أصبحت الإشكالية اللسانية linguistique la problématique احد أهم الانشغالات المركزية، إن لم تكن الرئيسية، خاصة في الفلسفة غير الماركسية في القرن العشرين. فمجمل القضايا والمشاكل التي يدرجها النقد الماركسي عادة تحت مسمى " الفلسفة الدَّلالية philosophie sémantique " تؤسس لظاهرة شديدة التعقيد والتنوع للغاية، على خلاف ما تبدو عليه في الظاهر. ولغرض التثبت من ذلك، يكفي تتبع الاتجاهات الفلسفية السائدة كما نلمحها في كل من: النزعة الرمزية لمدرسة الفيلسوف الألماني إرنست كاسيرر والمرتبطة بتيار الكانتية الجديدة؛ والنزعة التجريبية المنطقية لحلقة فيينا المقترنة بتيار الوضعية المنطقية؛ والنزعة الذرية المنطقية للفيلسوف الانجليزي برتراند راسل ومدرسته التي تجمع بين المدرسة التجريبية الانجليزية وبين النزعة الأفلاطونية على حد سواء؛ أضف إلى تلك التيارات أيضا، كل من: الفلسفة اللسانية لمدرسة أكسفورد المعاصرة والمستندة على طروحات الفيلسوف النمساوي فيتجنشتاين؛ وكذلك تيار التحليل الدَّلالي لمدرسة لفوف-وارسو Lvov et de Varsovie البولونية التي تعود في أصولها إلى كل من الفيلسوف الألماني النمساوي فرانز برنتانو والى المذهب الوضعي...الخ من الاتجاهات الفلسفية الأخرى الشائعة، والتي طرحتُها على سبيل المثال لا الحصر، منتخبا منها ما هو فلسفي وما هو حامل لخاصية ولتوجه لساني بالمعنى الدقيق للكلمة، واضعا على حدة، الاتجاهات المتعددة المعبر عنها في علوم المنطق والجماليات والسوسيولوجيا...الخ.
الحداثة ورفضها ـ هادي معزوز
قد لا يسعنا اليوم إلا أن ندعو الجميع إلى إحياء نقاش قديم جديد والذي ليس إلا طلب الانخراط في مناقشة سؤال الحداثة وفهمه، الغريب في الأمر أن أغلبنا يحكم على أشياء عديدة جدا، دون أن يعرفها سلفا، ودون اطلاع منه ولو على جزء بسيط منها، صحيح أن لهاته الأحكام العمياء أسبابا كبيرة يمكن حصرها أساسا في التعصب للرأي، والجهل بالجهل، والخوف من التغيير بما أننا نقف على أرضية جد هشة... والحال أن الحداثة قد تنزلت مما ذكرناه آنفا منزلة الحجر من الزاوية، خاصة وأنها باتت لغزا بعدما كانت الوضوح في أرقى صوره، وتحولت إلى عدو بعدما بناها رجالاتها كصديق للإنسان ومخلص له، من التبعية العمياء والاستبداد الفكري والسياسي...
ليست الحداثة كما يعتقد السواد الأعظم من الناس، ترفا فكريا الغرض منه إفساد عقول العباد، كما ليست تحمل بين تضاعيفها منطق الرفض للدين والأخلاق السائدة، بقدر ما أنها بعيدة كل البعد على رفض التقاليد وتفتيت الهويات، وإلا فأين نصنف الحداثة في الصين واليابان وكوريا الجنوبية، ثم تركيا والبرازيل شيئا ما؟ حيث الاحتكام للقانون، واحترام الأقليات، وتكريس روح فصل السلط ودولة الحق والقانون لكن دون التخلي عن المكتسبات التي قدمها التاريخ والأصل والجذر.
