من المسائل الفلسفية التي ركزت عليها نظريات المعرفة عند المسلمين خصوصا مسألة الوجود والموجود والعدم ووحدة الوجود، في تظاهرة فكرية لم تحسم أطرها لليوم هناك أسئلة مفصلية راهنة تحتاج إلى إعادة هيكلة فكرية لما تمثله من تحديات منطقية عقلية يمكن أن نثيرها هنا لا على سبيل الاستعراض والإظهار، بل لا بد من بحث وتحديد وفرز والابتعاد عن استخدام الحيل اللفظية والبدائل المعنوية التي تزيد من حدة الاشكالية.
الأسئلة المشاكسة ستكون كالاتي:
ـ العدم هل هو نفي وجود أم استحالة تصوره؟
ـ الوجود هو عين الموجود أم أن أحدهما أكبر من الأخر؟
ـ هل للوجود علة مسببة فيما يسمى بالواجد الواجب؟
ـ معنى واجب الوجود ومن أوجب عليه ذلك؟ الوجود أم استثمار للعلة؟
ـ وحدة الوجود هل تعني أنا واجب الوجود جزء من وجوبه؟ أو وجوبه جزء من علة الموجود؟
ـ لو كان الوجود كله هو واجب الوجود وأن المظاهر الثلاث الله والعالم والإنسان هي وحدة شيئية تتبادل أدوار التشكيل الشيئي للوجود، فكيف يكون الواجب جزء من وجود الموجوب عليه.
ـ العدم إن كان صورة ذهنية محالة كيف أهتدى العقل لهذه الصورة ومن شخص وكيف شخص الدلالة وأشاع استعمالها على النحو الذي عليه الآن.
مبادئ العدالة من منظور نفعي عند ستورات ميل ـ د.زهير الخويلدي
استهلال:
" إن كانت الإنسانية كلها باستثناء فرد واحد على رأي وكان هذا الفرد على عكس هذا الرأي لما كان للإنسانية حق فرض الصمت عليه، أكثر مما يكون له هذا الحق لو كانت السلطة بيده"1[1]
يظن البعض أن النفعية تنتصر للحرية على حساب المساواة وتضع نفسها بجوار الخاص على حساب العام وتقر بالمصلحة الجزئية على حساب المبدأ الكلي للتقسيم وتحرص على حضور البعد الأداتي على حساب البعد الغائي وتشبع المادي على ضد الرمزي. كما يعتقد آخرون أن الفلسفة النفعية مع جون سوارت ميل (1806-1873) تدافع بشكل مطلق على اقتصاد السوق والملكية الخاصة والحرية الفردية والنظام اللبيرالي وتنشد الرفاه ضمن مجتمع الاستهلاك عبر آليات الاستثمار والمنافسة الحرة ، وبالتالي تخلو من كل حديث عن العدالة والحقوق الجماعية والمساواة الاجتماعية والمصلحة المشتركة. غير أن هذا الظن يبدو كاذبا إذا تم التفريق بين المذهب النفعي عند المحدثين والفلسفة النفعية التي برزت مع التيار الأنجلوساكسوني وبين البعد البراغماتي بما هو نمط تداولي يتكامل مع النمط التركيبي والنمط الدلالي والفلسفة البراغماتية بماهي اتجاه ذرائعي وانتفاعي ، وتم التأكيد على أهمية القيم الاشتراكية عند ميل وارتباط الحياة الفردية بالأخلاق وتأسيس القيم على المنفعة باعتبارها مبدأ السعادة القصوى وتفضيل لذات العقل على لذات الجسم والبحث عن حياة خالية من الأم وثرية بالعمل وما يجلبه من منافع ومسرات.
"ومع ذلك فإن هذا الكائن الأرقى سيتعلم بسهولة تحمل هذا النقص (في تحقيق اللذة التي يرغب فيها) ولن يكون غيورا من ذلك الكائن الذي لا يعي هذا النقص لأنه لا يستشرف الامتياز الذي يحفزه كل نقصان"2[2].
