الكاتب الفرنسي ميشيل ويلبيك، شخصية مثيرة للجدل، غريب الأطوار حد التناقض، ليس له حد في هجوميته واندفاعاته، اعتبر في حديث صحفي سابق مع مجلة " ليير" الأدبية أن " الإيمان برب واحد هو فعل من أفعال معتلي العقل، وأن الإسلام هو أغنى الأديان قاطبة "، وقال إن قراءة القرآن " محطمة للأعصاب". ووصف الإسلام بأنه " دين خطير منذ نشأته ". بالمقابل في هذا الحوار يقول" أن القرآن هو أفضل بكثير مما كنت أعتقد، وأنا أعيد قراءته" وأن " الإسلام هو صورة للمستقبل ". وأن مسألة التدين ضرورية مهما كان الدِّين الذي يبتغيه المرء. مهما كانت تصريحات الكاتب الفرنسي تظهر متناقضة وأبطاله يظهرون غرباء إلى حد ما فإننا يجب أن نضعها في سياقاتها التاريخية دون أن تنفصل عن مثنها الروائي والأدبي. ميشيل ويلبيك اسمه الحقيقي ميشيل طوماس من مواليد لارنييون عام 1956.
له مجموعه من الأعمال الروائية " الخصوصيات الثانوية "، " الخريطة والإقليم "، " الأرضية "، " امتداد ميادين الصراع"، " الرصيف" ثم "احتمال جزيرة " وروايته الأخيرة " خضوع" المثيرة للجدل التي يتحدث فيها عن وصول حزب إسلامي للحكم عام 2022. في هذا الحوار نكتشف الوجه الأخر لهذا الكاتب المثير للجدل.
- لماذا قمت بهذا العمل الروائي؟
* من أجل العديد من الأسباب، في المقام الأول، أعتقد، أنه عملي، ورغم أن الكلمة لاتروقني. لقد لاحظت بعض التغيرات الكبرى حينما عدت إلى الإستقرار بفرنسا، رغم أن هذه التغيرات ليست فرنسية على وجه التحديد، ولكنها آتية من الغرب بشكل عام. السبب الثاني أن إلحادي لم يصل إلى كل أعداد الموتى التي كنت لهم مُجابهاً. في الواقع، بدأ يظهر لي أنه لايمكن الدفاع عنها.
- ما المغزى من موت كلب البطل ووالديه في الرواية؟
* نعم، كانت هناك أشياء كثيرة في زمن قصير. جزء منها قد يكون كذلك، على ما أعتقد، لم أكن مٌلحداً بشكل تام. كنت مُشخصا، عادة هذه الكلمة توظف كشاشة للإلحاد، ولكن لا أعتقد ذلك في حالتي. وعلى ضوء كل ما أعرف، إعادة النظر في مسألة إذا ما كان هناك خالق، نظام كوني، هذا الشكل من الأشياء، يمنحني الإنطباع أنني لا أمتلك جواباً.
- كيف ستُصنف هذا الكتاب؟
* عبارة الخيال السياسي ليست سيئة. لا أعتقد أنني قد قرأت أمثلة عديدة ومماثلة، ولكن على أي حال قرأت بعضها، كثيراً في الأدب الانجليزي أكثر من الأدب الفرنسي.
- ماهي العناوين الروائية التي تفكر فيها؟
* بمعنى من المعاني، في بعض كتب كونراد، أو جون بوشان، تم في بعض الكتب التي صدرت مؤخراً، ليست جميلة وهي أشبه بأفلام الرعب. يمكن لفيلم رعب أن تتطور أحداثه في مشهد سياسي، ليس دائما أن يكون مرتبطا بعالم الأعمال. لكن هناك سبب ثالث لماذا كتبت هذا الكتاب: لأنني أحب ما يكفي من البداية، تطبيقيا، كتبت ستة وعشرون في جلسة واحدةٍ، ووجدتها مُقنعة جداً، لأنني ببساطة أستطيع تخيل طالب يجد صديقاً في هويس مانس ويضحي بحياته من أجله. يحصل هذا بالنسبة لي . قرأت إلى " هويس مانس " بعد ذلك، أعتقد أنني كنت أبلغ من العمر خمسة وثلاثون عاماً ولم يعجبني قراءته. أعتقد أنه كان يمكن أن يكون صديقاً حقيقيا لي. بطريقة ما، وبعد أن كتبتُ هذه الصفحات الست والعشرين، لم أفعل أي شيء خلال هذه الفترة. كان هذا في يناير 2013، ووجب أن أعود إلى النص خلال هذا الصيف. لكن في البداية كان مشروعي مختلفاً جداً. لم أكن أسميه "خضوع"، كان العنوان الأول
" محادثة". تغير أيضا المشروع الأصلي للرواي، إلى الكاثوليكية. الشيء الذي رغبت في قوله أنني حذوت خطوات "هويس مانس" بعد قرنٍ من ذلك، متخليا عن المذهب الطبيعي إلى الكاثوليكية. أما أنا لم أكن قادراً على القيام بذلك.
