anfasse11023    يشكل نظام التربية والتكوين قاطرة التنمية المستدامة، وقاطرة التغيير التي تقودنا نحو  بناء المجتمع الذي نريد والإنسان الذي نريد والقيم التي نريد أن نمشي على خطاها جميعا. غير أن هذه القاطرة في بلدنا يبدو أنها تعرف كثيرا من الاختلالات والأعطاب. مما جعل الملك ينبه بذلك في خطاب 20غشت 2013 بقوله إن النظام التعليمي ‹‹أصبح في الوضع الحالي أكثر سوءا مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة››.
    وقد كشف التقرير الذي أعدته الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، سنة 2014، حول ‹‹تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين 2000-2013 : المكتسبات والمعيقات والتحديات››، كشف عن هذه الاختلالات التي اعتبرها مزمنة، ‹‹وهي اختلالات ترتبط في عمومها بضعف تماسك وانسجام مكونات المنظومة التربوية، وبمستوى نجاعتها ومردوديتها الداخلية والخارجية، وملاءمة مناهجها وتكويناتها مع متطلبات المحيط، وذات صلة أيضا بالنقص الشديد في إدماج بنيات مجتمع المعرفة وتكنولوجياته المتجددة، وبمحدودية مواكبتها لمستجدات البحث العلمي وعالم الاقتصاد ومجالات التنمية البشرية والبيئة والثقافة››.

anfasse05021تقديم:
"إن الفلسفة هي فن تكوين وإبداع ، وصنع المفاهيم"[1]
"إن الفلسفة بتدقيق أكبر؛  هي الحقل المعرفي القائم على إبداع المفاهيم"[2]
انطلاقا من هذا فإن الغرض من الورقة الوقوف على دلالة المفهوم الفلسفي، من جهة تكوينه و بنائه عند الفلاسفة ؛ ومن جهة بنائه الديداكتيكي مع تلاميذ التعليم الثانوي التأهيلي.
فما هو المفهوم الفلسفي؟  وما طبيعته؟
كيف يبدع الفيلسوف مفاهيمه؟ و ما علاقة مفهوم فلسفيا ما بمفاهيم أخرى؟
كيف نبني مفهوما فلسفيا ما مع التلاميذ؟ كيف نقدر التلاميذ على إبداع المفاهيم الفلسفية ؟

في المفهوم الفلسفي:
إذا كانت الفلسفة حقلا معرفيا قائما على ابداع المفاهيم كما أشار دولوز، فإن تدريس الفلسفة بالتعليم الثانوي يتمحور حول المفهوم، هذا الاخير ولد من رحم لغتنا الطبيعية؛ لذلك نجد الكثير من المفاهيم الفلسفية ذات الجذر الحسي: ننظر مثلا في مفهوم الحدس (Intuition)  الذي يعربه طه عبد الرحمن بمفهوم الاستبصار[3] المشتق من بصر الدال في اللسان العربي على الرؤية والعين كأحد الحواس[4]، كما نستشف دلالة الحدس على الابصار في مقولة كانط الشهيرة "المفاهيم بدون حدوس تظل عمياء والحدوس بدون مفاهيم تظل جوفاء".
وإذا نظرنا  في مفهوم الإدراك (compréhension ) نجد لفظة الادراك المشتقة في اللغة العربية من أدرك التي تحيل كذلك على إحدى الحواس الخمس .

anfasse25123يمكن تعريف تقدم المجتمعات ،  باعتباره سيطرة العلم على ثقافتها بمفهومها الشمولي . اي يصبح العلم  مرجعية اساسية في انتاج الافكار والاراء والسلوكات بالنسبة "للمواطنين" المكونين لها. فمن ضمن العوامل الأساسية التي ادت الى تقدم المجتمعات الغربية هو تحالف موضوعي بين انتصارات العلم على الايديولوجية المهيمنة من جهة، والطبقات الاجتماعية التي حولت هذه الانتصارات الى وقود اجتماعي وسياسي للتغيير من جهة اخرى .العلم الذي نقصده ليس مجرد نظريات وقوانين تقنية، بل نمط تفكير يعتمد على منهجية التفكير العلمي المبني على  دياليكتيك بين النظري المنطقي البرهاني الرياضي ، والواقعي التجريبي . و المعتمد على مبادئ مثل الروح النقدية والنسبية والموضوعية . ان المتأمل للثقافة المهيمنة في المغرب ، سوف يلاحظ شبه غياب لآليات التفكير العلمي حيث تسود اضطرابات على مستوى منهجية التفكير و تصبح الانفعالات في غالب الاحيان الصانعة للمواقف والسلوكا ت، فتتغيب العقلانية و الحقيقة الموضوعية النسبية، ليحل محلهما التفكير الخرافي و الحقيقة الذاتية المطلقة ؛ "فاول ما يطالعنا في اضطراب منهجية التفكير في الذهنية المتخلفة هو سوء التنظيم الذهني في التصدي للواقع .تقترب الذهنية المتخلفة من الواقع و تتعامل معه دون خطة مسبقة ذات مراحل منطقية واضحة سلفا .حيث تسود الفوضى و التخبط وانعدام التماسك"( مصطفى حجازي ، سيكولوجية الانسان المقهور ) . العجز على التملك  المعرفي للذهنية المتخلفة للواقع، وصعوبة التكيف مع احداثه "يجعل الانسان المتخلف يغرق في تيار جارف من الانفعالات ، حيث  يفقد السيطرة على الواقع ويدفع به الى الارتماء في التفكير الخرافي و الغيبي"(نفس المرجع السابق).

