في الوقت الراهن لا يجب التفكير خارج السياق الذي يشهده الوطن العربي برمته، فرغم أن الثورات أعادت رسم معالم الخريطة السياسية على أساس الطابع الاحتجاجي فان مقومات هذا التفكير يجب أن تنساق إلى كيفية إيجاد المشروعية التي ستحدد حدود هذه الخريطة، وتتمثل في إعادة ربط العلاقة بين الشارع وبين السلطة السياسية، إلا أن هذا الشارع لا يمكنه تحقيق مآربه إذا لم يضع ثقته في احد الأحزاب أو المؤسسات أو سلطته الحاكمة بمنحها مشروعيته. لكن ما الذي يعيق منح هذه المشروعية ؟
يشكل الجانب السوسيو-اقتصادي في المغرب أحد العوامل التي تساهم في تباعد السلطة السياسية عن محكوميها، حيث يشمل غياب هذه السلطة ومعها القوى السياسية عن ما هو اجتماعي-اقتصادي وانشغالها بما هو ديني -اعتقادي يضمن لها استمراريتها التحكمية. وتنحصر ممارساتها في الشأن الديني على حساب الخـَصاص الديني، ففي الوقت الذي خاض المغرب تجارب لنظم الحكم منها الإسلام الشعبي (الصوفي) والإسلام الشرعي (السلفي) ومدى التصارع بين هذين التياران المتباعدين حاول بعدها أن يؤسس لنظام يوازن في تصورات الفكر الديني كل الفئات، لكنه في نفس الوقت لم ينجح إلا في الانفراد بالدين كأحد تمظهرات نظام الحكم لا يحق لغيره التزايد على أحقيته أو عن تمثيليته. كلفه هذا بطبيعة الحال جهدا كثيفا لمحاولة خلق هذه التوازنات بدعم مجالات انتشاره (وتحت إشرافه، وبتكريس الطابع الرسمي على الممارسات الدينية (وزارة الأوقاف، المجالس العلمية، الندوات والبرامج الإعلامية،...).
ذكر كارل ماركس في قولته الشهيرة عن الوعي الاجتماعي أن " الفقر ليس هو سبب التمرد وإنما الوعي بالفقر"، وذكر جاك روسو أيضا أن " الظلم لا يدعو الناس إلى التمرد وإنما الإحساس بالظلم". وقد شهد التاريخ السياسي للمغرب نتائج من هذا التهميش الاجتماعي تجلت نتائجه في انتفاضة الخبز يوم 20 يونيو 1981 إذ كان لعملية ضبط التوازنات الدينية غياب تام لتوازن سوسيو-اقتصادي، لوحظ آنذاك على انه سياسة تهميش وإقصاء آل، كما سبق ذكره، إلى السخط الجماهيري.
وإلى جانب أحداث 81، أدت سياسية الإقصاء بالسلطة ومعها القوى السياسية إلى مجموعة من التناقضات والانشقاقات الحزبية، كالذي حصل مع الحزب الوطني الديمقراطي المنشق من داخل الأحرار سنة 1981، وكذلك ما تفرع من منظمة 23 مارس المعارضة. حاول الإسلاميون من خلال هذا الوضع استغلال فرصة الاهتمام بالشأن المحلي وعملت على ملء الفراغ السياسي بتصريفه في الواقع المعيشي، كمسألة التضامن المادي والمعنوي والتكافل الاجتماعي داخل إطار الواجب التربوي والإيماني، لتكون للإسلاميين، من وقتها، القابلية للحفاظ على المشروعية الدينية والشعبية معا بخلاف ما حصرته السلطة السياسية في الجانب الديني. وهو ما جعل العهد الجديد يعيد الاعتبار إلى الشأن الاجتماعي عن طريق خلق ما سمي بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تحاول، وان بشكل ضعيف، الجمع بين الشأن الاقتصادي والاجتماعي.
ولعل حركة 20 فبراير تحاول تحقيق الانجازات الايجابية للتقدم المستمر في تحويل مفاهيم إلى مؤسسات ذات فاعلية وذات نتائج عملية، تفتح من خلالها صفحة الثقة والمشروعية المستحقة، وما تحقيق مطالب الحركة إلا محاولة لعملية التقارب أو مؤشر لثبات المفاهيم. وما عزل الإسلاميين وإقصاءهم من الساحة السياسية أو من المشهد العام إلا محاولة من السلطة السياسية لاكتساب المشروعية الدينية والشعبية إلى جانب مشروعيتها السياسية، ولو على حساب نفي الآخر.