لابد أن نميز بداية،بين التعليم وباقي أشكال التربية؛فهو مختلف تماما عن التربية الأسرية التي تكون بشكل تلقائي،ومختلف أيضا عن التكوين الذي يهيئ شخصا لوظيفة معينة. إن التعليم يتميز عن التربية في الأسرة على اعتبار أنه يكون بشكل قصدي،وفق برامج،وبمعية مهنيين يسهرون عليه،كما أنه يمارس داخل مؤسسة. و يختلف عن التكوين على اعتبار أنه غاية في حد ذاته؛إذ يتم تعليم شيء لشخص ما،بينما يتم تكوين شخص لوظيفة ما؛معنى ذلك أن غاية التعليم أو على الأقل موضوعه هو التلميذ،بينما موضوع التكوين هو الوظيفة الاجتماعية،حيث المهم هو عامل المستقبل أو طبيب المستقبل.
إن المعارف المدرسية هي لأجل المتعلم وليست لأجل هدف خارجي،إنها غاية في حد ذاتها،فالنجار المتعلم أو الجراح المتعلم هو دائما وسيلة؛لا يتم تكوينه لأجل ذاته،بل لأجل شيء آخر.في حين أن التلميذ يعمل،كما يقول أفلاطون"من أجل تنميته،من أجل تربيته الخاصة"[1]؛يتعلق الأمر بمعارف نزيهة،بدون مصلحة أو غاية مهنية على الأقل في اللحظة الفورية؛فالعمل المدرسي سواء كان عقليا أو يدويا فهو يختلف بماهيته عن العمل الإنتاجي الذي يكون فيه العامل دائما وسيلة لغاية تحدد له من الخارج. في المدرسة،التلميذ يعامل كغاية،إنه يعمل لأجله ويتعلم استقلاله الخاص. أما التكوين فلا يمكن أن يكون إلا خارج المدرسة،أو بعدها،وسيكون أكثر فاعلية إذا كان مسبوقا بتعليم شخصي،يكون الشخص قادرا من خلاله على بنينة الذاكرة وتكوين الحكم،ويمكننا في هذا الجانب أن نفكر فيما يميز الرياضة المدرسية عن الرياضة المهنية لنفهم فيما يتميز العمل المدرسي عن العمل الإنتاجي.
من التعلم الذاتي نحو التقويم الذاتي ـ مراد ليمام
لعل مختلف إجراءات التقويم التكويني الخاصة بالمدرس، ينبغي أن تكون في خدمة التقويم والتصحيح الذاتيين لدى المتعلم ، ما دام الأساسي هو تحكمه في مختلف الإجراءات ، وتمكنه من التساؤل بصدد ما هو مقدم على فعله أثناء التقويم من أجل تحقيق فعل أفضل: "فالمراقبة الذاتية هي موضوع الدراسة لدى المعرفيين تحت مصطلح: إجراءات تدبير الإجراءات Procédures de gestion des procédures"(1).
وينبغي أن لا ننسى أن التقويم الذاتي ليس فقط المراقبة الذاتية، بل هو أيضا التساؤل الذاتي L’auto-questionnement . وبتعبير أدق ، الملكة التي تدفع الذات إلى طرح أسئلة بصدد ما هي مقدمة عليه وعلى فعله : " ما الذي أنا بصدد فعله ؟ وما المعنى الذي يحمله الفعل ؟ أو ما المعنى الذي أنا بصدد بنائه ؟...الخ"(2).
التربية والديمقراطية علاقة غائبة ـ أشرف البطران
"فكما أن ماهية المادة الثقل، فإننا من ناحية أخرى نؤكد أن ماهية الروح هي الحرية" هيغل
لا يزال نظامنا البيداغوجي يعاني أزمة تحديد المحور الذي يجب أن يدور في فلكه بعد أن فقدت واستبعدت نقطة الإسناد المركزية لهذا النظام, وأخذ يسبح في فضاء اللاجاذبية, بعيداً عن الأهداف المتغيا تحقيقها, وبخاصة بعد أن أصبح المعلم والمنهاج هما محور العملية التربوية، والطالب في وضعية المتلقي الخاضع لسلطته التنفيذية. هذا كله راجع لضبابية الموقف التعليمي والفهم الخاطئ لطبيعة المرحلة, حيث لا يزال المعلم يعتقد أنه المصدر الوحيد للمعلومة، في الوقت الذي أصبحت فيه الأخيرة مشاعاً يستطيع المريد الحصول عليها متى شاء في ظل الانتشار الواسع للوسائط المعلوماتية.
