بكاء أم تباكي؟
أمسى كل من "هب ودب " يتكلم عن مشاكل التعليم العمومي بالمغرب، بالخصوص عند كل حادثة عرضية هنا أو هناك تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي. إن أهل الدراية يعلمون أن مشاكل التعليم العمومي أعمق وأعقد من مجرد أن تُختزل في واحدة أو أكثر من هذه الحوادث المصورة المنتشرة في وسائط التواصل الاجتماعي. إن ما وراء الأسوار والأبواب المغلقة لا يحتاج إلى بيان، لأن مأسي تعليمنا معروفة حتى لدى "كلاب" حراسة هذه المؤسسات. والحال أن العامة البسطاء من المواطنين هم بين نارين: نار الفقر الذي يمنعهم من تعليم أبنائهم تعليما جيدا على غرار أبناء "الأرستقراطية" ونار رداءة منتوج المدرسة العمومية كما يزعمون. أليس هذا ما يدفعهم إلى جعل  كل حادثة من هذه الحوادث، حائطا للمبكى على مآل التعليم العمومي؟ ألا يخفي البعض – حتى أولئك الذين يدعون أنهم من النخب – والمسؤولين، شماتتهم وحقدهم وغضبهم على هؤلاء الذين يتحملون لوحدهم الريح النتنة "لجيفة" موءودة  تسمى ظلما وتعسفا تعليما عموميا.

بعدما تناولنا ضمن ثنايا الحلقتين الأولى والثانية من هذا الملخص الشامل تقديما عاما لأطروحة الدكتور "امحمد زكور"، والفصول الأربعة من القسم الأول من محتوى هذه الرسالة العلمية، سنخصص هذه الحلقة الثالثة والأخيرة لبقية فصول القسم الأول، بجانب فصول القسم الثاني من هذه متن هذه الرسالة الأكاديمية (الفصل الثاني والثالث والرابع من القسم الأول).

الفصل الخامس : وسائل التعبير الجغرافي  (ص ص : 122 – 138)
يميز الدكتور "امحمد زكور" بين ثلاثة أشكال من الآليات المعتمدة في التعبير الجغرافي :
1 – التعبير الأدبي : تستخدم فيه الكلمة للتعبير عن الظاهرة الجغرافية وهو أقدم شكل تعبيري بالنسبة للجغرافيا (النصوص الجغرافية)...         
2- التعبير الإحصائي/الكمي (الرقم) :  يستخدم الرقم للتعبير عن الظاهرة الجغرافية بهدف تدقيق محتواها، والذي اتسع استخدامه منذ القرن 19 ،  مساهما في نشأة تيار الجغرافية الكمية...

"مع أن الذّاكرة والتفكير المنطقي مَلَكَتَان متمايزتان، فإن كُلاّ  منهما لا ينمو سوى في ارتباطٍ بالآخر"
ج.ج.روسو،إميل أو التربية،الكتاب2،ص193.
يجزم كثيرون بأن البناء الذاتي للمعرفة هو،ولوحده،الوصفة السّحرية لسؤال التعلّم،دليلهم في ذلك ما قدمته نظريات التربية الحديثة من تصورات ونتائج،ويزداد رفضهم لأساليب النقل والتلقي المباشرين للمعارف من طرف الذات المتعلمة. مفارقة النقلtransmettre  والبناء construction  ما تزال مصدرا لتجاذبات في صفوف المختصين والمعنيين بالتربية والتكوين،وإذا كان التعلّم لا يتم ولا يُنجَز بموجب قرار رسمي[1] فقط ، وحيث أن تُخوم التداخل والترابط بين فعل النقل وآليات البناء ليست قطعية،ألم يحن الوقت،إذن،لِ"إقامة سلام دائم على قاعدة تقدير عادل لعلاقة القوة بين الحقلين معا"[2]؟ خاصة وأن المسافة بين خلاصات العلوم وتطبيقاتها العملية تظل نسبية، والبحث العلمي لا يصنع واقع الفصل الدراسي la recherche scientifique ne fait pas la classe [3] !

بعدما تناولنا ضمن ثنايا الحلقة الأولى من هذا الملخص الشامل تقديما عاما لأطروحة الدكتور "امحمد زكور"، بجانب الفصل الأول من القسم الأول من محتوى هذه الرسالة العلمية، سنخصص هذه الحلقة الثانية لخطوات النهج الجغرافي، وهي خطوات الوصف، والتفسير، ثم التعميم. هذه الخطوات المنهجية تمثل الفصول الثلاثة التالية من هذه متن هذه الرسالة الأكاديمية (الفصل الثاني والثالث والرابع من القسم الأول).

