anfasse.org" للبيروني نظريات في علم الطبقات والأزمان الجيولوجية... وتقترب نظرياته في هذه العلوم من النظريات الحديثة... ولم تكن هذه النظريات معروفة عند اليونان ولا منتشرة بين معاصريه. ويمكننا أن نعده لذلك من رواد العلوم الجيولوجية، خاصة وأن هذه الأفكار العلمية الصائبة لم تنتشر في أوربا وتأخذ طريقها إلى أبحاث علماء النهضة كليونارد دافنشي وأمثاله إلا بعد وفاة البيروني بعدة قرون."[1]
 
يبدو أن الفرق بين الفلسفة الغربية والفلسفة العربية الإسلامية عند بعض المؤرخين أن الأولى مبنية على الحوار والتجادل وتاريخها شهد العديد من المراجعات واحتكم إلى منطق الاستيعاب والتجاوز وعرف التراكم والاستمرارية وشهد القطائع والثورات وما رافقها من انكسارات وتحولات، بينما الثانية هي مجرد فلتات للذهن وخواطر وشتات من الآراء متفرقة وتعليقات وشروح متناثرة على نصوص شرقية ومسائل إغريقية لا يوجد بينها رابط منطقي ولم تعريف التبويب والتنظيم ، بل لقد استنتج من ذلك البعض أن الحديث عن تاريخ للفلسفة العربية الإسلامية هو نوع من التجوز والمبالغة وأن هناك فقط فكر أو منظومة من المعارف لم تبلغ من النضج والتماسك والهيكلة التي تسمح لنا بأن نسميها فلسفة واستندوا في ذلك إلى كثرة الانحباسات والتقطعات وغياب التراكم وقلة المجادلة بين المشتغلين بالفلسفة في حضارة إقرأ وفقدان الحوار والمراجعة من طرف اللاحقين على السابقين في المجالات العلمية وعدم وجود مختبرات ومراكز بحثية مشهورة وغياب التقاليد التخصصية وانحصار الاهتمام في الأفراد وافتقاده على صعيد المجموعات. فإلي أي مدى تصح هذه النظرة؟ وكيف يمكن الإسهام في تملك فلسفة الضاد لتاريخها الخاص وفهمها لذاتها ووعيها بأصولها وأسسها وأهدافها؟

anfasse.orgيرى المفكر علي حرب في كتابه (( الماهية والعلاقة ، نحو منطق تحويلي )) أنه بصدد إجتراح منطق أسماه المنطق التحويلي بوصفه نقداً للمنطق الصوري .. ويقوم منطقه على أساس القراءة النقدية التحويلية (( على نحو يتيح إبتكارات مفهومية وصيغ عقلانية مختلفة )) .. من أجل إنتاج إمكانيات جديدة للتفكير تعيد تنظيم العلاقة بين الوعي واللاوعي كما ترتب علائق المفهوم بموضوعه أملاً في ولوج المناطق المحرمة التي لم تطأها هواجس المفكرين .. وهو ينشد من كل ذلك الى إبتداع ممارسات جديدة للفكر تنطوي على علائق مبتكرة بالفكر أي علاقة الفكر بالآخر سواء أكان لغة أو ذاتاً أو معرفة أو شيئاً أو حركة أو منهجاً ... الخ ، وهنا نريد أن نسجل بعض الملاحظات كمناقشة لبعض إطروحاته سيما في الصفحات الأولى من الكتاب إذ يقول : (( إن النشاط الفكري ، هو ضرب من ضروب الممارسة . إنه خبرة وجودية بالمعنى الأصيل للكلمة ، أي هو مراس ذاتي وصناعة للحقيقة بقدر ما هو تجربة حية تصاغ بلغة مفهومية )) .. إن النشاط الفكري هو كفاءة أنطولوجية وليس خبرة وجودية فحسب ، هذه الكفاءة / القدرة متآتية من تأصيل عوامل عديدة منها الخبرة وخزين