا . فغيَّر إيقاع الحياة البشرية على طول وعرض كوكبنا الأرضي ، مخلفا أضرارا مادية جسيمة . بل ، إنه استطاع ، إلى حد ما ، أن يقوض الحرية النفسية والجسدية للإنسان ، عندما أصبح البقاء بالبيت ، وعدم الاختلاط السَّمْت الوحيد لمواجهة الجائحة والانتصار عليها .
فبعيدا عن الوباء قريبا من السياسة ، تصبح شروط وظروف الاستحقاقات الانتخابية في فوهة بركان مع الصحافة العالمية ، بيد أن عيون هذه الأخيرة ، لا تنام عن كل صغيرة وكبيرة . فالفضائح السياسية ظاهرة غير صحية انتشرت ، كالنار في الهشيم ، في كل المجتمعات الإنسانية ، ولم تعد قاصرة على الدول المتخلفة فحسب ، وإنما للدول المتقدمة نصيب منها أيضا . فإذا كان إيهود أولمرت رئيس وزراء الكيان الصهيوني قد ذاق مرارة السجن ، إثر فضائح عقارية في القدس العربي ، فإن المتابعة القضائية جعلت المواطنين سواسية في الحقوق والواجبات ، وهي شرعية استغلها الكيان الصهيوني لكسب المزيد من التعاطف الدولي ، على اعتبار أن دولة إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم ، التي تعيش وسط أعدائها. وإذا ما عرَّجنا على فرنسا سنجد رئيس الوزراء الفرنسي نيكولا ساركوزي توبع بفضائح حولت حياته إلى جحيم لا يطاق . انطلاقا من الحملة الانتخابية لسنة 2007 ، التي اتهم فيها بالتعاون مع نظام العقيد الليبي ، إلى فضائح أخرى ارتبطت بما يعرف بشركة بيغماليون ، وهي فضائح ستواجه رئيس الوزراء الفرنسي ساركوزي بالسجن لسنوات .
إن لهذا الزخم الفضائحي للرؤساء ، وهم في سدة الحكم ، إيقاعا إيجابيا ، وصورة تعكس مدى تحكم دولة المؤسسات في الهرم السلطوي ، وهو تأمين لزمن المواطنين النفسي والجسدي . فمهما حاولنا أن نقفز على هذه الحقائق ، يظل المشروع المجتمعي سيد الموقف ، إذ إن لهذه المؤسسات يدا طولى في الاستقرار السياسي والمجتمعي ، وبفضل ذلك تضمن الدولة استمراريتها في الزمان و المكان ، كبناء يعضد من لحمة المجتمع .
لا مناص ، إذن ، من استقالات لرؤساء قضوا سنوات ، وهم في مركز القرار السياسي . حيث إن التنحي يكون الوسيلة الأنجع لإنقاذ ماء الوجه أمام الناخبين ، في ظل تزايد ضغط الشارع ، والرأي العام الوطني والدولي . بيد أننا نجد العكس عند شعوب لا تـُحترم من طرف منتخبيها ، حيث يصبح تشبث المسؤولين المطلق ، بمناصب القرار ديدانا ، بالرغم من مطاردة الفضائح لهم ، فضلا عن إلحاق الخراب بالدولة والمجتمع إلى أن يتم إعفاءهم بقرار صادر عن أعلى سلطة في البلاد .
إن القرار السياسي الذي يجب أن يفعل في هذا الباب ، حتى يمكن أن تستعيد الديمقراطية والدولة هيبتها ، هي ربط المسؤولية بالمحاسبة كإجراء عملي ؛ لأن هيبة الدولة من هيبة المواطن . حيث يسعى ، هذا الأخير ، جاهدا كي يمنح الشرعية المطلقة لمؤسسات الدولة من خلال مجموعة من السلوكات ذات طابع حضاري ؛ كالتصويت المكثف أثناء الاقتراع ومحاربة العزوف و الحضور الفعلي في المجالس المنتخبة و الإدلاء بالرأي ، مادمنا في مجتمع يحترم حقوق الإنسان ، وانخراط الدولة جديا في ميثاق شرف ، تصون بموجبه حقوق وواجبات المواطنين .