- لم لا؟
* لكن ذلك لم ينجح. في نظري، المشهد المفتاح في الْكِتَاب هو حينما يلقي الراوي نظرة أخيرة عن المرأة السوداء من روكامادور، وتشعر بقوة روحية مثل الأمواج، وفجأة تتلاشى في الماضي تم يعود هو إلى موقف السيارات، وحيداً بشكل أساسي بائساً.
- هل هذه رواية ساخرة؟
* لا، بالمرة جزء صغير من الْكِتَاب يسخر بشكل قليل من الصحافيين الساسة، ومن رجال السياسة، حتى يصبحوا صادقين. لكن الشخصيات الرئيسية ليست ساخرة.
- من أين أتتك فكرة الانتخابات الرئاسية لسنة 2022، التي سيتم تنفيذها من طرف مارين لوبان وزعيم حزب إسلامي؟
* حسنا، تبدو مارين لوبان كمرشحة واقعية لسنة 2022، في الحقيقة منذ 2017 كان الحزب الإسلامي له حضور قوي وهناك صلب القضية.
حاولت أن أضع نفسي في مكان مسلم، وأدركت، في الواقع، أن المسلمون هم في حالة شيزوفرنية مطلقة. لأنهم على العموم لايهتمون بالتيمات الإقتصادية، تيماتهم الكبيرة تتعلق باليومي والمسماة اجتماعية. حول هذه القضايا، من الواضح فهم بعيدون جداً عن اليسار وأكثر بعداً عن [حزب] الخُضر. فقط وجب أن تفكر في زواج المثلي لتستوعب ما الذي أرغب في قوله. لكن يمكن القول نفس الشيء عن مجموعة من التيمات الآخرى. وهناك أسباب لماذا لا يذهب المسلمون للتصويت لصالح اليمين وأقل بكثير عن اليمين المتطرف المرفوض بشكل قاطع حتى إذا أراد مسلم التصويت، ما الذي يفترض به أن يفعل؟ الحقيقة فهو في وضعية مستحيلة. ليس لديه أي تمثيل لأحد. سوف يكون من الخطأ أن نقول أن دينه لايمتلك أي وعي سياسي: نعم يمتلكه. كما تمتلكه الكاثوليكية، بشكل أكيد، حتى الكاثوليك هم أقل أو أكثر تهميشا. لهذه الأسباب، يبدو لي أن حزبا اسلاميا يمتلك معنى كبيراً.
- لكن تخيل أن حزبا سياسيا مثل هذا يمكن أن يكون في وضعية تسمح له بالفوز في الإنتخابات الرئاسية خلال سبعة سنوات.
