تنزعج النساء من المفاهيم التي تختزل هويتهن الوجودية في الترميز الجنسي، انطلاقا من وظيفة الحمل : الجنس والأمومة. لكن بعمق هذا المنطلق نجد أن المرأة من ضمن المساهمين في توسيع هذه الرؤية وفرضها. فالنساء بالتعبير عن أنفسهن ووجودهن، لا يتخذن موقعا إنسانيا : لا يتعلق الأمر بتسوية أنفسهن مع الرجال، فهنا تكمن المغالطة ! بل بنزع هذا التأطير الجنسي وعدم الاندماج في اللعبة ـ لعبة أن على المرأة أن تبذل مجهودا لتثبت أنها مساوية للرجل ـ هناك "إنسان" لا أقل ولا أكثر، أما الرجل والمرأة فهي محددات مفاهيمية تبلورت تاريخيا لا تحمل أي فائدة أو معنى أو مغزى أو دلالة، سوى جلب المشاكل والصراع والضغوطات النفسية، دون ذكر الإبقاء على الرجعية والأساطير والحماقات البشرية المتوارثة.
لغة الايديولوجيا وايديولوجيا اللغة : قراءة في تاريخ العلامة المقهور ـ حيدر علي سلامة
يلاحظ المتتبع لصيرورة وحركة الخطاب اللساني/الأكاديمي السائد، أن هناك نوعا من سيادة أسماء كاريزمية/لسانية مركزية، وغيابا/وتغييبا لأسماء كثير من مجددي خطاب الدراسات الماركسية - وليس الماركسية الدوغمائية – بشقيه: البراكسيسيpraxis/الابستمولوجي Épistémologie والاستطيقي Esthétique/الثقافي، سيما عند أولئك الذين شكلوا ا كثر من منعرج سوسيو-لساني لذلك الخطاب، وممن عملوا على إعادة لحمة التواصل بين بنية الأبحاث اللسانية الجديدة والخطاب الماركسي في مجمل تحولاته السيمانتيكية؛ اللسانية والثقافية/الاجتماعية. ربما كان من أبرزهم الفيلسوف البولوني "آدم شاف" الذي عمد من خلال جميع مؤلفاته الفلسفية والسوسيولوجية إلى جانب إعماله المنطقية واللسانية، إلى إعادة قراءة خطاب اللسانيات وفلسفة اللغة والمنطق في تاريخ الفلسفة الماركسية. فوفقا لرؤيته "شاف" النقدية، لم تعد اللغة مجرد انعكاس للبنية التحتية كما ظهرت في الماركسية التقليدية، بل اللغة هي مُنتج ثقافي؛ لساني وأيديولوجي، ولا يمكن حصر هذا المُنتج ضمن نظرية واحدية كنظرية الانعكاس الدوغمائية والرؤية الستالينية الضيقة. لذلك، دعا فيلسوف اللسانيات "شاف" إلى ضرورة (( التعاون بين الحقول المعرفية المختلفة. لان الإشكالية اللسانية المطروحة تتسم بدرجة من التعقيد الذي يجعل منها نقطة محورية للتواصل بين العلوم الابستمولوجية المتعددة، كاللسانيات والمنطق والاثنولوجيا والسايكولوجيا وعلوم الطب، والتي بدونها يعجز الفلاسفة عن تحليل الإشكالية اللسانية تحليلا ابستمولوجيا ))(1).
الاستدلال الرياضي عند ابن الهيثم ـ مصطفى قشوح
يتجه الاستدلال الرياضي عند " ابن الهيثم " اتجاها بنائيا استنباطيا ، فهو ينتقل من المركب إلى البسيط ، فلقد استعمل " ابن الهيثم " نفس المنهج - المنهج الاستنباطي - الذي استعمله " إقليدس " في كتابه الأصول ، كما هو واضح في كتاب ( الأصول ) أن المبادئ الرياضية هي أهم عنصر داخل الاستدلال الرياضي .
1_1مبادئ الاستدلال الرياضي عند ابن الهيثم
يعرف " إقليدس " المبادئ في الجزء الأول من كتابه الأصول [1] بأنها مجموع التصورات و القضايا الأولية العامة ، و التي ينطلق منها الرياضي كي يصل في الأخير إلى نتائج يقينية .