بناء ثقافة الانجاز ـ د. محمد الصفاح
الإنجاز، سلوك عملي ،يقوم على فعل يمارسه الإنسان لتحقيق منفعة يصيب أثرها الذات الفردية المنجزة للفعل، أو الذات الجماعية المنجز لها. و يرتبط السلوك الإنجازي في الصورة الذهنية، بمنجز، يحظى بقيمة نفعية مخصوصة، و قد يكون فكريا، أو اجتماعيا، أو سياسيا أو اقتصاديا، فيقال، إنجاز فكري عظيم، إنجاز اقتصادي عملاق، إنجاز سياسي فريد. إنجاز علمي مدهش .و بقول أخر، الإنجاز، سلوك مخصوص، يحكمه التدبير العقلاني المبني على سجايا مخصوصة ،قائمة على قاعدة نظرية مخصوصة، عصبها الفكر الخلاق. و معنى ذلك، الفكر العلمي المنتج باعتباره قاعدة و أساس الإنجاز البناء. إذ كلما ازدهر الفكر و نشطت الفعالية المعرفية السائرة على هدي نور النظر العقلي و حصافة المنطق، إلا و تحقق فعل الإنجاز على الوجه المطلوب. و هو ما يفسر جدلية العلاقة القائمة بين فعل الإنجاز ببعديه النظري و العملي. و لعلها الحقيقة التي سار على هديها العقل المنجز الذي حقق سبقا و تفوقا على المستوى ألإنجازي. و على هذا الأساس يمكن القول إن الإنجاز ممارسة عقلية راقية تحكمها قيم و قناعات و خبرات و مهارات تمثل ذخيرة تسمى ثقافة الإنجاز. و الجدير بالذكر في هذا المقام أن بناء ثقافة الإنجاز ليس بالعمل الهين بل مشروعا ضخما يرتبط تحقيقه بثابتين جوهريين:
الإنسان المنتج عند كارل ماركس ـ د .زهير الخويلدي
" ان الكائن البشري ينطوي على استعدادات للتحول الذاتي تتنبه في حالات الأزمة عندما تأخذ الأشياء المتصلبة في التفكك في مواجهة المخاطر."1[1]
ينتمي كارل ماركس إلى فلسفة الرجة ويعتبر واحد من كاشفي الأقنعة وأقطاب الظنة وذلك لممارسته النقد الفلسفي للمجتمع وتطبيقه قراءة إيديولوجية علمية للوضع الاقتصادي للبشر تحت عنوان الجدلية المادية والجدلية التاريخية وذلك بالاستفادة من كشوفات علم الاقتصاد السياسي الكلاسيكي وتطورية شارلز داروين ووضعية أوغست كونت. في هذا السياق بدل إتباع المنهج الجدلي العقلاني عند هيجل الذي ينزل من السماء إلى الأرض ويسقط نسق الأحكام المطلقة على الواقع النسبي ولوحة المفاهيم المجردة على الظواهر الملموسة وبدل أن يدرس الناس من زاوية التخيلات والأشباح والأوهام والأقوال والآراء التي يكونوها عن أنفسهم وعن بعضهم البعض واعتبار ماهو معقول هو واقعي وماهو واقعي معقول يقوم ماركس بعملية قلب إيديولوجية ويبدأ من الأرض ويصعد إلى السماء وينطلق من الوقائع المادية ومن الناس بماهم لحم ودم ويوثق الصلة بلغة حياتهم الواقعية والفعالية الحقيقية ونشاطهم المادي ويدرس شروط نمو قواهم الإنتاجية وأوجه التبادل الاقتصادي المباشر ونمط العلاقات الاجتماعية التي توافق إنتاجهم ويعتمد على التجربة. لقد اقترب ماركس من الصواب حينما أعلن:" إننا ننطلق من الأفراد الواقعيين الأحياء أنفسهم ونعتبر الوعي ، فقط الوعي، يتعلق بهم"2[2].
الخوف من الحقيقة ـ هادي معزوز
لماذا نخاف من الحقائق أو بالأحرى من بعض الحقائق؟ بل ما هي الحقيقة؟ وهل هناك واحدة أم أن الحقيقة متعددة بتعدد مواضيعها؟ الحال أننا ملزمون أولا بفهم دلالة الحقيقة، ثم بعد ذلك سنحاول الإجابة على الأسئلة المذكورة أعلاه لكن ليس من جانبها الفلسفي الصارم الذي يجرد مفهوم الحقيقة، بقدر ما سنحاول قراءة الحقيقة والخوف من الحقيقة انطلاقا من واقعنا المعيش، معتمدين على الخصوصية التاريخية والثقافية أيضا.