* أنا متفق معك، ليس أمراً واقعيا. لسببين في الواقع. السبب الأول صعوبة تخيل هذا الأمر، إذ على المسلمين أن يتعايشوا مع بعضهم البعض. لهذا هم في أشد الحاجة إلى شخص ذكي للغاية وبمواهب سياسية عجيبة. صفات أمنحها إلى شخصيتي ابن عباس. لكن بالتعريف موهبة متطرفة، هي بالفعل ظاهرة نادرة. وحتى ولو جدت هذه الشخصية، يمكن للحزب أن يقتلعها، ولكن الأمر سيستغرق لأكثر من سبع سنين. إذا دققتم كيف فعل الإخوان المسلمون، سنرى الشبكات الإقليمية، الأعمال الخيرية، المراكز الثقافية، المساجد، مراكز العُطل، الخدمات الصحية، شيء يشبه ما فعله الحزب الشيوعي. أود أن أقول أنه في بلدٍ سيظل الفقر فيه منتشراً، يستطيع هذا الحزب أن يجتذب أبعد من مسلمٍ ” معتدل”. يمكن أن نسميه هكذا، لأنه في الواقع لايوجد مسلم "متعدل" لأن لدينا أناساً اعتنقوا الإسلام ليسوا من شمال افريقيا... ولكن عميلة مثل هاته ستستغرق عدة عقود. الحقيقة أن الضجيج الإعلامي يلعب دوراً سلبياً، كمثال، أنهم أحبوا قصة من هذا الشكل [ شخصية ابن عباس ] الذي عاش في قرية في نورماندي، والذي كان فرنسيا كما الأخرين. لم يأتي من عائلة مهمشة ومنكسرة واعتنق [الإسلام] وذهب للجهاد إلى سوريا. ولكن من البديهي أن مثل كُلً هذا، هناك العشرات من الرجال الذين لايفعلون أي شيء وليسوا مماثلين. بعد كل شيء، لا يقوم شخص بالجهاد من أجل المتعة، وهذا النوع من الأشياء يهُمُ فقط الناس الذين يشعرون بدوافع كبيرة لممارسة العنف. وهو شيء يخص بالضرورة أقلية قليلة.
- أيضا يمكن أن نقول أن ما يهمه حقيقة هو الذهاب إلى سوريا أكثر من مشكلة اعتناق الإسلام؟
* لست متفقا معك، أعتقد أنه توجد ضرورة حقيقة لله، وعودة الدِّين ليست شعاراً بل واقع حقيقي، و يظهر هذا بشكل واضح في ارتفاع عدد المعتنقين للإسلام.
- هذه الفرضية مركزية في الكتاب ولكننا نعرف أن العديد من الباحثين قضوا سنوات عديدة في تشويه سمعة الإسلام مبرزين أن الواقع الذي نشهده هو تطور لعلمنة الإسلام، حيث العنف والرديكالية يجب فهمها كمخاضات للإسلاموية. هذا هو البرهان الذي يدافع عنه أوليفيي رُوِي، والكثير من الأشخاص الذين يشتغلون حول هذه المسألة منذ عشرين عاما خلت.
* ليس هذا الذي لاحظته، على الرغم أنه في أمريكا الشمالية والجنوبية أن الإسلام استفاد بشكل أقل من المسيحية، هذه ليست ظاهرة فرنسية، إنها ظاهرة عالمية. أنا لا أعرف حالة أسيا. لكن في حالة افريقيا، فهي مثيرة للإهتمام لأن لديك هناك إثنين من القوى الدينية الكبيرة في الصعود: المسيحية الأنجليكانية والإسلام. في معانٍ مازلتُ كونتيا[ نسبة لأوغست كونت ] ولا أعتقد أن مجتمعاً يمكن أن يعيش بدون دِين.
- لكن لماذا قررت أن تحكي هذه الأشياء بطريقة درماتيكية جداً ومبالغ فيها حتى مع التسليم بأن فكرة وجود رئيس مسلم في عام 2022 هي أقل واقعية؟
* يجب أن يكون من جانبي سوقا للجماهير، ومن جانب آخر فيلم آخر فيلم رعب.
- لا يستدعيها من جانبه ايريك زيمُور؟
* لا أعرف، لم أقرأ كتابه. ما الذي يقوله بالضبط؟
- هو واحد من أكثر الكُتاب الأكثر تحاملاً على الإسلام على الرغم من اختلافاتهم، يصف فرنسا المعاصرة التي تبدو لي بشكل أساسي خيالية، حيث تهديد الإسلام يخيم على المجتمع الفرنسي وهو واحد من عناصرها الرئيسية. في حبكة روايته يظهر لي بقبول بمثل هذه المنطلق ويشجع على نفس الوصف. وهي فرنسا المعاصرة التي نجدها في أعمال هؤلاء المثقفين اليوم.
