هناك من الناس من يقتل الحياة بعمق، وهناك من يجعل منها حقيقته الأولى والأخيرة.. في مقابل ذلك، هناك من يقول "نعم" للحياة بغض النظر عما تقدمه له، وهناك من يقول "لا" لما قدمته إليه لأنها لم تحقق طموحه، ولم تستجب لحاجياته.. ومن الناس أيضا من أضفى على الحياة حياةً تستحقها، ومنهم في نفس الآن من قتل الحياة فيه وهي حية، وبما أن الإنسان حال وأحوال، فقد كان لزاما التوفر على عينة من جنود هذه الحياة، كما كان من المنطقي وجود أغلبية ساحقة هَلكت دون المساس بمعناها..
    إن أكبر شيء يمكن أن نقدمه لأنفسنا هو الحياة التي قدمتنا لأنفسنا: أعطتنا لنا، وستأخذنا منا ذات يوم.. زرعتنا فينا، وستجني منا.. تقولنا متى أرادت، وتُصمتُنا عندما تريد.. إنها كل شيء بغض النظر عما نحمله لها من ظن أو من سوء ظن، لكنها قد تعدو للسواد الأعظم قيمة مبتذلة، أو بلاءً غير مرجو، بيد أنها تبقى وفية لنفسها إلى أن ترغب فيما لا يرغبه الإنسان، ومع ذلك فإن الفرق بين ترك الحياة وإرادتها يكاد لا يكون.
 

إلى ريــم وريــان،
إلى الصغير قاسـم.                            
"إننا الوحيدون الذين لنا قلب صاف وأياد بريئة كالأطفال"
هولدرلين
تقديم
    تعبر حياة الفلاسفة السينيكيين(1) عن تجربة فريدة، نظريا وممارسة، إذ شكل فكرهم وأسلوب عيشهم كيفية وجود مغايرة، ومثالا ل"حياة فلسفية". فقد خلقوا نموذجا فلسفيا متميزا ومثيرا داخل الفضاء الفكري والإجتماعي اليوناني القديم، من خلال اعتراضهم على مجموع القيم التي سادت الحاضرة الإغريقية، وانتقادهم لمختلف التعاقدات الإجتماعية والقوانين السياسية والقواعد الأخلاقية التي تتحكم في حياة مواطنيها. وأبانوا عن سخرية من الأعراف التي تحكم الطعام والنشاط الجنسي واحترام السلطة، في حين مثلت تجربتهم في الحياة نموذجا لذلك التوافق الصارم مع الطبيعة وطريقة متميزة في الوجود مع العالم.
1-في البدء كانت السياسة
    لا يمكن فهم الرغبة القوية للحرية عند الفلاسفة السينيكيين، إلا بالرجوع إلى ذلك الإهتمام بشؤون المدينة وأزمة السلطة التي كانت تعاني منها المدن-الدول اليونانية منذ نهاية القرن الرابع والقرن الثالث قبل الميلاد، والمطالب التي كانت تصدر من فلاسفة مهتمين بما يجري داخلها، ككزينوفون وإيزوقراط. حيث أكد الأول في "المـأثورات" والثاني في "الخطاب إلى نيقوقليس" إلى الصفات والفضائل التي يتعين على الملك أن يحوزها ليقتدر على الحكم(2). إن هذه المطالب تدل على الإطار المؤسسي القديم الذي يحكم الحياة الإجتماعية والسياسية داخل المدينة/الدولة، والمعروف تاريخيا عند اليونان ب"الديمقراطية"، والتي كانت لها علاقة مزدوجة بالنخبة السياسية: فمن ناحية، يتم منح الحق في الحديث إلى الجميع ( إيسيجوريا)، ومن ناحية أخرى، لا يستطيع الجميع أن يتحدثوا( الباريسيا). ومن تم، فهناك مفارقة بين الديمقراطية والباريسيا: حيث تصبح الباريسيا متاحة فقط عبر لعبة قول الحقيقة بطريقة ديمقراطية على المستوى الرسمي، إلى أن الباريسيا تقحم النخبوية على الديمقراطية بطريقة تختلف تماما عن البنية الديمقراطية التي تتسم بالمساواة. ومن هنا تصبح الباريسيا خطرا يتهدد الديمقراطية، وفي نفس الوقت، لا يمكن أن تقوم الديمقراطية دون الباريسيا لأنها قلب البناء الديمقراطي للحكومة(3).