ليس هذا إنكاراً للدور الحيوي الذي يلعبه المعلم في الحياة التعليمية, ولم تأتِ التكنولوجيا يوماً لتقوض دور المعلم، بل أعطته دفعة قوية للأمام, وإنما للطريقة التعليمية التي تسير باتجاه واحد، من المعلم الذي يقوم بالدور الحيوي الفاعل والنشط، إلى المريد المراقب والمحاصر في جميع حركاته, والذي لا يعدو عقله إلا مركزاً للودائع الجاهزة سلفاً, بالتالي يفرض عليه دور المستهلك السلبي لتلك الودائع؛ بمعنى أن الطالب لا يهتم بالمعلومة؛ سواء أكانت مفاهيم أم قوانين أم حقائق، بقدر ما يهتم باستنساخها وحفظها وتذكرها كما هي، لحين موعد اختبار التذكر.
أزمـة الحقل التربوي المدرسيّ في تونس: عالم رمزي مرتبك و خطاب مُتردّد ـ د. شهيد الفري
نسعـى في هذا المقال إلـى تقديم قراءة تفكّك جانبًا من جوانب أزمة المدرسة التونسية من منظور سوسيولوجي نقدي وضمن المقاربة البنيوية التكوينية لبيير بورديو . و منطلقنا فرضيّة عقم الثقافة التربويّة للمدرسة الرّسميّة إزاء عدم استقلالية حقلها و افتقار الفضاء الاجتماعيّ لشروط تجاوز ذلك العقم. لا تتناقض هذه الفرضية مبدئيّا مع الإقرار بأثر المدرسة التّونسيّة في التّغيّر الاجتماعيّ، إذْ لا يُمكن أن نتغافل عن دورها في " التنمية " بوجه ما،مع أنّ القراءات في ذلك تتعدّد و تختلفُ ، و لا يمكن أن نتجاهل بالغ أثرها في توزيع الهيمنة في الفضاء الاجتماعي ،غير أنّ الإقرار بذلك لهذه المدرسة لا يمنعُ تأكيد عمق أزمة ثقافتها التربويّة . و لا نتناول في مقالنا هذا التربية المدرسية النظام التربوي بالنقد على محك المعايير الرسمية المعتمدة ، و لا يعنينا البعد الرّسميّ إلا باعتباره خطابًا،وهو خطابٌ يستدعي القراءة و النّقد. أيْ لا نتعاطى من الداخل مع " حقيقة المدرسة " كما يسعى الخطاب الرسمي إلى تشكيلها بل مع خطابات المجتمع ، طالما أنّ " لكلّ مجتمع نظامه الخاصّ المربط بالحقيقة و" سياسته العامّة " حوْل الحقيقة : أي أنماط الخطاب الّتي يستقبلُها هذا المُجتمعُ ويدفعُها إلى تأدية وظيفتها كخطابات صحيحة[1] ". و إذْ نفترض وجود أزمة عميقة للثقافة التربويّة فإننا لا نقصد بذلك جاهزية أيّ تقييم معياري قيميّ بقدرما نعني الأزمة البنيويّة –التكوينيّة لتلك الثقافـة ، و أساسًا نفترض أنّ المسار التاريخي الاجتماعيّ للمدرسة الرسميّة التونسيّة شهد انكسارات متتابعة أثّرت في ثقافتها التربويّة وأربكت طبيعة تفاعلها مع الفضاء الاجتماعيّ .