* لا أعرف، فقط أعرف عنوان كتاب "إيريك زيمُور" [ انتحار فرنسا] وهذا ليس بالإطلاق الطريقة التي أرى بها الأشياء. لا أعتقد أننا نشهد انتحاراً فرنسياً. أعتقد أن ما نراه هو العكس تقريباً. أن أوربا هي التي تعتزم الإنتحار، بينما تحاول فرنسا التي تمثل قلب أوربا يائسة البقاء على قيد الحياة. إنها البلد الوحيد الذي يناضل من أجل البقاء، والبلد الوحيد الذي تسمح له تركيبته السكانية بالبقاء.
الإنتحار هو مسألة ديمغرافية، هي الطريقة الأفضل والأكثر فعالية على الإنتحار. ولهذا السبب أن فرنسا لم تنتحر على الإطلاق. وعلاوة على ذلك، اعتناق الناس [ لدين آخر] هو مؤشر على الأمل وليس تهديداً. أقول هذا ، ولا أعتقد أن الناس يعتنقون [ الإسلام ] من أجل أسباب اجتماعية، أسباب الإعتناق هي عميقة جداً، وعلى الرغم أن كتابي يتناقض بشكل خفيف، ولا زلت أعتقد أن " هويس مانس " يمثل الحالة الكلاسيكية لرجل تحول لأسباب، في العمق، جمالية بحثة. في الواقع، القضايا التي تهُمُ باسكال تترك " هايس مانس" بارداً ولاتشجعه أبداً حتى تجعلني أتصوره تمثالاً هكذا. بالنسبة له، الجمال هو اختبار: الجمال هو قافية، لوحة، موسيقى، تثبت وجود الله.
- هذا يعيدنا إلى مسألة الإنتحار، منذ بودلير قال " هويس مانس " أن الخيار الوحيد الذي يصل له، كان بين الإنتحار والإعتناق...
* لا، الذي قَدم هذا التعليق كان " باربي أوغفيلي "، وكان له معنى أكيد خاصة بعد قراءة " رِيبُور". أنا أعدت قراءته بعناية، وفي النهاية، هو مسيحي، إنه رائع.
- بالعودة إلى هذه القضية من مبالغات الرواية أنها أقل واقعية، في الرواية تصف، بطريقة ضبابية وغامضة جداً، العديد من الأحداث العالمية، إلا أن القارئ لاينتهي أبداً من معرفة ما هي عليه هذه الأحداث . وهذا يؤدي إلى مملكة من الفنتازيا وإلى سياسة الخوف، أليس كذلك؟
* نعم، تقريباً، الكتاب لديه جانب هائل. أستعمل تكتيكات الخوف.
- كيف تخيلت بانورما سيطرة الإسلام على البلد؟
* في الواقع، يفترض بِنَا بشكل واضح ألا أن نخاف سواء من المهاجرين أو المسلمين. هذا أتركه دون حلٍ.
_ هل طرحت السؤال عما يمكن أن يكون تأثير الرواية مرتكزة على هذه الفرضية؟
* لاشيء، لا تأثير على الإطلاق.
- لا نعتقد ستساهم في تعزيز صورة فرنسا التي وصفتها للتو، أن الإسلام يجثم على رؤوسنا مثل سيف ديموقليس، إنه الأكثر رعباً من كل الأشياء؟
* على أي حال، فإن وسائل الإعلام لاتتحدث عن شيء آخر، ولاتستطيع أن تتحدث عن ذلك أكثر. سوف يكون من المستحيل أن يفعلوا أكثر مما قبل، بطريقة أن كتابي سوف لن يكون له أي تأثير.
- أليس لديك الرغبة في الكتابة حول تيمة أخرى حتى لاتنضم إلى القطيع؟
* لا، بطريقة موضوعية، جزء من عملي هو الحديث عما يتكلم عنه الجميع. أنا أنتمي إلى فترتي الخاصة.
- علقت في روايتك أن المثقفين الفرنسين يميلون إلى تجنب الشعور بالمسؤولية، لكن هل تساءلت عن مسؤوليتك الخاصة ككاتب؟
* أنا لست مثقفاً، ولا أنتمي إلى أي حزب، ولا أدافع عن أي نظام، وأتنازل عن أي مسؤلية، أطالب باللامسؤولية الإجمالية، باسثتناء حينما أمنح رأياً في رواياتي، حينئذ سأعتبر نفسي مثل ناقد أدبي. لكن إنها المحاولات التي تغير العالم.
