انتبهت فجأة لساعتها المعلقة على الحائط، ألفتها معطلة من "التيك تاك"، وما درت لماذا توقف عقربها عند الرقم 6 تحديداً، إنه رقم تتطير منه منذ بلغت السادسة ربيعاً، وربما خريفاً. ضربت كفاً بكف، وحرقت الأرم، شبكت كفيها، كمن يخبئ بينهما ما لا يقال، وحين حررتهما، وضعت الأيمن على قلب لا زال يخفق من هول صدمة الرقم النحس، أما الكف الثاني فحيرتها، فما درت أين تلقيها.. تجاهلتها للحظات، حملقت في الساعة جسداً أما روحها فكانت متعلقة بشيء آخر، إنه التفكير بما يخبئ لها رقم 6...حولت نظرها من جديد نحو الحائط، ودخلت في حالة بين اليقظة والنوم، كانت النار تستعر في صدرها، لهيب الأسوأ الآتي غدا حتماً سيطالها، هكذا رقم 6 معها دائماً، إنه نذير شؤم.. كانت لا تزال تحملق في الساعة حين لفتها أمر غريب، وتلك صدمة أخرى:
- ما هذا ؟
آخر قصص مدينة كلخستان ـ قصة : إحسان شرعي
في مدينة لا يذكرها أحد، ولا تلتقطها الأقمار الاصطناعية، ولا تكتشف بخرائط غوغل، جماعة بشرية ... قل مليونا، أو ثلاثين.
تعيش بين الصحو والحلم، يهيم أناسها في أرجاء المدينة دون ان يعرفوا ماذا يريدون، أو ماذا هم فاعلون، لكن لم يصيروا على هذا الحال إلا بعدما استشار حاكمهم أحد علماء الشعوذة و الطلاميس وأعرب له عن خوفه من أن يؤثر تزايد عددهم في ملاحظة الجوع المتفشي خصوصا بعد انشغاله في عقد صفقات مع شركات أجنبية لبيع محاصيل القمح والفواكه واللحوم. فأشار عليه عالم السحر بفكرة عجيبة وهي أن يستورد لهم من جزر الحشاشين حشيشا جماعيا يستمع إليه ولا يدخن. أعجب الحاكم بالفكرة، ثم جمع أعوانه وخدامه وأمرهم أن يضعوا الحشيش المستورد في مضخات تكبس المسحوق المخدر، ثم تدفعه عبر قباب عالية وفوهات كالأبواق. ما إن طلعت الشمس حتى اندفعت الكميات المخدرة على شكل أصوات ودبدبات، ومع تدفقها هناك من سمعها أنشودة، وهناك من سمعها خطبة، وهناك من إرتهب وإرتعد وجثم على وجهه يقبل التراب. أطل الحاكم من برجه فرأى الناس تتخبط ببعضها البعض جاحظة عيونها دون أن تبصر. هناك من جعله المسحوق نشيطا مشوش الافكار أكثر من عادته، بينما صار البعض عدائيا ودخل الباقي في حالة هلوسة شديدة. عندما يقترب الليل يصعد الحاكم الى المنبر يتزحزح في مقعده ويتنحنح قليلا ثم يخطب فيهم:
في سجن الصمت ـ قصة : أسامة سليم
" بعض القصص التي انتهت في حياتنا.. نرغب بإعادتها فقط لتغيير مشهد النهاية."