أولا وقبل كل شيء يعرف الفلاسفة الحقيقة بكونها مطابقة الفكر للواقع ــ وإن كان تعريفا بيداغوجيا ربما يفرق أكثر مما يجمع بحسب تعدد المدارس ــ مادام كل ما هو عقلي واقعي والعكس بالعكس، أي أن الحقيقة هي مطابقة ما في الأذهان لما في الأعيان حسب التراث الإسلامي العربي، من ثمة فإن المستفاد منه مما سبق، يكمن في أن سؤال الحقيقة لا يتحمل وجهان متناقضان، كما لا يؤمن بالخطاب المزدوج، الحقيقة قول صريح لما في الأعماق، والحقيقة أيضا هو عندما يسكن العمق السطح، فيصبح العمق عميقا في سطحه، إنها حذف صريح للثنائيات الميتافيزيقية، كما أنها تعمل على تصديع كل تاريخ يؤمن بما هو رسمي متداول وبما هو سري ليس من حق الجميع الاطلاع عليه، ربما وبانطلاقنا من هاته التعاريف يمكن أن نقبل باستنتاج بسيط أو قُلْ بمنطلق أول، يدعونا إلى استشفافه بناءا على الواقع وبناءً على أسئلته أيضا، من هنا لا بد من الربط بين الإنسان كمنتج للحقيقة وبين الحقيقة كسلاح ينقلب على الإنسان في أية لحظة، بما أن الحقيقة ليست بريئة في كل حال من الأحوال.
روح التاريخ عند نيتشه ـ قواسمي مراد
مشكلة التاريخ:
لطالما ظل التاريخ يبحث عن روح تلهمه معناه الذي يكون جديرا به. هذا المنظور الذي حاول كل فيلسوف على حدة فهمه من منظوره الخاص، على أن هذه المنظورات المتعددة كان يربط بينها خيط متين يشدها، دون السماح لنفسه بالكشف عن ذاته.
لقد كان التاريخ، منذ أن بدأت الفلسفة[1] يحتل مكانة هامشية، دائما كان التاريخ غير مرغوب فيه، لأنه كان يحيل الإنسان إلى الذاكرة، والتذكر بدل إعمال العقل والتفكير في المجردات، لأنها المسعى الأول الذي يهدف إليه الفيلسوف[2]، والتاريخ لا يمكن أن يكون الطريق المؤدي إلى مخدع الحقيقة، ولهذا اعتبره أفلاطون من قبيل الرأي DOXA، إذ إنه يعرض لدراسة الأحداث المتغيرة، بينما كانت الميتافيزيقا اليونانية عما تعبر هو ثابت ودائم، على خلاف التاريخ الذي يتميز باللاثبات والتغير على هذا فإنه حتى ولو كانت هناك حقيقة تاريخية، فلن تكون حقيقة ثابتة، وإنما هي متحولة باستمرار، في صيرورة دائمة، وهذا هو الأساس الذي جعل الميتافيزيقا اليونانية تمقت التاريخ مقتا شديدا، فإلى جانب آراء أفلاطون، نجد أرسطو – على الرغم من تجاوزه لموقف أستاذه ونظريته له، فإنه يكاد يتفق معه حول إشكالية مكانة التاريخ ضمن العلوم المؤدية إلى الحقيقة- لا يصنفه ضمن هذه العلوم، مما جعل الروح التاريخية/معنى التاريخ Sens de l'histoire تعيش خمودا وركودا.
تستمر مأساة التاريخ مع رونيه ديكارت الذي يعتقد أن لا يقين إلا في العقل، وأن لا حقيقة إلا في الهندسة، إذ إن الحواس كثيرا ما توقعنا في شرك الخطأ، ولذلك كان الموقف الديكارتي أكثر صرامة تجاه المعنى الذي بإمكاننا أن نستلهمه من التاريخ في خدمة الحقيقة.
ماهو الفعل الإبداعي في الذوق الفني؟ ـ د.زهير الخويلدي
" الاحتكام إلى الذوق السائد يفتقر إلى الطبيعة الحقيقية للذوق"1[1]
منذ الوهلة الأولى يظهر البحث الايتيمولوجي الدلالي في مفردة الفن art في اللسان الفرنسي حالة معقدة وملتبسة ومتشعبة ويرجع ذلك الى التقنية Téchiné هي في الاغريقية والى الانتاج الصناعي والإجرائي والأداتي والحِرَفِي poïesis ، وكذلك الى ارتبط اللفظ للاتيني ars بالفعل الابداعي وبعد ذلك ميلاد الاستيطيقا في الحداثة الجمالية بالاشتغال على المصطلح الاغريقي aïsthêsis. في البداية لم يكن الفنان يوصف بالإبداع والخلق والإضافة بل المحاكي الوفي للحقيقة الموجودة بشكل مسبق والذي يعيد تنظيم المعطيات القائمة ولكن بع ارتبط بالحرفة والمهنة والإتقان في العمل الفني والجودة في المنتوج، ثم صار قائما بالأساس على العبقرية والإلهام والموهبة وإتيان العجيب الخلاب من الآثار وانتهى به الأمر إلى الاضافة والتشكيل والرحلة في المجهول والمغامرة في التخيل وتصوير ما عين رأت ولا خطر بقلب بشر.