حالة الطبيعة من الأساس الفرضي-التاريخي إلى بعده الإجرائي ـ اسماعيلي علوي يوسف
شكّلت الفلسفة السياسية في الفترة الحديثة، منطلقا جديدا، من خلال استنادها على الثورة الكوبرنيكية في الفلك، والجاليلية في الفيزياء، والديكارتية في الفلسفة، بحيث نجد منابع الذات في تلك الأسس. امتدّ الأمر في السياسة، من خلال التفكير في إعادة تقليب الأرضية السياسية، وبناء نظم جديدة، فانطلاق هوبز مثلا، من الإنسان في فلسفته السياسية، نابع من خلفية علمية-فلسفية حديثة. الحال كذلك مع جون جاك روسو الذي ناقش مفهوم الإنسان في خطابه عن أسس التفاوت بين الناس. من هنا يشكّل الإنسان الموضوع الرئيسي للسياسة؛ فأي تحديد للإنسان وطبيعته، وعلاقته مع الأفراد، إلا وينعكس على طبيعة النظرية السياسية، فتكون هذه الأخيرة تقعيدا لأسس العلاقات وتدبيرا للشؤون الاجتماعية والاقتصادية وغيرهما. لذلك كانت تأملا داخل الحدود العملية، لا تبرح مصالح الناس وواقعهم وحياتهم، ومنافعهم العامة. ولتحقيق ذلك قام فلاسفة العقد الاجتماعي بافتراض منهجي، يضع واقعهم بمختلف أبعاده بين قوسين، حدّد في حالة الطبيعة، غير أنّ هذه الحالة عند روسو تمثل بعدا تاريخيا، واجرائيا كذلك؛ إذ وضَع الطبيعة الإنسانية في مجرى الزمن، وتلمّس تغيراتها، في علاقتها بالطبيعة وموجوداتها، ومن حيث البعد الإجرائي الذي يحاكم الواقع الراهن، عند إدراك الأسس الحقيقية للمجتمع، ويفتح أفقا نحو العقد الاجتماعي، فكيف يمكن تحليل هذين البعدين في حالة الطبيعة؟
اللغة في ضوء " نظرية الفوضى" ـ ليلى العبيدي
المنظومة اللغويّة جزء من المنظومات الكونيّة التي نظن أنّنا أحطنا بقوانينها و رسمنا حدود قواعدها نحوا و صرفا و تنظيرا لسانيّا و تمثيلا عرفانيّا بل و حتى تحليلا جينيّا. لكن يبدو أنّ نظريّة الفوضى (الكايوس) قد عصفت بهذه الحقائق كما عصفت بحقائق علميّة راسخة في مجالات أخرى.
فرغم نجاح العلم في الإحاطة بعديد الظواهر الكونيّة و تحليل نظام اشتغالها إلاّ أنّه لا يزال يقف عاجزا أمام بعض الظواهر التي تتسم بالفوضى والاضطراب مثل حركة الأمواج و تقلبات المناخ و الزلازل و ذلك لأنّها تمثل الجانب المفاجئ و الانقلابي من الطبيعة .
إلاّ أن تلك الصورة شرعت في التغيّر تدريجيّا في سبعينات القرن العشرين عندما همّت كوكبة من العلماء الأمريكيين و الأوربيين بالاهتمام بأمر الاضطراب و فوضاه.و تالّفت تلك الكوكبة من علماء في الفيزياء و الرياضيات و البيولوجيا و الكيمياء الذين سعوا للامساك بالخيوط التي تجمع ظواهر الفوضى كلّها [i]. و قد أنتجت تلك البحوث رؤى جديدة دلّت على إمكان تغيير النظرة إلى العالم الطبيعي بما في ذلك أشكال الغيوم و بروقها و الشبكات المتداخلة من الشعيرات الدمويّة و تجمّعات النّجوم و المجرّات."[ii]
نظرية المعرفة عند كانط ـ المختار شعالي
قامت فلسفة كانط الترانسندنتالية transcendentale النقدية على نقد ودحض المذهب العقلي (ديكارت) والمذهب التجريبي- الحسي (لوك وهيوم) . باعتبار أن المعرفة المنبثقة عن الاتجاه العقلي لا تقوم على محتويات تجريبية - حسية، بل تنتج عن تفكير منطقي استنباطي. ذلك أن العقليين في عصر التنوير اعتبروا أن العالم منظم حسب قوانين، ويمكن معرفة هذا العالم عبر العقل والاستدلال المنطقي انطلاقا من مقدمات صحيحة ودون اللجوء إلى المعطيات الحسية (ديكارت)، وهذا ما يرفضه كانط.
فيما يتعلق بنقد كانط للمذهب التجريبي- الحسي، فرغم أنه شارك لوك وهيوم في موقفهما النقدي من محاولة استنباط عالم الوقائع من مبادئ أولى ندركها بالحدس، ووافقهما في الاعتقاد بأن المعرفة الوحيدة التي نستطيع الحصول عليها عن العالم وعن أنفسنا هي المعرفة القائمة على الخبرة الحسية. غير أنه لا يوافق هيوم خاصة في مسألة شكه حول يقينية هذه المعرفة، حيث اعتبر هيوم أن انطباعاتنا الحسية يمكن أن تنخدع وتتناقض. هكذا حاول كانط بطريقة ما أن يؤسس نظرية معرفية انطلاقا من خلق تركيب من المذهب التجريبي- الحسي والمذهب العقلي، وذلك على أساس تجنب الشك التجريبي- الحسي من جهة، وتجنب العقيدة العقلية الجامدة من جهة أخرى.