بحث عن الولاعة كانت السيجارة بين أصابعه تنتظر .. بحث على الطاولة على المكتبة بين الكتب في ثنايا السرير و تحته أين إختفت منذ دقائق فقط كانت الولاعة بين يديه ؟ أين وضعها ؟ لا يذكر فتح خزانة الملابس لا أثر لها أيضا ..هو لم يخرج من غرفته بعد ..استلقى على فراشه هاهي الملعونة تحت الوسادة .. أشعل سيجارته حاول أن يتذكر شيئا ما ..فكرة راودته البارحة لكن النعاس أجلها للصباح ..أية فكرة راودته البارحة ؟؟ غالبا ما تراوده أفكار تشبه الشياطين في الليل و عادة ما يطردها و ينام ..لكن فكرة البارحة مجرمة و مغرية ظلت تراوده حتى في الحلم الذي عجز عن تذكره أيضا ... يريد أن يلتقطها .. فتش في ثنايا رأسه و في زوايا عقله لكن لاشيء يذكر سوى الصداع و الفراغ .. بحث في خزائن الذاكرة فتحها خزانة خزانة لم يكن هناك سوى السراب و بعض ذكريات قديمة غطاها الغبار و صور باهتة من الماضي .. فتح أبواب الغرف في رأسه حيث الرطوبة و خيوط العناكب حتى غرفته بالمبيت رائحتها لاتطاق وقف امام المرأة و ناجي خياله و تذكر :
إني اخترتك يا وطني ـ قصة : عاتق نحلي
لما لعلعت الرصاصة معلنة بدء السباق ؛أطلق العنان لساقيه الهزيلتين ؛كي تسبحا في المضمار، وتهادى الماضي دفعة واحدة .لقد ضبط نفسه جيدا من أجل هذه اللحظة الحاسمة التي عصفت بجبال المشقة التي كان يحملها فوق كتفيه قبل ولوج الملعب .لكم حلم بهذه اللحظة ،ولكم لاقى من الأهوال لأجلها .فلم تكن الدنيا رحيمة به،ولم تهادنه ساعة من زمن؛ مذ تفتح وعيه في قرية نائمة في ظل جبال الأطلس الصغير حيث للجغرافيا أثر كبير في بلورة أحلام الناس ومصائرهم ،وبمناسبة الحديث عن الأحلام سأكذب إذا قلت إن حلم ( ربيع ) هو تحقيق مثل أعلى؛ كأن يرفع راية بلده عاليا في أفق هذا المحفل الرياضي العالمي.وسأكون صريحا معكم إلى درجة القسوة إذا قلت إن هذا المثل الذي جأر به مرارا أمام الكاميرات لم يكن إلا حصان طروادة الذي يخفي داخله بيتا يأويه من غائلة الصقيع ،وثيابا تدفئه حين يشتد البرد القارس ،ولقمة عيش تضمن بقاءه حيا .ورغم ذلك، فقد كان في أعماق أعماقه ،وهو يجري؛ لكي يقطع هذه العشرة آلاف متر التي ترامت أمامه كالأبد ؛غليان روحي يشده إلى ذكرى والديه ،وفخر سامق كأشجارالأرز بانتمائه إلى قريته الأطلسية تلك ،إلى ناسها النابتين في تربتها الطيبة، المروية بعرق جبينهم.
توت ـ قصة : عبد الرحيم شراك
فركت عيني عدة مرات لكي أتأكد من الأمر! لقد تسربت قصصي على شبكة الأنترنت قبل موعد صدورها بأسبوع ! كما تناقلتها مواقع التباعد الاجتماعي بكثافة !...غريب ؟ منذ متى و هناك مهتمون بقصصي ؟ فكرت مليا في هذا الموضوع و قررت الخروج من المنزل و الذهاب للمطبعة لأبحث عن سبب التسريبات. لم أبتعد عن منزلي كثيرا حتى أوقفني شاب في مقتبل العمر سائلا: هل أنت الكاتب توفيق أبو النجاح ؟ فأجبته باستغراب: أجل ، فأمطرني بعد ذلك بوابل من عبارات الإعجاب و المدح ، لم أصدق نفسي في تلك اللحظة. فرغم أنني أصدرت عدة كتب إلا أنني أعلم أن القليل فقط من يقرأها. و لأول مرة يحدث هذا الأمر العجيب معي.
