يرفض الفرد منذ طفولته الوصاية والإكراه والتلجيم، ويتحفز للمشاركة فقط حينما يتم احترام حاجاته وأصالته وطموحاته ..ينخرط بفعالية فقط حينما تمنح له حرية اختيار أسلوبه في التعامل ، أي كيف يكون ويتصرف ويفعل ويتفاعل...يتفاوض الطفل إذن ويتواصل دائما انطلاقا من دوافع ذاتية سيكولوجية عميقة..ولا يمكن أن يتحفز للفعل دون تعبئة هذه البواعث. هذا الأمر يجعلنا نثير أسئلة جوهرية: كيف يمكن إذن جعل التلميذ(ة) بمدارسنا يتعب ء ويتحرك من أجل ذاته ومن خلالها في علاقة بالتعلم؟ و كيف يمكن إيقاظ إرادته في التوق إلى النجاح وينخرط في إجراءات ذاتية واستراتيجية لرسم ملامح مصير مفكر فيه؟ ما الذي سيجعله ينتقل إلى معني وفاعل ومسؤول؟ إن الأمر يتعلق في نهاية الأمر بفهم كيفية خلق موقف محفز لدى التلميذ(ة) .

يهتم المدرسون غالبا بالجوانب المعرفية لدى التلميذ ومواقفه تجاه الدراسة، وقلما يهتمون بالجوانب العاطفية والعلائقية. في حين يولي التلميذ اهتماما للقيم الإنسانية والعلائقية لدى المدرس أكثر مما يهتم بإمكانياته البيداغوجية. ويبدو أن هذا الاختلاف في الاهتمامات بين طرفين رئيسين في العملية التربوية يقف وراء تقويض العلاقة التربوية في ممارساتنا التربوية والتي تنعكس سلبا على عطاء تلامذتنا وأساتذتنا على السواء.
حينما يهتم التلميذ أكثر بالجوانب العلائقية والإنسانية للمدرس، فإنه يحتاج إلى إشباع حاجات سيكولوجية ووجدانية التي تبدو أساسية لنموه، فهو يحتاج حسب "ماسلو" Maslowإلى إشباع حاجته إلى الاطمئنان والأمان، وحاجته إلى العطف والحب والانتماء، وحاجته إلى الاهتمام والتقدير والاستقلالية، والحاجة إلى تقدير الذات وتحيينها وتحقيقها. ولا يمكن إشباع هذه الحاجات إلا في فضاء تربوي يوفره مدرس قادر على نسج علاقات مع تلامذته مبنية على التقدير المتبادل والتفاهم والتواصل والانفتاح والتفاوض والتقبل المتبادل.

في زمن عولمة الثقافات والأفكار والسلوكات وتعدد قنوات التربية والتواصل والإعلام، أصبح الرهان على البعد القيمي في التربية والتعليم ضرورة حضارية وتربوية. باعتبار أن المدرسة من أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية. فهي تساهم في تعزيز الانتماء للوطن والحفاظ على الهوية مع الانفتاح على المبادئ الإنسانية الكونية، وترسيخ قيم المواطنة الإيجابية والفعالة التي تتجاوز معرفة القيم إلى تبنيها كسلوكات واستدماجها في مواقف واتجاهات بالمحيطين الأسري والمدرسي والفضاءات العامة.  وهو ما تدعو إليه كل المرجعيات التربوية المختلفة بالمغرب ومنها:

  • الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي رسم بشكل جلي في المرتكزات الثابتة لنظام التربية والتكوين السمات المميزة لشخصية المواطن المرغوب تكوينه، والمتمثلة في الاستقامة والاعتدال والتسامح والتشبع بحب الوطن، المشاركة الإيجابية في الشأن العام والخاص، والوعي بالحقوق والواجبات والتفاعل مع مقومات الهوية الوطنية، مع الانفتاح على معطيات الحضارة الإنسانية العصرية.[1]