المعلومات والصفاء العقلي ... الخ ، كما لايمكن إعتباره مراساً ذاتياً بعيداً عن البيئة وحتمياتها وسيروراتها .. فضلاً عن إعتباره معني بصناعة الحقيقة فأمر مشكل إذ إن مهمته البحث عن الحقيقة لإعادة تشكيلها ليس بمعنى نمذجتها بقدرما مايتغيا مقاربة المعنى .. وإضاءة المفهوم . ثم يصف منطقه بأنه : (( يتجاوز منطق الهوية والمطابقة )) .. إن تجاوز الهوية ليس بالأمر المتاح وبالسهولة التي يتم طرحها ، نعم التحرر من تابوهات الهوية والإنطلاق مع إنفتاحها وشفراتها ، وإشتباك تلك الشفرات بشفرات ضدية في عملية ترميز تتعاطى مع المعاني الكلية التي صارت حاجة الفكر الإنساني إليها مسيسة في عصر الجدل التكنولوجي الذي راح يغرق الإنسان في (( أتوماتية لاواعية )) قد تحول إنسان التقدم العلمي والتكنولوجي العظيم الى إنسان جملي مشبع بالهمجية بقدر تشبعه بتكنولوجيا المعلومات والتقنيات المستحدثة . نعم ذلك الإشتغال على علائق المعنى هو الكفيل بالإنعتاق من قيود المطابقة والتحرر من منطق الهوية القار . أما قوله بأهمية إنفتاح الفكر على (( كثافة التجربة وإشتعالات الحدس وألاعيب الدلالة )) ، فإن الفكر الحديث يكاد يغرق في التجريب منذ بيكون حتى تسيّدت التكنولوجيا على االعلم الذي أصبح تابعاً ووليداً لها .. والإهتمام بألاعيب الدلالة والجدل اللفظي ، قد يرى الى حركة الفكر المطلوبة في البيان بدلاً من البرهان ، وهذا الرأي قديم منذ عصر السفسطة .. وجديد حسبما ماظهر من مناهج جمالية كالبنيوية والتفكيكية التي تقوم على أساس اللعب الحر للغة .. وقد تنتهي الى العدمية اللاغائية . فالمنطق التحويلي في نقده للمنطق الصوري ربما كان محقاً ليس بمعنى أن الأول صحيحٌ والثاني خاطيءٌ .. بل ربما كان الثاني يكتسي الكثير من الصحة ، لكنه أي المنطق الصوري غير منتج لأنه فكر دائري تموت فيه الحركة في نقطة البداية .

anfasse.org"إن من يثبت وسط الأخطار ويتصرف حيالها كما يجب لهو أشجع بحق ممن يسلك بثبات في الأوضاع المطمئنة."[1]
لا يمكن الحديث عن الفلسفة إذا ما أهملت الشجاعة لاسيما وأن أهم فضيلة ينبغي أن يتحلى بها الفيلسوف هي أن يكون شجاعا ، وطالما أن هذه  الهيئة الأخلاقية هي من الأمور صعبة التحقيق وترتبط بالمشقة والمكابدة ولذلك ظلت موضع مدح وتعظيم، وقد وضعت الشجاعة منذ القدم جنبا إلى جنب مع الحكمة والعفة والعدالة ولكنها في الفترة الحديثة أصبحت مقترنة بالإرادة والحرية والقوة تقاوم إغراء اللذة وتتغلب على كل تخوف من الألم.
إن أهم مبرر يدعونا إلى الاهتمام بمسألة الشجاعة هو ما نشاهده اليوم بأم أعيننا من استيلاء الكسل والجبن على النفوس وتعمد اختيار القعود والانتظار على الحركة والنشاط وبروز ضعف الشخصية وانحطاط مستوى الارتقاء لدى الأفراد والوقوع فريسة الاستلاب والسعادة الوهمية وفقدان القيمة الذاتية عند كل فرد وتفضيل العيش مع الحشود رغم ما يسببه ذلك من امتثالية للسائد ورضوخ للعادة والاقتناع بحياة القطيع.
