إيمانويل كانط فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر (1724 - 1804). ولد في كونيبغسبرغ ضمن وسط اجتماعي متواضع، عاش حياته كلها في مسقط رأسه المنتمي لمملكة بروسيا.
كان آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة، وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية. كان إيمانويل كانط آخر فلاسفة عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين البريطانيين جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم.
اشتهر بشكل أساسي بكتابه "نقد العقل الخالص"، ولكن أيضا بتفكيره في الأخلاق، في علم الجمال وفي السياسة. كان هو الرابع في عائلة مكونة من أحد عشر طفلاً، ولد وتوفي في كونيغسبرغ، ولم يغادر مسقط رأسه أبدا. عاش وفقا لاستعمال زمن ثابت. كمدرس في جامعة كونيغسبيرغ، كان من أوائل الفلاسفة الذين شغلوا كرسيا جامعيا.
ولد كانط عام 1724 في مدينة في وسط اجتماعي متواضع. امتهن والده السراجة، ما يعني أنه كان يشتغل على الجلود.
درس في ثانوية فريديريسيانوم، ثم التحق بجامعة كونيغسبرغ في سن السادسة عشرة. أراد دراسة علم اللاهوت، لكنه تلقى أيضا دروسا في الرياضيات والفلسفة، اللتين عرفتاه على فكر لايبنيز.
اكتشف فكر نيوتن، وأخذ يهتم بالفيزياء وعلم الفلك.
عند بلوغه السادسة والعشرين، كان عليه أن يتوقف عن دراسته، بعد وفاة والده، لكسب لقمة العيش. كمدرس، أعطى دروسا للعائلات الثرية. دامت هذه المرحلة من حياته تسع سنوات، وخلالها حرر أطروحته الأولى: "أفكار حول التقييم الحقيقي للقوى الحية".
ثم بعد ذلك، تحول تفكيره إلى العلوم الطبيعية والرياضيات. إلى هذه الفترة يعود، مثلا، "التاريخ العام للطبيعة ونظرية السماء" (1755)، أو التفكير في الهزات الأرضية.
في نفس السنة، أصبح مدرسا في جامعة كونيغسبيرغ. لم يحصل على أجر من الدولة، ولكن من عند طلبته. كان مدرسا خاصا قام بالتدريس في هيكل عام (Privatdozent).
ذلك لأنه لم يفز في مباراة عامة، ولكن تم ترشيحه بعد نشر أطروحته الثانية "تفسير جديد للمبادئ الأولى في المعرفة الميتافيزيقية".
كانط هو المثال التاريخي الأول لفيلسوف عظيم قدم تعليما جامعيا. قام بتدريس مواد مختلفة، من الفلسفة الأخلاقية إلى الرياضيات، مرورا بفن الألعاب النارية أو علم التحصينات.
عاش وفقا لاستعمال زمن ثابت، حيث يبدأ العمل على الساعة الخامسة صباحا، ويتناول وجبة الغذاء على الساعة الواحدة إلا ربع زوالا، وأثناء مشوار سيره اليومي، يسلك دائما نفس الطريق، ويصل إلى هذا الشارع أو ذاك في نفس اللحظة كل يوم، مما جعل بعض سكان البلدة يضبطون عقارب ساعاتهم عند رؤيته. أخيرا، يذهب إلى سرير النوم كل ليلة على الساعة العاشرة.
لم يغادر قط منطقته الأصلية، لكنه كان منفتحا على العالم بطريقته الخاصة، لأنه كان يتابع الأخبار السياسية يوما بيوم ولا سيما المشاكل المرتبطة بالثورة الفرنسية، واعتاد أن يستقبل العديد من الأصدقاء لتناول العشاء، وكان بينهم أحيانا غرباء.
غيّر روتينه اليومي مرتين فقط، مرة للحصول على نسخة من "العقد الاجتماعي" لروسو، ومرة أخرى عندما تلقى أخبار النجاحات المبكرة للثورة الفرنسية.
في عام 1762 سمع لأول مرة عن أعمال روسو. بعد أن قرأ "جولي، أو إلواز الجديدة"، أغرم بفكره على الفور، وكان التمثال النصفي للفيلسوف الفرنسي حتى النهاية الزينة الوحيدة الموضوعة على مكتبه.