ميشيل فوكو

"تبدأ الامتحانات الدراسية في المراحل التعليمية المختلفة؛ حتى تعلن حالة الطوارئ القصوى في البيوت، وكأن إعصارا عاتيا سيضربها، وتدق أجراس الإنذار معلنة توقف الزيارات الاجتماعية وانقطاع التواصل المرئي والمسموع وإغلاق كل قنوات الربط الخارجي مع العالم.  يغلق التلفاز نهائيا، أو يسحب إلى غرفة الأم، وتُصادر الجوّالات وتقنيات التواصل التي بأيدي الأبناء، وتمنع الزيارات وتصبح الأحاديث همسا منعا للإزعاج، وترابط الأم في المنزل كالليث الهصور الذي يحمي عرينه من غارة المعتدين، ويتحول المنزل إلى ساحة حرب". (1)
وبهذا تتحول الامتحانات من أداة لقياس مدى معرفة الإنسان لمعلومة في مُقرّر، أو معالجة مفردة في موضوع، إلى اعتبارها مسألة تمس هوية الفرد، "تهدد الوجود والكيان الإنساني وتؤثر في شخصية المرء حتى أعماقها وجذورها".(2) ولتغدو الامتحانات ليست منحصرة في إطار استدعاء للمعلومات فقط، بل "سبرا للمعلومات وغير المعلومات، حتى لكأن الامتحان وُجد لتقييم ذات الإنسان وليس لمعلوماته، يقيّم شخصه ومُثله وأخلاقه، إلخ".  

"الحلقة الأولى"
إيمانا منا بالقيمة المضافة الديداكتيكية والإبستمولوجية لأطروحة "امحمد زكور"، وباستمرارية بريقها الفكري، وبثرائها الجغرافي، ولمحدودية تصورات العرض التربوي التي قدمته غالبية الأبحاث المنشورة إلكترونيا والتي ركزت أساسا على خطوات النهج الجغرافي (الوصف/التفسير/التعميم)، ارتأينا وتعميما للفائدة التربوية تقديم تلخيص شامل لمضمون هذه الرسالة التربوية وعلى حلقات مسترسلة، نظرا لطول وكثافة العرض التربوي.  

إن تناول بعض المفاهيم الإبستيمولجية  في ثقافتنا ( العربية والأمازيغية الإسلامية)  بالدراسة أو استعمال معناها في تداولاتنا الكلامية في الشارع أو في الحجرات المدرسية ، لا يستوفي حقيقتها الكاملة ، بحيث إنه يبقي على شيء من الغموض  و الإبهام فيها ، والسبب خلف ذلك ، هو تلك القطيعة اللاشعورية التي ترسخت في ثقافتنا عن العلم الخالص ،  وذلك الملل الذي ينتابنا ويدفع بنا إلى النفور من التعلم لسد الفضول المعرفي . من بين أهم هذه المفاهيم  ، اخترت لكم مفهوم التجربة والتحقق التجريبي ، هذا المفهوم ، الذي يعتبر أهم  مفاهيم  الممارسة العلمية . إنه لا يحظى بالاهتمام الكافي من طرف الباحثين ، وحتى إذا تدارسوه ، فإنهم لا يضعونه في سياقه الصحيح ، فما أوفر الأدلة التي يمكن سياقتها على مشروعية هذا الحكم ؛ لننظر فقط الى بنية ومعدات مختبراتنا العلمية في مؤسساتنا التعليمية  وجامعاتنا ، لن تجد سوى أدوات منسوخة عن ألعاب أطفال رديئة ، لا تختلف عن الصور الوثائقية في شيء . سترى مستوطنات العناكب في الفراغات الكثيرة  ، في ظل هذه الحال المزرية ، أصبح طلب العلم لذاته تخلفا مهولا في اعتقاد عامة الناس  ، وبات فعل الكشف العلمي تفاهة .