- هل الروايات تغير العالم؟
* بالطبع لا، على الرغم من أنني أشك حقاً في أن كتاب " إيريك زيمُور”، طويل جداً. وأعتقد أن كتاب "رأسمال" لماركس هو طويل جداً. في الواقع أن الذي قرأ وغيّر العالم كان البيان الشيوعي. روسو غيٌر العالم، في بعض الأحيان كان يعرف يمكنه الذهاب بطريقة مباشرة إلى صلب الموضوع. إنه بسيط، إذا أردت أن تُغير العالم، هذا ما يبدو عليه العالم، وهذا ما يجب أن أفعل، لا يجب أن تتوه في اعتبارات روائية. إنها غير مجدية.
- ولكن لست بحاجة إلى القول لك كيف يمكن استخدام الرواية بوصفها أداة ابستمولوجية. كانت هذه تيمة روايتك " الخريطة والإقليم ". أشعر أنك اعتمدت في هذا الكتاب على تقنيات الوصف، التقابل، وهي مشكوك فيها، و هي نوع التقنيات المستعملة من قبل الناشرين " كوزور" أو " الآن فينكل روث "، " ايريك زيمور" أو " زينون كامي". على سبيل المثال "التقابل" بين معاداة العنصرية والعلمانية.
* لايستطيع شخص أن ينفي أن هناك تناقضا.
- لا أرى، على العكس من ذلك، نفس الأشخاص في الكثير من الأحيان هم نشطاء ومناهضين للعنصرية ومدافعين متحمسين عن العلمانية، بطريقتي التفكير يغرقون جذورهم في عصر التنوير.
* أنظر، عصر التنوير قد مات. فليرقد بسلام. ومن الأمثلة الصارخة؟ مرشح اليسار في ورقة الإقتراع " أوليفي بيسان سينوت " يرتدي الحجاب، هناك تناقض لديه، لكن فقط المسلمون كانوا في الحقيقة، في وضعية شيزوفرنية،
على مستوى ما نسميه عادة القيم،رلدى المسلمين الكثير من القواسم المشتركة مع اليمين المتطرف ومع اليسار الرديكالي. وهذا أصبح اليوم واضحا بشكل كبير، بطريقة أننا مددنا مملكة " العنصرية " واخترعوا جريمة الإسلاموفوبيا.
- ربما أن أخيار هذه الكلمة تم اختيارها بطريقة سيئة، هناك طرق لوصم مجموعات أو فئات أشخاص، على أنهم أشكال للعنصرية...
* لا، الإسلاموفوبيا، ليست شكلاً من العنصرية، إذا كان شيء واضح، فهو هذا.
- تستخدم الإسلاموفوبيا كشاشة لشكل من العنصرية الذي لايمكن التعبير عنه لأنه يذهب بعكس القانون.
* أعتقد أن هذا هو الزيف، ببساطة لست متفقا.
- سيدي استعملت انقساما مشكوكا فيه بين التقابل بين معاداة السامية والعنصرية، في الواقع شيء نستطيع أن نشير له أنه عدة مرات في التاريخ أن هذين الشيئين يذهبان جنباً إلى جنب.
* أعتقد أن معاداة السامية أمر لا علاقة له بالعنصرية. عن الطريقة الممنوحة التي أخذت وقتاً طويلاً في محاولة فهم معاداة السامية، يشعر المرء للوهلة الأولى أنه يتواصل مع العنصرية. ولكن عن أي شكل من العنصرية تتحدث حينما لايستطيع شخص أن يفرق بين شخص هل هو يهودي أو ليس يهوديان لأن الإختلاف لايمكن أن يراه؟ العنصرية أكثر جوهرية من كل هذا، إنها اختلاف في لون البشرة...
- لا، لأن العنصرية الثقافية استغرقت مدة طويلة بيننا.
* لكن الآن سيدي، تسأل بكلمات تعني أشياءً ولا تعني أي شيء. العنصرية هي ببساطة عندما لا تحب شخصاً لأنه ينتمي إلى عِرقٍ آخر، لأن ليس لديه نفس لون البشرة مما أنت، أو نفس الميزات.إلخ... لا يمكن أن تمطط الكلمة من أجل أن تمنحك معنى فضفاضا.
- ولكن منذ ذلك الحين، وهو من وجهة النظر البيولوجية، "الأعراف" لا وجود لها، العنصرية هي بالضرورة ثقافية.