anfasse18127فعل الحكي لا يكون بالارتجال،بل يتم تعلمه  خلال مرحلة الطفولة. هذا التعلم ضروري للذات من أجل التفكير،والربط والتصور الخلاق.                                                          
اهتم ج.بياجي سنة 1925 بالطريقة التي يتوصل بها الأطفال مرحلة 4-12سنة إلى بناء سرد انطلاقا من صورتين :"لاحظ جيدا هاتين الصورتين.إنها نفس الحكاية. الأولى تمثل البداية والأخرى هي نهاية الحكاية. لاحظ جيدا ثم قُصّ علي كامل الحكاية". الأطفال الذين خضعوا لهذا الاختبار يواجهون صعوبات كبيرة للربط بين الصورتين،على الرغم من أنها تبرز،وبكيفية صريحة، نفس الشخصيات،والروابط الممكنة بين الوضعيتين سهلة التصور والتخيّل.           
إلى غاية ثماني سنوات،ثلاثة أرباع الأطفال(4/3) غير قادرين على تعرف وتمييز الشخصيات المشتركة في الرسم ،وإن كانت جلية (ولو أخبرناهم بأن الحكاية هي نفسها في الصورتين). يرصد الأطفال تدريجيا إمكانية ربط علاقة  فيما بعد سن الثامنة ،هو ما دفع بياجي إلى الختم بأن"الصعوبة في تمييز الشخصيات المتناسبة لسلسلة صور ليست سوى الحالة الخاصة لصعوبة أكثر عمومية عند الأطفال،والتي يمكننا تسميتها بصعوبة الربط المتداخل بين تجميعات منطقية".  من المؤكد أن أطفال اليوم ليسوا هو أطفال 1925،وهو يسبحون مبكرا في تيار من الصور المتحركة،والتي ،من المحتمل جدا، تعمل على تسهيل نجاحهم في اختبار ج.بياجي، ومؤكد أيضا أن البروتوكول البياجيتي يعمل على تحييد،وبشكل إرادي،كل تدخل بيداغوجي مُيسِّر،ولكن،مع ذلك،فإن تجربة بياجي تظل نسبيا محافظة اليوم على راهنيتها: لها الاستحقاق في إبراز أن "خلق التمفصل" و"ربط العلاقة" و"الابتكار من أجل الربط" هي ليست سلوكا تلقائيا،وأنها صعبة الاكتساب ،ويلزم إذن أن تكون موضع تكوين .                                             

anfasse18126لَجَأَ بنو البشرِ إلى التَّربيةِ منذُ عهدٍ قديم، بالضَّبط، منذ كانت له القدرة على التَّعلُّمِ من خلال ترابطِهِ داخل جماعاتٍ. فكانتِ الأسرةُ أوَّلَ تَجَمُّعٍ أُنيطَ به دورُ التربيةِ، وتنشئةِ الأطفال. ثم، ونظراً لما عرفهُ المجتمعُ البشريُّ من تَبَدُّلٍ، ظهرت المؤسسة المدرسية، لتعملَ هي الأخرى على تربيةِ وتعليمِ الطِّفل. لكن، فعلُ التربيةِ في التَّجَمُّعِ الأول، غيرُهُ في التَّجمعِ الثاني؛ فإذا كانت الأسرةُ تُربِّي الطِّفل بكيفيةٍ "عشوائية" أو ارتجالية، فإن المدرسة، بِعدِّها مؤسسةً مُختصة، تربي بكيفيةٍ قصدية، بحيث تضعُ أهدافاً، وغاياتٍ، تعملُ على تحقيقها وفقَ مسارٍ يتمُّ رسمُهُ سلفاً، مثلما تعتمد كذلك، طرقاً وأساليباً من أجلِ العمليةِ التّربوية. لقد ظهرتِ المؤسسةُ المدرسيَّةُ في إطارِ التَّحولِ الذي عرفهُ المجتمعُ الإنسانيُّ، حيث تَعَقَّدَ هذا المجتمع وَوَعُرَ فهمُهُ، فَاحْتِيجَ لحظتئذٍ إلى مؤسسةٍ تعملُ على إدماجِ الفردِ (=الطفل) في الحياةِ الاجتماعيةِ وجعلِهِ قادراً على الإنتاج. فماذا نعني بالمدرسة؟ ما الوظيفةُ التي تلعبها اليوم؟ وما علاقتُها بالمجتمعِ الخارجيِّ؟