بعد صدور تقرير اللجنة الخاصة حول النموذج التنموي الجديد، الذي شكل إطارا مرجعيا سيعطي نفسا جديدا للإقلاع التنموي بالمغرب، ومساهمة في النقاش العمومي الدائر حاليا حول تحليل مضامينه ومناقشة سيناريوهات التنمية التي جاء بها، أود أن أتقدم بملاحظات وبتساؤلات أولية حول موقع التربية في هذا النموذج، والأدوار الموكلة إليها خدمة للإقلاع التنموي المنشود. ويبقى هاجسنا الأساسي هو التعاطي مع التقرير من زاوية الحيز الذي خصصه للتربية، مستعينين بمقاربة تُثمن المنجز، وتطمح للتطوير عبر ممارسة القراءة النقدية البناءة. وفي ما يلي مجمل الملاحظات:
- نسجل ونُثمِّن وعي التقرير بأهمية ومحورية التربية والتكوين والبحث بالنسبة لأية نقلة تنموية نوعية في المغرب، واعترافه بمركزية التربية في المشروع التنموي المنشود ؛ وارتباطا بذلك يشترط التقرير أن تشهد المنظومة التربوية بدورها تغييرا جذريا لكي يتأتى لها القيام بالأدوار المنتظرة منها بنجاعة وفعالية. وفي هذا الصدد يقول التقرير في ص. 93 " فبدون تحول عميق للنظام التربوي لا يمكن بلوغ أي هدف من الأهداف التنموية للمغرب، على مستوى ازدهار المواطنين والتماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي والإدماج الترابي". لكن خطة التغيير التي اقترحها التقرير قد لا تساير ، في نظرنا، النوايا المعبر عنها، فهي لا تتناول معالجة الأعطاب المرتبطة بالاختيارات الكبرى في التعليم( العوائق الصلبة والبنيوية)، بقدر ما تكتفي بمعالجة قضايا تعتبر في حد ذاتها مظاهر للأزمة، وليست من أسبابها الحقيقية، كمسألة الثقة في المدرسة وجودة التعلمات وتكوين المدرسين...الخ

مثّل مقال "حنا آرنت " بعنوان" أزمة التربية" (1958) منطلقا حقيقيّا لنقاش واسع حول التربية واقعا وآفاقا مستقبلية، أمكن من خلاله تشخيص " أزمة التربية" بما هي " عجزها عن الحفاظ على العلاقة بين مقتضيين أساسيين: الحفاظ على مبادئ العدالة والحرية بوصفهما غاية التربية في الديمقراطيات الحديثة، وضرورة التراتبية المكوّنة للعلاقة البيداغوجية بين المعلّم والتلميذ، وبين الكهل والطفل، بين الشيخ والشّاب". وأمام هيمنة مطلب "الحرية" في المجتمعات الحديثة وردّه إلى " الحريّة الفردية"، أفرغت السلطة والإرغام والتراتبية من مضمونها وأضحى من غير الممكن ضمان احترام الإكراهات الجماعية الضرورية لكلّ علاقة بيداغوجية؛ وبالاستناد إلى العدالة بما هي عدالة الأفراد في معنى مجرّد لا يأبه بالفروقات أي كانت، أنتهت المجتمعات الحديثة إلى فشل هو احترام العلاقة اللامساواتية التي تميّز العارف عمن لم يعرف بعدُ. وإذا كانت "آرنت" تردّ "أزمة التربية" إلى "طبيعة "الأنظمة التربوية" القائمة وما تستند إليه من " نظريات تربوية" مصدرها" مركزية أوروبية" ، وحاملة وفق تعبيرها " لخليط غريب من الأشياء الرشيدة والعبثية"، وإلى طبيعة النظام السياسي الليبرالي المهيمن، فإنّ أصالة مقاربتها للمسألة أثّرت بعمق في النقاش الدائر، على نحو يكون عند بعضهم، بتغيير موقع النقاش حول المسألة أو إعادة صياغة مفرداته. انخرط إدغار موران في هذا النقاش المتواصل ولكنّه تفرّد بمقاربة لا تقلّ أصالة وطرافة وعمقا عن مقاربة " آرنت" للمسألة، مقاربة استفادت من أفكار "آرنت" ولكنّها وسعّت دائرة التفكير في المسألة بل أعادت طرحها على نحو مغاير من منظورية خاصّة جعلتها مقاربة محوريّة ومنطلقا لنشأة تيّار فكري مثله مفكرون وباحثون في التربية، ولتجارب ميدانية لتطبيق هذه المقاربة- وإن على نحونموذجي- في فرنسا خاصّة وفي كندا.