* لكن العنصرية موجودة، على ما يبدو، في كل مكان، ومن الواضح أنها وجدت منذ اللحظة التي بدأت فيها بإنتاج الأعراق للمرة الأولى... كن نزيهاً سيليفان! أنت تعرف أن العنصري هو شخص لايحب شخصاً آخر لأن له بشرة سوداء أو وجهاً عربياً. هذه هي العنصرية.
- أو لقيمهم أو ثقافتهم، هي...
* لا، هذه مشكلة مختلفة. آسف.
- على سبيل المثال، تعدد الزوجات؟
* آه، حسنا، يستطيع شخص فضح تعدد الزوجات دون أن يكون فيه ذرة من العنصرية. يجب أن يكون هذا حالة كثير من من الأشخاص ليسوا عنصريين على الإطلاق. لكن لنعود مرة أخرى إلى معاداة السامية، لماذا انحرفنا عن هذه التيمة. أرى أن لا أ حد طلب أن يُفرق بين شخص يهودي فقط من مظهره أو حتى من طريقته في الحياة. بشكل حقيقي منذ متى تتطور معاداة السامية، قليلون جداً من اليهود لهم شكْلُ حياةٍ يهودية؟ بهذا كيف نستطيع أن نعني معاداة السامية؟ ليست نوعا من العنصرية. الشيء الوحيد الذي يمكنك القيام به، هو قراءة النصوص لتدرك أن معاداة السامية ليست أكثر من نظرية للمؤامرة: هم الذين يتحملون المسؤولية عن كل تعاسة العالم. إنهم يتآمرون ضدنا. هناك غازٍ بيننا. إذا كان العالم يذهب في اتجاه خاطئ، إنه بسبب خطأ اليهود، أو بسبب خطأ اليهود البيض... إنها نظرية المؤمراة.
- لكن في رواية " خضوع"، أليس هناك أيضا نظرية للمؤامرة: الفكرة تتمحور على "البديل الكبير"، ما الذي يفعلونه المسلمون مع السلطة؟
* لا أعرف جيداً هذه النظرية " البديل الكبير" لكن أفترض أن لاعلاقة لها مع العِرق. بينما في كتابي لا أذكر الهجرة، هذه ليست التيمة.
- ليس بالضرورة عرقية، يمكن أن تكون دينية، في هذه الحالة، تصف في كتابك بديلاً لِلدِّين الكاثوليكي بالإسلام.
* يصف كتابي تدمير الفلسفة الموروثة عن عصر التنوير، والذي لم يعد له معنى بالنسبة لأي أحد، أو فقط بالنسبة لعدد قليل من الناس. ومع ذلك، الكاثوليكية لاتفعل أي شيء سيء. أنا أرى أن هناك تحالفاً ممكناً بين المسلمين والكاثوليك. لقد رأينا ذلك يحدث في الماضي، ويمكن أن يحدث مرة أخرى.
- سيدي لقد تحولت إلى مُشخص، يمكنك أن ترى هذا بفرح، وأن ترى كيف يتم تدمير فلسفة التنوير؟
* نعم، عليك أن تمضي في لحظة أخرى ويمكن أن تكون الآن، بهذا المعنى فإنني " كونتي "[ أنتمي إلى فكر أوغست كونت]. نحن فيما نسميه بالمرحلة الميتافيزيقية، التي ابتدأت في العصور الوسطى. وبهذا المعنى العام كان تدميراً للمرحلة السابقة. في حد ذاته، لايمكن أن تنتج أي شيء، سوى الفراغ والتعاسة. بطريقة ما نعم، أنا معادٍ لفلسفة التنوير، وهذا ما أحتاج أن أتركه واضحاً تماماً.
- لماذا اخترت وضع روايتك في عالم أكاديمي؟ لم تجسد عصر التنوير؟
* أعتقد بأنني لا أعرف. الحقيقة هي أنني رغبتُ أن تكون حبكة فرعية طويلة ركزت على " هايس مانس" ومن هنا استوحيت فكرة أن تكون شخصيتي شخصية أكاديمية.
- هل كنت تعلم منذ البداية أنك رغبت في كتابة هذه الرواية بضمير المتكلم؟
* نعم، لأنها كانت لعبة مع " هويس مانس". كان ذلك منذ البداية.