إن الشجاعة هي الثبات عند كل خطر وضبط النفس أثناء مواجهة كل محنة وذلك بالانتصار على الخوف واعتماد الجسارة والإقدام والتحلي بقوة الشكيمة ورباطة الجأش والصبر على وقوع الشر وحضور الذهن عند الشدائد وذهاب التشتت عن العقل وحضور التركيز والحصافة والكيس والفطنة في كل موقف عصيب والقدرة على احتمال النوائب وتقلبات الدهر.إن الموقف الشجاع  هو الموقف النقدي الذي يحتكم إليه المرء عند المحاسبة والمراقبة وقول الحق والشهادة على العصر وهو كذلك ما يميز الإنسان وتعوز الحيوان لارتباطها بالقوة الغضبية والإرادة العاقلة التي تجعلها تقاوم الميول.
" إن كثيرا من الأعمال اليومية يحتاج إلى شجاعة لا تقل عن شجاعة الجنود"[2]وإن الشجاعة ترتبط بالسلوك اليومي للبشر وتتنزل مكانة مرموقة في سلم القيم وهي كذلك مبدأ يتقمصه الفرد بشكل منعزل وتؤمن به المجموعات وتسطر على ضوئه طباعها ومزاجها، وعلاوة على ذلك هي مناخ عام يتنفسه الناس في لحظات المنعطفات والتحولات الكبرى التي تمر بها الشعوب وقد تتحول إلى عقيدة مشتركة ورأي جماعي في لحظات المواجهة والتحدي وترتبط بالعزيمة والإرادة. وربما الشعب الفاقد للشجاعة هو الشعب الذي له إرادة ضعيفة أو تكون إرادته سيئة وشريرة وتتغلب عليه انفعالات الجبن والتملق، أما الشعب الشجاع فهو الشعب المغامر الذي يحبذ أفراده التجول والسفر ويهيمن على الطبيعة ويحل مشاكله مع العالم. ولكن يمكن أن نميز بين الشجاعة البدنية والشجاعة الأدبية حيث تتساوى شجاعة الكتاب والعلماء مع شجاعة المحاربين والسياسيين.

ANFASSE"من أول ثقافة العصور القديمة الى آخرها من السهل أن نجد شهادات على الأهمية المعطاة ل"لانهمام بالذات"وربطها بموضوع معرفة الذات." ميشيل فوكو، درس هرمينوطيقا الذات.
استهلال:
لقد اعتقدت الفلسفة لفترة طويلة أن جوهر الإنسان هو نفس ناطقة وأن التفكير والإرادة والحرية هي  أفعال للنفس تتعالى بها على الجسد وتتحكم عن طريقها في الانفعالات وفي أفعال الانسان وأقواله وقد تصورت أن الفكر الواعي هو كل الفكر وأن الذات العارفة هي كل الذات لاسيما وأن الحواس تخدع المرء والغرائز مثلت عقبة أمام اختيار الفعل الارادي الحر وأن الجنون عدو العقل والخيال كله أباطيل وتحريف للحقائق.
 ولقد تعززت مثل هذه الاعتقادات عندما ركزت الفلسفة الحديثة  نفسها على أرضية ميتافيزيقية صلبة وشكلت صورة دغمائية للفكر تؤمن ببداهة الكوجيتو وصدقية الضمان الإلهي وأخلاقية العقل واستقامة الإرادة وتحمل كل كائن المسؤولية الوجودية وتعتبر مشروع اثبات الانية أمرا ممكنا عن طريق المعرفة.
 لكن مع ظهور فلسفة الرجة  وصعود أسهم كاشفي الأقنعة وأقطاب الظنة خاصة مع جنيالوجيا نيتشه والاقتصاد السياسي عند ماركس وعلم التحليل النفسي عند فرويد بدأت الحقيقة تظهر ووقع اكتشاف "مشكل زيف الوعي والوعي باعتباره زيفا" واتضح أن علاقة الانية بالغيرية هي غامضة غموض العلاقة بين الوجود واللاوجود. على هذا النحو تبين أن الوعي لا يمثل إلا القشرة الظاهرية من الشخصية الإنسانية وأن الذات ليست قط من يفعل بل هي وهم خالص وعالمها الباطني مليء بالسراب وبالأنوار الخادعة والأنا أصبح مجرد خرافة ووهما وتلاعبا بالألفاظ وأن الوعي بالحرية يخفي اللاوعي بالتبعية وأن الإنسان ربما لا يكون مسؤولا عن أفعاله طالما أنه مضطهد من قبل أسياد ثلاثة هي متطلبات الواقع الخارجي ورغبات الهُوَ وأوامر الأنا الأعلى وطالما تتنازعه رغبتان متناقضتان الأولى هي التناتوس وتجعله يريد العدم ويحبذ الفناء والثانية هي الايروس وتجعله يريد الوجود ويقبل على الحياة.