لماذا خلق كانط نظرية في المعرفة مركبة كهذه؟
أكد هيوم على دور الحدث الواقعي والخبرة في تحقيق المعرفة، غير أنه لم يتحدث عن أي شيء منظم وعقلي في الطبيعة. في حين أن العقليين، قد رأوا أن في الطبيعة نظام ومنطق، مما جعلهم يعتقدون أنه من الممكن اكتشاف النظام الطبيعي واستخلاصه من مبادئ أولى بدون الالتجاء إلى الوقائع. ولمواجهة هذه المفارقة، بدا لكانط أن هناك حاجة إلى مزيج من الوقائع والعقل، عبر رؤية تسعى إلى تنظيم ومفهمة معطيات التجربة من جهة، وملأ بنيات العقل الفارغة بالوقائع من جهة أخرى.
المقدّس، القداســي و الحلال ـ خلود سيمون
لا يمكن أن نخوض اليوم في مسألة المقدّس دون أن نشخّص السيرورة التاريخية التي جعلت من هذا المفهوم دون غيره محلّ سؤالنا.فمنذ الثورة الفرنسية و فلسفات العقد الاجتماعي ففلسفة التنوير،عرف العالم ما يسميه مارسال غوشي "حركة نزع السحر عن العالم" و هي حركة تميّزت بانتقال الديني إلى مجال المفارق و استقلالية المحايث الاجتماعي و السياسي عن كل تفسير ديني غيبي ممّا جعل من الإنسان فردا مستقّلا قادرا على تأسيس الحياة العامّة دون الاستناد إلى المرجعيات اللاهوتية بما أنّه لم يعد للمؤسسة الدينية من مبرر لتنظيم و تفسير حياة الإنسان.تجد هذه الحركة جذورها الأولى في الثورة العلمية الحديثة التي تجاوز من خلالها العلم التفسيرات الأنتروبومورفية الأرسطية ليحطم بذلك الكوسموس و يستند إلى الرياضيات وحدها لتفسير ظواهر الطبيعة من خلال الترييض و التكميم و هندسة المكان و إن كانت هذه الثورة علمية فإنها غيّرت من موقع الإنسان في الطبيعة و جعلته بعبارات ديكارت "سيّدا و مالكا لها" كما أنّها غيّرت من معنى العالم بالنسبة للإنسان فأصبح فضاء للتجربة و التحرّر و انقلبت حالة العجز السابقة إلى حالة قدرة فاعلة.وعلى إثر هذه الثورة،أصبح الإنسان قادرا على نقد الأفكار الدينية خاصّة تلك التي تنزع عن الإنسان دور الفعل و تمنعه عن الحريّة و المعرفة العقلية و نجد هذا خاصّة في الثورة الإصلاحية البروتستانتية التي قام بها مارتن لوثر في القرن السادس عشر ضدّ منح صكوك الغفران و الشفاعة التي يوهم بها القديسون المؤمنين و حالة الوهم التي تنشرها الكنيسة في صفوف المؤمنين من أجل ضمان طاعتهم العمياء دون تفكير أو إعمال للعقل.