" البيداغوجيا هي دراسة طرق التدريس، بما في ذلك أهداف التعليم والطرق التي يمكن من خلالها تحقيق هذه الأهداف. يعتمد المجال بشكل كبير على علم النفس التربوي، والذي يشمل النظريات العلمية للتعلم، وإلى حد ما على فلسفة التعليم، التي تنظر في أهداف وقيمة التعليم من منظور فلسفي.
طرق التدريس: المعلم والمتعلم
في عملية التدريس، هناك طرفان (المعلم والمعلم) يعملان معًا في برنامج ما (الموضوع) مصمم لتعديل تجربة المتعلمين وفهمهم بطريقة ما. لذلك من الضروري البدء بملاحظات حول المتعلم والمعلم والموضوع ثم النظر في أهمية الحياة الجماعية والمدرسة. سيكون من الممكن بعد ذلك النظر في العوامل والنظريات المتضمنة في تعديل تجربة الشخص وفهمه. وهي تشمل نظريات التعلم في التعليم، وتنظيم المدرسة والفصل، والوسائط التعليمية. يدخل الطفل المدرسة مع قدر ضئيل من التحصيل في التعبير الكتابي، إن وجد، ويجعلها قادرة على تعلم الكثير من الثقافة الإنسانية.

خلف الاستعمار الفرنسي للمغرب منظومة تعليمية تعاني من مجموعة من التناقضات والاختلالات. وقد حاول هذا الأخير، غداة الاستقلال، تجاوز الواقع المأزوم لمنظومته من خلال تشكيل "اللجنة الملكية لإصلاح التعليم" التي أقرت المبادئ الأربعة: التعميم والتوحيد والتعريب والمغربة. غير ان هذه اللجنة لم تستطع تقديم حلول جذرية للمشاكل الأساسية للمنظومة، كما انها لم تضع آليات دقيقة ومخططا واضح المعالم لتنزيل هذه المبادئ، مما جعل تطبيقها (أي المبادئ الأربعة) خاضعا للصدفة ومرهونا بتقلبات الأحوال؛ الشيء الذي يبدو جليا من خلال ما خرجت به المناظرات التي عقدت حول التعليم بالمغرب. فإذا كانت مناظرة المعمورة (سنة 1964) قد وضعت مخططا عشريا للتعريب يبتدئ في نفس السنة، فإن مناظرة إفران الأولى (1970)، وإن لم تنته إلى قرارات مهمة بسبب الخلافات بين الفرقاء حول التعميم والتعريب، استطاعت الخروج بمجموعة من التوصيات، نذكر منها تعريب الاجتماعيات والفلسفة وتدريس مادة التكنولوجيا ضمن مواد التعليم العام بالسلك الإعدادي لتلاميذ السنتين الثالثة والرابعة إعدادي بمعدل ساعتين متتاليتين أسبوعيا لكل فوج لا يتعدى عدد أفراده عشرين تلميذا.

تمهيد:
"لقد كان وقتًا آمنا فيه بالمستقبل"
جان جوريس، المولود في 3 سبتمبر 1859 في كاستريس في تارن وتوفي في 31 يوليو 1914 في باريس، هو سياسي فرنسي. جان جوريس أستاذ الفلسفة في مدرسة الليسيه دي ألبي (تارن) ثم جامعة تولوز. أصبح نائبًا جمهوريًا من يسار الوسط في الانتخابات التشريعية لعام 1885، في ظل الجمهورية الثالثة. هُزِم في الانتخابات التشريعية لعام 1889. كان مقتنعًا بالتأكيد بالاشتراكية أثناء الإضراب العظيم في كارمو عام 1892. بدأ ذلك بعد إقالة شركة التعدين كارمو للنقابي جان بابتيست كالفينياك ، الذي تم انتخابه عمدة المدينة والذي تنتقده الشركة لغيابه في كثير من الأحيان لأنه يؤدي مهامه البلدية. ثم يتوقف القاصرون عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، قبل الحصول على إعادة كالفينياك. في عام 1893، تم انتخابه نائبا اشتراكيا عن مدينة كارمو للطبقة العاملة في منطقة تارن. في عام 1898، شارك في مراجعة محاكمة النقيب دريفوس. وفي عام 1902، أسس الحزب الاشتراكي الفرنسي، وكان رئيسًا له حتى عام 1905.