anfasse27115يذهب الدارسون والباحثون في تشخيص علل منظومتنا التعليمية، ومواطن الخلل بها، مذاهب شتى، منهم من يرى أن الاضطراب آت من البرامج والمناهج، ومنهم من يحصر الداء في البنيات التحتية، والتجهيزات والوسائل، ومنهم من يركز على السياسيات التعليمية والمخططات الحكومية والمبادرات الإصلاحية، وهناك من يركز على البيداغوجيات المعتمدة، والمقاربات المنتهجة، وبعضهم يرجع معضلات مدارسنا وبرامجنا إلى الموارد البشرية التي يقال إنها غير مؤهلة ومدربة بما يكفي للاضطلاع بوظائفها على أحسن وجه، لاسيما وعدد لا يستهان به من أطرنا التربوية، إما تم تعيينه مباشرة بدون تكوين تأهيلي(الدفعات التي جرى تعيينها ابتداء من الموسم الدراسي 2007)، أو لم يستفد نهائيا من التكوين المستمر لاسيما في ديداكتيك مواد التخصص...لست ههنا في مقام تقييم العلل وتقويمها، وبيان الأصح منها، والأقرب للواقع الفعلي، والبعيد عن الحقيقة، لكنني أود في هذا السياق، الإدلاء بدلوي، في تشخيص أدواء منظومتنا التعليمة، والمساهمة في البحث عن الأسباب التي يمكن أن نرجح أثرها، وتأثيرها في تعليمنا وتعلم أبنائنا وبناتنا، وجميع المتمدرسين ببلادنا .

Anfasse12115ظهر مصطلح الذكاء الانفعالي لأول مرة في أوائل التسعينات على يد إثنين من علماء النفس هما بيتر سالوفي Peter Salovey من جامعة ييل وجون ماير John Mayer من جامعة نيوهاميشير في الولايات المتحدة، وذلك في بحثين نشراهما في العام 1990 و1993. غير أن انتشار هذا المصطلح على نطاق واسع لم يتم إلا عندما نشر المحرر العلمي لجريدة النيويورك تايمز، والمتخصص في علم النفس، المفكر دانييل غولمان D. Golman  كتابه الشهير ‹‹الذكاء الانفعالي : لماذا قد يكون أكثر أهمية من نسبة الذكاء›› (1995). وقد ترتب عن إشاعة هذا المفهوم أن اختير كأفضل عبارة جديدة في اللغة الأنجليزية في سنة 1995.
    وقد انطلقDaniel Goleman  من فرضيته حول الذكاء الانفعالي التي تقول: ‹‹ تحدد انفعالاتنا حدود أهليتنا على استعمال قدراتنا الذهنية الفطرية، وتبث في مصيرنا بالقدر الذي توسع أو تكبح هذه الانفعالات قدراتنا على التفكير والتخطيط والتعلم في أفق تحقيق هدف محتمل وحل مشكلة ... كما تقودنا انفعالاتنا إلى النجاح بالقدر الذي نكون محفزين بالحماسة والمتعة التي نحصل عليها مما نقوم به. وبهذا المعنى يعتبر الذكاء الانفعالي الكفاءة الرئيسية المؤثرة بعمق على باقي الكفاءات، وذلك بتنشيطها أو كبحها.›› (Goleman ; 1997 : 109 ). (1) (الترجمة لنا)