_ مرة أخرى، كنت قد كتبت عن شخصٍ كان جزءاً من صورة الذات، وليس كُلها، لكن...إنه موت والدُ [بطل الرواية] على سبيل المثال.
* نعم، استعملت الكثير من الأشياء، على الرغم من التفاصيل كانت مختلفة تماماً. شخصياتي الرئيسية ليست تصويراً لذاتها. ولكنها دائما تحمل توقعات. على سبيل المثال، إذا كنت قد قرأت عن " هويس مانس" ودرستَ الأداب وكنت أستاذاً للأدب؟ أتصور حيوات لم أحياها.
- تسمح بالزمن وبأحداث واقعية يتم مزجها بحياتهم الروائية.
* أستعمل لحظات أثرت في حياتي الحقيقية. نعم، لكن في كل مرةٍ أميل إلى تغيرها. في هذا الْكِتَاب الشيء الذي يبقى من الواقع، هو العنصر النظري ( وفاة والده) ولكن كل التفاصيل هي مختلفة. كان أبي مختلفاً كثيراً عن هذا النوع، موته لم يحدث هكذاعلى الإطلاق. تمنحني الحياة فقط الأفكار الأساسية.
- أثناء كتابة هذا الكِتاب، هل كان لديك شعور بأنك كاساندرا، نبي الكارثة؟
* في الحقيقة، هذا الكتاب لايمكن وصفه كتنبؤ متشائم. في النهاية لاتتحول[لاتعتنق ديناً ] بشكل سيّء للغاية في الواقع.
- لم تكن سيئة أكبر بالنسبة للرجال ولكن سيئة بالنسبة للنساء...
* نعم، هذه مشكلة مختلفة. لكن يبدو لي أن مشروع إعادة إعمار الامبراطورية الرومانية ليست غبية، لذا تم اعادة توجيه أوربا نحو الجنوب، سأبدأ في استخلاص أحد المعاني، حتى الآن لا أقبض على هذا المعنى. سياسيا إلى أي حدٍ يمكن للمرء أن يسعد بهذا التغيير؟ في الواقع الأمر ليس كارثة.
- على الرغم فالكتاب محزن للغاية؟
* نعم، لديهم حزن قوي كامن. في نظري، الغموض يتوج في الجملة الأخيرة: " من يحفتظ بالحِدادلايملك أي شيء ”. في الواقع يمكن للمرء أن يخرج من الكتاب بشعور مغاير تماماً. ليحتفظ بالحِداد للشخصية شيئان: مريم والمرأة السوداء. ولكن النتيجة لاندم مع ضياعه. الذي يجعل من هذا الكتاب مُغلفاً بالحزن هو نوع أجواء الإستقالة.
- كيف يمكنك وضع هذه الرواية مع كتب أخرى؟
* يمكن أن أقول أنني قمت بأشياء كنت أرغب بالقيام بها منذ زمن طويل. أشياء لم أقم بها من قبل. كيف يمكن امتلاك شخصية مهمة التي لم يراها أحد أبداً مثل ابن عباس. كما أنني أعتقد أن النهاية كانت أكثر حزناً من عقدة الحب كما لم أكتبها أبداً، لأنها الأكثر اعتيادية: عيون ترى، قلب لايشعر، امتلاك الأحاسيس. بشكل عام هناك احساس كوني أقوى بكثير مما عليه في كتبي الأخرى. له جانب قاتم، شفقي، وهو ما يفسر نبرة الحزن. على سبيل المثال، لو أن الكاثوليكية لم تنجح بشكل جيد فلأنها تنتمي إلى الماضي، فقد انكفئت على نفسها. فالإسلام هو صورة للمستقبل. لماذا استنفد فكرة الأمة؟ لأنهم أساؤوا لها طيلة فترة طويلة.
- لا يوجد هنا أي محيا للرومانسية، أقل غنائية من ذلك بكثير. فقد انتقلنا إلى الإنحطاط.
* نعم هذا صحيح، الحدث الذي ينتمي إلى " هويس مانس" يجب أن له يكون شيء من هذا. لايستطيع " هويس مانس" العودة إلى الرومانسية، لكن بالنسبة له كان لايزال من الممكن انفصاله عن الكاتوليكية. نقطة الإلتقاء الأكثر وضوحاً في كتبي، هي أن الدِّين، مهما شكله فهو ضروري. هذه الفكرة موجودة هناك في الكثير من كتبي. فقط أن الدِّين موجود حتى الآن.