تقديم:
لا يمكن الحديث عن تدريس الفلسفة في المغرب دون استحضار هذا التدريس في النظام التعليمي الفرنسي، إذ أنهما يشتركان في عدد لا يستهان به من المنطلقات والمبادئ؛ بل إن الكثير من الإشكالات والصعوبات، بالنظر لتماثل السياق، تكون فيهما على قدر كبير من التشابه. انطلاقا من هذا التصور، فإن ما يتوخاه هذا الموضوع هو الوقوف على مجموعة من الاقتراحات التي يقدمها المفكر والفيلسوف ووزير التربية الوطنية الفرنسي السابق لوك فيري في سياق أزمة التدريس الفلسفي بفرنسا، وفي سياق النقاش حول المداخل الكفيلة بتجاوز هذه الأزمة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن درس الفلسفة في فرنسا، كما هو الحال في المغرب، يقوم على برنامج مفاهيم Notions، يتم من خلالها مساءلة مجموعة من التيمات التي يعتبرها الحس المشترك بديهيات وحقائق جاهزة. ويمكن إرجاع أصول هذا الدرس إلى النموذج الذي بلوره البيداغوجي فيكتور كوزان V.Cousin في القرن التاسع عشر[1]، وهو النموذج الذي جرى تقعيده بتوجيهات 1925؛ التي تحدد روح تدريس الفلسفة بالثانوي، وذلك من خلال ما تعلنه من غايات لهذا التدريس من قبيل "تكوين مواطنين قادرين على ممارسة الحكم الواضح والمستقل الذي يتطلع إليه المجتمع الديموقراطي"، وتعليم التلاميذ ممارسة "حرية الرأي".

للمضي قدما، يجب علينا أن ندرك، أنه في خضم التنوع الكبير من الثقافات وأشكال الحياة الإنسانية، بأننا نشكل عائلة بشرية واحدة، تعيش على أرض واحدة، ويحكمها مصير واحد مشترك. وعلينا أن ننضم معا لنعمل من أجل قامة مجتمع عالمي مستدام، يقوم على احترام الطبيعة، وحقوق الإنسان العالمية، والعدالة الاقتصادية، وثقافة السلام ( "ميثاق الأرض، الديباجة) (The Earth Charter, Preamble).

مقدمة:
تواجه المجتمعات الإنسانية اليوم تحديات طبيعية واجتماعية هائلة بالغة التأثير في مختلف مجالات الوجود الإنساني ولاسيما في مجالات التنمية الاجتماعية والاقتصادية. فموارد الأرض المحدودة تستهلك بطريقة تدميرية وبوتائر متسارعة جدا، وآثار الاحترار الجوي العالمي المدمر لأيكولوجيا التوازن البيئي والتنوع الحيوي بصورة مخيفة. ويأتي ارتفاع مستويات سطح البحر نتيجة الاحترار ليهدد ملايين البشر في مختلف أرجاء المعمورة، ولا سيما في البلدان الفقيرة التي تعاني من ضعف في وتائر نموها. فالهجرة عبر القارات، وارتفاع مستويات الفقر، وندرة الغذاء، وتضاعف الأمراض، وتراجع الأمن الإنساني، تشكل حميعها نسقا من التحديات والمخاطر التي تواجه المجتمعات الإنسانية في مختلف أصقاع الأرض وتهدد الحياة الإنسانية.
وقد عرّفت التنمية المستدامة لأول مرة في عام 1987 من قبل لجنة برونتلاند (the Bruntland World Commission) وهي اللجنة العالمية المعنية بوضع استراتيجية أممية للتنمية (WCED)، وجاء في تعريف هذه اللجنة للتنمية المستدامة بأنها: "... تلبية احتياجات الأجيال الحاضرة دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها "(WCED, 1987, p. 43).[i] وقد أصبح هذا التعريف أكثر شيوعا وأهمية بين مختلف التعريفات التي وضعت لتعريف التنمية المستدامة، ويعد هذا التعريف اليوم ركيزة أساسية في كل فهم لاحق للتربية المستدامة. ويتضمن هذا التعريف مفهومين رئيسيين:

