الإعلام والتربية جناحا طائر لا تحلّق أمّة من الأمم إلّا بهما
"بفضل القوة الهائلة للتكنولوجيا الرقمية سقطت الحواجز الصمّاء التي كانت تفصل بين البشر، كالبعد الجغرافي واختلاف اللغات والافتقار المزمن للمعلومات، وتحررت القدرات الإبداعية الكامنة لبني البشر على شكل موجة هادرة جديدة تزداد قوّة من دون انقطاع. وأصبحت هذه القدرات الضخمة تحت تصرف كل البشر، وباتوا قادرين على تحريرها بلمسات أصابعهم "
تشارلز كيترينج
1- مقدّمة:
يكاد يكون هناك إجماع بين المفكّرين والباحثين على أنّ الإعلام بلغ ذروته في مجال التّحكّم والهيمنة على مختلف مظاهر الوجود الاجتماعيّ والثقافيّ للبشر في الحياة الإنسانيّة المعاصرة. لقد أصبحت وسائل الإعلام منظومة من الأدوات الّتي يتحقّق بها وجود الناس في أدقّ تفاصيل حياتهم وممارساتهم اليوميّة، إذ لا يمكن اليوم أن نتصوّر استقامة الحياة من غير وسائل الإعلام الإلكترونيّة الّتي نعتمد عليها في تواصلنا وتفاعلنا مع مختلف أوجه الوجود. ومن الواضح أيضاً أنّ هذه الوسائل تفرض نفسها بقوّة، فلا يستطيع الإنسان أن يعيش فصلاً واحداً من فصول حياته دون الاعتماد على وسائل الإعلام، بدءاً من المنزل ومروراً بالشارع ووصولاً إلى مكان العمل. ويمكن أن نسرد عدداً هائلاً من البرامج والوسائل الاتّصالية الّتي يستخدمها الفرد في حياته اليوميّة مثل: جهاز تحديد الاتّجاهات (GPS)، برامج المعلومات عن الطقس، الحسابات والعمليّات البنكيّة، شراء البطاقات، كلّ أشكال التسوّق، ومنها أيضا استخدام البرامج المكتبيّة، في المجالات كلّها من ألف الوجود العلميّ والوظيفيّ إلى يائه. ويمتدّ هذا ليشمل عدداً كبيراً من القضايا والحاجات مثل: استخدام مختلف وسائل التواصل الاجتماعيّ، الشّراء في الأسواق، واستخدام الأجهزة الإلكترونيّة في المطاعم والبارات والصالات. وهذا غيض من فيض الحضور الإعلاميّ في مجال الحياة. ومع هذه الصورة يبدو أنّ الفرد الّذي لا يتمكّن من استخدام هذه الوسائل وتوظيفها سيفقد القدرة الوظيفيّة على الحياة في العصر الحديث، وقد يكون قاصراً عن التكيّف، بل قد يحتاج إلى إعادة تأهيل ثقافيّ إعلاميّ لفترات زمنيّة تقصر أو تطول. فالميديا أصبحت أشبه بالأوكسجين الّذي يمنحنا القدرة على الاستمرار في الحياة([1]).
ومن البداهة بمكان القول إنّ التكنولوجيا الرقميّة أصبحت ضروريّة لأنّها تمكّننا من جعل الأشياء سهلة وممكنة بأقصى درجة من السرعة والفعاليّة. وهي تختصر الوقت وتكسر إرادة الزمان وتحتوي المكان، كي تجعل حياتنا أكثر جمالاً ومتعة واستقراراً وسهولة، وهي فوق ذلك كلّه تصنع ما كان يعتقد أنّه من ضروب المستحيل.
ومع أهمّيّة ما حقّقته وسائل الإعلام والاتّصال الرقميّة من تقدّم، أطلق عليه اسم الثورة التكنولوجيّة تارة وثورة المعلومات طوراً وثورة الميديا والرقميّة طوراً آخر، فإنّ هذه الميديا ما زالت تسحقنا بنوع من الثورة المتمرّدة المستمرّة في إحداث المعجزات الرقميّة والإلكترونيّة. لقد شهدت الإنسانيّة تطوّراً إعلاميّاً بدأ مع الكتاب والصحافة مروراً بالراديو والتلفزيون والحاسوب ثمّ الإنترنت فالثورة الرقميّة الّتي فرضت نفسها في مختلف وجوه الحياة في بداية القرن الحادي والعشرين.