هل التقرير الذي تقدمت به اللجنة الاستشارية عن الجهوية المتقدمة لامس نموذجا جديدا للجهوية بالمغرب تاريخيا ، مجاليا و حقوقيا ؟ و أي جهوية نريد ؟
2) حقوقيا :
ان إعمال البيروقراطية ( خاصة مع جهة الشمال/الريف الكبير ) بدل الديمقراطية التشاركية يتناقض مع المرجعية المعيارية المؤسسة لمشروع الجهوية المتقدمة وهي المتمثلة في الخطاب الملكي يوم 30 يناير 2010 غداة تنصيبه لهته اللجنة وقد ورد في مضامينه : ( لذا قررنا اشراك كل القوى الحية للأمة في بلورته...وطبقا لما رسخناه من انتهاج المقاربة التشاركية في كل الاصلاحات الكبرى ، ندعو اللجنة الى الاصغاء و التشاور مع الهيئات و الفعاليات المعنية و المؤهلة ) . فقد كان اقصاء وزارة العدل(نموذجH) كفاعل تشاركي يؤكد تغييب الدولة للمقاربة الحقوقية و لمبادئ العدالة الانتقالية في تعاطيها مع الجهات التاريخية التي تعرضت لجرائم ضد الانسانية و لانتهاكات جسيمة لحقوق الانسان.
أ- الإخلال بالمقاربة الحقوقية :
يتعزز المدخل الحقوقي في مقاربة موضوع جهة الريف التاريخية عند عرضنا للحجم الهائل من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بما فيه ارتكاب جرائم ضد الانسانية التي خضعت لها المنطقة من الفترة الاستعمارية الى ما بعد دولة الاستقلال ، لذلك من المنطقي جدا لو ان اللجنة تعاملت مع جهة الريف الكبير - اسوة بالنماذج الديمقراطية العالمية - من منطلق مقاصد العدالة الانتقالية بدل تهميشها في كل اطوار و مراحل اعداد التقرير و خلوصها الى نموذج مفتت و مجزأ يعكس بؤس المقاربة الامنية. وهذه بعض الاسباب الموجبة لإعمال المقاربة الحقوقية و لتطويع آليات العدالة الانتقالية مع جهة الريف الكبير :
- قصف المنطقة عبر الطائرات بأسلحة الغازات السامة المحظورة دوليا بموجب معاهدة فرساي 1920 و بروتوكول جنيف 1925 ( اللوتس/الفوجين/الفسفور الابيض...)و استمرار انعكاساتها الخطيرة على ساكنة الريف الكبير من خلال اصابتهم بأعلى نسبة مرض السرطان على الصعيد الوطني.
- التجنيد القسري لأبناء الريف الكبير في الحرب الاهلية الاسبانية 1936-1939 خاصة في صفوف الاطفال و ذلك تحت ضغط الجوع و الجفاف و التهديد ، و هو ما يعني افراغ المنطقة من الموارد البشرية النشيطة الامر الذي ادى الى تأخر المنطقة في نموها الاقتصادي ، الاجتماعي والثقافي وذلك موازاة مع القضاء على المشروع الاصلاحي النهضوي الذي كان قد بدأه الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي على صعيد الادارة و المجتمع بداية القرن 20 م.
- التصفية الممنهجة لجيش التحرير من اختطافات،اعدامات خارج القانون، تعذيب في المعتقلات السرية في كل من تطوان ، القصر الكبير ، الشاون ، العرائش ، تاونات ، الناظور ، الحسيمة... بسبب ايمانهم بالكفاح المسلح ضد المستعمر وهو ما يتناقض مع مصالح المحميين الجدد لدى المتربول الفرنسي .
- انتهاكات الدولة و جرائمها ضد الانسانية في شخص حكومة عبد الله ابراهيم من خلال قمع انتفاضة 1958-1959 بسلاح الطيران الفرنسي .
- الجرائم البيئية المتمثلة في التدمير الممنهج للغطاء الغابوي و النباتي بالريف سواء في الفترة الاستعمارية التي اجتثت غابة الارز او في دولة ما بعد الاستقلال التي تغض الطرف عن لوبيات المال و العقار التي تعمل على تحويل المساحات الخضراء و الاستغلاليات الزراعية الى غابات اسمنتية .
- غياب آليات حقيقية لمعالجة هذه الانتهاكات الجسيمة و قصور بعضها كهيئة الانصاف و المصالحة التي غيبت فترة 1955-1959 من ملفاتها بمبررات غياب الشهادات و الادلة.
- عدم اعمال المبادئ الدولية للعدالة الانتقالية سواء مع هيئة التحكيم المستقلة سنة 1999 او مع هيئة الانصاف و المصالحة سنة 2004 خاصة مبدأ المساءلة و عدم الافلات من العقاب الذي عوض بمبدأ العفو و الصفح.
(يتبع) 3/4
شفيشو عبدالاله / الشاون