منهجية تدريس النصوص الشعرية وفق مدخل القراءة المنهجية و بيداغوجيا الكفايات (شعبة الآداب والعلوم الٳنسانية بمسلك الثانوي التأهيلي – اللغة العربية -) ـ مراد ليمام
يتأسس برنامج مكون النصوص الشعرية بمادة اللغة العربية من سلك السنة الأولى و الثانية باكالوريا – شعبة الآداب و العلوم الٳنسانية – من نظام الوحدات المجزوءة٬ بوصفها رؤية جديدة تحقق و حدة المجزوءة بدل الدروس المفككة٬ فضلا عن استجابتها لحاجات المتعلم .
نتيجة لذلك ٬ و بالاتكاء على التوجيهات و البرامج التربوية المؤطرة ينبغي التقيد بمقومات القراءة المنهجية الخاصة بمكون درس النصوص الشعرية . ٳذ تسعى هذه المقاربة التدريسية ٳلى دراسة النص الأدبي دراسة علمية بهدف بناء و تطوير ملكات و قدرات المتعلم ٬ التي بواسطتها يبني المعارف الحدسية بالظواهر الأدبية و ينظمها داخل مقولات في شكل أحكام عامة .
لذلك ٬ على الأستاذ الالتزام بالمقاطع المفصلية الكبرى المشكلة لهيكل القراءة المنهجية .لكن و قبل الدخول في صلب المقاطع ٬ من المفروض العمل على تشخيص المكتسبات المتعلقة بالرصيد المعرفي الخاص بالمجزوءة قيد الدراسة .و يتحقق ذلك بتوجيه أسئلة قبلية و تشخيصية بغية استطلاع مدى فهم المعطيات السابقة .
و قصد ٳعداد المتعلم سيكولوجيا للانخراط في مسار التعلم ٬ يلتزم الأستاذ بالتمهيد للدرس متوسلا بأسئلة تشويقية و تحفيزية تثير انتباه المتعلم ٬ و تكسبه الألفة و الاستئناس الأوليين مع الوضعيات التي سينخرط فيها لبناء التعلمات.
بعد وعي المتعلم بمسار التعلم الذي سينخرط فيه ٬ يتم التركيز في مرحلة الملاحظة على المسح الشامل للفضاء النصي باعتماد ٳستراتيجة انتقائية لمجموع المعطيات التي تسيجه : الصورة – الكاتب – المصدر – العنوان – بداية النص ... ٳن القيام بهذه العملية يتوقف طبعا على المكتسبات القبلية للمتعلم ٬ و التي تؤهله ٳلى الٳدراك السريع لما سيحتاجونه في قراءتهم للمعطيات الخارجية .فعملية بناء المعنى خلال هذه المرحلة يتوقف على فعل التقاط المؤشرات النصية من جهة ٬ و على فعل الاستباق المتمثل في وضع فرضية حول النص الذي سيتم بناؤه من جهة أخرى .
إجراءات التقويم التكويني الخاصة بالمدرس ـ ذ. مراد ليمام
ٳن المراهنة على النوعية والجودة عند أي إصلاح تربوي يتوقف على الخيارات الإستراتيجية المتبناة للتقويم والمؤسسة للمقاربة البيداغوجية المراد تنزيلها لإطلاق سيرورة الإصلاح المنشود.
إن طرحنا لهذه المعطيات ، سيكون المدخل الرئيسي لاستكشاف الشروط العلمية للتقويم التكويني وفق مدخل المقاربة بالكفايات . حيث سنعتمد الإعداد المنهجي لجيرار سكالون ، الذي يقدم تصورا شاملا للطريقة التي يجب أن يتم بها التقويم التكويني من خلال رسم ٳجراءات التقويم التكويني الخاصة بالمدرس.