بهذا المعنى يعرف الفن اصطلاحيا بأنه كل إنتاج للجمال يتم بواسطة أعمال ينجزها كائن واع وحددت الفلسفة الفن بأنه عملية إنتاج قيمة جمالية تتجسد في أثار هائلة وأعمال خالدة تحظى بإعجاب المشاهد.
الفكران الفلسفي والكلامي في الإسلام، ما مدى تحقيقهما للحوار؟ ـ اشريف مزور
أن نحصر دائرة الحوار في الفكرين الفلسفي والكلامي في الإسلام لا يعني البتة التقليل من شأن العلوم الإسلامية الأخرى في هذا الباب. من ميزة الاستبصار الوئيد التذكير بأن علم التصوف الذي عارض كل محاولة لتقريب السر الإلهي بالنظر (فلاسفة، معتزلة...)، نجح في تجذير خطابه في البيئة الإسلامية وتكثير مريديه وأتباعه بالرغم من غموض لغة المتصوفة وغرابة بعض أفكارهم ونهلهم من المصادر الغنوصية، وعواصة طريقهم الذوقي بحيث لا يقوى على تحمله وقطع جسوره إلا من سكنه عشق الوصول([1]). ولا بدع من ضرورة التمييز هنا بين التصوف من حيث هو فكر وعلم، والطرق الصوفية من حيث هي ظواهر اجتماعية مكتنزة بتمثلات للقداسة وما يتعلق بها من شعائر وطقوس.
ليس يخفى على ذي تحصيل من تشعب قضايا الخلاف بين المتكلمين والفلاسفة في الفكر الإسلامي الوسيط، لكن الجانب المنهجي المتمثل في إشكالية الاستدلال يحتل حيزا هاما في تلك اللجاجة التي مجتها الآذان قبل أن تملها القلوب. فإلى أي حد يصح القول بأن ما عابه الفلاسفة على المتكلمين سقطوا فيه عنوة ؟ ما فضائل الحوار ؟
ما الأنوار ؟ ـ هادي معزوز
للإجابة على هذا السؤال القديم الجديد، أو بالأحرى هذا السؤال المباشر الذي بقدر ما يخيف البعض، بقدر ما يزرع بذرة الحياة في البعض الآخر، لا بد أولا من الخوض في دواعي طرحه بدءا من كانط في ألمانيا إلى ميشيل فوكو بفرنسا، سؤال ما الأنوار؟ يطرح غالبا لسببين رئيسيين، أولهما الوقوف عند حالة القصور بمختلف أنواعه التي يمكن أن تصيب الفرد والجماعة على حد سواء، أي أنه سؤال يرتبط بالخصوصية وليس بالجانب الكوني، يرتبط فقط بالذين انخرطوا في الأنوار وليس مستهدفا نحو عقول الذين لم يستوعبوا الأنوار بعد، بالإضافة إلى الذين تجاوزوه، إنه دعوة لاستيعاب ما يحصل من تغيير إن على المستوى الفكري السياسي أو الاقتصادي... أما السبب الثاني الذي من خلاله نطرح هذا السؤال، فإنه يتجلى في العمل على إيقاظ الذين يعيشون حالة السبات القصوى، على تلقينهم أبجديات الحق والواجب، بيد أن الجامع المانع بين النوعين يكمن في أخراج الفلسفة من طابعها التجريدي الصارم، نحو خوضها في قضايا المجتمع، خاصة فلسفة الحق وفلسفة التاريخ وفلسفة الأخلاق ثم الفلسفة السياسية.
