
أثار غياب الفيلسوف عن دائرة حضارة اقرأ منذ ابن رشد وابن خلدون حفيظة المثقفين والقراء حول الصفة التي تليق بمقام هذا الكاتب المنتظر والعالم الموعود والصفة التي يمكن أن تنعت بها المجهودات التنويرية التي يفترض أن يبذلها لتفادي حالة الضعف وموقف العجز ولكسب وسائل المنعة وإعداد القوة الفكرية. ولئن وصف بكونه متفلسفا حرا يسهم في تحريك العقل العربي ويعيد الاعتبار إلى الفلسفة الإسلامية وفق مناهج وآليات معاصرة فإن البعض الآخر قد يقللون من شأنه ويتعاملون معه على أنه مجرد مفكر ابستيمولوجي ومربي أناسي ومؤرخ للأنساق المعرفية. أما الفريق الثالث فقد يعتبره مصلحا دينيا وقارئا هرمينوطيقيا جيدا للقرآن والمدونة الشعرية والنثرية ومفجرا لثورة ثقافية تطال أهم العلوم الإنسية والصحيحة وتطرح من جديد إشكالية التراث والحداثة والخصوصية والكونية من منظور تقدمي.
لكن الفرضية التي يمكن اختبارها في هذا الصدد هي مدى استحقاق مثل هؤلاء الأساطين المصلحين صفة العبقرية، فهل يجوز لنا أن نعتبر محب الحكمة عبقريا ؟ وماذا تعني كلمة عبقرية لغة واصطلاحا؟ وكيف يمكن التصرف فيها دون الوقوع في نظرة عنصرية أو حكم ثقافي متعال؟ وهل هناك عباقرة أخرون مازلوا على قيد الحياة ويمكن للمجتمعات العربية أن تستفيد من اجتهاداتهم وعلمهم؟ وكيف تتعامل الأنظمة السياسية معهم؟ وهل تشجعهم أم تتفادى آراءهم؟ وهل العبقرية تحصل بالطبع أم يرتقي إليها المتعلمون بالاكتساب؟ وهل هي الذكاء والفطنة أم المهارة والصنعة؟ وهل تتجلى في الاختراع المادي للوسائل أم في التخطيط النظري للغايات؟ والى أي مدى يسمى كل مبدع عبقريا؟ وما الفرق بين الذكاء الاصطناعي والعبقرية ؟ وهل نشجع الإبداع من أجل الرقي أم نحاصره خشية الفتنة والاضطراب الذي يحصل في النفوس؟ فمن هو الذي يستحق شرف تسمية عبقري؟ ألم يعتبر عباس محمود العقاد النبي محمد (صلعم) والخلفاء( رضع) بدرجة أقل من عباقرة الإنسانية؟ وهل يمكن أن نعتبر العبقرية بعد ختم النبوة صفة بشرية يجوز إطلاقها على الكائن الآدمي المتناهي؟