يقسم إقليدس هذه المبادئ في كتابه السابق إلى ثلاثة مبادئ أساسية ، بالمقابل لقد أضاف " ابن الهيثم " مبدأ رابعا إلى هاته المبادئ و أطلق عليه اسم ( الأوليات ) ، و يبدو أن هذا المبدأ متضمن في النسق الإقليدي ، وما قام به " ابن الهيثم " هو انه أخرجه من القوة على الفعل .
حول سؤال الدين والقانون ـ هادي معزوز
ليس ثمة ما يدعو إلى الشك في فكرة تقول أن الإنسان هو دوما في حاجة كبيرة لشيء يردعه على تصرفاته، وإلا لما ألفينا أنفسنا أمام هذا الزخم الكبير من كل أساليب الردع والمعاقبة والمراقبة في كل أشكال وأنماط حياتنا اليومية، من كاميرات مراقبة، ونصوص قانونية، وجهاز مخابرات، ومحاكم، وسجون، ومراكز للإدماج...
عندما نحاول فهم ما قلناه آنفا، سنرى أننا إزاء مظاهر بقدر ما تحاول إعادة الإنسان إلى التوازن، بقدر ما تكشف من حيث لا تدري على طبيعة الإنسان، ولسان الحال يقول: لو كان الإنسان خيرا وطيبا لما احتجنا إلى أشياء تردعه وتحد من همجيته ووحشيته، لحد الساعة سيبدو لنا الامر عاديا أن لم نقل بديهيا بناءً على اتفاق بين أغلب الناس حول هذا الشأن، لكن وفي مقابل ذلك لا بد من الإشارة إلى أن محاولة وضع رادع للإنسان يلزمه أولا فهم هذا الإنسان من جوانب مختلفة، سيكولوجية بداية، سوسيولوجية تثنية، وتاريخية تثليثا، لكن تحت فهم فلسفي محض، يقدم لنا الطرق الناجعة والميكانيزمات الذهنية التي ستساعدنا على إيجاد أنجع السبل في ما تم ذكره.
والحق أنه لم ننتبه إلى أسلحة أخرى خفية، تحاول في غير ما مرة أن تصنع الإنسان وفق قالبها، إذ من فكر منا ذات يوم في الدور الخفي للمدرسة، للإشاعة، للأمراض المصنوعة، لدَوْرِ النقود كذلك، لصراع الحضارات وللدين أيضا؟ للإيديولوجيات المختبئة تحت لباس البراءة والحيادية، وللقيم التي نحاول ترسيخها؟ ربما قمنا بذلك خوفا من هَيَجانِ الإنسان وطمعه في الاستحواذ، وكذلك في محاولة جد مدروسة لصنع طرق الوهم ومسارات التضليل، حيث لعبت المجتمعات الحديثة دورها الوحشي فيها، لهذا كان لازما الوقوف عند أول الأشكال ردعا للإنسان قبل أن تصنع هاته المجتمعات ما صنعته، حيث لن نقف سوى أمام الدين والسياسة، علما أنه من الصعوبة بمكان الجزم بأسبقية من، والحال أنه لن يُهِمَّنا في هذا المقام، بقدر ما أن السؤال الإشكالي بينهما تأسيسا على بنية واقعنا الحالي، هو من سيحظى بحصة الأسد.