فوكو ومفهوم السلطة الرعوية : الأصول والإمتدادات - ادريس شرود
مقدمة
أعلن جيل دولوز في حوار "ما بعد الموت"(1) الذي خص به كلير بارني، عن رغبته القوية في تأمل السلطة الرعوية. فقد شكك في تأكيد البعض عن تراجع عمل هذه السلطة داخل المجتمعات المعاصرة، في حين أثنى على العمل المثير الذي اضطلع به كل من باروخ سبينوزا وفريديريك نيتشه وميشيل فوكو والمتمثل في إبداع مفهوم الكاهن، والذي له علاقة مباشرة بمفهوم السلطة الرعوية. فإذا كان نيتشه وسبينوزا قد خلفا مقاربة فلسفية مثيرة حول مفهوم الكاهن اليهودي والمسيحي، فإن مقاربة فوكو لهذا المفهوم وللسلطة الرعوية تطرح تساؤلات مقلقة حول علاقته بالمسيحية، وجرأته في قول الحقيقة عن هذه الديانة التي كانت بمثابة الحقل الثقافي المفضل باستمرار لديه. يتعلق الامر باختزال فوكو لقضية المسيحية عموما في أبسط عباراتها من قبيل "مراقبة الافراد" الطاغية لديه، والتي قوامها الأركان الثلاثة للسلطة الرعوية: الذاتية والجنسانية والحقيقة(2). الاكيد أن الإهتمام التاريخي والفلسفي لفوكو قد انصب حول موضوعة "الذات"، مع متابعة مختلف أنواع الخطابات وأشكال الممارسات المرتبطة بانبثاقها وقول الحقيقة عنها. يشير فوكو إلى أن قول الحقيقة عن الذات، كان موجودا في الثقافة الإغريقية والرومانية، لكن المسيحية ستقوم بخطوة حاسمة لتحوير ثقافة الذات القديمة والتاسيس لطقس "الإعتراف" وما يستلزم ذلك من اعتراف بالذنوب وإجراء التوبة وطلب العون من أشخاص مميزين (كاهن، قس، مدير، رئيس...)، أو الإستعانة بتقنيات ومؤسسات. في سياق هذه التحولات، سينبثق مفهوم السلطة الرعوية، والذي سيتوج بالإعتراف الطبي والإعتراف القضائي خلال القرن التاسع عشر.
صورة الكاهن في فلسفة نيتشه ـ ادريس شرود
"أنا مخترع علم نفس الكاهن"
نيتشه
لم يتردد جيل دولوز بعد تقاعده سنة 1987 من تأكيد رغبته في طرح أسئلة فلسفية بعيداعن المباشرة والجانبية والتجريد، إذ هناك حالات لا تمنح الشيخوخة فيها شبابا أبديا، وإنما على العكس حرية تامة وضرورة خالصة. يتعلق الأمر بسؤاله حول مفهوم الحزن والشخصيات التي مثلته منذ فجر التاريخ، شخصيات لاتكتفي بالتمثيل ولعب الأدوار، بل تحاول قدر إرادتها و"ذكائها" تمرير عواطف حزينة للآخرين، شخصيات عمرت طويلا، وفرضت نفسها على الأفراد والجماعات والشعوب. كانت رغبة دولوز متجهة نحو رسم لوحة لهذه الشخصيات، لوحة ابتدأ العمل عليها منذ أواسط القرن السابع عشر مع باروخ سبينوزا، ثم مع فريديريك نيتشه، وأخيرا مع ميشال فوكو. اهتم هؤلاء الفلاسفة في جانب مهم من أعمالهم على البحث عن أصل أحكامنا الأخلاقية، وعلى الكشف عن التشكل التاريخي لسلطة كانت محتاجة باستمرار إلى حزننا كي تجعل منا عبيدا. وكانت مهمة الفكر مع هؤلاء مركزة على وضع حد نهائي ل"نظام الأحكام الأخلاقية". لقد ساهمت في تشكيل هذا النظام الأخلاقي شخصيات مثيرة حقا، اعتمادا على قدرتها على استعمال الخيال وفرض الطاعة وتطبيق الأخلاق، ونذكر من بينها: شخصية "الكاهن"؛ شخصية قادت أكبر عملية تزوير للأخلاق وقلب لها، مستهدفة الحط من قيمة الحياة وكرهها ومحاكمتها ونفيها. ضدا على هذا الهوى الإرتكاسي، أقدم فريديريك نيتشه، على إبداع فكر مضاد لتيولوجيا الكاهن: فلسفة نقدية وعلم مرح، وتصور جديد للوجود مبني على فضح اضطراب الروح وكشف وهم "العالم الحقيقي" وتأكيد قوى الجسد وإثبات الحياة.
مفاصل التفاعل بين المعارف ـ بناصر البُعزاتي
إن نظرة أولية إلى تاريخ الأفكار والمعارف تكشف عن كون الممارسات الاجتماعية والفكرية مرتبطة أوثق الارتباط، وإن كان لا يمكن الإقرار بتبعيـة من درجـة ما من اللزوم فيما بين المستويات المختلفة. ويمكن ملاحظة أن وتيرة تطور الأفكار والفنون والتقنيات متناسبة مع درجة التفاعل والتداخل فيما بينها : إذ كلما كان التفاعـل قويا كانت استفادة مختلف الميادين أكبر ؛ وكلما انعزلت عن بعضها البعض، بفعل عوامل عقدية أو سياسية مثلا، ركدت، وربما تراجعت.