 بيد أن الأسئلة التي تطرح الآن وهنا هي : ما المقصود بالأنا؟ كيف تم اكتشاف الذات؟ ما الفرق بين الذات والأنا؟ وما المقصود بالذات الواعية بجميع جوانب وجودها؟ كيف كانت حال الذات بعد ظهور فلسفة الرجة؟ وماهي البراهين التي قدمها كاشفو الأقنعة لثبتوا تبعية الذات وتشققها؟ وما مكانة الوعي على إثر هذا الاكتشاف؟ هل أرست مدرسة الارتياب ثورة في مستوى تعريف كينونة الإنسان؟ ماذا يصنع المرء بنفسه؟ ولأي عمل يخضع نفسه؟ كيف يحكم على أعمال يقوم بها بنفسه ويكون فيها هدفا ومجالا وأداة ؟ ماهو دور الوسيط اللغوي في اكتشاف المرء لنفسه؟ وكيف تكون اللغة هي اطار تحقق الذاتية؟

anfasse.org"يمكن أن يعد سؤال الفلسفة في الإنسان سؤالا استهلاليا وقائما في نفس الآن في أفق كل الأسئلة حتى لكأن تلك الأسئلة تذهل عن ذاتها لو هي ذهلت عن هذا القائم في أفقها جميعا..."[1]
استهلال:
إن البشرية اليوم في أمس الاحتياج إلى إعادة تحديد مفهوم الإنسان، وتسديد النظر إلى منزلته في العالم وقيمته بين الكائنات وتنبيهه إلى الأمانة التي كلف بحملها وشرف نفسه بقبولها وإن اللحظة التاريخية تقتضي إيقاظه من غفوته وجحوده وتحقيق المصالحة بينه وبين ذاته وإعادة وضعه في طريق الرسالة الوجودية السامية وتحميله مسؤولية تبليغها إلى الآخر الإنسان  والإنسان الآخر بتؤدة ومرونة وسماحة وأن يتجنب كل شطط أو لغو أو عسف أو تحيز وأن يعمل على التزود في كل ذلك بالتدرب على الشهود والاستبصار ومراجعة ذاته ونقدها نقدا مبرما .
إن الأوكد في هذا الزمن الرقمي المعولم هو تهيئة الكائن بالبشري لكي يكون جديرا بسكنى العالم وتدريب الطبقة الناشئة على الاعتبار من زمانية وجودها وتاريخية مقامها وتناهي طبعها وتربية الجيل القادم على تقدير كرامة بني آدم والحفاظ عليها والامتناع عن المساس بها، سواء أكان ذلك ثقافيا أم سياسيا أم ماديا، والتشمير على الساعد من أجل الاعتناء بذاته كإنسان موجود مع الآخر ومن أجله وليس ضده ومن أجل نفسه أو في خدمة أية قيمة أخرى متعالية عن وجوده تنحط بمنزلته وتخرب جبلته.
إن المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى هو إعادة بناء النزعة الإنسانية على نحو مختلف عن توصيفاتها الكلاسيكية التي أفرزت الويلات والكوارث والحروب والتي كادت تعصف بالنوع البشري وتشطب وجوده نهائيا من الكون خاصة لما أدى تقديس حرية الفرد إلى حد الاعتداء على قوانين الطبيعة والرغبة في استبدال سمات الخلقة وتغيير الجنس والتنظير للجندر والاستنساخ والحلم بالكائن الأرقى الذي يقهر الشيخوخة ويأتي الخوارق والمعجزات ويتغلب على كل الأمراض الموروثة والأوبئة القاتلة.