ثم بعد ذلك أنجز تفكيره منعطفا مهما: تخلى عن المسائل المادية ليركز بدلاً من ذلك على الفلسفة الأخلاقية. إذا كان شديد التأثر بروسو، فقد كان كذلك بهيوم.
في عام 1764، رفض كرسي تدريس فن الشعر.
في عام 1766، حصل على وظيفة إضافية، وهي مساعد أمين مكتبة في المحكمة، واحتفظ بهذه الوظيفة لمدة ست سنوات.
في عام 1770، أصبح أستاذاً بعد نشر أطروحته الثالثة: "في شكل مبادئ العالم المحسوس والعالم المعقول".
بعد أحد عشر عاما، في عام 1781 تحديدا، نُشر كتاب "نقد العقل الخالص". هذه التحفة الفكرية، التي أحدثت ثورة في نظرية المعرفة، ووضعت حدا لسيادة الميتافيزيقا، لم تحظ في البداية إلا باهتمام ضعيف. ذلك ما قاد كانط لمراجعته واقتراح نسخة ثانية في عام 1787.
انطلاقا من هذه اللحظة، واجه فكره نقطة تحول أساسية ثالثة وأخيرة: هذه هي الفترة الحرجة.
من الناحية المهنية، أصبح عضوا في الأكاديمية الملكية للعلوم والآداب في برلين. كما أصبح عميد جامعة كونيغسبيرغ.
على المستوى الفلسفي، انغمس بالفعل في مشروع جديد: كتابة "نقد العقل العملي"، ثم "نقد ملكة الحكم". ظهر هذان العملان على التوالي في عام 1788، ثم في عام 1790. أثر هذان الكتابان بعمق على الفلسفة الأخلاقية وعلم الجمال.
تلك فترة تميزت بغزارة الإنتاج، خلالها ألف كذلك كتبا رئيسية أخرى مثل "مشروع السلام الدائم" (1795)، و"أسس ميتافيزيقا الأخلاق" (عام 1797).
قلل من تعاليمه، بسبب الرقابة التي مارستها الحكومة البروسية، ثم وضع حدا لها نهائيا، لأسباب صحية.
كانط، النحيل والهزيل، مهووس الآن بصحته. وسيذهب إلى أبعد من ذلك ليبتكر نظام ربط لجواربه الحريرية حتى لا تعيق دوران الدم في الساقين.
كان يحدوه الأمل في العيش لأطول فترة ممكنة. احتفظ بسجل للأشخاص الذين عرفهم والذين سبقوه. اعتقد أن في إيقاع حياته المنظم جيدا يكمن سر طول عمره؛ وفي الحقيقة كان من النادر في زمانه أن يعيش الإنسان حتى الثمانين من عمره.
من الناحية الصحية، النظام الغذائي مهم أيضا؛ لكن كانط ذواقة، يحب الوليمة، ولا يتبع أي نظام غذائي معين (بصرف النظر عن حقيقة أنه كان يرفض شرب الجعة). حتى أنه فكر للحظة في الكتابة عن نقد فنون الطبخ، قبل أن يتخلي عن هذا المشروع.
توفي عام 1804 في كونيغسبيرغ ودفن في كاتدرائية المدينة. كانت كلماته الأخيرة: “ es ist gut ” (“هكذا أحسن”).
طرح إيمانويل كانط منظورا جديدا في الفلسفة أثر ولا زال يؤثر في الفلسفة الأوربية حتى الآن أي أن تأثيره امتد منذ القرن الثامن عشر حتى القرن الحادي والعشرين. نشر أعمالا هامة وأساسية عن نظرية المعرفة وأعمالا أخرى متعلقة بالدين وأخرى عن القانون والتاريخ.
أما أكثر أعماله شهرة فهو كتابه "نقد العقل الخالص" الذي نشره سنة 1781 وهو على مشارف الستين من عمره.