بناء عليه ، يرى سكالون أن التكوين من أجل التقويم ، في المقاربة بالكفايات ، يستلزم من المدرس الوعي بعدد من المعارف والمهارات التي تختلف عن تلك المذكورة في الكتابات الكلاسيكية . ومن ثم يفترض الباحث أنه على المدرس التمكن من المعارف والمهارات الأساسية المساعدة على تقويم الكفايات ، والتي تشتمل ضمنيا على المنهجية والطريقة العامة التي يمكن أن نتصور بها حاليا التقويم . ولعل المهارة الأساسية التي يفترض من المدرس التمكن منها هي قدرته على ترجمة ملفوظ الكفاية إلى مهمة معقدة أو وضعية مشكلة . "إن إظهار التحكم في الكفاية يتم انطلاقا من وضعيات مكافئة لها . وسنسمي هذه الأخيرة بوضعيات الكفاية (Des situations de Compétence) ، أي وضعيات مشكلة أو مهام معقدة تفرض على المتعلم تعبئة الموارد()" بطريقة ناجعة لإيجاد حلول مناسبة ، بتحويل واستثمار مكتسباته في سياقات مختلفة غير تلك التي ألفها شريطة أن يتم التركيز في المهام على إنتاجات ملموسة وذات دلالة بالنسبة للمتعلم .
أعطاب التقويم التكويني في التنظير المؤسسي بالمغرب لمادة اللغة العربية بسلك الثانوي التاهيلي ـ ذ.مراد ليمام
يحتل مفهوم التقويم التكويني موقعا مركزيا في الأبحاث والدراسات التي تندرج في مجال البحث البيداغوجي، لاسيما بعد النجاح الباهر الذي حققته العلوم الإنسانية في دراستها للإنسان. إذ كان لذلك أُثره البالغ في حقل الدراسات المرتبطة بتحديد مفهوم التقويم التكويني وموضوعه. وتبعا لذلك سيتم التعامل مع التقويم التكويني باعتبار قبوليته التحليل العلمي، المدخل الرئيسي في ظهور مقاربات بيداغوجية تدعي كونه موضوعها الأساس بامتياز، وأن لها تصوراتها الخاصة وإجراءاتها التي تسعفها في تقديم تصور متكامل له.
وبصدد قبول التقويم التكويني للتحليل العلمي، سنلاحظ السعي إلى قراءة وضعيات التكوين والتعلم وتحليلها بمفاهيم تستمد مقوماتها وأسسها دراسة وتحليلا من مجالات البحث البيداغوجي، حيث اختلف التعاطي مع التقويم التكويني ومع مستتبعاته بحسب الاتجاهات البيداغوجية.
الوضعية - المشكل في درس الفلسفة ـ العلوي رشيد
لا نكاد نجد تعريفا يناسب الاشتغال على الوضعية المشكلة في الفلسفة، بالنظر الى الصعوبات التي تعترض المشتغلين بديداكتيك الفلسفة فيما يتعلق بتوظيف بيداغوجيا الوضعية – المشكلة في درس الفلسفة. لذلك سنكتفي بالتعريف الاجرائي الذي جاء في مصوغات تكوين اساتذة الفلسفة سنة 2009 والصادر عن "الوحدة المركزية لتكوين الأطـر"، ونقرأ فيه: "تعتبر الوضعية-المشكل دعامة مشيدة لأغراض تعليمية بهدف تنمية كفاية معينة أو تقويمها. وتفترض بما هي وضعية، تفاعل ذات مع سياق ينخرط فيه المتعلم لأنه يعنيه بكيفية ما، كما تفترض بما هي مشكل، وجود عائق يخلق توترا معرفيا ويحث على التفكير والتأمل والوعي بالحاجة إلى تعلمات جديدة لمعالجة المشكل. لذلك فهي إطار للتفكير ومناسبة لبناء المفاهيم أو لاستثمارها في معالجة وضعيات جديدة"، وهو التعريف الذي يقترحه معظم المتخصصين في بيداغوجيا الوضعية المشكلة، وعلى الاخص فيليب ميريو Philippe Meirieu وجيرار دوفيتشي Gérard De Vecchi.