مدخل تمهيدي وإشكالي :
    تشكل التربية على قيم المواطنة مكونا أساسيا ضمن البنية المهيكلة للمناهج التعليمية، حيث تراهن عليه جل المنظومات التربوية العالمية في أفق العمل على بناء مواطن الغد المشبع بمنظومة القيم المواطناتية المحلية والكونية (المواطنة النشيطة/المواطنة الفاعلة). إنجاح هذا المكون التربوي يتطلب استحضار الفاعلية العملية لتقاطع وتكامل النشاط التربوي لعمل المؤسسات المجتمعية (المدرسة – الأسرة – الإعلام – مؤسسات المجتمع المدني...) بهدف المساهمة الإيجابية في ترسيخ ونشر المنظومة القيمية المواطناتية بين الناشئة المتعلمة من جهة ، كما يتطلب من جهة أخرى استشراف دور الهيئة التدريسية في إدراك وضبط المقومات الأساس المشكلة لمنهاج مادة التربية على قيم المواطنة/المرجعية الديداكتيكية للمادة، بهدف تمكين هذه الناشئة من اكتساب منظومة القيم المواطناتية، والتشبع بها، وممارستها، والمساهمة في التأثيث لترسيخ ثقافة قيم المواطنة بين أجيال المتعلمات والمتعلمين في أفق تكوين مواطنين واعون بأدوارهم المجتمعية، عبر إكسابهم منظومة الكفايات والقيم الإنسانية السامية التي ترقى بهم إلى مستوى المواطنين الفاعلين والأناس النبلاء...
     ما المقومات العامة المؤطرة لمنهاج مادة التربية على قيم المواطنة؟ وإلى أي حد يمكن للتربية على قيم المواطنة من بناء مواطن الغد المشبع بقيم المواطنة والمنفتح على القيم الكونية في أفق المساهمة في بناء «المواطنة النشيطة/الفعالة» والمدرسة المواطنة وتنمية المجتمع الحداثي الديمقراطي؟
المحور الأول : في الحديث عن منظومة التربية على القيم من في بعديها البيداغوجي والديداكتيكي

تهدف عملية التدريس إلى إحداث تغييرات في سلوك المتعلم، وإكسابه المعلومات والمهارات والمعارف والاتجاهات والقيم المرغوبة فيها، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، يجب على المعلم أن ينقل له هذه المعارف والمعلومات بطريقة مشوقة تثير اهتمامه ورغباته إلى التعلم. والمعلم الناجح هو الذي يعرف جيدا كيف يجعل حصته حصة مشوقة بعيدة عن الملل، من خلال اعتماد طرق تعليمية ملائمة لمادة الدرس، قد تكون متنوعة بحسب الظروف والمتطلبات الصفية، لأن إتباع المعلم طريقة واحدة معينة، أو التعصب لأسلوب معين، يحكم عليه في أحيان كثيرة بالجمود، يؤدي به إلى تجميد المادة الدراسية، لذلك وجب على المعلم الإلمام بطرائق التدريس المتنوعة، وامتلاك القدرة على استخدامها بالشكل الصحيح، لجعل الدرس مفيدا وممتعا في آن واحد، ومناسبا في الوقت نفسه لقدرات طلابه وميولهم.
وعليه فواقع التدريس، وتدريس مادة الفلسفة بمدارسنا خير دليل على ما سبقت الإشارة إليه أعلاه، فمن الملاحظ مثلا على مستوى تدريس مادة الفلسفة بالباكالوريا، أنها باتت تشكل عائقا معرفيا لدى المتعلمين، وذلك راجع بالأساس إلى الكيفية التي يقدم بها المعلم درسه، فلا ريب إن كانت تتسم بالجمود والتكرار القائم على طريقة التدريس التقليدية أن تجعل المتعلم ينفر من هذه المادة، فهي بالنسبة له كإشكال بحث رجل أعمى عن قط أسود داخل بيت مظلم، والحال أن المتعلم المستقبل يبني مهاراته التعليمية التعلمية من المرسل الذي يمده بالمعرفة عن طريق القناة، فإن لم تكن هذه القناة جيدة أصبح الحديث عن النخبة حديثا فارغا من كل مضمون علمي، ومما لا شك فيه وحسب واقع تدريس الفلسفة، أن هناك هوة تزداد عمقا يوما بعد يوم ما بين المطلوب والمنتظر، أي بين المعلم والمتعلم، حيث أصبحت المسافة بين المرسل والمستقبل تقاس بالسنين الضوئية، على اعتبار أن الدرس يخلو تماما من أي تمييز بين المتعلمين من جهة إيصال المعلومة، في حين نجد المتعلمين فارغين تماما من أي كفاءة تجعلهم قادرين على مواكبة درس المعلم، والذي سبق وقلنا أنه يفتقر لطرق إيصال تتناغم والمتعلم، مما يجعل الدرس الفلسفي يتميز بالرتابة والدغمائية والبؤس، إذ يصبح المتعلم بين جحيم الحصول على معدل يخول له الانتقال للمرحلة الجامعية، وبين عائق فهم المادة التي هي الجحيم بعينه بالنسبة له.