anfasse" الإنسان هو أيضا محل للجهل، هذا الجهل يمكنه أن يتجاوز كينونته الخاصة وأن يستعيد ذاته انطلاقا مما يفوته."      ( ميشيل فوكو، الكلمات والأشياء)
من الفراغ يبدأ المرء أو من الحطام الذي يتركه الإنسان أثناء أفوله، يبدأ فيه فعل ما يتأمل معنى هذا الأفول ويستثمر الفسحة التي يتركها له الفراغ لكي يستأنف مجددا حركته نحو ذاته ونحو المجال الذي انبثق منه. لكنه لا يعلم بالضبط من الذي يبدأ فيه فعل التأمل لاسيما وأنه يشعر في داخله بالفزع ويحس بالفراغ بعد طول النظر ومراكمة العمل، فكيف لأنا لا يمتلك إنيته أن يتأمل الفراغ سواء كان في داخله أو في المحيط الخارجي المحيط به؟ كيف له أن يزعم امتلاكه لذاته أثناء تأمله وركضه نحو ذاته؟ و كيف وهذا الفعل الذي ينفلت منه يند عنه ليس فقط قبل أن يبدأ الكتابة وإنما حتى أثناء فعل الكتابة نفسه؟
لا يعلم هذا الآدمي الوجهة التي عليه أن يقصدها ولا الموضوع الذي ينبغي أن يتأمله طالما أنه يسبح في الفراغ وتحاصره المرايا المحدبة والأرواح الثقيلة وطالما أنه محاط بالعدم والصحراء. من هذا المنطلق كان يخشى دائما البداية ويتحاشى منطق الوصية ولغة الوعظ والإرشاد لأنه كان يجهل من الذي سيبدأ فيه أثناء فعل البداية عينها أو كان يتحاشى أن يقوم في داخله آمر مهما كان مصدره من الأرض أو من السماء، فرد أو جماعة يحاول أن يفرض عليه فعل التأمل وحركة الابتداء ويجبره على التوجه قسرا نحو مبتغى مغاير للقبلة التي اتخذها قصيا.
 انه يعلم فقط أن كائن يحيا ويتكلم وينتج لاسيما وأن اللغة تجعله ممثلا بارعا للتعبير والجسد يمكنه من البروز في العالم والعمل يقوي لديه رغبة الاستحواذ والتملك.

anfasseالفلسفة والمؤسسة: أية علاقة؟
بين الحين والاخر يغلب الحديث عن مبادئ تدريس الفلسفة؛ وعن الغايات والأهداف المتوخاة منها؛ على كل المناقشات الدائرة في صفوف مدرسي الفلسفة، وبين من يعتبر أن الحديث عن الاهداف واضح وضوح الشمس، وبين من يعتبر أنها غامضة وملتبسة، أود معالجة هذه المسألة من زاوية بحثية، ذلك أن كل معالجة لموضوع مبادئ وغايات الدرس الفلسفي، لا يستطيع أن يكون جازما ولا على يقين بالنتائج التي قد يتوصل إليها ناهيك عن مصداقية النتائج، لذا جعل البعض من هذا الموضوع مجالا للبحث السوسيولوجي، والبعض الآخر موضوعا للتأمل الفلسفي.