يبحث كانط في هذا الكتاب ويستقصي محدوديات وبنية العقل البشري ذاته. قام في كتابه هذا بالهجوم على الميتافيزيقا التقليدية ونظرية المعرفة الكلاسيكية. وأجمل وأبدع مساهماته كانت في هذا المجال بالتحديد. ثم نشر أعمالا رئيسية أخرى في شيخوخته، منها كتابه "نقد العقل العملي" الذي بحث فيه جانب الأخلاق والضمير الإنساني، وكتابه "نقد ملكة الحكم" الذي استقصى فيه فلسفة الجمال والنزعةالغائية.
تطرح الميتافيزيقا أسئلة عديدة حول الحقيقة المطلقة للأشياء. اعتقد كانط أن بالإمكان إصلاح وتهذيب الميتافيزيقا الكلاسيكية عن طريق تطبيق نظرية المعرفة عليها. حيث ذهب إلى أنه يمكننا باستخدام هذه الطريقة مواجهة الأسئلة التي تطرحها الميتافزيقا، والأهم من ذلك أن نعرف المصادر التي نستقي منها معرفتنا وأن نعرف ماهية حدود المعرفة التي يمكن الوصول إليها.
اقترح كانط أنه بعد أن نفهم ونعرف مصادر وحدود المعرفة الإنسانية والعقلية يمكننا طرح أي أسئلة ميتافيزيقية والحصول على أجوبه مثمرة. وسأل كانط سؤالا خطيرا هو: هل للأشياء والمواضيع التي نعرفها خصائص معينة سابقة على تجربتنا وعلى إحساسنا. وأجاب على ذلك بأن جميع المواضيع والأشياء التي يمكن للعقل معرفتها تتم بطريقة يختارها العقل. ويضرب مثالا على ذلك أنه إذا استعد العقل للتفكير قبل أي موضوع واختار العقل التفكير بطريقة السببية فإننا بالتالي نعلم قبل ان نتعرف على أي موضوع ان الموضوع سيكون إما سببا أو نتيجة.
وصل كانط إلى نتيجة مفادها أن هناك مواضيع لا يمكن للعقل معرفتها عن طريق السببية، وإلى نتيجة أخرى هي أن مبدأ السببية هو طريقة في التفكير لا يمكن أن تستقل عن التجربة والإحساس. ولا يستطيع مبدأ السببية الإجابة عن جميع الأسئلة. وطرح سؤالا للتوضيح هو: هل العالم أزلي أم له مسبب؟، وبالتالي فإن أسئلة الميتافيزيقا الأساسية لا يستطيع العقل الإنساني الإجابة عنها. لكن العقل يفهم ويعرف ويجيب عن أسئلة العلوم العادية لأنها تخضع لقوانينه.
ابتدع ايمانويل كانت نظاما مبتكرا في نظرية المعرفة هو مزيج بين المدرستين التجريبية والعقلية. فأهل المدرسة التجريبية يرون أن المعرفة لا تكون إلا عن طريق التجربة لا غير. أما أهل الطريقة العقلية فيرون أن نظام الشك الديكارتي وأن العقل وحدهما يمداننا بالمعرفة. خالفهم كانط في ذلك حين رأى أن استخدام العقل وحده دون التجربة لا يقود إلى المعرفة بل يقود إلى الأوهام. أما استخدام التجربة فلا يقود إلى معرفة دقيقة ولا تعترف بوجود مسبب أول الذي يعترف به العقل الخالص.
مارس فكر ايمانويل كانط تأثيرا كبيرا على ألمانيا أثناء حياته وبعدها. فكانط نقل الفلسفة إلى مكان آخر أرفع من المناظرة والمجادلة بين الفلاسفة العقلانيين والفلاسفة التجريبيين. تأثر به الفلاسفة الألمان الذين جاءوا بعده. مثل يوهان جوتليب فيخته وفريدريك شلينغ والفيلسوف الكبير هيغل وآرثر شوبنهاور. وأسس هؤلاء ما عرف بالفلسفة المثالية الألمانية.
كل هؤلاء الفلاسفة رأووا في أنفسهم مصححين وموسعين ومطورين للنسق والفلسفة الكانطيين. وهكذا ظهرت نماذج مختلفة من الفلسفة المثالية الألمانية. استمر تاثير كانت وامتد ليكون مؤثرا أساسيا في الفلسفات التي جاءت بعده. فقد كان له تأثير كبير على الفلسفة التحليلية (راسل ومور والوضعية المنطقية) والفلسفة الأوربية القارية.