الفنان بين اتساع نطاق التسمية وتقلص رقعة المعنى ـ د.زهير الخويلدي
" الفنان الحر ... ينوء بعبء مهمة تجعل منه شخصية ملتبسة"[1]
لا يخفي على أحد تراجع الإبداع والجمال ، ولا يمكن انكار ندرة الإنتاج الثقافي الحامل للمعنى والمعبر عن القيم المطلقة والروائع الخالدة. ولقد أثار هذا الوضع الفني المتأزم أكثر من علامة استغراب حول أسباب تراجع الاهتمام بالذوق والابقاء على روعة الجمال طي الكتمان ، وقد تساءل الناقدين حول تأثير التقنية والتجارة ووسائل الاتصال الحديثة في تفجير أزمة الانحطاط وتمزيق الصورة الناصعة للفنان التي تشكلت مع الحداثة الجمالية وحول الظروف التي هيئت تجفيف منابع الابداع وأدت الى انتشار الرداءة في أروقة الفنون وأصابت النفوس بالجدب والتصحر والتعثر في الارتقاء بالوضع البشري إلى مستوى الكائن الثقافي والشخصية الخلاقة. لقد حاول بعض الفنانين في الحقبة المعاصرة التمرد على السائد والخروج من الأنماط الصارمة والقوالب الجاهزة وبذلوا جهودا لكي يتفادوا السير في المتاهات وانخرطوا في أفعال مواجهة القبح الطبيعي اليومي، وقاوموا ظاهرة اختفاء الجمال في الأعمال الفنية من جهة المبدع والمتلقي.
في هذا الإطار اهتمت الإستيطيقا المعاصرة بنفسية الفنان واعتبرته الفاعل الفني الأول وصاحب الدور الفعال والايجابي في تجربة الخلق الفني وأسندت له صفات الإلهام والعبقرية ونظرت اليه بإعجاب وثناء . أما علم الجمال النفسي فبحث في الآثار الفنية من جهة كونها وثائق نفسية تكشف عن طبيعة صانعيها أو عن طبيعة الجمهور الذي يتذوقها. من المعلوم التاريخي أن فكرة الإبداعية الحقيقية كانت غائبة تماما عن الفنان في العصر الإغريقي وكانت تنسب في الغالب إلى الآلهة ولكن الفنون الجميلة في عصر النهضة هيئت الأرضية لحدوث قطيعة ابستيمولوجية وثورة كوبرنيكية في مجال الفن بأن ظهرت النظرة الثاقبة عند الفنان وبرزت الحاجة إلى إحداث التحولات في تقنيات الابداع الجمالي والتكلم باسم الغير وأضحى الفنان محرضا على الأمل وطبيب حضارة وكائن الصيرورة ولاعب نرد ومبدع أشكال جديدة من الحياة. لكن بما يتميز الفنان من ملكات عن العامي؟ وماهي التجارب والحركات الفنية المطالب بالانخراط فيها لكي يكون فنانا حقيقيا؟ هل يجب أن يكون مبدعا أم ملتزما؟ وهل يجدر عليه اجادة الحكم أم امتلاك الذوق؟ومتى ظهرت كلمة فنان لأول مرة؟ وماذا كانت تعني؟ وماهي مختلف التحولات التي مرت بها ؟ هل الفنان هو مجرد حرفي أم مؤلف مبتكر؟ هل هو شخص موهوب وبارع أم هو عبقري يمتلك قدرات استثنائية؟ وماهو السر الكامن في تقلص رقعة معنى الجمال واتساع نطاق تسمية الفنان؟
الأديان الجديدة ـ هادي معزوز
هل نحتاج فعلا للدين كي نلبي حاجاتنا الروحية؟ وهل يعتبر الدين بصفة عامة مقنعا بخصوص لغز تفسير الكون؟ هل للحيوانات دينها على غرار البشر؟ أم أن العقل الذي يتميز به الإنسان هو أكثر تقبلا للدين، بما أنه يتأسس على أرضية الإدراك والوعي والتمييز؟ عندما نتأمل هاته الأسئلة التي بين أيدينا، نجد أنها تدعونا مباشرة إلى فهم الدين، إلى الوقوف عند غايته، وإلى العمل على فك بنيته التي يتأسس عليها، لسبب بسيط هو أن الإنسان لم يستطع أولا أن يتفق على دين واحد، كما أن هناك من الناس من لم يقتنع بأية ديانة ولا أي اعتقاد، في مقابل ذلك نجد أن الدين الواحد ما يفتأ يتأسس على تفاسير مختلفة يكاد الواحد منها يقتل الآخر، مما يسبب تطاحنات داخلية بين أناس يقتلون باسم الدين، وإن كان هذا الأخير قد ظهر ليس من أجل القتل وإنما من أجل نبذه لا غير.