وفي محاولة لتعريف الوضعية المشكلة بما يخدم منطلقات واهداف درس الفلسفة نقرأ في مصوغات التكوين ما يلي: "تمثل الوضعية المشكلة لحظة بلوغ الفكر تناقضا أو تعارضا ينبغي حله حتى يمكن الاستمرار في التفكير على نحو يتجاوز ذلك التناقض. وهي وضعية نظرية تهم العلاقات بين الأفكار. والتناقض الذي يميز الوضعية المشكلة هو منطلق التفكير وليس نهاية له كما يبدو للوهلة الأولى. وهنا قد يكون المفهوم/التصور الأولي مجالا لبناء وضعية تتسم بالتناقض أو التعارض أو المفارقة، مما يحفز الفكر المتسائل ويفتح إمكانية صياغة أمثلة موجهة للتفكير ومشكلات تنخرط في سياق التفكير الفلسفي بمرجعياته وآلياته وضروراته المنهجية". وبناء عليه فبناء المفارقة في الفلسفة تمثل اللحظة الاساس في مسار انجاز الدرس، إلا أنه يتعين علينا ان نميز في هذا المستوى بين البناء الاشكالي والاشتغال على الوضعية المشكلة، ذلك أن هذه الاخيرة لا تحل محل البناء الاشكالي، وإنما هي وسيلة ووضعية انطلاق وتمهيد لبناء الاشكالية الفلسفية. وفي هذا الصدد نميز بين أنواع من الوضعيات المشكلة التي يمكن ان يوظفها المدرس في مختلف لحظات بناء الدرس. فإذا كانت مختلف المواد المدرسية الاخرى وعلى الأخص المواد العلمية تسعى الى بلوغ الحل كغاية خلال توظيف الوضعية المشكلة فإن درس الفلسفة لا يمكن ان يتمحور حول تلك الغاية بالنظر الى طابعه الاشكالي، وبالتالي سيكون المبتغى هو صياغة اشكالات جديدة وطرح وضعيات اشكالية جديدة تفتح افق تفكير التلميذ.
التقويم مدخل أساسي لٳصلاح النظام التربوي ـ ذ . مراد ليمام
في سياق التقويم غالبا ما نتساءل – بداية - عن الكيفية والوسائل المساعدة في التقويم، بل وفي كثير من الأحيان نتساءل عن موضوع التقويم : هل الكفايات أم المعارف أم المهارات... ؟ وحين يستعصي علينا الأمر فإننا - وفي الغالب - نظل نتردد حول نفس المفهوم، طارحين هذه المرة السؤال الماهوي المتصل به: ما المقصود بالكفاية ؟ وحين نقوم هل نكون بصدد تقويم الكفايات أم المعارف أم المواقف... ؟
من هذا المنطلق، يطرح بيرنو قضية أقل اعتياصا وأكثر استفزازا من شأنها أن تضع اللبنات التأسيسية وتخطط الإجابات الواعدة للأسئلة المذكورة حين قوله: "إذا كانت المدرسة تستطيع تقويم المعارف المستعملة خارج سياق اكتسابها، فلن تجد صعوبة في تقويم الكفايات ، ما دام الاثنان وجهين لنفس المشكل([1])".
في كلتا الحالتين ، التقويم غير منفصل عن وضع المتعلم أمام فئة من الوضعيات التي تختلف جذريا عن مثيلاتها في التقويم الكلاسيكي من جهة ، وكلما اهتم النظام التعليمي وأطره بتقويم معارف مسيقة (Contextualisées) ومعبأة كلما كان أكثر استعدادا لتقويم الكفايات من جهة أخرى. فالمعضلة هنا ، ليست تقنية بل ابستمولوجية ترتبط بالقدرة على التخلص من النموذج المدرسي الذي يصور المعارف باعتبارها مجموعا مخزنا داخل رفوف ترادف أجوبة جاهزة لأسئلة الدرس . على هذا الأساس ، يصرح بيرنو: "الرهان هو أن نجعل من التقويم أداة حقيقية لقيادة التعلمات، وأن نجعل- في الآن ذاته – المدرسين أكثر تسلحا لمواجهة معيقات التعلم ، وتقويم المكتسبات وطرائق التعلم بشكل أدق . وعدم تحقق هذا ، من شأنه أن يحدث إحباطا حقيقيا فيما يخص دمقرطة المعارف المدرسية([2])".