إن الحديث عن أهداف وغايات الدرس الفلسفي، هو وجه من أوجه العلاقة بين الفلسفة والمؤسسة / المجتمع، فمن يحدد الأهداف والمبادئ؟ من يضع الخطط الاستراتيجية للتدريس؟ هل يمكننا أن نضع غايات لتدريس الفلسفة؟ وهل تخضع الفلسفة لمبادئ معينة؟ ولماذا ينبغي أن تخضع لها؟
إن الإلمام بتدريس الفلسفة منذ الفيلسوف الحكيم سقراط، سيجد أن طرق التدريس تختلف باختلاف السياقات الزمنية والمكانية معا، إلى درجة أننا لن نجد طريقة واحدة ونمطية للدرس الفلسفي، بل على العكس من ذلك، سنجد تنوعا في الأساليب، وهو تنوع يبرره إلى حد ما اختلاف الرؤى والتصورات، كما اختلاف الغايات في نفس الوقت. هكذا يستطيع كل مدرس أن يحدد لنفسه المسارات التي يقطعها درسه في الفلسفة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التفكير في بيداغوجية تدريس الفلسفة لم تبدأ إلا بعد أن أرست الفلسفة مكانتها في المنظومة التربوية، وعلى هذا الأساس اعتبرنا أن إشكالية الغايات والأهداف هي وجه من أوجه العلاقة بين الفلسفة والمؤسسة. ذلك أن المؤسسة حينما تحضر بقوة باعتبارها المشرع الحقيقي ولا أحد ينازعها في شرعيتها، تحول دورها من دور التعاون والتشارك مع الفاعلين الحقيقيين والمعنيين المباشرين بالتدريس، إلى دور القائم على الواجب وحماية السياسات الموجهة، أي إلى الإلزام سواء في صيغته القانونية أو الرقابية.
لهذا الاعتبار نود الوقوف على هاته العلاقة بين الفلسفة والمؤسسة من خلال عرض وجهة نظر تعتبر نفسها سوسيولوجية، نابعة من اهتمام عميق بالمسألة ومن تجربة تربوية، ويتعلق الأمر بمعالجة مصطفى محسن للعلاقة: المؤسسة والمجتمع في كتابه: "نحن والتنوير: عن الفلسفة والمؤسسة ورهانات التنمية والتحديث وتكوين الإنسان في أفق الألفية الثالثة".

anfasse" كل حركة ثقافية تريد أن تستبدل الرأي والتصورات القديمة المتعلقة بالعالم عامة... يجب أن تدأب في رفع المستوى الفكري للطبقات الشعبية أكثر فأكثر وذلك كي تعطي شخصية للعنصر الشعبي الذي لا شكل له."[1]
توطئة:
السياسي والثقافي هما توأمان يسيران جنبا إلى جنب ولا يمكن تصور أحدهما بمعزل عن الآخر، فالسياسة الصالحة هي التي تنتج ثقافة مبدعة والثقافة المتفتحة هي التي تساهم في إسناد وترشيد سياسة ديمقراطية. والآن يعاد تشكيل السياسة على الصعيد الكوكبي أخذا بعين الاعتبار الموروثات الثقافية بحيث تندمج الدول التي لها ثقافات متشابهة في كيان واحد على غرار الاتحاد الأوروبي وتتصادم الدول التي لها ثقافات مختلفة وغريبة عن بعضها البعض على غرار الشرق والغرب. وهكذا أعادت العولمة تقسيم المعمورة بعد زوال الحرب الباردة ونهاية الاستقطاب الثنائي إلى شرق اشتراكي وغرب رأسمالي، وأعادت كذلك رسم الحدود السياسية لكي تتوافق مع التنوع الثقافي وتحترم الخصوصيات الحضارية.
من المعلوم أن حضارة اقرأ كانت ولا تزال واحة تترعرع فيها الثقافة المبهرة وينشأ فوق مسطحها الفكر الأصيل وتتفاعل على أرضها الخصوصيات وتترجم إليها ومنها العديد من المعارف والعلوم،بل إنها الأرض التي أنجبت العديد من النظريات والبدائل وكذلك الكثير من الرموز والقادة في مجالات عديدة وتخصصات دقيقة. لكن هذه المكانة اللائقة التي تتبوأها أمتنا وهذه الدرجة الرفيعة التي وصلت إليها ثقافتنا تعاني في الآونة الأخيرة من العديد من النقائص وتكافح ضد جملة من العاهات التي أبعدت عنها رونق الإبداع وجمالية الذوق وتدفق الإنتاج.