أنطولوجيا اللغة وإيتيقا التفاهم عند هانز جورج غادامير ـ د.زهير الخويلدي
" إن المرء يريد أن يفهم ما يُتاح للفهم فحسب...وان الوجود الجدير بالفهم هو اللُّغة "1[1]
لقد اتخذت مشكلة اللغة مكانة بارزة في المناقشات الفلسفية المعاصرة ومكنت الفكر من نقد تصوره الطبيعي للعالم وإعادة التفكير في تجربة الإنسان في العالم ومثلت السلطة الرمزية التي تتدخل في تشكيل مصير الحياة وعلاقة المجتمع بتاريخه وفي تحديد قدرات البشر على الربط بين المعرفة والممارسة. لقد عبر هانز جورج غادامير عن الرجة التي أحدثها المنعطف اللغوي للفلسفة المعاصرة بقوله:" اللغة هي النمط الأساسي لاكتمال وجودنا في العالم والشكل الذي ينطوي على شمولية تأسيس وتشكيل العالم."2[2] على هذا النحو يجد الإنسان نفسه بفضل اللغة وجها لوجه مع وضعه المتناهي وتمثل اللغة أداة للتعبير عن الذات ووسيلة للفهم ما يحيط به بل الإمكانية العليا لوجوده والاستطاعة التي جعلته جديرا بسكن العالم ورعاية الكينونة. الأمر الهام عند غادامير هو تأكيده على تناهي الطبيعة البشرية وتاريخية المعرفة البشرية ولانهائية التأويل وحدثان الحقيقة وشغل الوعي بالتاريخ ودعوته إلى انصهار الآفاق وإنتاج المعنى بمنطق الأسئلة والأجوبة. لهذا السبب نجده يقول ههنا: " في الحقيقة، الطبيعة البشرية التي تخصنا بواسطة تناهينا هي متميزة الى حد ينبغي أن نعتبر ظاهرة اللغة والفكر الذي يجب أن يصلها تحت قانون التناهي الانساني"3.[3]
أنطولوجيا اللغة وإيتيقا التفاهم عند هانز جورج غادامير ـ د.زهير الخويلدي
" إن المرء يريد أن يفهم ما يُتاح للفهم فحسب...وان الوجود الجدير بالفهم هو اللُّغة "1[1]
لقد اتخذت مشكلة اللغة مكانة بارزة في المناقشات الفلسفية المعاصرة ومكنت الفكر من نقد تصوره الطبيعي للعالم وإعادة التفكير في تجربة الإنسان في العالم ومثلت السلطة الرمزية التي تتدخل في تشكيل مصير الحياة وعلاقة المجتمع بتاريخه وفي تحديد قدرات البشر على الربط بين المعرفة والممارسة. لقد عبر هانز جورج غادامير عن الرجة التي أحدثها المنعطف اللغوي للفلسفة المعاصرة بقوله:" اللغة هي النمط الأساسي لاكتمال وجودنا في العالم والشكل الذي ينطوي على شمولية تأسيس وتشكيل العالم."2[2] على هذا النحو يجد الإنسان نفسه بفضل اللغة وجها لوجه مع وضعه المتناهي وتمثل اللغة أداة للتعبير عن الذات ووسيلة للفهم ما يحيط به بل الإمكانية العليا لوجوده والاستطاعة التي جعلته جديرا بسكن العالم ورعاية الكينونة. الأمر الهام عند غادامير هو تأكيده على تناهي الطبيعة البشرية وتاريخية المعرفة البشرية ولانهائية التأويل وحدثان الحقيقة وشغل الوعي بالتاريخ ودعوته إلى انصهار الآفاق وإنتاج المعنى بمنطق الأسئلة والأجوبة. لهذا السبب نجده يقول ههنا: " في الحقيقة، الطبيعة البشرية التي تخصنا بواسطة تناهينا هي متميزة الى حد ينبغي أن نعتبر ظاهرة اللغة والفكر الذي يجب أن يصلها تحت قانون التناهي الانساني"3.[3]
إشكالية نظرية البلاغة الجديدة بين بيرلمان وعلي الوردي ـ حيدر علي سلامة*
إن المتتبع لطبيعة ما يُكتب ويُنشر ويُعاد نشره حول فكر وفلسفة عالم الأجتماع العراقي العلاَّمة الراحل علي الوردي (1913-1995)، سيلحظ سيطرة شبه تامة للنزعات الأرثوذكسية والتقليدية في التعاطي والكتابة والبحث في مجمل مؤلفاته الأجتماعية واللغوية والمنطقية وما شابه. حيث يبدو واضحا أن أهم ما يميز ذلك النتاج الثقافي والفلسفي للنخب المثقفة والأكاديمية المختصة، هو وجود حالة من العزلة الكاملة بين نصوصهم والكشوفات الراهنة في علوم اللغة والمنطق والأبستمولوجيا الاجتماعية social epistemology، وعن الطفرات الحاصلة في مجالات نظريات الثقافة والأنتروبولوجيا واللسانيات السوسيوثقافية sociocultural linguistics. وقد أخذت هذه الهوة في الاتساع اللامتناهي بين النصوص المكتوبة لتلك النخب؛ وبين الثورات العلمية المتلاحقة، الأمر الذي انعكس سلبا على طبيعة منشورهم الثقافي والأكاديمي الذي تحول إلى منشور توتولوجي ايديولوجي، سيما فيما يتعلق بتحليل الأفكار الاجتماعية والسياسية والدينية في أدبيات العلاَّمة الراحل، إلى الدرجة التي لا يمكننا أن نجد فيها قراءة واحدة متفردة في أستعمالها لمنطق التحري والتحقيق والبحث inquiry بهدف تقديم تأويلات جديدة لأفكار العلاَّمة الراحل، خاصة تلك المرتبطة منها بعلاقة الوردي بحقول كل من: المنطق والفلسفة واللغة، وعلوم البلاغة وتحليل الخطاب النقدي.