ليلة المستحيل ـ قصة : عبد الصادق السراوي
سكن الليل وهدأت الأصوات وتاهت الأرواح في غياهب الأحلام. الساعة تدق ما بعد المنتصف والصمت يضرب أطنابه على الربوع، خلا نباح بعض الكلاب وثغاء نعاج جيراننا الذي يأتي من قريب بين الفينة والأخرى. الغرفة يخيم عليها عنكبوت العتمة، ساكنة إلا من شخير أخي الأصغر الممدد فوق فراشه بجواري غارقا في أحلامه، نام كل الناس ونام الشجر والحجر. أما أنا فما رق إلي نوم تلك الليلة، بتّ أتقلب فوق فراشي كنائم على جمر الغضى. تدلت علي عناقيد الذكرى وأفكار تعيسة استباحت حرمتي، وكآبة ثقيلة أرخت سدولها على صدري، وضعت يدي خلف رأسي ورفعت بصري إلى السماء لا أبصر غير ظلام دامس ناشب أظفاره.
تأمّلات في الزمن: رُبَّمَا... ـ نص : د. عبد اللطيف الركيك
علمها عند الله...نعم...الناس في أيامنا هاته، وفي القرون الخوالي عاشوا إلى أن ماتوا وهم دائما يتوقعون حدوث أكبر حدث مزلزل منذ أن كان الخلق الأول. ظل هذا الانشغال يسكن أفكار الناس باعتباره غيبا من الغيوب التي استعصت على الأذهان. يتعلق الأمر بحدث قيام الساعة كتيمة مركزية شغلت التفكير الإنساني منذ الأزل، فقد اعتقد الناس منذ الأزمنة السحيقة أن هناك نهاية للوجود والكون مثلما هنالك بداية.
تعاقبت الشعوب على عمارة الأرض، أبيدت بعضها واستمرت أخرى على مر ملايين السنين، وكل منها تضع علامات وأمارات لهذا الحدث الذي لا مثيل له، وهي لا تزال في طور التوقع الأزلي إلى يومنا هذا لحدث لا بد منه ولا إبان له. وربما نعيش نحن ونموت، ويأتي بعدنا أناس آخرون بعد آلاف السنين وربما ملايين السنين مما نعد. لربما يأتي يوم، بعد انصرام كل هذا الزمن الممتد ويكون الانتظار هو المسيطر على الآفاق، ونكون نحن الذي عشنا في الألفية الثالثة بعد الميلاد تماما مثل إنسان العصور الحجرية، فيأتي من ينقب عن آثارنا بالمعاول، وينبش قبورنا، ويُخضعنا للدراسة والبحث مثلما نفعل نحن اليوم بالنسبة لبقايا إنسان العصور القديمة، فيختلف الباحثون حول أحوالنا وحضارتنا وثقافتنا وقدر مساهمتنا في البناء الحضاري الإنساني. وذلك يوم نستحيل إلى مجرد عظام متناثرة مدفونة تحت الأرض توضع في مختبرات الدرس.
على باب المطار - قصة: أحمد العكيدي
على باب المطار يصطدمان، يتراجعان إلى الوراء و يتبادلان نظرات تائهة وأسئلة حارقة تبحث لها عن جواب بدون جدوى. يسترجعان أولى البدايات، كيف كان عقله معلقا بأروبا، يحكي لها عن تحضر أبنائها وعن أمجادها، يحدثها بحماس عن تاريخها، يصف لها بدقة أحداث الثورة الفرنسية وعِبرها المستقاة، يسرد على مسامعها بافتخار أقوال روسو وفولتير وماركس وكانط وغيرهم.
كان غربي الهوى والروح، عربي الشكل والملامح، كانت هي تنظر إليه كالغريب، لم تفهم يوما إصراره الشديد على الرحيل مع أنه يمتلك وسائل النجاح في بلده، إنه في سنته الدراسية الأخيرة ويُشهد له بالتفوق ويمكن له إن أراد أن يشتغل أو يتابع دراسته.. سألته يوما عن سر هذا الشغف العارم بهذا العالم البعيد، كان جوابه مقتضبا:" أريد أن أصير إنسانا".