" كلما زاد اقترابنا من الخطر تبدأ الطريق إلى المنقذ تلمع بجلاء أكبر ونصبح أكثر تساؤلا، ذلك أن التساؤل هو قمة التفكير"[1]
افتتاح:
" يجب أن تكون معرفة الإنسان أكثر علمية، وأكثر فلسفية، وأخيرا أكثر شاعرية ، في الوقت نفسه ، مما هي عليه"[2]
 لا يقدر الإنسان على تفادي وضعه المتناقض الذي وجد فيه ، فهو كائن صغير يتصف بالضعف والعجز وجزء مفرد يمثل حالة عرضية في الكون ويمتلك وضعا هشا من جهة ولكنه يمثل نقطة مميزة تحتوي على معظم صفات الكونية ويحمل في داخله كمال الواقع وكل شيء من هذه البشرية من جهة أخرى.كما أن تعيين هوية له تخصه من بين الكائنات واثبات ذات تميزه عن الكون هو أمر جلل ومهمة عسيرة، فكل محاولة لرده إلى الطبيعة أو اختزاله في النوع أو تذويبه في المجتمع أو ربطه بالثقافة هي فاشلة ومتعثرة وذلك لأنه هوية واحدة لا يمكن تجزئتها من ناحية وكائن متعدد الأبعاد لا يمكن ضبطه من ناحية أخرى.
إذ " يقوم الكائن في الوجود ويجري بفضله قضاء محتجب يسري بين الإلهي وما يتعارض معه. لا يستطيع الإنسان أن يسيطر علي الكثير من الوجود، والقليل فقط تتم معرفته. يبقى ما نعرفه تقريبيا وما نتحكم فيه غير مضمون. ليس الوجود أبدا- كما نعتقد بسهولة فائقة- صنيعتنا وأكثر من ذلك مجرد تمثل لنا"[3].

" إن امتلاك عالم ما يعني امتلاك توجه ما نحو ومع ذلك يبقى المرء متحررا تماما مما يواجهه من العالم الذي يقدمه أمام نفسه من حيث هو كائن"1[1]
إذا كانت الرؤية التاريخية للعالم تعاني من المأزق الذي تتضمنه فكرة التاريخ الكلي وإهمالها للعمل الفردي ، وتكتفي بنقل بقايا الماضي الصامتة وتغفل عن التجارب الحية التي عايشها الوعي العامل في الماضي وتفشل في سعيها وراء الهدف الضخم حول فهم الحياة الكلية للمجموع البشري ، فإن الرؤية الهرمينوطيقية للعالم تخضع الموضوع لتأمل حول أثر الحقيقة أكثر من معالجة المنهج وتتفادى جعل الماضي في متناول الحاضر وتفترض أسبقية التاريخ على الحياة ،وتحرص على التعبير عن ما يمثله التراث في الحاضر.
لقد أقلعت الفلسفة الهرمينوطيقية مع عادات القيام بخطوة باتجاه بناء معرفة موضوعية بالعالم التاريخي تحاكي النموذج الوضعي الذي حقق نجاحات مذهلة في معرفة الظواهر الطبيعية مع العلوم الدقيقة ،وابتعدت عن قياس الماضي بمعايير الحاضر كما لو كانت معايير مطلقة وفضلت العودة إلى الطريقة التي ينظر بها الماضي إلى الأشياء وينتج الأفكار حيث يستمر المعنى في التراث ،وتوجهت نحو اكتشاف الرؤية إلى العالم التي تتضمنها اللغات المتداولة ودراسة الحكمة المطمورة في الحكايات الموروثة وحاولت إحياء الماضي في التراث السردي عن طريق الحدس والتعاطف والإنصات الشعري ونحت معرفة مستقلة.
" المبدأ الأساسي للمؤرخ هو أن يؤول التراث بمعنى مختلف عن المعنى الذي تتطلبه النصوص لذاتها"2[2]