- أين مكان الضحك في الكِتاب؟
* هناك شخصيات كوميدية هنا وهناك. وأود أن أقول الواقع هو نفسه دائماً. مع نفس العدد من الشخصيات المُضحكة.
_ لم نتحدث كثيراً عن النساء، مرة أخرى، فإنك جلبت انتقادات بهذا الجانب؟
* منذ ذاك الحين، لن تستسيغ الحركة النسوية هذا الكتاب. لكن أنا لا أستطيع أن أفعل أي شيء حيال هذا.
- وبعد هذا سيدي تتفاجئ أن الناس يوسعون ساحة المعركة كما كارهي النساء. هذا الكتاب لن يساعد في هذا المعنى؟
* الحقيقة، أنني لازالتُ غير كارهٍ للنساء. وأود أن أقول أنه في أي حال من هذا ليس مهماً. ولعل ما يمكن أن يجلب الشر للناس هو تبيان كيف أن الحركة النسوية كانت محكومة بالديمغرافيا. وبالتالي فإن الفكرة الأساسية، التي بإمكانها أن تزعج الناس حقاً، هو أن الإيديولوجيا ليست لها أهمية بالمقارنة مع الديمغرافيا.
- ألا يمكن اعتبار أن هذا الكتاب بمثابة استفزاز؟
* تسارع التاريخ، ولكن لا، لا أستطيع أن أقول هذا الكتاب مستفز. وأن هذا يعني دائماً قول أشياء أعتبرها بالأساس وغير أكيدة فقط من أجل جعل الناس في حالة نرفزة. أكشف نوعاً من التطور، الذي هو في نظري واقعي.
- أثناء كتابة أو إعادة الكتاب، هل كنت تتوقع بعض ردود الفعل على نشره؟
* ما زلت لا أستطيع التنبؤ بهذه الأشياء، ليس تماما.
- سيتفاجئ البعض أنك قد اخترت أن تذهب في هذا الإتحاه، عندما أشادوا بكتابك الأخير بمثابة انتصار لدرجة أنه أخرس منتقديه.
* الجواب الحقيقي أنه، وبصراحة، أنا لم أختره، بدأ الكتاب مع محادثة عن الكاثوليكية التي يجب أن تأخذ مكانها ولكنه لم يفعل.
_ ليس هناك شيء تأمُلُه حول هذه الإلتفاتة، أنك لم تختاره؟
* يأتي اليأس لنقول وداعاً للحضارة، مهما كانت عليها من درجة القٍدم. في النهاية فالقرآن هو أفضل بكثير مما كنت أعتقد، والآن أعيد قراءته أو بالأحرى أقرؤه. الإستنتاج الأكثر وضوحاً هو أن الجهاديين هم مسلحون سيؤون. من الواضح، كما هو الحال مع أي نص ديني، هناك مجال للتأويل، ولكن قراءة نزيهة ستصل إلى استنتاج أن هذا بشكل عام، لايجيز حرباً مقدسة عن العدوان، وأن فقط الصلاة تبقى صالحة. لماذا يمكن القول أنني غيرتُ رأيي؟ لهذا لا أشعر أنني كتبتُ انطلاقا من الخوف. أشعر، بدلاً من ذلك، أننا نستطيع الذهاب مستعدين. لاتستطيع الحركة النسوية القيام بذلك، إذا أردنا أن نكون نزيهين فِعْلاً. لكن أنا وأشخاص أخرين نستطيع فعل ذلك.
- هل يمكنك استبدال كلمة الحركة النسوية بكلمة النساء، أليس كذلك؟
* لا، لا يمكن استبدال كلمة الحركة النسوية بكلمة النساء. في الحقيقة أنا لا أستطيع. أنا أقولها بشكل صريح هو أن النساء أيضا يمكن أن يغيّرن دِينَهُنَّ.
أجرى الحوار:
sylvain Bourmeau
عن جريدة إلباييس / 08/01/ 2015
ملاحظة: الكلمات الموضعة بين معقوفتين[...] هي من إنجاز المترجم
عبدالله الساورة: كاتب من المغرب