يمكن الحديث في موضوع التفاعل بين المعارف انطلاقا من بعض المبادئ :
أ) ـ تناغم الكون : فكرة تناغم الكون شكلت، فرضية فلسفية مهمة لدى جل المذاهب، إن لم يكن لدى كلها. وتتمثل هذه الفكرة في اعتبار الكون وحدة من المكونات والعناصر تتماسك فيما بينها وتتواصل، بحيث تتأثر باقي العناصر بكل ما يجـري للبعض الآخر، قليلا أو كثيرا. فحركة الأجرام ترتبط بانتقال الضوء ودوران الميـاه على الأرض ونمو النبات… الخ. هكذا تكون كل المكونات مترابطة فيما بينها بدرجات معينة، تؤثر وتتأثر ببعضها البعض.
وتختلف المذاهب الفلسفية والعقدية في التعبير عن هذا التناغم المسلم به: فيسميه بعضها بوحدة الوجود؛ وتقطع فيه أخرى مناطق متعددة، متحدثة عن عالم الجماد وعـالم النبات؛ وترسم فيه أخرى مستويات متدرجة بين الحسي والعقلي؛ وتصنفه أخرى إلى عالم حسي وآخر مثالي، وتتحدث أخرى عن عالم زائل وآخر خالد. وتنشئ المذاهب أنماطا وجودية، تسند لـها درجات معينة من الأهمية، بواسطة نسج الصور والمفاهيم التي تتوفر لـها في ظروف تاريخية محددة.
إشكالية الحُجَج العامَّة بين الفلسفة والبلاغة ـ شاييم بيرلمان ـ ترجمة: أنوار طاهر*
أسعى في ورقة البحث المقدمة هذه**، إلى الدفاع عن الأطروحة التي تشير إلى أن طبيعة الاستدلال الفلسفي raisonnement philosophique هي في الأصل طبيعة بلاغية rhétorique. وانه بمقدار ما يزعم فيه هذا النوع من الاستدلالات أن براهينه تقوم على مجموعة من المقدمات الخاصة به وحده، فهو يوطد، في واقع الأمر، صلته الوشيجة مع عدد من الافتراضات المتآلف على صحتها بشكل معتاد؛ والتي تتكون من المبادئ principes السائدة؛ والمفاهيم notions الشائعة والحُجَج العامَّة أو المشتركة lieux généraux ou communs.
وآمل أن أتمكن هنا من توضيح أن هذه الأطروحة المتعارضِة إلى حد كبير مع اغلب المزاعم السائدة في التقليد الفلسفي، هي ليست بأطروحة اعتباطية. بل على العكس تماماً، هي أطروحة متوافقة تماماً مع المناخ الفكري في عصرنا؛ وأن محاولتها المتمثلة في إعادة العلاقة بين الفلسفة والبلاغة إنما ستضمن خصوصية الفلسفة من جهة؛ وستحفظ من جهة أخرى مكانة البلاغة. وذلك من خلال إعادة الاعتبار لمفهوم الحُجَج العامَّة باعتبارها تمثل نقطة الارتكاز والانطلاق لكل فلسفة إنسانية ممكنة.
في البدء، ينبغي أن نشير إلى أن القول الذي يزعم لنفسه امتلاك جواب ساريّ المفعول valable وكلي عن سؤال: ما هي الفلسفة ؟ لا يمكن له إلا أن يكون جواباً دوغمائياً ومتضمناً على قصور كبير أيضا. لأنه على مدار التاريخ، لم يكن ينبني تعريف الفلسفة في كل مرة يجري فيها ذلك، إلا على أساس تفضيل وإعلاء حُجَج خاصّة بأنساق أنظمة فلسفية معينة مقابل الاستبعاد والحطّ من الحُجَج المعارضِة لها.
هوة الاختلاف بين التنازع والتسامح ـ د.زهير الخويلدي
" لا مجال للحديث عن شيء من الأشياء إلا بفتح العين على الاختلاف والفرق وعلى العرض والأثر" [1]
توجد العديد من الشروط والظروف حولت الخلاف إلى مشكل يعيق التواصل ، ويسبب التوتر بين الذوات والمجموعات ، ويؤدي إلى العنف المادي والرمزي ويمزق النسيج الاجتماعي ويكرس التشنج والتصادم.
لقد ظهر الاختلاف يوم برز تفاوت بين أفهام الناس في مداركهم العقلية وتباينت أغراضهم ومقاصدهم ومصالحهم واضطربت المواقف والمعتقدات بينهم حول رؤية العالم ، وظهرت النزعة الفردية للإنسان والشعور بذات مستقلة تدفع إلى التميز والتفرد ، وتحولت الذاكرة الجماعية المثقلة بالجراح والاهانات والميراث المليء بالكراهية والحقد إلى مصدر إزعاج وتوتر يعوق التقدم ويمنح انبثاق الحياة المشتركة.