استهلال:
 " تُتِيحُ الفلسفة التطبيقية إعادة وضع الفكر على ذمة العمل، لا أكثر ولا أقل"[1]
لو عملنا على استعادة الذكريات الفردية والتمثلات الجماعية للمعارف الفلسفية فقط فإننا نصطدم بالعديد من المحاذير والموانع والصعوبات التي تعيق إمكانية التواصل مع المشتغلين بها وتقلل من فرص التفاعل الايجابي مع المقدم والمعروض من المواد المكتوبة والمقروءة من المسجل والمدون والمنطوق الحي منها.
لقد بدت الفلسفة في مناهج التدريس ثقيلة ومليئة بالمفاهيم الدقيقة وتغلب عليها النظريات المجردة والأنساق الفكرية المتعالية وبعيدة كل البعد عن عالم التجربة وواقع الحياة وينقصها التطبيق العملي وفعل الممارسة. كما ظهر شعور لدى الرأي العام بغرابة التفكير الفلسفي عن المناخ الثقافي السائد والتصاق النزعة الذاتية بالشخصيات الفلسفية وضخامة البرامج وكثرة المراجعات التي جدّت وتعدد الانعطافات في تاريخ الفلسفة.
لقد تحولت الفلسفة إلى خطاب مجرد وسقطت في النية السيئة وتكلست في أنساق عقيمة وشبكات لغوية منفرة بسبب الإفراط في الأبعاد الشكلية والتقيد بالجوانب التقنية على حساب المضامين والتجارب الحية ولا يدري المشتغلون بالنظر على أن وراء البداهة والتطابق والوضوح والتجربة الحاسمة والمنهج الدقيق يوجد الشك والالتباس والغموض والحس المشترك وانفعالات الفرح والمتعة والتجارب الوجودية الحية.

 "الكثير من الناس ليس لديهم عالم"
"الذي يكون الإحساس، هو الصيرورة-الحيوانية"
جيل دولوز
تقديم
    "كل حيوان له عالم"، يقول جيل دولوز في سياق جوابه عن سؤال كلير بارني وهما يتناولان حرف "A"(1). كلمة دولوز هذه، هي صرخة موجهة إلى كل الذين لا يؤمنون ب"هذا العالم"، إنهم يحيون حياة الجميع، أي، حياة مجرد أي شخص وأي شيء. أما الحيوان، فله عالم يعكس تناغما حيويا أصيلا مع الطبيعة، بحيث يتم نسج علاقات ولقاءات وتنسيقات مع عناصرها المتنوعة والمختلفة، ينتج عنها عملا فنيا رائعا، جعل جيل دولوز يقول:"ربما يبدأ الفن مع الحيوان".  فالحيوان هو طور من أطوار صيرورة دائمة هي الصيرورة الكونية التي تشمل الصيرورات الأخرى وترتبط بها. الشيء الذي يفترض حسب دولوز، هجر تلك العلاقة الإنسانية مع الحيوان، وإقامة  "علاقة حيوانية" معه.
1-تأسيس عالم: دور اللقاء والتركيب
    سأقتصر على تقديم مثالين لحيوانين صغيرين هما "القرّادة"(القملة) و"عصفور أستراليا" Scenopöites dentirostrès))، مع التأكيد أولا على اقتران عالم الحيوان بالوضع والأغنية واللون في علاقاتها مع شؤون الموطن، وثانيا الإنتباه إلى حركات الحيوان وخطوط هروبه(انفلاته) المذهلة ومجموع العلامات التي يبدعها. وسيشكل الإلتقاء والعثور والتركيب دلالة على عمل مبدع ومبتكر لحياة وعالم وصيرورة؛ صيرورة حيوانية.
-القرّادة(القملة):
تتحدد القرادة بعواطف ثلاثة، يقول جيل دولوز، وذلك كل ما تستطيع القيام به باعتبار العلاقات التي تكون مركبة لها، إنه عالم ثلاثي الأقطاب وكفي ! يؤثر فيها الضوء، فتتسلق إلى أعلى الغصن. وتؤثر فيها رائحة الحيوان الثديي، فتترك نفسها تسقط فوقها. ويضايقها الزغب، فتبحث عن مكان فارغ من الزغب لتتسرب تحت الجلد، وتشرب الدم الساخن. لا تملك القرادة، العمياء والصماء، سوى ثلاث عواطف وسط الغابة الشاسعة، ويمكنها في باقي الوقت أن تنام عدة سنوات في انتظار اللقاء(2).

كتب جوينيي باتريك (Juignet Patrick) هذا البحث ورأى النور على صفحات موقع "philosciences.com" يوم ثاني أبريل 2015. فمن هو جونيي باتريك، يا ترى؟
ولد في باريس عام 1952، درس الطب في نيس واهتم بعلم النفس والفلسفة في نفس الوقت. بعد عام من العمل في طب المستعجلات، تخصص في الطب النفسي وتابع تكوينا في التحليل النفسي. أطروحته لنيل الدكتوراه في الطب ورسالته في الطب النفسي التي تلتها، كلتاهما تناولت التحليل النفسي وعلم النفس المرضي، فضلا عن مختلف الكتب والمقالات التي نشرت بعد ذلك. كطبيب نفسي متحرر، بدأ ممارسة العلاج النفسي للأطفال والبالغين منذ عام 1986.
بموازاة ذلك، قام بتدريس علم النفس المرضي في مدارس الممرضين والمساعدين الاجتماعيين، كما قدم محاضرات لطلبة دبلوم الدراسلت العليا في الطب النفسي وطلبة الدراسات المعمقة في علم النفس الكلينيكي..وبعد أن توقف نشاطه كممارس في عام 2015، يكرس الآن نفسه وجهده لتاريخ الأفكار والفلسفة.
تتخلل عمل ميشال فوكو قطائع عديدة. وسوف نركز هنا على الفترة التي يمكن تحديدها تقريبا بين عامي 1965 و 1975، وهي الفترة التي طور واستخدم فيها مفهوم الإبيستيمي. وكان لهذا المفهوم حضور استغرق مدة قصيرة؛ ظهر في "الكلمات والأشياء" في عام 1966، تم التخلي عنه بعد عشر سنوات، لأن ميشيل فوكو اعتبر أن استخدامه أدى إلى طريق مسدود.

