تقوم الحياة الديمقراطية على آليات عمل ومؤسسات تلعب فيها الأحزاب السياسية، والإطارات النقابية والمهنية، ومنظمات المجتمع المدني، أو ما يسمى في أدبيات الفكر السياسـي بالوسائـط التقليديـة، دورا أساسيـا ومحوريا في تدبير الصراع داخل المجتمع، وتحويله إلى مشاريع مجتمعية وبرامج سياسية. وإذا كان العالم يشهد ثورة رقمية كبرى في مجال الإعلام والاتصال بفضل ظهور وتوسع استخدام شبكة الإنترنت، فإن تكنولوجيا الاتصال والمعلومات قدمت نفسها كآليات عصرية قادرة على تقوية وظائف المنظمات الوسيطة أو لإعادة تنشيط أدوارها وبث الروح فيها.
والواقع أن الساحة العربية تموج بالعديد من مؤسسات المجتمع المدني التي تنشط في شتى المجالات، فهي تتوزع بين منظمات تعنى بحقوق الإنسان ومنظمات تسعى للدفاع عن التنمية وحرية المرأة وحقوق الطفل، وجمعيات مهنية وغيرها. غير أن أداءها على أرض الواقع يفضي إلى القول بأنها تفتقر إلى الفعالية والمردودية في مجملها، حيث تم تضييق مجال المجتمع المدني وحصره في تقديم بعض الخدمات الاجتماعية، دون إمكانية الانخراط في بلورة وصياغة المطالب الاجتماعية والسياسية والتعبير عنها، بل إنها تحولت في أحيان كثيرة إلى مؤسسات صورية وشكلية لتأثيث المشهد السياسي والمؤسساتي للأنظمة السياسية. علاوة على أن تأسيس المنظمات غير الحكومية بالطريقة التقليدية، في الأنظمة السياسية الاستبدادية، تصطدم بالكثير من العراقيل كالبيروقراطية، وطول مدة منح الاعتماد أو استحالة الحصول عليه، وكذا صعوبة الحصول على مقر اجتماعي.
أمام هذا الضعف الملاحظ في فعالية منظمات المجتمع المدني لجأ الشباب إلى استثمار منصات التواصل الاجتماعي المعروفة كالفايسبوك والتويتر، بما تتيحه من سرعة نقل المعلومة وتبادل الآراء بشأن المواضيع والقضايا التي تحظى باهتمام الشباب. المطلوب فقط أن يتم عرض حالة أو قضية ليهب الجميع للمساعدة من كل مكان في العالم ، ولا تتطلب هذا النشاطات سوى فتح حساب على فيسبوك، أو تويتر أو يوتيوب، وبعدها يبدأ النشاط عن طريق تصوير بعض الفيديوهات، وتحضير بعض النصوص، لنرى لاحقًا تكوين شبكة واسعة من النشطاء المدنيين في العالم الافتراضي، الّذين يعبرون عن تضامنهم الاجتماعي والأخلاقي مع ما قاموا برؤيته عن طريق الدوس على زر«الإعجاب أو المشاركة»، وغيرها من مظاهر التعاضد والترابط الجمعي في العالم الافتراضي. هكذا، شجع الإنترنت على ظهور مؤسسات جديدة تساهم في لعب دور الوساطة السياسية والاجتماعية، من خلال دمقرطة النقاش العام وتشكيل أرضية مفتوحة لتعبئة الرأي العام خلف قضايا محددة، يتعلق الأمر إذن بالمجتمع المدني الإلكتروني أو الافتراضي.
وعلى العموم، فإن المجتمع المدني الافتراضي يتميز بعدة خصائص أبرزها :
- ساحة للتعبير الحر : يعتبر ساحة للتعبير عن الآراء بحرية، تنفلت من جهة أولى من قبضة الرقابة الأمنية والاجتماعية للدولة، ومن جهة ثانية من سيطرة اللوبيات الإعلامية وجماعات المصالح على صناعة وتسويق المعلومة، وتسخيرها لخدمة أهداف معينة لا تصب في مصلحة المواطن. فالمنبر الافتراضي أعطى بعدا ديمقراطيا في الممارسة الإعلامية بكل حرية للمواطنين، وجعلهم فاعلين ونشطين.
- ساحة لزيادة قوة وتأثير الفئات المهمشة بالمجتمع : ساعد الإنترنت الفئات المستبعدة من المشاركة في المجال العام، على الانخراط في الديناميكية المجتمعية والسياسية لمجتمعاتها.
- تنظيم خارج نظام المؤسسة : مجتمع خفيف الكثافة ومنخفض التكلفة، متحرر من المرجعيات الثابتة، والالتزامات المؤسساتية التي قد تعرقل عمله خاصة في منظومة الأنظمة السياسية السلطوية والشمولية.
- قوة هائلة في الحشد والتعبئة : مصدر قوة هذا المجتمع الافتراضي هو قدرته على مخاطبة جميع الشرائح الاجتماعية بسهولة ويسر صوتا وصورة ونصا، في استقلال تام عن إكراهات الزمان والمكان، مما ييسر عملية الحشد والتعبئة.
مما سبق يتضح أن المجتمع المدني الافتراضي استطاع أن ينقل مفهوم المجتمع المدني إلى ساحة جديدة بمعايير مغايرة عن تلك المتعارف عليها في الأدبيات التقليدية . حيث أصبح المجتمع المدني الافتراضي يلعب دورا مهما في الوساطة بين الدولة والمجتمع، بهدف بلورة المطالب الاجتماعية والدفاع عن بعض المصالح (مصالح المهمشين والمقصيين من الفضاء العام) والقيم، والعمل على تحقيقها من خلال حملات المناصرة، والتوعية، والحشد والتنظيم .