النشاط الاجتماعي بين العقلنة والشرعنة عند ماكس فيبرـ د.زهير الخويلدي
"ينشد علم الاجتماع الفهم من خلال التأويل للنشاط الاجتماعي ومن خلال ذلك التفسير السببي لحدوثه وآثاره"1
يبدو أن المعرفة التي ينتجها تطبيق القوانين الاجتماعية ليست معرفة للواقع الاجتماعي في حد ذاته وإنما أحد الوسائل التقريبية التي يستعملها الفكر في هذا السياق. وبالتالي لا يمكن معرفة الظواهر الاجتماعية إلا عبر الارتكاز على حقيقة الحياة وإدراك العلاقات الدقيقة التي تتحكم في الظواهر ودلالتها البنيوية.
لكن هل الظواهر الاجتماعية هي ظواهر بسيطة أم ظواهر معقدة ؟ وما الذي يقع تأويله في الظاهرة الاجتماعية؟ هل النشاط الفردي أم النشاط الاجتماعي؟ أليس البناء الاجتماعي على صلة وثيقة بموضوع الهيمنة – المشروعية؟ هل يتم الالتجاء إلى التهديد بالقوة وممارسة العنف من أجل تنظيم الأنشطة الفردية والجماعية لصالح استقرار المجتمع ونمائه أم يتطلب ذلك إقامة نظام رمزي قانوني عن طريق الاعتراف والطاعة والموافقة؟ هل يرتكز النشاط الاجتماعي على رابطة خارجية وعلاقة تعاقدية تبادلية أم على رابطة داخلية والإحساس بالانتماء ضمن إطار العيش المشترك؟ ألا تتم ممارسة السلطة الاجتماعية من خلال سيطرة المعقولية على اللاّمعقولية المتبقية والانتقال من التوحش والفوضى إلى النظام والتمدن؟ ألا يتوطد النظام الاجتماعي بالاعتراف بالتراتبية وشرعنة القيادة وعقلنة العنف المادي في شكل عنف رمزي؟ في أية شروط يخضع الأفراد نشاطهم لترتيب المجتمع؟ لماذا تتجه الأنشطة الفردية الى الاندماج مع الأنشطة الاجتماعية؟ وعلي أي تبريرات داخلية ووسائل خارجية تستند هذه السيطرة الاجتماعية؟
موقف فلاسفة الإسلام من علم الكلام فهما وتقويما ـ اشريف مزور
1 ـ توطئة في مضمون ومنهج علم الكلام
يتشكل الفكر العربي الإسلام في عرف العديد من الدراسات العربية وغيرها من اتجاهات ثلاثة: فلسفة عقلانية خالصة كما يجسدها فلاسفة الإسلام الذين عملوا على التوفيق بين علوم الأنا وعلوم الآخر، علم الكلام أو علم المناظرة العقدي الذي ابتدأ بالحديث عن قضايا سياسية بتوسط الدين مستعملا المفاهيم الدينية (القدر، الإيمان، الكفر، الإرجاء...) حتى صار حراسة للعقيدة بالحجاج العقلي. ثم التصوف الذي يمثل "قمة سعي الإنسان لإكمال وجوده أمام ربه" "فالمتصوفة هم وحدهم الذين وقفوا الموقف البارمنيدي الثابت في وجه النهر الدنيوي الهيرقليطي السيال والجارف حتى للفقهاء"([1]).