يؤسس طه عبد الرحمن نظره في مراتب الترجمة العربية للنص الفلسفي على وجوه التعارض أو التقارب بين الفلسفة والترجمة. هذا ما يمكن اختصاره فيما يلي:
1-    وجوه التعارض بين الفلسفة والترجمة
1-1 - التعارض بين عقلانية الفلسفة و فكرانية الترجمة:
 يرى طه عبد الرحمن أنه لما كــان الأصـل فـي نشأة الفلسفة هو طلب معرفة تقطع صلتها بمــا هـو تمثيل أسطوري، أي معرفة مبنية على مبدأ اللوغوس، أي العقل، بخلاف المعارف المبنية على مبدأ الميتـوس أو الوهم، وكانت الترجمة ترجع إلى التأثير الديني الذي يتجلى في أمرين أولهما قصـة برج بابل فـي التوراة ، حيث استوجب التفاهم بين الشعوب - التي بلبل الله لسانها - قيام الترجمة، وثانيهما ترجمة الإنجيـل من الآرامية إلى اليونانية واللغات الأوربية، فإن العلاقة هي علاقة تعارض، بحيث يلزم " أن الفلسفة التي تدعي الأخذ بأسباب العقلانية تسقط في العمل بأسباب الفكرانية متى جعلت من الترجمة أداة تكشف بها الحقائق وتفتح بها  الآفاق".(2)
1-2- التعارض بين شمولية الفلسفة وخصوصية الترجمـة: لما كـانت الفلسفة تدعي أنها لغة شمولية من حيث كونها تهتم بدراسة الكليات والمعقولات، وكانت الترجمة تتصف بالخصوصية اللغوية رغم ادعـاء بعض التراجمـة باللغة الخالصة ومنـاداة بعـض اللسانيين بالكليات اللغوية، فإن العلاقة الثابتة بين الفلسفة والترجمة هي التعارض بين شمولية الأولى وخصوصية الثانية.
1-    3 - التعارض بين معنوية الفلسفة ولفظية الترجمة: لما كانت الفلسفة لا تعلق لها باللفظ وإنما بالمعنى، حيث غرض الفيلسـوف أن ينشئ الفكـر الذي هـو جملـة مـن المعاني المرتبطة فيما بينها ارتباطا استدلاليا، وكان المترجم على خلاف المتفلسف ينظـر فـي اللفظ نظره في المعنى وذلك باهتمامه بـالبنى  المعجميـة والنحويـة والبنى النصية، فإن طه عبـد الرحمان يثبت التعارض الثالث بين معنوية الفلسفة ولفظية الترجمة.