anfasse.org"إننا نعيش في مجتمع يسير بمعظمه نحو الحقيقة، أعني في مجتمع ينتج وينشر خطابا همه هو الحقيقة، أو يعتبره الناس كذلك، وله من جراء ذلك سلطة خاصة... "ميشيل فوكو
لعل السؤال الذي يظل أكثر إحراجا بل ربما الأكثر إزعاجا بالنسبة إلى العقول اليوم، فلاسفة كانوا أو علماء أو نقادا هو سؤال:" ما الحقيقة؟" ، ذلك أن هذه الكلمة مشبعة بالالتباس والغموض وتختلط بكلمات أخرى تتداخل معها في المعنى وتتشاكل في الدلالة مثل البداهة ، اليقين، الصلاحية، الصواب أو تتناقض معها وتفترق مثل الخطأ، الوهم، الكذب والظن والرأي، وهكذا لم يتولد عن هذه الكلمة سوى تماثلات لأفكار فضفاضة وما نسميه حقائق لا يعدو أن يكون سوى تماثلات لأفكار لا وجود لها في الواقع.
زد على ذلك أننا لا نكاد نظفر برؤية متماسكة تفضي إلى وضع حد جامع مانع لمفهوم الحقيقة  تنقضي بمقتضاه فوضى الآراء حول قضية منزلتها الإبستيمولوجية في العلوم تصورات وانجازات بشكل يجعل النقد الابستيمولوجي يتحول إلى تفلسف موضوعي أو على الأقل يقترب من موضوعية العلوم الإنسانية.
ولعله لا يمكن أن نفهم هذه الفوضى إلا بالعودة إلى أزمنة البدء أيام كان العالم لم يزل بعد محاطا بالأسرار وأيام كانت المفاهيم تلمع في لحظة تشكلها الأولى وأيام كانت الكلمات لم تزل تمتلك سرية الإيماءة وسلطان الإشارة لنساءل النظريات والتجارب والنصوص في طزاجتها الأولى ونرتحل بين ثناياها وتفاصيلها إقبالا وإدبارا. طالما كانت الرحلة تعبيرا عن إصغاء الكائن لنداء الأقاصي تترجم رغبته في العبور من المجهول إلى المعلوم ومن المحدود المختزل إلى المطلق الخصب وذلك بتحطيم الأطر الضيقة والمقاربات المسقطة والمناهج الصارمة والتخلص من شروط الزمان والمكان.
نحن لا نزعم هنا تقديم القول الفصل في مسألة "مكانة الحقيقة في العلوم" وحسم الأمر بتقديم نظرة نهائية بل سنكتفي بتدقيق النظر في مواطن الشبهة والخلاف والبحث عن معنى الحقيقة بتوسيع دائرة التشخيص والمقارنة وبتكثيف الأسئلة حول هذه القضية. وأول ما يتبادر إلى الأذهان هو وجود جملة من الصعوبات تمنع الإحاطة بالموضوع وتوقع الفكر في نوع من الكبر والغرور.

anfasse.orgفلسفة هيجل: مضمونها، أنواعها:
تنقسم فلسفة هيغل إلى ثلاثة ميادين معرفية كبرى، كانت محط اهتمام جل الفلاسفة ويتعلق الأمر ب: علم المنطق؛ فلسفة الطبيعة؛ فلسفة الروح؛ وهي ميادين مترابطة في نسق فلسفي متميز يجعل المهتم ينتقل من مستوى إلى آخر ليتمكن من رسم صورة واضحة على هذا النسق الفلسفي. لذلك ففلسفة هيجل هي فلسفة نسقية بامتياز. وتشترك هذه الميادين الثلاث في موضوع واحد، أي انها تدرس نفس الموضوع لكن في مستويات مختلفة وينعلق الأمر ب: "الفكرة الشاملة" أو "الفكرة المطلقة" أو إن شئنا القول "العقل" في صور متنوعة: "العقل" محضا في المنطق، و"العقل" في حالة تخارج في فلسفة الطبيعة، و"العقل" حين يعود إلى نفسه في فلسفة الروح.
فعلم المنطق هو دراسة الفكرة الشاملة لذاتها، معرفة نفسها بنفسها، وهي الحقيقة عينها، لأن الحقيقة " …هي أن الفكرة الشاملة لا تتضمن شيئا آخر يفكر فيه سوى الفكرة الشاملة نفسها …"، وقد أضفى هيغل ها هنا غطاءا لاهوتيا – إن صح القول – على موضوع الفلسفة، لأن " ... موضوعات الفلسفة هي نفسها موضوعات الدين: فالموضوع في كليهما هو الحقيقة. بذلك المعنى السامي الذي يكون فيه الله هو الله وحده، هو الحقيقة .. "  .