وبعيدا عن الدراسات الاستشراقية التي مالت إلى رد ألوان الثقافة العربية الإسلامية بقضها وقضيضها إلى مصادر خارجية، أو في أحسن الأحوال إلى العناصر الآرية التي دخلت تحت مظلة الفتح الإسلامي تحت ذريعة أن العقلية السامية لا تصلح لبناء أنساق فكرية وعلمية وفنية، فإننا نقرر أن التيارات النظرية الناشئة في حضن الإسلام تطورت في حوارية شغالة داخل وخارج عقر الدار.
معالجة ايريك فروم للنزعة التدميرية عند البشر ـ د.زهير الخويلدي
" إن الفرق بين الكينونة والتملك ليس بالضرورة الفرق القائم بين الشرق والغرب. بل إن الفرق يتعلق بمجتمع متمركز حول الأفراد، ومجتمع متمركز حول الأشياء"1[1].
لم يجد علماء الانسان تفسيرا لتحول بعض الكائنات الآدمية في حالة الوداعة والطيبة والنزعة السلمية الى حالة التوحش والعدوانية والنزعة الحربية . ولقد حاول البعض منهم تبرير ذلك بالفاقة والحرمان والظروف الصعبة التي يمر بها بعض المنبوذين ولكن المفارقة تكمن في تعطش بعض الحالات البشرية الى التدمير وإيذاء الغير وممارسة الارهاب بالرغم من انحدارها من شرائح اجتماعية ثرية و مرفهة وتمتعها برغد العيش وبحبوحة الحياة. فما السر الذي يكمن وراء انفلات النزعة التدميرية في الطبيعة البشرية حسب ايريك فروم؟ وهل الإنسان عدواني بطبعه كما يرى فرويد؟ هل العدوانية غريزة فطر عليها الإنسان أم هي رد فعل ثقافي مكتسب؟ هل الكائن البشري يخضع لحتمية بسيكولوجية أم يمكن أن يستعيد حريته؟ هل يهرب من الحرية أم يخاف من أن يصير حرا؟ ما معنى إعطاء الحرية للبشر في ظل تنامي النزعة التدميرية وتكاثر النظم الشمولية؟ وكيف ننقذ البشر من نزعة التملك ونسمح لهم بتحقيق الكينونة؟
منطق أرسطو في أرض الإسلام بين القبول والرفض ـ اشريف مزور
قصدنا في هذا المقال أن نكشف عن الأصداء المتعددة والمتباينة التي خلفتها الطرق التدليلية الأرسطية عند مفكري الإسلام، فقد توزعت بين متبع لها كابن رشد الذي رفع من شأن البرهان حاذيا أرسطو حذو النعل بالنعل، وبين فلاسفة آخرين حافظوا على استقلاليتهم تجاهه، وكانوا أكثر أصالة واحتكاما إلى عقولهم، "فاعتمدوا طرقا تدليلية لا تنقطع عن خصوصياتهم ومرجعيتهم دون وصاية أرسطو"([1])(*).
يمكن القول، دون خشية السقوط في المبالغة، بأن الموضوع الأساسي للفلسفة هو العقل، ففي محاولتها تفسير العالم في شموليته تستعين بالمبادئ التي يتعين اكتشافها في العقل نفسه، ومن أبرزها مبادئ المنطق وقواعده، إذ "ليس في العلوم ما بلغ مبلغه في ضبط موضوعه ولا في تقنين منهجه"([2]).
وقد خضع علم المنطق في العالم الإسلامي لما خضعت له علوم الأوائل بشكل عام عندما ترجمت إلى العربية بمبادرة من بعض رجال السلطة السياسية بذريعة استحالة الجمع بين المأصول والمنقول، يقول السيوطي: "فمن أراد الجمع بين علم الأنبياء وعلم الفلاسفة بذكائه فلابد أن يخالف هؤلاء وهؤلاء، ومن كف ومشى خلف ما جاء به الرسل من إطلاق ما أطلقوا، ولم يتحذلق ولا عمق، فإنهم صلوات الله عليهم أطلقوا وما عمقوا، فقد سلك طريق السلف الصالح، وسلم له دينه ويقينه"([3]).