في علاقة النماذج البيداغوجية بالبراديغمات الفلسفية ـ خالد زروال
تتأمل فلسفة التربية في الاشكاليات العامة للتربية وفي توجهاتها الكبرى التي قد تختلف باختلاف المجتمعات و الغايات التي ترومها لأنظمتها التربوية، تطرح الفلسفة أسئلتها المتجددة حول غايات التربية في مجتمع ما، وحول الممكن منها وغير الممكن، وفلسفة التربية في علاقتها بباقي علوم التربية لا تختلف عن علاقة الفلسفة عموما بباقي العلوم الانسانية حيث على الرغم مما حققته تلك العلوم من استقلالية عن الفلسفة على مستوى الموضوع و المنهج والمفاهيم، فإنها ترتبط بالفلسفة التي تنظر في اشكالياتها الابيستمولوجية.
هكذا قد تنظر فلسفة التربية في النماذج البيداغوجية وتتساءل حول جدواها وتدعو إلى تجديدها كلما فرضت ذلك السياقات التاريخية والاجتماعية.. لقد شكلت الفلسفة البراغماتية لحظة انبثاق مقاربة التدريس بالأهداف كنموذج بيداغوجي، في سياق تاريخي عرف هيمنة البراديغم النفعي الذي اختزل المعرفة كموضوع و اختزل الانسان كذات عارفة تتلقى المعرفة بشكل تقني في اطار ثنائية: مثير-استجابة.
لأجل ذلك ستتساءل الفلسفة لاحقا عن جدوى اختزال المركب إلى بسيط: اختزال الانسان في البعد العقلي-المعرفي واختزال المعرفة في تخصصات معزولة ، في هذا السياق يرصد ادغار موران أحد أهم الاشكالات التي سقطت فيها التربية المعاصرة حين وقعت فيما سماه "العمى المعرفي" الذي تحولت معه المعرفة في التقسيمات المدرسية للمناهج التربوية إلى مواد وتخصصات مدرسية معزولة تنعدم فيها الروابط الضرورية والتقاطعات الطبيعية، فأصبحت المعارف بذلك ترصيصات معارفية Des savoirs qui existent, de manière juxtaposéeفي ذهن المتعلم يصعب عليه معها إيجاد التوليفات الضرورية بينها وبالتالي توظيفها في سياقات جديدة عن تلك التي اكتسبت فيها.
المنهاج التربوي المغربي وسؤال الثقافة العلمية- الكتاب المدرسي نموذجا – خالد زروال
إن موضوع التربية في علاقته بسؤال الثقافة العلمية يموضعه في إطار يتأرجح بين الإنتاج الرمزي المولد للأنساق التربوية المتضمنة للمرجعيات المجردة الطامحة لخلق جيل قادر على سبر أغوار التفكير العلمي في أفق خلق شروط تنمية حقيقية، وبين القوالب المادية الحسية التي تحول زخم النظرية إلى حقيقة سارية المفعول. والفرق بين اللحظتين يكمن أساسا في مؤشرات درجة التشبع بمبادئ العلم والعقل، التي تقاس بها تاريخية (historicité) أمة من الأمم.
فإلى أي حد يبدو منهاجنا التربوي المغربي، من خلال الكتاب المدرسي، مهيئا لخلق تلك القوالب المادية الحسية القادرة على تحويل زخم النظرية إلى حقيقة سارية المفعول؟ وبالتالي إلى أي حد يبدو كتابنا المدرسي هذا قادرا على الإسهام في إرساء معالم تفكير علمي عند ناشئتنا ؟
إنه الإشكال الذي حاولنا مقاربته بالدراسة والتحليل لحالة تربوية اشتغلنا خلالها على الكتاب المدرسي عبر مقتطف نص قرائي، طامحين من وراء دراستنا هاته إبراز بعض الصعوبات التي لا زال يواجهها منهاجنا المغربي في تقليص الهوة بين طموحه النظري، الذي يروم ترسيخ ثقافة علمية في صفوف مخرجات هذا المنهاج، وبين المقاومة التي قد يبديها واقع الممارسة البيداغوجية. ولعل هذه المقالة تحاول أن تلامس بعض جوانب تلك المقاومة وأسبابها.