ولا ينبغي أن يفهم أن وحدة موضوع أقسام "فلسفة هيجل (الفكرة الشاملة) تلغي التمايز / الإختلاف، بل على العكس تماما تقر به، فالفكرة المطلقة في علم المنطق هي الفكرة بشكل مجرد إطلاقي، تعي ذاتها بذاتها، وتعقل الأمور في نفسها، حيث  أ  =  أ، "العقل" هو "العقل"، لكن في "فلسفة الطبيعة"، الفكرة المطلقة / الشاملة تخرج من ذاتها إلى الآخر. إنها "العقل" في حالة تخارج، نقيض حالتها الأولى وبالتالي ف "العقل" يغدو "لا عقل" أو "اللامعقول". أما في فلسفة الروح فتعود إلى نفسها، حيث الوحدة بين العقل واللاعقل، ويجمل ولترستيس هذا التمايز قائلا: "... المنطق يدرس الفكرة كما هي في ذاتها، وهذه هي الكلي (القضية). أما الطبيعة فهي الفكرة في الآخر، وهي ضد الفكرة في ذاتها، وهذا هو الجزئي (النقيض). أما الروح فهي وحدة المنطق والطبيعة وهذا هو المركب (الفردي)…".

anfasse.orgمدخل :
إن إشكالية ماهية الاختلاف  ابستيمولوجيا ، وفهمها يعد جوهرا في معرفة جوهر المسائل المتعلقة والمنبثقة عن الاختلاف الوجودي في أبعاده الثلاثة والذي قد يُنجز عنه نتائج إثراء لطبيعة الواقع الإنساني .
هذا التوقع الإيجابي سيساعدنا على تقبل الاختلاف وإفرازاته التنوعية .
وإننا هنا، نحاول ان ندخل إلى عمق هذه المسألة تاركين الجوانب الدلالية سواء اللغوية أو الاصطلاحية والتي فضلنا إحالة القارىء إلى بعض مصادرها  .
لأن المشكلة التي تعنينا بدرجة أولى هو ما أشرنا إليه، وكيفية ترك آثارها على واقعنا الثقافي بكل أطيافه.
في البدء كان الاختلاف :
إننا نحاول أن نلم بطبيعة تكون مسألة الاختلاف . علينا أن نحدد محورين أساسيين لفهمها .
المحور الاول :
1 - هناك ثلاث دوائر مختلفة (الآلي، والبيولوجي، والشخصي) وهي تتطابق مع الدرجات الثلاث للواقع (الطبيعة والحياة والشخصية الجوانية).
فالاختلاف الحاصل بين هذه الدوائر الثلاث أنبأ ان الاختلاف له طبيعة إيجابية وضرورية للاستمرارية وصيرورة الحياة، بل هذه التركيبة هي في الأساس من أجل التدافعية والوظيفة التكاملية وليست تركيبة تهديمية.
2 - كما (أن ازدواجية العالم الحي ونعني هنا على مستوى المادة في مقابل الحياة، ففي المادة نرى التجانس، والكم، والتكرار والسببية والآلية وعلى الجانب الآخر، نجد الإبداع والتنوع والنمو والعفوية، نجد الكائن الحي المتعضٌِي  ... فإذا نظرنا إلى بعض خصائص الحياة، نجد أنها تتناقض مع أفكارنا وفهمنا عن المادة في صميم تعريفها، فطبيعة الحياة مناقضة للمادة . فطبقا لعلماء الحياة " القصور في الطاقة "  ENTROPY  هو النقطة الحاسمة في تعريف الحياة. فجميع قوانين الطبيعة ترجع إلى القصور في الطاقة والتي تعني التشوش العام . وعلى عكس ذلك، نجد أن الخاصة الرئيسية للكائن الحي هي حالة " اللا إنتروبي"  " ضد القصور في الطاقة" ) .