Anfasse19120" ليس في الصنائع العلمية فقط بل وفي العملية. فإنه ليس منها صناعة يقدر أن ينشئها واحد بعينه، فكيف بصناعة الصنائع وهي الحكمة؟"  ، أبو الوليد ابن رشد ، تهافت التهافت.
لا فرق عند الكاتب الحاذق بين القول بالحكمة العربية بالانطلاق من تجربة لغة الضاد في التكلم برهانيا والتنصيص على الطابع الإسلامي للفلسفة المذكورة بالنظر إلى أن غالبية الفلاسفة كانوا من الملل الوافدة.
غير أن التفريق بين حكمة المشرقيين وفلسفة الغربيين صار أمرا إجرائيا ومطلبا منهجيا لمحاولة تحرير الفكر التابع من هيمنة النموذج المتبوع وتصفية الحساب بالمعنى الرمزي مع مركزية لوغوسية استحوذت على الفضاء الافتراضي للتحضر الإنسي في نمط واحدي ينفي كل تعدد معقولي يتفق مع الكثرة البشرية.
الغرض ليس بناء حكم موضوعي تجاه الفلسفة الغربية التي يتقاسمها الكل بشكل معولم ولا نية إنصاف الحكمة المشرقية بعد طول جحود وازدراء متزايد وضيم متعاظم، فهذا مقصد يتطلب الحياد والتجرد، بل معاودة البدء من جهة مغايرة عن الحقبة الوسيطة التي ينتمي إليها الفكر الفلسفي في حضارة إقرأ ومن منظور يحتسب بدقة وعناية تحولات الفن والأدب والإنسانيات والعلوم والفلسفة في الأزمنة مابعد الحديثة.
ليس المطلوب هو البرهنة عل الدور الكبير الذي اضطلعت به الحكمة المشرقية في قيام الحداثة الفلسفية الغربية سواء عن طريق الترجمة الوفية والتعريب الذكي والنقل الأمين للحكمة اليونانية والعلوم القديمة، ولا التذكير بالرّيادة التي أنجزها علماء الشرق في مجالات الطب والتاريخ والمنطق والرياضيات والفلك والجغرافيا واللغة والاقتصاد والمجتمع والسياسة والآداب والفنون والمعمار والبصريات والقانون، بل القيام بإطلالة على بعض المفاهيم الواردة في التراث المادي الذي ظل حاضرا بالنسبة إلى التجربة النقدية وبقي محفوظا في المكاتب والمتاحف والأرشيف بالرغم من أشكال الإهمال التي تعرض لها أو حملات التوظيف والتلاعب السياسي التي تعمد تجفيف المخزون الروحي الذي ما يزال حيا في الشعور الجمعي.

Anfasse19115مؤلف هذا الدراسة الفلسفية هو غيون ليجي..نشرها بالموقع الالكتروني "iPhilo" يوم 2016/12/03. يمتهن الكاتب تدريس الفلسفة، ويهتم بالفيلسوفين أبقور، مونتاني، وبالفيلسوف سبينوزا على الخصوص. صاحب مدونة فلسفية هذا رابطها: http://chemins-de-philosophie.over-blog.com/.
ماذا نكون حقا، وماذا نعلم حقا عن أنفسنا دون الآخرين؟ بكل عفوية، نحن نميل إلى اعتبار أنفسنا ككيانات مغلقة على نفسها، مشكلة (بفتحة مشددة على الكاف) ذاتيا ومشكلة (بكسرة مضعفة تحته) ذاتيا إذا جاز لنا القول. ولكن ألسنا أمام نظرة مجردة للعقل، أمام وسيلة لتجاهل حركة الوعي بما هو توتر خالص نحو ما لا يكونه؟ وفوق كل شيء، ألا نتجاهل دور الآخرين في وجودنا؟ في هذا المقتطف من (كتاب) "الوجودية نزعة انسانية""، الذي كان في الأصل نص محاضرة ألقاها في عام 1946، يدعونا جان بول سارتر (1905-1980) إلى إعادة النظر في وجهة النظر الساذجة هاته. لأننا لسنا مثل روبنسون كروزو، الذي تقطعت به السبل على جزيرة، والذي فصل عن أشباهه بكثافة المحيط الزرقاء.

anfasse01115" لقد كان التناقض في الماضي ألد أعداء المنطق، وهو... اليوم منطق مجتمع في وسعه الاستغناء عن المنطق ، مجتمع يلعب مع التدمير ويسيطر تكنولوجيا على الفكر والمادة" [1]    
  من نافل القول أن الفيلسوف هو وعي بهذا العالم الذي يعيش فيه وأنه يهدف الى توضيح جملة من الاجراءات الضرورية التي يفترض أن يقوم بها ويلزم بها كل مشتغل بتطبيق المعرفة في الحقل السياسي:
- مساعدة الوعي السياسي قصد الالمام بالمعطيات والحيثيات من زاوية المبادئ الفلسفية الكبرى التي تستند عليها الممارسة اليومية أولا ، وعلى مستوى سراديب العمل السياسي وألاعيبه المتحكمة فيه ثانيا.
- تسهيل فهم المشاكل المطروحة بين الفينة والأخرى والأزمات المشتعلة التي تحدث بشكل دائم في المشهد السياسي ويترتب عنها كوارث اقتصادية ومخاطر اجتماعية تعصف بمقدرات الأفراد والجماعات.
- اطلاق جملة من النقاشات الهادئة والحوارات العقلانية يكون الغرض منها توضيح فائض القيمة في المواقف الخاصة وتفكيك ما أمكن من الأحكام المسبقة والصور النمطية وتنقية أشكال اللُّبس وسوء الفهم.