بالرغم من كون التعليم في الدولة الحديثة يرفع شعار تكافؤ الفرص، ويروّج لأديولوجيا الاستحقاق والأحقية، إلاّ أنّ واقع الممارسة يشي بعكس هذا الشعار، حيث التفاوت الاجتماعي سيّد الموقف. فالأصل الاجتماعي الطبقي هو ما يسمح بالنجاح من خلال ما يوفّره من شروط مادية تساعد على تحقيق التفوّق الدراسي موضوعيا. يؤكّد الواقع أنّه كلّما كان الانتماء الطبقي / الاجتماعي مرفّها وذا خلفية ثقافية حديثة، إلاّ وكان سببا مباشرا في تحقيق الرأسمال الرمزي المساعد للمتعلمين على تحقيق النجاح والتفوق. العكس يحدث أيضا عندما يكون هذا الأصل الاجتماعي فقيرا ومتواضعا وأقل من المتوسط كما هو عليه الحال لدى الفئات الهشة الضعيفة في المجتمع، حيث الشروط الموضوعية والذاتية لتحقيق التفوق في زمن تسليع التعليم منعدمة تقريبا.

التعليم عن بعد تاريخيا.
التعليم "عن بعد " هو ظاهرة تعليمية قديمة جدا، كانت أولا "على بعد "، لما كانت وسائل الاتصال والنقل غير فعالة كما هي عليه الآن، والأخبار الواردة والرسائل تحتاج أيام، وأيام لتصل إن وصلت! وكثرة المعيقات: من قطاع طرق، وحروب وأوبئة...
وعلى سبيل المثل لا الحصر نذكر من علمائنا الأجلاء المغاربة من سافروا طلبا للعلم على بعد: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن داود الصنهاجي، والعلامة القاضي عياض، وابن تومرت مؤسس الدولة الموحدية...
ابتداءا من القرن الثامن عشر، عند تطور وسائل النقل، و تبني الدول الخدمات البريدية كرافد مهم وفعال في التنمية والتطور لا محيد عنه، بدأت تظهر مدارس تقدم خدمة التعليم عن بعد للراغبين في تعميق دراستهم. او لكسب مهارات غير متوفرة مكان إقامتهم، ما فتئتْ أن تنامت بتطور وسائل الاتصال وسرعة وسائل النقل، لتصل ذروتها مع سيادة الأنترنيت.. وترسخ أيضا قي قرار النخبة المتعطشة للتعلم جدوى، ونجاعة التعليم عن بعد كخيار لتوسيع أفاق معارفهم.

لا يختلف اثنان في أن فيروس كورونا الذي اخترق صور الصين العظيم، وبدأ يجتاح الأرض طولا وعرضا من شمالها إلى جنوبها وشرقها إلى غربها، خلق أزمة كبيرة وحيرة عظيمة في نفوس الإنسانية، جعلت كل الشعوب تفكر في مصيرها المحتوم، وتحاول البحث عن سيناريوهات للنجاة والظفر بتأشيرة الاستمرارية في الحياة، وإنقاذ المجالات الأكثر تأثير وتأثر بالأزمة من الشلل والكسود. فكان ضمان استمرار العملية التعليمية التعلمية وتجنب توقفها رهانا ثقيلا أمام الأنظمة التربوية في مختلف البلدان والمجتمعات، الأمر الذي دفعها للبحث عن آليات وميكنزمات جديدة للتأقلم مع الوضع ومواجهة واقع الحال، وإنقاذ الموسم الدراسي من شبح سنة بيضاء كذا أن يعصف به..