anfasse06114يتوخى تدريس النصوص الأدبية في مدرستنا تحقيق مجموعة من الأهداف المراد بلوغها من أجل الإرتقاء بالمستوى المعرفي والجمالي لدى المتعلم وكذلك إلى تنمية الحس النقدي لديه وتهذيب شعوره وجعله منفتحا على المنتجات الأدبية والفكرية القديمة والحديثة، وكذلك من أجل تكوين بعد ثقافي لديه٠ علما أن النصوص المقررة في الكتب المدرسية تختلف من ناحية عصورها وكذلك من حيث اتجاهاتها الأدبية والفنية، إلا أن طريقة تدريس هذه النصوص تختلف من جنس أدبي إلى ٱخر، إلا أن السؤال المطروح هنا،هو؛ هل يراعي فعلا ديداكتيك النصوص الخصوصيات الفنية والجمالية والإبداعية والثقافية التي ينتمي إليها النص ؟
حيث تذهب اتجاهات الفكر التربوي المعاصر إلى أن عملية فهم النصوص وتدريسها تعتمد بالأساس على التقاطع الموجود بين الثقافة الممثلة لأفق القارئ وبين النص على اعتبار أن النص ينتمي إلى عصر معين تتحكم فيه عوامل متعددة تؤثر على الكاتب بحيث لا يمكنه الخروج عن ثقافة عصره لهذا فالنص الأدبي يخلق نظامه الدلالي الخاص داخل النظام الدلالي العام للثقافة التي ينتمي إليها ، وبالتالي فإن إنتاج الدلالة يكون بالتفاعل بين النص والقارئ داخل سياق ثقافي معين٠

anfasse30103يشكل نظام التربية والتكوين قاطرة التنمية المستدامة، وقاطرة التغيير التي تقودنا نحو بناء المجتمع الذي نريد والإنسان الذي نريد والقيم التي نريد أن نمشي على خطاها جميعا. غير أن هذه القاطرة في بلدنا يبدو أنها تعرف كثيرا من الاختلالات والأعطاب. مما جعل الملك ينبه بذلك في خطاب 20غشت 2013 بقوله أن النظام التعليمي ‹‹أصبح في الوضع الحالي أكثر سوءا مقارنة بما كان عليه الوضع قبل أزيد من عشرين سنة››.
   ولمواجهة هذه الاختلالات قدم المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي رؤيته لإصلاح نظام التربية والتكوين في الفترة الممتدة بين 2015 و2030 ،  تحت شعار"من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء". وتتمثل هذه الرؤية في ‹‹بلورة عدة رافعات استراتيجية للتجديد، تتمثل في رهاناتها الكبرى في ترسيخ مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص، ومدرسة الجودة للجميع، ومدرسة الارتقاء الفردي والاجتماعي››. ما هي مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص؟
مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص

anfasse091012انتصرت كثير من الدراسات التي أجريت في إطار علم النفس المعرفي لفكرة وجود ارتباط وتلازم بين الدافعية والتعلم، باعتبار أن الدافعية تساهم في تحقيق الأهداف التربوية من أجل تحصيل واكتساب المهارات وتنمية الخبرات ومواصلة البحث والتكوين شأنها في ذلك شأن الذكاء والخبرة السابقة، هذه الدراسات أكدت وجود ارتباط بين قوة الدافع وارتفاع الأداء من جهة، وضعف الدافع وتدني المردودية من جهة ثانية. وبذلك تصير كل محاولة تعليم تنآى بنفسها عن فهم واضح ودقيق للحاجات والدوافع إلى الفشل، وقد تبين للباحثين أن حل المشكلات البيداغوجية المرتبطة بالعمل المدرسي بشكل سليم يفرض تحليل ظروف الحاجة أو الدافع، ولأن الدوافع في الغالب تكون خفية ما قد يترتب عنه إعطاء تفسيرات خاطئة لتصرفات ورود أفعال معينة فإن تعرف واكتشاف الحاجة التي تثير الدافع يبقى ضروريا.

1- التربية والحرية عند روسو:
يعتبر روسو واحدا من بين فلاسفة عصر الأنوار، وبكونه فيلسوفا، فقد انخرط في قضايا مجتمعه ، بحيث ساهم في نقد الأوضاع السياسية والاجتماعية والتربوية التي كانت سائدة آنذاك ، وقدم مشروعه السياسي - التربوي بديلا لتلك الأوضاع ، لأن الغاية من مشروعه هذا هو تحقيق الحرية في النهاية وتخليص الإنسان من العبودية "حكمتنا في مجموعها مزاعم حقيرة، وكل مواضعاتنا من الخنوع أو الانحصار أو الضيق،  فالإنسان المتمدن يولد ويعيش ويموت في رق العبودية، حين يوثقونه بقماط، وحين يموت يسمرون عليه تابوتا، وما دام على وجه الدنيا فهو مكبل بشتى النظم"([1]) يرى روسو أن الطفل لا يجب أن تفرض عليه قيود منذ حداثته ، لكونه حين يولد يكون بحاجة إلى مد أطرافه وتحريكها ، كي يطرح عنه ما ركبه من الانقباض والتجمع الطويل في أحشاء أمه ، إذن علينا أن نَحُول بينه وبين الحركة داخل القماط ، وهكذا تكون الحرية حق طبيعي قبل أن تكون حق مدني للإنسان.